المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

غرور اليهود واستهزائهم بالعذاب
2024-09-01
pluricentric (adj.)
2023-10-28
ميعاد رفع دعوى الشفعة
16-10-2017
الملاحظة المنهجية Systematic Observation
28-3-2022
أبو علي الفارسي
29-03-2015
Gheorghe Vranceanu
18-9-2017


الموشحات  
  
8493   12:01 مساءاً   التاريخ: 4-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص156-154
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8/10/2022 1487
التاريخ: 6/12/2022 1315
التاريخ: 8/11/2022 1733
التاريخ: 2024-02-24 648

  الموشحات جمع موشحة، و هي مشتقة من الوشاح و هو-كما في المعاجم-خيطان من لؤلؤ و جوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر. و التسمية دقيقة إذ الموشحة تتألف من قفل يسمى مركزا، و تتعدد أجزاؤه أو شطوره، و يليه غصن متعدد الأجزاء أو الشطور، و بينما تتحد أجزاء الأقفال التالية مع الأجزاء المقابلة لها في القفل الأول سواء في الوزن أو القافية تختلف أجزاء الأغصان التالية مع أجزاء الغصن الأول في قافيته، فلكل غصن قافية تتحد في أجزائه أو شطوره مع اتفاق أجزاء الأغصان جميعا في الوزن. و الموشحة-بذلك-تتألف من مجموعتين من الأجزاء أو الشطور، مجموعة تتحد أجزاؤها المتقابلة في الأقفال المتعاقبة في الوزن و القافية، و مجموعة تتحد أجزاؤها في الوزن وحده دون القافية فإنها تتخالف فيها دائما، و هما-بهذه الصورة-يشبهان الوشاح المذكور آنفا أدق الشبه.

و اشتهرت الأندلس بأنها هي التي ابتكرت فن الموشحة، و يظنّ أنه كان لاتساع موجة الغناء و الموسيقى منذ زرياب في عهد عبد الرحمن الأوسط  أثر كبير في نشوء الموشحة بقصد الغناء بها مع العازفين، و كأنها تتألف من فقرتين:

فقرة للمنشد و فقرة ترد بها الجوقة. و كان بدء ظهورها في عهد الأمير عبد اللّه بن محمد (٢٧54-٣٠٠ ه‍) يقول ابن سعيد: «ذكر الحجاري في كتاب المسهب في غرائب المغرب أن المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافى القبري من شعراء الأمير عبد اللّه بن محمد المرواني و أخذ عنه ذلك أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد و لم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر و كسدت موشحاتهما (1) و يسمى ابن بسام في ترجمته لعبادة بن ماء السماء مخترعها خطأ باسم محمد بن حمود القبري الضرير، و يقول: «كان يضعها على أشطار الأشعار، غير أن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة» (2)و ظن بعض الباحثين -و خاصة من المستشرقين الإسبان-أن ذلك يدل على أن الموشحة لم تكن تنظم في نشأتها بالفصحى على أعاريض الشعر العربي و أوزانه إنما كانت تنظم على أعاريض المقاطع مثل الشعر الأوربي (3)، و هو خطأ في الفهم إذ إن كلمة «الأعاريض المهملة غير المستعملة عند ابن بسام لا تفيد ذلك، إنما تفيد ما ردده العروضيون المشارقة و المغاربة من أن الدوائر الخمس التي ضبط بها الخليل بن أحمد المتوفى سنة ١٧5 للهجرة أعاريض الشعر العربي تفسح لأوزان مهملة لا تنحصر لم يستخدمها العرب في أشعارها، و استخدمها في عصره-كما يقول صاحب الأغاني-تلميذه عبد اللّه بن هرون بن السّميدع البصري، و أخذ ذلك عنه و حاكاه فيه رزين العروضي و أتى فيه ببدائع جمة، و جعل أكثر شعره من هذا الجنس (4)و قد أنشد ياقوت قصيدة له في مديح الحسن بن سهل، و أشار إلى أنها خارجة على أوزان الشعر العربي و أنها إنما تجري على وزن من أوزان الخليل المهملة، و هو-في رأينا-عكس وزن المنسرح. و يعد أبو العتاهية أهم شاعر عباسي ثان نظم أشعارا له مختلفة على تلك الأوزان المهملة على نحو ما يصور ذلك كتابنا «العصر العباسي الأول» . (5)

