المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



علم الفلك  
  
2136   04:38 مساءاً   التاريخ: 14-4-2016
المؤلف : لبيب بيضون
الكتاب أو المصدر : الاعجاز العلمي عند الامام علي (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ص17-30.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2014 1827
التاريخ: 12-4-2016 2330
التاريخ: 21-7-2016 1446
التاريخ: 21-04-2015 1745

‏بدأ علم الفلك في القرآن الكريم ، بدعوة العقل البشري إلى التفكر في هذه النجوم والمجرات ، والكواكب والأجرام ، انطلاقا من فكرتين :

‏الأولى : أن هذه المخلوقات تدل على وجود الله وقدرته وعظمته ، فتدعو الإنسان من خلالها إلى الإيمان بمبدع الكون الأعظم .

‏والثانية : أن هذه الأجرام قد خلقها الله وسخرها لخدمة الإنسان ، فيجب عليه معرفتها ودراستها ليستطيع الاستفادة منها .

قال الله تعالى : {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات : 20 - 22].

وقال سبحانه : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } [فصلت : 53].

وقال : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} [إبراهيم : 32].

‏ثم جاء الإمام علي عليه السلام شارحا لهذين المبدأين العظيمين في خطبه وكلماته ، مفصلا مبينا ، و كأنه يطلع على السماوات من عل ، وينظر إلى أعماق الأرض من سفل . ولا عجب وهو القاتل : ‏" أيها الناس ، سلوني قبل ان تفقدوني ، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض " . وهو القائل :

‏ "لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا " . فهو يرى ما لا نرى ، و ينظر الى الملأ الأعلى . وهذا حال من تصفو نفسه وينقى فكره ، فيرى في مرآة نفسه الحقائق ، بعين البصيرة والدقائق .

‏تركيب الكون :

‏واليك بعض المعلومات الأساسية حول تركيب الكون :

‏تنتشر النجوم في فضاء الكون بشكل جزر كبيرة تدعى (المجرات) تضم كل مجرة الملايين من النجوم المتوزعة بشكل أفراد ومجموعات ، تدور كلها حول محور وهمي مشترك هو محور المجزة .

‏وبعد التحريات المكثفة استطاع العلماء أن يتنبؤوا عن وجود عدد من المجرات من رتبة 2×10 9 مجرة . وكل مجرة منها تضم عددا من النجوم من رتبة 10 11 نجما وتفصل بين هذه المجرات أبعاد شاسعة ، فالبعد الوسطي بين مجرة ومجرة من رتبة ألف سنة ضوئية (1) ، وهذا البعد الوسطي يساوي تقريبا عشر أمثال قطر المجرة .

‏وتنتمي مجموعتنا الشمسية إلى مجرة " درب التبان " . وأقرب مجرة من مجرتنا هي  "مجرة السحابة الماجلانية الصغرى " ‏وتبعد عنا ١٤٥ ‏ألف ‏سنة ضوئية.

‏وتأخذ مجرتنا شكل قرص بيضوي رقيق نسبيا (انظر الشكل ا) قطره الأكبر يعادل ٠٠٠ ١٠٠ ‏سنة ضوئية ، وقطره الأصغر يعادل ٠٠٠ ٣٠ ‏سنة

                                            

‏ولهذا القرص سمك يبلغ في المركز 1500 ‏سنة ضوئية ، ثم يتناقص كلما اتجهنا نحو أطراف المجرة ، حيث تقع شمسنا وكواكبها . وتقع مجموعتنا الشمسية على بعد 300000 ‏سنة ضوئية من مركز المجرة ، وتدور حول محور المجرة دورة واحدة كل ٢٢٥ ‏مليون منة ، بسرعة ٢٦٠ ‏كم / ثا .

‏ولا تتوزع النجوم بانتظام داخل المجرة ، بل تزدحم في بعض أرجائها على شكل سحاب يضيء ضوءآ خافتا يعرف باسم " درب التبان " . وتحوي مجرتنا على نجوم مضيئة ، وعلى مجموعات مثل مجموعتنا الشمسية ، يتوقع العلماء أن يصل عددها إلى ١٥٠٠ ‏مليون شمس ، ولأغلبية هذه الشموس كواكب تدور حولها ، وقد يكون لبعض هذه الكواكب ظروف مشابهة لظروف أرضنا ، مما يجعل احتمال وجود حياة بشرية أو غير بشرية فيها ممكنا .

