‏ولإظهار تأثير نوعية الغذاء على طباع الانسان ، لاحظ الباحثون آن المجتمعات التي تآكل لحم الجمل تكثر فيها الغيرة على العرض ، بينما المجتمعات التي تأكل لحم الخنزير فانه تنعدم فيها الغيرة على الحريم ، كما هو قائم في اكثر البلاد الاوربية. مما يحتم وجود تأثير مختلف بين الحالتين ، تابع لشهامة الجمل ، ونذالة الخنزير.

‏وقد وقفت على عدة نصوص تدل على تأثير الطعام على نفسية الانسان ، ومن هذا القبيل تحريم الاسلام لآكل النجاسات ، ولنضرب عليها مثالا : الدم. في كل الدم عدا عن آنه يسبب مرض الصفراء واليرقان ، فانه يورث قساوة القلب ويورث نزعة الاعتداء على الغير.

‏عن الامام الصادق (عليه السلام) لما سأله احد اصحابه (1) : لِم حرم الله عز وجل الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ قال (عليه السلام) : ان الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده ، واحل لهم ما سوى ذلك ، من رغبة فيما احل لهم ، ولا زهد فيما حرمه عليهم ؛ ولكنه تعالى خلق الخلق فعلم ما يقوم به ابدانهم وما يصلحهم ، في حله لهم واباحه ، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم.

‏ثم قال (عليه السلام) : آما الميتة فانه لم ينل احد منها الا ضعف بدنه آو وهنت قوته وانقطع نسله ، ولا يموت آكل الميتة الا فجأة.

‏وآما الدم فانه يورث آكله الماء الأصفر ويورث الكلب ، وقساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة ، حتى لا يؤمن على حميمه ولا يؤمن من صحبه " .

‏فانظر الى هذا التأثير العميق لنوع الطعام على جسم الانسان وعلى نفسيته. ولقد شهدت هذا المعنى بعيني ، فقد كان عندي في المزرعة عدة دجاجات بيضاء فرنسية ذات عرف مائل ، ونصحني شخص آن اطعمها الدم ليزيد انتاجها للبيض. فجئت بدم طازج وببلته بدم النخالة وقدمته للدجاجات ، فانقضوا عليه يلتهمونه. وبعد ايام شعرت بأن طبائع الدجاجات قد اختلفت عن السابق ، وصرن ينظرن إلى بعضهن نظرة شذر. وبعد ايام وجدتهن ينقرن بعضهن ، وجئن الى ضعف واحدة منهن فصرن ينقرنها من مؤخرتها . حتى اذا خرج منها الدم ، هجمن عليها وبدأن يأكلن من لحمها ودمها ، حتى قضي عليها . عند ذلك علمت السبب ، واقلعت عن تقديم الدم لهن .

____________________

1. علل الشرائع للشيخ الصدوق ، باب ٢٣٧ ‏ ، منشورات المكتبة الحيدرية في النجف عام 1966م .