أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-18
787
التاريخ: 2024-07-23
385
التاريخ: 2024-02-07
989
التاريخ: 2024-05-18
567
|
أن اليقين جامع جميع الفضائل و لا ينفك عن شيء منها ، ثم له مراتب : (أولها) علم اليقين ، و هو اعتقاد ثابت جازم مطابق للواقع , و هو يحصل من الاستدلال باللوازم و الملزومات ، و مثاله اليقين بوجود النار من مشاهدة الدخان.
(وثانيها) عين اليقين ، و هو مشاهدة المطلوب و رؤيته بعين البصيرة و الباطن ، و هو أقوى في الوضوح و الجلاء من المشاهدة بالبصر، و إلى هذه المرتبة أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله! «لم أعبد ربا لم أره» بعد سؤال ذعلب اليماني عنه (عليه السلام) ! أرأيت ربك؟.
و بقوله (عليه السلام): «رأى قلبي ربي».
وهو إنما يحصل من الرياضة و التصفية و حصول التجرد التام للنفس ، و مثاله اليقين بوجود النار عند رؤيتها عيانا ، و (ثالثها) حق اليقين ، و هو أن تحصل وحدة معنوية و ربط حقيقي بين العاقل و المعقول ، بحيث يرى العاقل ذاته رشحة من المعقول و مرتبطا به غير منفك عنه و يشاهد دائما ببصيرته الباطنية فيضان الأنوار و الآثار منه اليه ، و مثاله اليقين بوجود النار بالدخول فيها من غير احتراق.
وهذا إنما يكون لكمل العارفين باللّه المستغرقين في لجة حبه و أنسه ، المشاهدين ذواتهم بل سائر الموجودات من رشحات فيضه الأقدس ، و هم الصديقون الذين قصروا أبصارهم الباطنة على ملاحظة جماله و مشاهدة أنوار جلاله.
و حصول هذه المرتبة يتوقف على مجاهدات شاقة و رياضيات قوية ، و ترك رسوم العادات و قطع أصول الشهوات ، و قلع الخواطر النفسانية و قمع الهواجس الشيطانية ، و الطهارة عن أدناس جيفة الطبيعة ، و التنزه عن زخارف الدنيا الدنية ، و بدون ذلك لا يحصل هذا النوع من اليقين و المشاهدة :
و كيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها و ما طهرتها بالمدامع
ثم فوق ذلك مرتبة يثبتها بعض أهل السلوك و يعبرون عنه (بحقيقة حق اليقين و الفناء في اللّه و هو أن يرى العارف ذاته مضمحلا في أنوار اللّه محترقا من سبحات وجهه ، بحيث لا يرى استقلالا و لا تحصيلا أصلا ، و مثاله اليقين بوجود النار بدخوله فيها و احتراقه منها.
ثم لا ريب في أن اليقين الحقيقي النوراني المبرئ عن ظلمات الأوهام و الشكوك و لو كان من المرتبة الأولى لا يحصل من مجرد الفكر و الاستدلال ، بل يتوقف حصوله على الرياضة و المجاهدة و تصقيل النفس و تصفيتها عن كدورات ذمائم الأخلاق و صدأها ، ليحصل لها التجرد التام فتحاذي شطر العقل الفعال ، فتتضح فيها جلية الحق حق الاتضاح.
و السر أن النفس بمنزلة المرآة تنعكس إليها صور الموجودات من العقل الفعال و لا ريب في أن انعكاس الصور من ذوات الصور إلى المرآة يتوقف على تمامية شكلها و صقالة جوهرها و حصول المقابلة و ارتفاع الحائل بينهما و الظفر بالجهة التي فيها الصور المطلوبة ، فيجب في انعكاس حقائق الأشياء من العقل إلى النفس :-
ولولا هذه الأسباب المانعة للنفوس عن إفاضة الحقائق اليقينية إليها ، لكانت عالمة بجميع الأشياء المرتسمة في العقول الفعالة ، إذ كل نفس لكونها أمرا ربانيا و جوهرا ملكوتيا فهي بحسب الفطرة صالحة لمعرفة الحقائق ، و لذا امتازت عن سائر المخلوقات من السماوات و الأرض و الجبال ، و صارت قابلة لحمل أمانة اللّه التي هي المعرفة و التوحيد ، فحرمان النفس عن معرفة أعيان الموجودات إنما هو لأحد هذه الموانع ، و قد أشار سيد الرسل (صلى اللّه عليه و آله و سلم) الى مانع التعصب و التقليد بقوله (صلى اللّه عليه و آله و سلم) «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه و يمجسانه و ينصرانه» ، و إلى مانع كدورات المعاصي و صدأها بقوله ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) -: «لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات و الأرض».
فلو ارتفعت عن النفس حجب السيئات و التعصب و حاذت شطر الحق الأول تجلت لها صورة عالم الملك و الشهادة بأسره ، إذ هو متناه يمكن لها الإحاطة به ، و صورة عالمي الملكوت و الجبروت بقدر ما يتمكن منه بحسب مرتبته ، لأنهما الإسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار المختصة بإدراك البصائر، و هي غير متناهية ، و ما يلوح منها للنفس متناه ، و إن كانت فى نفسها و بالإضافة إلى علم اللّه سبحانه و غير متناهية ، و مجموع تلك العوالم يسمى ب (العالم الربوبي) ، إذ كل ما في الوجود من البداية إلى النهاية منسوب إلى اللّه سبحانه ، و ليس في الوجود سوى اللّه سبحانه و أفعاله و آثاره ، فالعالم الربوبي و الحضرة الربوبية هو العالم المحيط بكل الموجودات ، فعدم تناهية ظاهر بين ، فلا يمكن للنفس أن تحيط بكله ، بل يظهر لها منه بقدر قوتها و استعدادها.
ثم بقدر ما يحصل للنفس من التصفية و التزكية و ما يتجلى لها من الحقائق و الأسرار، و من معرفة عظمة اللّه و معرفة صفات جلاله و نعوت جماله تحصل لها السعادة و البهجة و اللذة و النعمة في نعيم الجنة ، و تكون سعة مملكته فيها بحسب سعة معرفته باللّه و بعظمته و بصفاته و أفعاله ، و كل منها لا نهاية له.
و لذا لا تستقر النفس في مقام من المعرفة , و البهجة و الكمال و التفوق و الغلبة تكون غاية طلبتها ، و لا تكون طالبة لما فوقها.
وما اعتقده جماعة من أن ما يحصل للنفس من المعارف الإلهية و الفضائل الخلقية هي الجنة بعينها فهو عندنا باطل ، بل هي موجبة لاستحقاق الجنة التي هي دار السرور و البهجة.
و منها : الشرك و هو أن يرى في الوجود مؤثرا غير اللّه سبحانه ، فإن عبد هذا الغير- سواء كان صنما أو كوكبا أو إنسانا أو شيطانا - كان شرك عبادة ، و إن لم يعبده و لكن لاعتقاد كونه منشأ أثر أطاعه فيما لا يرضي اللّه فهو شرك طاعة و الأول يسمى بالشرك الجلي ، و الثاني يسمى بالشرك الخفي ، و إليه الإشارة بقوله تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف : 106] , و كون الشرك أعظم الكبائر الموبقة و موجبا لخلود النار مما لا ريب فيه ، و قد انعقد عليه إجماع الأمة ، و الآيات و الأخبار الواردة به خارجة عن حد الإحصاء.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|