‏ورغم أن نجوم المجرة لا تسير بنفس السرعة الزاوية ، إلا أنه رغم عددها الهائل لا يصطدم منها نجم باخر. ولهذا الإعجاز الذى يفوق حد التصور أقسم الله سبحانه بالنجوم وبمواقعها في السماء بقوله : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة : 75 ، 76] .

وتبعد النجوم التي يراها الناظر من الكرة الارضية عنا ابعادا متفاوتة جدا . فأقرب نجم من المجموعة الشمسية هو (آلفا سنتاوري) ويبعد عن الشمس حوالى 4 ، 3 ‏سنة ضوئية. بينما ابعد جرم عند اطراف الكون امكن رصده بأضخم تلسكوب يبعد 2×10 9 سنه ضوئية ، وبعض هذه النجوم قد اندثر من مكانه ، ولكن نوره ما يزال يرد نحو الارض.

‏وان الناظر من الارض باتجاه درب التبان يرى كثافة كبيرة من النجوم هي نجوم مجرتنا ، بينما اذا نظرنا في الاتجاه المقابل من السماء فإننا ننظر الى خارج المجرة ، ونرى بذلك عددا قليلا من النجوم ، اغلبها من نجوم المجرات الاخرى .

‏وفي تصوري آن كل المجرات والنجوم التي تكلمنا عنها ، هي ضمن السماء الاولى التي قال عنها سبحانه : {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك : 5].

‏نظرية الامام علي عليه السلام في منشأ الكون :

‏يضع لنا الامام علي عليه السلام في نهجه نظريه متكاملة عن نشوء الكون والعالم ، ما زال العلماء يتخبطون في فرضياتهم عنه ، دون آن يصلوا الى نتجه. وفى نظري آن هذه النظرية كانت اعظم خطوة جريئة خطاها الامام على عليه السلام ليخبرنا عن عالم مضى وانقضى منذ ملايين السنين ، حين لم تكن آرض ولا سماء وانما فراغ وذرات. فمن الذي انبأه بهذا ، ومن أين استمد هذا العلم ، من غير نبع العلم الإلهي ! : {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان : 6].

‏يفترض الإمام علي عليه السلام أنه أول نشوء الكون ، خلق الله سائلا (عبر عنه بالماء) هو ما يسميه علماء اليوم " بالهيولى الذرية " وهي تتألف من الجسيمات العنصرية (كالبروتون والنترون والإلكترون) ، التي صنعت ‏العناصر فيما بعد ؛ كالهدرجين والهليوم والليثيوم والكوبون ... الخ. وهذه الجسيمات إن وجدت مجتمعة بهذا الشكل في الهيولي تكون ثقيلة جدا ، وأثقل من المواد الموجودة على الأرض بآلاف المرات. لذلك كان لا بد لحملها في الفضاء ومنعها من الانتشار والتبعثر من ريح قوية جدا ، سماها الإمام عليه السلام بالريح العاصفة ، تحيط بالهيولي من كل جانب كالوعاء ، فتجمعها إلى بعضها . ثم تأتي ريح من نوع آخر سماها الإمام عليه السلام بالريح العقيم ، فتلعب بالهيولي من جانب واحد هو سطحها السائب ، فتمخضها كما نمخض اللبن في السقاء ، وتصنع منها أول غاز ملأ الكون وهو غاز الهدرجين ، الذي عبر عنه القرآن بالدخان ، في قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [فصلت : 11].

‏وبتحريك هذا الهدرجين في دوامات متمركزه ، نشأت فيما بعد الأجرام والكواكب ، التي شكلت المجموعات والمجرات ، التي هي الآن موجوده في السماء ، سواء لم نرها في النهار ، أو رأينا طرفا منها في الليل ، تسبح الله وتسير على هدى الله ، سابحه في أفلاكها و مساراتها ، وملزمه بحركاتها ومداراتها . فسبحان من برأها على غير مثال مضى ، وأنشأها على غير نظير يحتذى.