و معنى ذلك كله أن كلمة الأعاريض المهملة غير المستعملة التي أشار ابن بسام إلى أن أشطار أكثر الموشحات نظمت عليها لا يقصد بها أنها أعاريض أعجمية، إنما يقصد بها أنها من أعاريض دوائر الخليل المهملة التي لم يستعملها العرب، و قد يقال إنك اقتطعت كلمة ابن بسام من بقية لها تدل على ما نقول، إذ يذكر ابن بسام عن منشئها-في رأيه- محمد بن حمود القبري الضرير أنه كان: «يأخذ اللفظ العامي و العجمي و يسميه المركز و يضع عليه الموشحة» و هو يقصد قفلها الأخير الذي يأتي في الخاتمة. و ربما كان ذلك ما دعا «ريبيرا» إلى القول بأن الموشحة طراز شعرى يمتزج فيه الشرق بالغرب. و يتسع المستشرق الإسباني المعاصر غرسية غوميس بالفكرة و يقول مستدلا بكلمة ابن بسام إن الخرجات (الخواتيم) الرومانثية في الموشحات الأولى كانت أجزاء مقتبسة من أغان شعبية إسبانية أعجب بها الوشاح الأول، و اتخذها قاعدة بني على شاكلتها موشحته مرصّعا لها بذلك الجزء كما يرصع الخاتم بفصّ من الجواهر الكريمة. و ليس في يد غرسية دليل على أن الخرجة عند الوشاح الأول كانت تقتطع من أغنية رومانثية، فهو مجرد ظن، و أقرب منه و أصحّ منطقيا أن يكون قد حدث أحيانا عند الوشاح الأول و من حاكوه اقتباس صيغة عامية أو أعجمية في نهاية الموشحة على سبيل التظرف، كما حدث ذلك مرارا عند بعض الشعراء العباسيين (6). و حتى بعد أن ازدهر هذا الفن في القرن الخامس و ما بعده لم يستطع باحث بين المستشرقين الإسبان أن يرد خرجة رومانثية إلى أغنية رومانثية كانت متداولة في الأندلس أو تغنّى، فالقول بذلك إنما هو-في رأينا-مجرد ظنّ لا دليل عليه.

أما لماذا استمر الوشاحون يجنحون أحيانا في بعض موشحاتهم إلى اختتامها بصيغة رومانثية أو أعجمية فقد ذكر ابن سناء الملك السبب الأهم فيه إذ قال: «الخرجة عبارة عن القفل الأخير من الموشح، و الشرط فيها أن تكون حجاجية (نسبة إلى ابن حجاج شاعر بغداد المفرط في المجون) من قبل السخف، قزمانية (نسبة إلى ابن قزمان الزجال) من قبل اللّحن حارة محرقة من ألفاظ العامة. . و يجعل الخروج إليها و ثبا و استطرادا و قولا مستعارا على بعض الألسنة و أكثر ما تجعل على ألسنة الصبيان و النسوان و السكرى و السكران، و لا بد في البيت قبل الخرجة من قال أو قلت أو قالت أو غنى أو غنت»  (7).