‏يقول باب مدينه العلم عليه السلام : في الخطبة الأولى من نهج البلاغة :

"ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وشق الأرجاء ، وسكائك الهواء. فأجرى فيها ماء متلاطما تياره ، متراكما زخاره. حمله على متن الرمح القاصفة ، والزغزع العاصفة ، فأمرها برده ، وسلطها على شده ، وقرنها إلى حده ، الهواء من تحتها فتيق ( ‏أي منبسط) ، والماء من فوقها دفيق " .

‏ثم ممول مثلا : : " ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها ، وأدام مربها ، وأعصف مجراها ، و ابعد منشاها . فأمرها بتصفيق الماء الزخار ، واثاره موج ‏البحار . فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله إلى آخره ، وساجيه إلى مائره . حتى عب عبابه ، ورمى بالزبد ركامه . فرفعه في هواء منفتق ، وجو منفهق (أي مفتوح واسع ) ، فسوى منه سبع سموات ؛ جعل سفلاهن موجا مكفوفا ، وعلياهن سقفا محفوظا ، وسمكا مرفوعا ، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار ينظمها " .

خلق السماء والمجرات :

‏ومحدثنا الإمام عليه السلام عن كيفية تشكل المجرات في الخطبة(89‏) من النهج في معرض حديثه عن خلق السماء ، فيقول :

‏" ونظم بلا تعليق قواميه فرجها ، ولاحم صدوع انفراجها ، ووشج بنها وبين أزواجها (أي أمثالها وقرائنها) ... وناداها بعد إذ هي دخان ، فالتحمت عرى أشراجها ( أجمع شرج وهي المجرة ) ، وفتق بعد الارتتاق صوامت ابوابها " .

‏يشير الإمام عليه السلام في هذا الكلام إلى أول نشوء المجرات ، فقد كان يسود الكون دخان هو غاز الهدرجين ، ثم حركه سبحانه في دوائر ، فتجمعت دقائقه في مجموعات كالعرى ، شغل من الفراغ مناطق معينه ، وهذه العرى هي نواة المجرات التي تكونت بعد ذلك.

‏وكانت السماء أول ما خلقت غر منتظمة الأجزاء ، بل بعضها أعلى وبعضها أخفض ، فنظمها سبحانه (ونظم بلا تعليق رهوات فرجها) ، فجعلها على بساط واحد ، من غير حاجه إلى تعليق ، وألصق ما بينها من شقوق وفروج (ولا حم صدوع انفراجها) ، فجعلها جسما متصلا وسطحا أملس ، بل جعل كل جزء منها ملتصقا بمثله (ووشج بينها وبين أزواجها) .

‏ثم يقول عليه السلام : (وناداها بعد اذ  هي دخان ، فالتحمت عرى أشراجها) وفى هذا تشبيه لمجموعات المجرة المتمحورة حول محور واحد بالحلقات ‏المرتبطة ببعضها بوشاج الجاذبية. وجعل بين المجموعات والمجرات ابوابا ، بعد آن كانت مسدوده بدون منفذ ، وهو ما عبر عنه الامام عليه السلام بالفتق بعد الارتتاق في قوله : (وفتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها).

‏ثم يقول عليه السلام : " و أقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها (اي طرقها) ، وأمسكها من أن تمور في خرق الهواء بأيده ، و أمرها ان تقف مستسلمة لأمره ".

‏فآما قوله عليه السلام : (واقام رصدا من الشهب) فإشارة الى آن الشهب ترصد كل من يحاول النفوذ من نقاب السماء ، اي من طرقها. فالفجوات الموجودة بين الكواكب اذا حاولت أيه مركبه فضائية آن تمر منها ، طاردتها الشظايا المتطايرة من نجوم المجرة فأحرقتها ، كآن هناك رصدا يمنعون من يريد الخروج الى السموات الاخرى ، بإحراقه بالشهب. وقد حصلت هذه الظاهرة كثيرا للمركبات الفضائية اول صنعها ، فقد جابهها الشهب والنيازك الملتهبة التي تجوب الفراغات بين النجوم ، وحرقت العديد منها ، الى آن آخذت الاحتياطات ضد ذلك. وصدق سبحانه حيث قال :

{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن : 33] .

‏فهو سبحانه لم يستبعد الخروج من اقطار السموات ، انما شرطه بشرط القدرة والسلطان.

‏وآما قوله عليه السلام : ( ‏وأمسكها من أن تمور في خرق الهواء بأيده ) اي أمسك الكواكب من آن تضطرب في الهواء بقوته ، او اقرها أن تقف مستسلمة لأمره ) أي ألزمها مراكزها ومداراتها لا تفارقها ولا تحيد عنها.

‏كما يحدثنا الامام عليه السلام في الخطبة ( ٢٠٩ ‏) عن خلق السموات والارض ، فيقول : ‏او كان من اقتدار جبروته ، ببديع لطائف صنعته ، أن جعل من ماء البحر ( يقصد الهيولي الذرية ) الزاخر المتراكم المتقاصف ، يبسا جامدا . ثم فطر منه أطباقا ، ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها . فاستمسكت بأمره ، وقامت على حده . وأرسى أرضا يحملها الأخضر المثعنجر (أي البحر الكثير الماء) ، والقمقام (البحر الواسع) المسخر . قد ذل لأمره ، وأذعن لهيبته ، ووقف الجاري منه لخشيته ... ".

‏دعاء الصباح للإمام علي عليه السلام :

‏ولم أر دعاء للإمام علي عليه السلام  أعمق في أسرار الكون من "دعاء الصباح" فهو صباح للمتعلمين والباحثين ، ليروا عظمة الله وقدرته ، ومظاهر من إعجازه وابداعه .

‏يقول الامام عليه السلام  في مطلع الدعاء :

‏اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه ( دلع : أي اخرج ).

وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه

‏وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه ‏(من الابراج)

‏وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه ...

‏صل اللهم على الدليل اليك في الليل الأليل ...

طلوع الفجر :

‏قال عليه السلام : (يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه) .

‏شبه الامام عليه السلام الصباح بالإنسان الذي يريد ان يتكلم ، فهو يخرج لأنه ثم ينطق بالكلام . فخروج لسان الصباح هو طلوع الفجر ، وتحريك لسانه بالنطق هو اصداره للضوء والنور شيئا فشيئا .

‏وفي تشبيه نور الصباح باللسان تشبيه بديع ، لأن نور الصباح يكون ‏مختبئا وراء الأفق ، ثم يخرج ويمتد شيئا فشيئا ، كما يخرج اللسان بعد ان يكون مختبئا في الفم ويمتد ، إلا أن اللسان يعطي الكلام ، والصباح يعطي النور.

‏يشير الإمام عليه السلام في هذه الجملة إلى معجزة كبرى من معجزات الله تعالى في فلق النور واخراج الصباح ، وهي معجزة الفجر الذي يطلع علينا كل يوم؛ يشق أفق الظلام ، معلنا ولادة يوم جديد في إعجاز جديد. فلولا قدرة الله تعالى لظل الليل دائما على البشر ، لكنه بتقديره ورحمته يفلق لنا الصباح حاملا معه النور العميم ، الذي يمهد لنا الطريق إلى العمل والسعي والمعاش ، بعد ليل مريح تتخلله النسمات المنعشة العليلة .

‏يمتد الصباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وهي فترة لا تعد من الليل ولا تعد من النهار. إنها فترة يتداخل فيها الليل مع النهار ، ويكور فيها النهار على الليل. يقول تعالى :

{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر : 5] .

‏وهذه الظاهرة خاصة بالأرض ، وناتجة عن وجود الغلاف الجوي حول الأرض ، المليء بالغازات والمعلقات وبخار الماء . ولولا هذا الغلاف لكانت بداية الصبح في لحظة واحدة بمجرد شروق الشمس ، كما يحصل في القمر. أما مع وجود الغلاف الجوي فإن أشعة الشمس قبيل شروق الشمس تنشر على الذرات الموجودة في الجو ، وتنتشر معطية إضاءة بسيطة في الجو ، تبدأ من الفجر وحتى بزوغ الشمس.