و واضح أن ما تحمله الخرجة أحيانا-أو ما يريد لها الوشاح أن تحمل-من مجون زائد عن الحد و أنها قد تقال على لسان المرأة كان السبب في استخدام الوشاح الأندلسي أحيانا للخرجات الرومانثية فرارا من التصريح بألفاظ مفحشة نابية. و من يرجع إلى ما ذكره الدكتور عبد العزيز الأهواني من خرجات الموشحات في كتابه-الزجل الأندلسي-يلاحظ أن كثيرا من الخرجات العجمية التي ذكرها تشكو فيها الفتاة لأمها تباريح حبها لمن سلبها روحها و فؤادها متذللة لعاشقها تذللا شديدا، و قد يصاغ ذلك في خرجات عامية و لكن في تلميح غالبا دون أن يخدش حياء الفتاة، أما ما كان يظن الوشاح أنه يخدش حياءها فكان يصوغه في عبارة لاتينية دارجة أو رومانثية و هذا-في رأينا-هو الباعث على وجود الخرجات الأعجمية في بعض الموشحات لا أنها نشأت على أساس بعض الأغاني الرومانثية الأعجمية. و مما يؤكد-بل يقطع-بأن الموشحات عربية خالصة أن من يقرنها إلى المسمطات العباسية التي ظهرت منذ القرن الثاني الهجري على لسان أبي نواس و أضرابه يلاحظ توا أن المسمطات قصائد تتألف من أدوار تقابل الأغصان في الموشحة و كل دور-مثل الغصن-يتألف من أربعة شطور أو أكثر تتفق في قافية واحدة ما عدا الشطر الأخير فإنه يستقل بقافية مغايرة، و هو يتحد فيها مع الشطور الأخيرة في كل دور من أدوار المسمط، و يسمى-من أجل ذلك-عمود المسمط فهو القطب الذى يدور عليه. و هو يقابل بوضوح المركز أو القفل في الموشحة، و كل ما بينهما من فروق أن الشطر في نهاية أدوار المسمط واحد بينما هو في مراكز الموشحة متعدد، و سنرى عما قليل أنه كان في الموشحات الأولى شطرا واحدا. و قد أحس الأندلسيون من قديم بالمشاكلة الشديدة بين الموشحة و المسمط كما يتبين من الاسم الذى اختاروه لها اشتقاقا من الوشاح كما أسلفنا إذ وجدوا العباسيين يشتقون لفظ المسمط من السمط، و هو القلادة تنتظم فيها عدة سلوك تلتقى جميعا عند جوهرة كبيرة، على شاكلة التقاء كل دور في المسمط مع الأدوار الأخرى في قافية الشطر الأخير. لذلك-رأوا- أي الأندلسيين-بدورهم أن يشتقوا الموشحة من وشاح المرأة الذى يمتد فيه خيط مرصع باللؤلؤ و خيط مرصع بجواهر متنوعة يخالف بينهما و يعطف أحدهما على صاحبه. و هي تسمية بارعة للموشحة و ما تحمل من لآلئ الأقفال و جواهر الأغصان.

و من أكبر الأدلة على أن الموشحة بدأت محاكاة للمسمط أن القبري وشاحها الأول كان-كما يقول ابن بسام-يجعل اللفظ العامي أو العجمي مركزا أو كما سمّى فيما بعد قفلا و يضع عليه أشطارا، و المركز بذلك كان عند الوشاح الأول شطرا واحدا بالضبط كما كان في المسمط. و يقول ابن بسام إنه كان يبنى على هذا المركز أو الشطر أشطار الأشعار، و كان أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة، و هي الأعاريض التي أشار إليها الخليل بن أحمد في دوائره العروضية الخمس و ما أخضعها له من فكرة التباديل و التوافيق الرياضية )8) بحيث يمكن أن يستخرج منها ما لا يحصى من أوزان مهملة لم يستخدمها العرب، و كأن الوشاح الأول في الأندلس كان يقوم من تلك الأوزان أو الأعاريض مقام ابن السميدع و رزين العروضي و أبي العتاهية في بغداد، ممن عنوا-كما أسلفنا-بالنظم على الأعاريض المهملة. و مضت الموشحة على هذه الصورة عند الوشاح الأول الذى ابتكرها و من خلفوه عليها، حتى ظهر يوسف بن هرون الرمادي الكندي المتوفى سنة 4٠٣ فأحدث فيها تطورا مهما يقول ابن بسام في نفس النص السابق: «فكان أول من أكثر في الموشحة من التضمين في المراكز» يريد أنه أول من أحدث في الموشحة تعدد الأجزاء أو الشطور في المراكز، و لم تحتفظ كتب الأدب له بموشحة تصور لنا بدقة صنيعه.

ثم يقول ابن بسام إنه نشأ بعده عبادة بن ماء السماء الخزرجي، الأنصاري المتوفى سنة 4١٩ فأضاف إلى الموشحة تطورا جديدا هو تضمينه مواقع الوقف في الأغصان أو بعبارة أخرى دقة التجزئة في أشكال الأغصان، و بذلك تمت للموشحة صورتها التي حملتها العصور التالية، و صور ذلك ابن بسام قائلا: «كانت صنعة التوشيح التي نهج أهل الأندلس طريقها و وضعوا حقيقتها غير مرقومة البرود، و لا منظومة العقود، فأقام عبادة بن ماء السماء منآدها، و قوّم ميلها و سنادها فكأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه و لا أخذت إلا عنه» . و إذا كانت الكتب الأدبية لم تحتفظ للرمادي بإحدى موشحاته فإن فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي احتفظ لعبادة بن ماء السماء بموشحتين تتقابل فيهما أجزاء المراكز أو الأقفال، و بالمثل تتقابل الأجزاء في كل غصن تقابلا دقيقا على نحو ما نرى صنيعه في هذا الغصن متغزلا )9)

                 ليليّة الذوائب     و وجهها نهار )10)

                 مصقولة الترائب   ورشفها عُقار(11)

                 أصداغها عقارب   و الخد جلّنار (12)

 و تتوالى الأغصان على هذه الصورة مجزأة إلى ستة شطور، تتحد الثلاثة الأولى منها في القافية، و بالمثل الثانية. و أصبح ذلك تقليدا ثابتا في الموشحات بعده. و الوزن في هذا الغصن و الأغصان بعده مستفعلن فعولن، و كأنه تجزئة من وزن الرجز، و موشحته الأخرى التي أنشدها ابن شاكر من وزن الرمل أقفالها و غصونها، و مطلعها:

من ولى في أمة أمرا   و لم يعدل يعزل

إلا لحاظ الرّشا الأكحل

و ظلت الموشحات بعد ابن ماء السماء تنظم إما على أعاريض الشعر العربي المستعملة و إما على أعاريضه المهملة، و موشحتاه تتألف من ستة أقفال و خمسة أغصان، و يغلب في الموشحات بعده أن تتخذ هذه الصورة و قد تطول أكثر أو تنقص فيزيد فيها عدد الأقفال و الأغصان إلى ثمان أو تنقص إلى أربع، و قد يبدأ الموشح بغصن و يسمى-حينئذ- أقرع، و قد يتألف القفل من جزأين أو ثلاثة و قد يطول إلى ثمانية أجزاء و بالمثل الغصن.

و يسمى القفل الأخير باسم الخرجة و قد تكون ألفاظه أعجمية أو عامية كما مر بنا، و يكثر أن تكون عربية بلغة سهلة مألوفة تقرب قربا شديدا من اللغة الدارجة.

و يقبل على نظم الموشحة غير شاعر من شعراء أمراء الطوائف، نذكر منهم القزّاز محمد بن عبادة و سنخصه بكلمة مستقلة، و منهم ابن أرفع رأسه شاعر المأمون بن ذي النون أمير طليطلة، و وزيره أبو عيسى بن لبّون، و ابن اللبانة محمد بن عيسى، و كان هو و القزاز فرسى رهان في العصر، ، و أغلب موشحاته مدائح في المعتمد بن عباد أمير إشبيلية و أبنائه، و هو يستهلها دائما بغزل رقيق من مثل قوله في موشحة مدح (13)بها المعتمد:

يفترّ عن لؤلؤ في نسق    من الأقاح بنسيمه العبق

هل من سبيل لرشف القبل
هيهات من نيل ذاك الأمل

كم دونه من سيوف المقل
سلّت بلحظ وقاح خجل

و القفل يتكون من أربعة أجزاء أولها على زنة: مستفعلن فعلن مستعلن. و الثاني على زنة: متفعلات و الثالث على زنة: متفاعلن. و الرابع على زنة فعلن. و اجتماع هذه التفاعيل تخرج القفل عن أعاريض العرب المستعملة و تجعله من أعاريضهم المهملة، أما الغصن فيطرد على زنة: مستفعلن فاعلن مستفعلن، و هو وزن عربي مستعمل بكثرة و نقصد وزن البسيط، و استخدمه ابن اللبانة في موشحاته مرارا لعذوبته.

و تتسع موجة الوشاحين في عصر المرابطين، و من أهمهم في عهدهم، بل من أهم الوشاحين الأندلسيين عامة الأعمى التطيلي المتوفى حول سنة 5٢5 و يحيى بن بقىّ المتوفى سنة 54٠ و سنخصه بكلمة و لم يكن الأعمى التطيلى يقل عنه براعة، غير أن له ديوانا كبيرا ، و يكفي لبيان مهارته في صنع الموشحات ما يروى من أن جماعة من الوشّاحين اجتمعوا لإنشاد موشحات لهم في مجلس بإشبيلية بينهم يحيى بن بقى و الأعمى التطيلى، و قدموا الأعمى للإنشاد، فلما افتتح موشحته بقوله:

ضاحك عن جمان     سافر عن بدر 
ضاق عنه الزمان      و حواه صدري 
مزّق ابن بقى موشحته و تبعه الباقون(14)لما فاجأهم به التطيلى في موشحته من عذوبة في اللفظ و روعة في التصوير، و القفل السالف مكون من أربعة أجزاء، و الجزآن: الأول و الثالث المتقابلان على زنة: فاعلاتن فعول، و الجزآن الثاني و الرابع المتقابلان على زنة:

فاعلاتن فعلن، و تمضى جميع الأقفال بهذه الزنة بينما تمضى الأغصان على زنة: فاعلن فاعلن أو بعبارة أخرى على وزن المتدارك على شاكلة قوله في الغصن الأول:

آه مما أجد     شفّنى ما أجد 
قام بي و قعد     باطن متّئد 
و كأن التطيلى تعمّد أن يكون القفل من أعاريض العرب المهملة، إذ مزج فيه بين تفاعيل من أوزان أو بحور مختلفة، بينما نظم الغصن من وزن المتدارك، و قد ينظم الوشاح موشحته جميعها أقفالا و أغصانا من وزن عربي مستعمل واحد كالرجز أو البسيط أو السريع أو المجتث، و كل ذلك نجد له أمثلة في موشحات التطيلى الملحقة بديوانه كقوله في موشحة نظمها من الوزن الأخير:

حثّ الكئوس رويّه   على رواء البساتين     من قهوة بابليّه 
أرقّ من دمع محزون
خلعت عزّى و دينى      في أهيف القدّ لدنه 
يسطو بسيف المنون       ما جفنه غير جفنه 
يا قسوة الحبّ لينى       و لو برمّان غصنه 

و أجزاء الأقفال و الأغصان تطرد هكذا على وزن المجتث: مستفعلن فاعلاتن.

و عاصر التطيلى من الوشاحين النابهين أبو بكر بن باجة الفيلسوف المار ذكره في الفصل الماضي و هو أحد من طوروا الموسيقى الأندلسية، و كانت له تلاحين مشهورة، و يحكى أنه صنع موشحا في مديح ابن تيفلويت المرابطي الوالي على شرقي الأندلس و سرقسطة ليوسف بن تاشفين، و لحنه و ألقاه على قينة، فلما غنت ابن تيفلويت به صاح:

و اطرباه، و حلف بأيمان مغلظة أن لا يمشي ابن باجة في طريقه إلى داره إلا على الذهب، و تلطف ابن باجة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله و مشى عليه. و من الشعراء الوشاحين البارعين في عصر المرابطين الأبيض أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري و أبو بكر بن رحيم و يحيى بن الصيرفي المؤرخ و أبو الحسن بن نزار و له موشح بناه من مخلع البسيط مستخرجا دائما الجزء الثاني من أغصانه و أقفاله من آخر كلمة في الجزء الأول على هذا النمط) 15):

يا ربّة المنظر الجميل   ميلى
رأيت في وجهك السعيد   عيدى
و تظل الموشحات مزدهرة في عصر الموحدين (54٠-6٣4 ه‍) بل تبلغ غاية ازدهارها على لسان ابن هرودس كاتب عثمان بن عبد المؤمن والي غرناطة كما يتضح في موشح له بديع(16)مستخرجا الجزء الثاني من أقفاله-على شاكلة ابن نزار-بعد نهاية الجزء الأول كقوله في مطلعه:

يا ليلة الوصل و السّعود     باللّه  عودى 
و الجزء الأول من القفل-مثل سابقه عند ابن نزار-على زنة مخلع البسيط، و زنة الجزء الثاني مستفعلان، و الأغصان جميعها من مخلع البسيط: مستفعلن فاعلن فعولن، و من كبار الوشاحين على بن المرينى و في المغرب له موشحة)17)بارعة. و سابق الحلبة- كما يقول ابن سعيد-أبو بكر بن زهر، و سنخصه بكلمة، و من المشهور أنه لما سمع قول عبد الرحيم بن الفرس في إحدى موشحاته:

و رداء الأصيل     تطويه كفّ الظلام

 قال لمن حوله: أين كنا نحن عن هذا الرداء (18)؟ و هي صورة رائعة، و دخل عليه أبو الحسن سهل بن مالك، و لم يكن يعرفه، حتى إذا أنشده موشحة من مجزوء البسيط يقول فيها:

كحل الدّجى يجرى    من مقلة الفجر    على الصّباح 
و معصم النّهر     في حلل خضر     من البطاح
طرب لهذا القفل منها طربا شديدا )19)لعذوبة ألفاظه و حسن صوره. و من كبار الوشاحين حينئذ على بن حزمون الهجّاء، و له موشحة (20)بديعة يرثي بها أبا الحملات قائد الأعنة ببلنسية، و قد استشهد في الدفاع عنها في إحدى معاركه المحتدمة مع النصارى و سننشد منها قطعة في الحديث عن شعراء الرثاء. و كان يعاصر ابن حزمون على بن الفضل الإشبيلي المتوفى سنة 6٢٧، و له في إحدى موشحاته (21):

و أفردت بالرّغم لا بالرّضا    و بتّ على جمرات الغضا 
أعانق بالفكر تلك الطّلول    و ألثم بالوهم تلك الرسوم 
و أغصان الموشحة و أقفالها من بحر المتقارب، و زنته: فعولن أربع مرات. و تفضى الأندلس بعد الموحدين إلى التفكك و سقوط مدنها الكبرى في حجر النصارى، و قلما يظهر وشاح مبدع إلا من نشأوا في عصرهم من تلاميذ من سميناهم فيه من مثل إبراهيم بن سهل الإسرائيلي، و أشهر موشحاته (22):

هل درى ظبى الحمى أن قد حمى      قلب صبّ حلّه عن مكنس 
فهو في حرّ و خفق مثلما      لعبت ريح الصّبا بالقبس 
و قد صاغه أقفالا و أغصانا من بحر الرمل و زنته: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن. و يقبل المتصوفة على صنع الموشحات و يهاجر كثيرون بها إلى المشرق مثل ابن عربي و الششتري. و نلتقي في غرناطة بابن زمرك و لسان الدين بن الخطيب، و له موشحة مشهورة عارض بها موشحة ابن سهل المارة مفتتحا لها بقوله)23):

جادك الغيث إذا الغيث همى       يا زمان الوصل بالأندلس 
لم يكن وصلك إلا حلما        في الكرى أو خلسة المختلس 

و كأنها كانت مسك الختام لفن الموشحات بالأندلس. و حرى بنا أن نفى بما وعدنا من كلمات مجملة عن ثلاثة من كبار الوشاحين بالأندلس، هم ابن عبادة القزاز و ابن بقى و ابن زهر.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) راجع كتاب المقتطف من أزاهر الطرف لابن سعيد بتحقيق د. سيد حنفي حسنين (نشر الهيأة المصرية العامة للكتاب) ص ٢55.

٢) الذخيرة ١/46٩.

٣) انظر بالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي ص ١4٢ و ما بعدها و راجع فصل الأدب للدكتور مكي في كتاب أثر العرب في النهضة الأوربية ص 5٠ و ما بعدها.

4) أغاني (طبع دار الكتب)6 /١6٠.

5) العصر العباسي الأول (طبع دار المعارف) ص ١٩5.

6) انظر في ذلك فصلا فتحه الجاحظ في البيان و التبيين (طبعة هرون)١/١4 ١-١44 لمن كان يتملّح بإدخال ألفاظ فارسية في شعره من الأعراب فضلا عمن كانت أصولهم فارسية، و راجع كتابنا العصر العباسي الأول ص ١4٢ و ما بعدها.

7) انظر دار الطراز لابن سناء الملك بتحقيق الدكتور جودة الركابي (طبع دمشق) ص ٣٠.

8 ( راجع في ذلك ترجمة الخليل في كتابنا المدارس النحوية (طبع دار المعارف) ص ٣١.

9 ( راجع الموشحة في الفوات ١/4٢٨.

10 (الذوائب-الضفائر.

11( العقار-الخمر.

12) جلنار: زهر الرمان.

13) انظر الموشحة في دار الطراز ص 54 و في المغرب ٢/4١4.

14) المغرب ٢/456 و المقتطف ص ٢56.

١5) المغرب ٢/١4٧.

16)  المغرب ٢/٢١5.

17) المغرب ٢/٢١٨.

١8) المقتطف ص ٢6٠.

19) المقتطف ص ٢5٨ و ما بعدها.

20) المغرب ٢/٢١٧.

21) المغرب ٢/٢٨٩ و الغضا: من أشجار نجد. يستوقد بخشبه.

22) ديوان ابن سهل الإشبيلى (طبع بيروت) ص ٢٨٣ و مكنس الظبى: مأواه في الشجر ليستتر به. القبس: شعلة النار.

23) أزهار الرياض (طبع لجنة التأليف و الترجمة و النشر)٢/٢١٣ و همى: سقط مدرارا.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.