‏وينقسم الفجر إلى فجرين : الفجر الكاذب والفجر الصادق. والذي يراقب ظهور الفجر من أوله ، يرى أن الفجر يمر بمرحلتين : في الأولى يظهر في السماء ضوء بسيط عمودي على الأفق في المكان الذي ستشرق منه الشمس ، وهذا الضوء كلما أمعن فيه الناظر زاد اسودادا ، وهذا هو الفجر الكاذب . ثم يظهر في السماء نور معترض على امتداد الأفق ، وكلما

‏حدق فيه الناظر زاد نورا ووضوحا ، وهو الفجر الصادق ، المعول عليه في الواجبات الشرعية كالصلاة والصيام .

قطع الليل :

‏ثم قال عليه السلام : (وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه)(2).

‏وقد فسر السيد بحر العلوم هذا المعنى في كتابه (أضواء على دعاء الصباح) ص ٧٥ ‏ ، قال : اي جعل الله انات الليل تتلاحق وتتردد متتابعة ، ليأتي الفجر ، وهكذا ليستطيع البشر وغيره أن يعيش ويرتاح.

‏أما أنا فأذهب في تفسيره وجهة مختلفة ، فأقول :

‏إذا اعتبرنا مواقع الليل على الأرض قطعا ، كأن نجزئ نصف الكرة الأرضية المظلم إلى ١٨٠ ‏قطاعا ، يقابل كل قطاع المسافة بين خطي طول ، فإن كل قطعة من هذه القطع لها سواد مختلف عن غيرها ، وكلما مضت ساعة تكون القطع قد انتقلت على الكرة الأرضية متتابعة ، حتى يطلع الفجر. فانه هو الذي يسرح هذه القطع ويجعلها تسير متعاقبة وراء بعضها بظلماته المترددة في سوادها ، فكان بعضها يدفع بعضا ، بتأثير الفجر الذي يسوقها ، كما يسوق الراعي خرافه بعصاه.

‏ولو اقتصر سحر هذا الكلام على البلاغة والبيان لكفى ، ولكنه في نظري يحمل في طياته معنى علميا أهم وأرقى. فالإمام عليه السلام يجعل من الليل الذي هو ظلام ، شيئا له مقوماته ، لا بل جسما يمكن تقطيعه ‏وتسريحه! فكيف يكون ذلك؟ ان الظلام في مفهومنا العلمي الحالي هو حالة انعدام الطاقة ، ولكنه في نظر الامام علي عليه السلام. شيء لا بد من إخلائه من الفضاء لنضع مكانه شيئا آخر ، كالنور والضوء والطاقة . فكآن الظلام في نظره طاقة ولكن من نور آخر. وسوف يأتي يوم يكشفه فيه العلم هذا المعنى.

‏وسوف نعالج هذا الموضوع بعد قليل عند حديثنا عن وزن النور ووزن الظلمة ، من كلام الامام رين العابدين عليه السلام .

الفلك الدوار :

‏ثم قال عليه السلام : (واتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه) مشيرا الى آنه ليس في السماء جرم ثابت ، انما كل شيء يتحرك ويدور في فلكه الذي سيره الله فيه.

‏كما يشير إلى ظاهرة توزع الكواكب في (أبراج) ، وفق مقادير محسوبة ، كما في الحال بالنسبة للأبراج الاثني عشر التي تحيط بالمجموعة الشمسية من بعد ، وهو ما سنشرحه فيما يلي :

الأبراج :

‏أقسم الله تعالى بالبروج في قوله : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج : 1]. وهو سبحانه لا يقسم إلا بكل عظيم وجسيم . وذكرها مع الشمس والقمر كإحدى المعجزات الكونية الكبرى فقال : {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا } [الفرقان : 61].

‏والأبراج هي عبارة عن عدة تجمعات من الكواكب ، يتألف كل برج منها من عدة كواكب موزعة توزيعا خاصا ، بحيث تبدو من الأرض بشكل معين ، وهو الذي أعطى للبرج اسمه؛ مثل الجدي والدلو والحوت والحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد ... الخ.

‏وقد قدر الله هذه الأبراج تقديرا عجيبا . فهي تقع جميعا في مستو واحد هو " الصفيحة الاستوائية " ، وهو عين المستوي الذي تدور فيه الأرض أثناء حركتها حول الشمس . وبما أن توزع هذه المجموعات الكوكبية في الصفيحة على اثني عشر برجا تحيط بالشمس ، أمكن بها تحديد موضع الأرض أثناء دورانها حول الشمس . فالأرض في كل شهر تكون أقرب ما تكون من برج من هذه الأبراج . ففي ٢١ ‏أذار مثلا تكون الأرض أقرب ما تكون من برج الحمل ، فنقول إن الأرض في برج الحمل . ولرؤية هذا البرج نرصده في منتصف الليل ونحن على خط الاستواء ، فنجده تماما فوق رأسنا في ذلك اليوم . وبعد شهر ، أي في ٢١ ‏نيسان نجد ان هذا البرج قد انتقل وحل محله البرج التالي وهو الثور ... وهكذا . ومن هنا جاءت فكرة تقسيم السنة الشمسية إلى اثني عشر شهرا .

‏وقد ذكر الإمام علي عليه السلام فكرة الأبراج في مواضع أخرى من النهج ، منها قوله في الخطبة ( ٨٨ ‏) :

‏" الذي لم يزل قائما دائما ، اذ لا سماء ذات أبراج ، ولا حجب ذات ارتاج ، ولا ليل داج ، ولا بحر ساج ، و لا جبل ذو فباج ، و لا فج ذو اعوجاج ".

طاقة  الشمس :

‏ثم قال عليه السلام : (وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه) مشيرا إلى أكبر معجزة تطالعنا في الفضاء ، وأكبر نعمة تغمرنا في الخفاء ، وهي الشمس . إنها مصدر كل طاقة تصل إلى الأرض . واذا علمنا أن العنصر السائد فيها هو الهدرجين ، وأن طاقتها كما سنذكره في حينه تأتي من اندماج الهدرجين الثقيل ، أدركنا الطاقات الهائلة التي ستظل تمدنا بها عبر ملايين السنين دون انقطاع . فسبحان من قدرها وسيرها ، ووضع لها نظامها ورعاها .

‏وفي ذلك يقول عليه السلام في الخطبة ( ٨٩ ‏) من النهج :

‏" وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوة من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدر سرهما في مدارج درجهما ، لميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما" .

تفسير آية اصحاب الكهف .

‏قال العلامة المجلسي في البحار(3) :

‏وفى كتب أصحاب الرواية أنه قالت اليهود لما سمعت قوله سبحانه في شأن أصحاب الكهف {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف : 25] : ما نعرف التسع!

‏ذكرها رهط من المفسرين كالزجاج وغيره ، أن جماعه من أحبار اليهود أتت المدينة بعد وفاه رسول الله صل الله عليه واله وسلم فقالت : ما في القرآن مخالف ما في التوراة ، إذ لس فى التوراة إلا ثلاثمائة سنين ، فأشكل الأمر على الصحابة ، فبهتوا !

‏فرفع الأمر إلى على بن أبى طالب عليه السلام فقال : لا مخالفة ، إذ المعبر عند اليهود السنة الشمسية ، وعند العرب السنه القمرية . والتوراة نزلت عن لسان اليهود ، والقرآن العظيم عن لسان العرب ، والثلاثمائة من السنين الشمسية تعادل ثلاثمائة وتسع من السنين القمرية .

300 سنة شمسيه = 309 سنة قمرية

____________________

1. السنة الضوئية : هي المسافة التي يقطعها الضوء في الفضاء في سنة كاملة ، وهي تعادل تقريبا 10 13 كيلومترا .

‏2. قطع الليل : هي آناته المكونة من الساعات والدقائق والثواني . والغياهب : جمع غيهب ، وهو الظلمة الحالكة . ولج الليل : شدة ظلمته وسواده ، والتلجلج : التردد والاضطراب . يقال : تلجلج فلان في كلامه ، إذا تردد ولم يفصح عما يريد . 

3. بحار الانوار ، ج 40 ص 188 ط 3 مصححة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .