أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-1-2023
1190
التاريخ: 2023-11-05
1227
التاريخ: 6-7-2022
5262
التاريخ: 24-4-2022
1897
|
الهجاء قديم في الشعر العربي، و كان في الأصل لعنات يصبها الأفراد على أعدائهم و أعداء قبائلهم آملين أن تنزلها بهم المقادير، و أخذ يتحول من لعنات خالصة إلى سباب و تهوين للمهجوّين على ألسنة شعراء الجاهلية، و مضوا يتقاذفونه و يسلّونه كما يسلون سيوفهم في حروبهم، و بقيت منه بقايا غير قليلة في الإسلام بين شعراء المدينة و مكة لعهد الرسول صلّى اللّه عليه [و آله]و سلّم، و لم يلبث أن احتدم بالعراق في العصر الأموي و نشأت عنه مناظرات هجاء حادة بين جرير و الفرزدق سمّيت بالنقائض. و ظل التهاجي مضطرما بين الشعراء في العصر العباسي، و سقطت منه شعل كثيرة إلى الأقاليم، و بمجرد أن نشط الشعر في الأندلس لعهد عبد الرحمن الأوسط (٢٠6-٢٣٨ ه) نشط الهجاء و أخذ شعراؤه يتكاثرون، و في مقدمتهم يحيى الغزال، و سنخصه بكلمة، و من هؤلاء الهجائين المبكرين عبد اللّه (1)بن الشّمر المتفنن في العلوم منجم الأمير عبد الرحمن الأوسط، و يذكر ابن حيان (2)عن قاض اسمه يخامر بن عثمان كانت فيه غفلة أن ابن الشمر استغلّ ذلك يوما-و هو في مجلس القضاء-فألقى بين البطاقات التي كان ينادي بها الخصوم للتقدم إليه بطاقة مكتوبا عليها: يونس بن متى، المسيح بن مريم. و حين وقعت البطاقة في يده أمر أن يدعى له بمن فيها، فهتف الهاتف:
يونس بن متى و المسيح بن مريم و كرّر الهاتف النداء خارج مجلس القاضي و لا مجيب إلى أن صاح ابن الشمر: إن نزولهما من علامات الساعة! و تناول بطاقة و كتب فيها مع بيتين آخرين:
يخامر ما تنفكّ تأتي بفضحة دعوت ابن متّى و المسيح بن مريما
قفاك قفا جحش و وجهك مظلم و عقلك ما يسوى من البعر درهما
فتألب الفقهاء على يخامر و أجمعوا على ذمه و القدح فيه، و ثارت به العامة لفقده حسن المعاملة و لقلة درايته. و من الهجائين المعاصرين لابن الشمر مؤمن (3)بن سعيد الملقب بدعبل الأندلس، و كان يهاجي ثمانية عشر شاعرا رموه عن قوس واحدة لتمزيقه أعراض الناس. و كان هاشم بن عبد العزيز وزير الأمير محمد بن عبد الرحمن يقرّبه و يجزل له النوال، و أسرته النصارى في إحدى المواقع، فقال يخاطب أبا حفص ابن عمه و عدوّه شامتا به في قصيدة طويلة:
تصبّح أبا حفص على أسر هاشم ثلاث زجاجات و خمس رواطم (4)
و بح بالذي قد كنت تخفيه خفية فقد قطع الرحمن دولة هاشم
و افتدى الأمير محمد هاشما فلما عاد إلى وزارته و علم بالقصيدة نصب لمؤمن حبائل السعاية عند أميره فحسبه، و طال حبسه حتى توفى سنة ٢6٧. و من كبار الهجائين في عهد الأمير عبد اللّه (٢٧5-٣٠٠ ه) القلفاط (5)محمد بن يحيى المتوفى سنة 302 و كان يسلّ لسانه على الناس جميعا حتى على الأمير عبد اللّه و فيه يقول:
ما يرتجى العاقل في مدّة ألرِّجل فيها موضع الراس
و كان صديقا لابن عبد ربه، و بدرت منه بادرة له، فتوجّس منه شرا، و تهاجيا و أقذع كل منهما في هجاء صاحبه. و تخف حدة الهجاء لعهد عبد الرحمن الناصر،
(٣٠٠-٣5٠ ه) حتى إذا أمر المستنصر ابنه (٣5٠-٣66 ه) بإراقة الخمر و تشدد في ذلك تعرضت له جماعة من الشعراء بذمه، من بينهم الرمادي: يوسف بن هرون، فأمر بسجنه حتى إذا توفى عادت إليه حريته، و اشتهر له قوله في طفل حلق أهله شعره خوفا عليه من الحسد (6):
حلقوا رأسه ليكسوه قبحا خيفة منهم عليه و شحّا
كان قبل الحلاق ليلا و صبحا فمحوا ليله و أبقوه صبحا
و نمضي إلى عصر أمراء الطوائف و فيه يشتد التنافس بين الشعراء، و يشتد معه الهجاء و لو أن ابن بسام عنى في الذخيرة بعرضه لأورد منه عشرات بل مئات من الصحف، و لكنه عاهد نفسه أن لا يعرض منه إلا القليل الأقل. و أخذ حينئذ يتخصص بعض الشعراء بنظمه، فهم لا يكادون يطرقون بابا سواه و في مقدمتهم السّميسر و كان على شاكلته أبو تمام غالب (7)الملقب بالحجّام شاعر قلعة رباح غربي طليطلة و قد سقطت في حجر ألفونس السادس سنة 46٧ و غالبا لا يذكر ابن بسام من يهجوهم و خاصة إذا كانوا من رجال الأندلس أو علية القوم، و لعل ذلك ما يجعله يختار له الأبيات العامة التي تصيب كل مذموم كقول غالب مما أنشده صاحب الذخيرة:
صغار الناس أكثرهم فسادا و ليس لهم لصالحة نهوض
ألم تر في سباع الطير سرّا تسالمنا و يؤذينا البعوض
و قوله:
فيا للملك ليس يرى مكاني و قد كحلت لواحظه بنوري
كذا المسواك مطّرحا هوانا و قد أبقى جلاء في الثغور
و أخذ يظهر من حينئذ شعراء يطوفون بمدن الأندلس، و يتغنون على كل باب يظنون منه خيرا، و قد يتعثر الخير، و قد يشعرون بشىء من الاستطالة مع الإقلال و الجدب فيمن يقصدونهم، فيتركونهم إلى غيرهم ممن يحسنون بهم الظن، فيجدونهم أكثر إقلالا و إجدابا، و من أشهر هؤلاء الشعراء الجوالين أبو عامر (8)الأصيلي، و هو كثير الذم و الهجاء للناس بمثل قوله مما اختار له ابن بسام:
أرى الأوغاد يعتمرون دورا و مالي في بلاد اللّه دار
أجول فلا أرى إلا رعاعا كبارهم إذ اختبروا صغار
و نشبت لعهد أمراء الطوائف أكبر (9)معركة للهجاء ضد يهود غرناطة، ذلك أن كورة إلبيرة كانت قد وقعت من نصيب زاوى بن زيري الصنهاجي زمن الفتنة، فاتخذ غرناطة قاعدة له حتى سنة 4٢٠ إذ رحل عنها إلى بلاده بإفريقية و تركها لابن أخيه حبوس بن ماكسن، و اتخذ وزيره أبو القاسم بن العريف كاتبا له يهوديا يسمى إسماعيل (صمويل) و يلقّب بابن النّغريلّه، و كان داهية خبيثا درس بقرطبة الديانة اليهودية و كل ما اتصل ببحوثها التلمودية مع ما درس من الثقافة و الآداب العربية. و توفى حبوس سنة 4٢٩ و خلفه باديس حتى سنة 46٧ و في عهده أصبح ابن النغريلة رئيس وزرائه أو وزيره الأول بحسن تدبيره لشئون المال، و بالغ باديس في الثقة به، بينما هو كان يعد نفسه حاميا لليهود في الأندلس، فجاءوه من كل بلد، و أخذ يعهد إليهم بكثير من وظائف الحكم و الضرائب، كما أخذ يرعى مصالحهم الاقتصادية و التجارية. و دفع باديس إلى أن يعيش بين كاس و طاس لا يدري شيئا من شئون الحكم، و بلغ من عدائه للإسلام أن كان لا يجد حرجا من استهزائه به، و أقسم أن ينظم القرآن في أشعار، و توفى سنة 456 و كان قد أعدّ ابنه يوسف ليخلفه في وزارته لباديس، و سرعان ما أخذ الناس يعلنون ضيقهم به و بسيطرة اليهود على شئون الدولة من ضرائب و غير ضرائب، و أخذ غير شاعر يستثير العامة للثورة على اليهود و زعيمهم يوسف و في مقدمتهم السّميسر و أبو الحسن يوسف بن الجد القائل في سخط و غضب (10):
تحكّمت اليهود على الفروج و تاهت بالبغال و بالسّروج
و قامت دولة الأنذال فينا و صار الحكم فينا للعلوج (11)
فقل للأعور الدّجّال هذا زمانك إن عزمت على الخروج
و أصبح المسلمون في غرناطة، يموجون بالحنق و الغيظ من يوسف و اليهود الذين اعتصروا طيبات الأرض و عرق الكادحين باسم الضرائب، و قد اختلت الموازين فبعد أن كان المسلمون هم الذين يجبون الضرائب من اليهود و أهل الذمة أصبح اليهود هم الذين يجبونها، و بينما كان الناس ينتظرون شعلة لتثير بركان الثورة الكامن، إذا أبو إسحق الإلبيري الذي يمدهم بقصيدة حماسية ملتهبة، بل بالشعلة الشعرية المضطرمة شواظا و نارا حامية، و إنه ليهتف في مطلعها برجال صنهاجة الحاكمين (12):
ألا قل لصنهاجة أجمعين بدور النّدىّ و أسد العرين (13)
لقد زلّ سيّدكم زلّة تقرّ بها أعين الشامتين
تخيّر كاتبه كافرا و لو شاء كان من المسلمين
فعزّ اليهود به و انتخوا و تاهوا و كانوا من الأرذلين )14)
و نالوا مناهم و جازوا المدى فحان الهلاك و ما يشعرون
و يتساءل ألم يكن من الواجب على باديس أن يبقيهم-كما أبقاهم حكام المسلمين قبله-باعة جوّالين يحملون أخراجهم على ظهورهم في صغار و ذل و هوان باحثين في المزابل عن خرق من الثياب ملوّثة يتخذونها أكفانا لموتاهم. و يتجه إلى باديس مادحا مثنيا حتى يتنبه ليوسف و أعوانه و ما يدبرون من الكيد له بينه و بين شعبه، و ما كنزوا و بنوا من القصور الباذخة. و ما يزال يستثير باديس حتى إذا ظن أنه بلغ به الغاية من الثورة على اليهود و حاميهم يوسف أفتاه-كفقيه-بسفك دمه و دماء أعوانه من اليهود، يقول:
فبادر إلى ذبحه قربة و ضحّ به فهو كبش ثمين
و لا تحسبن قتلهم غدرة بل الغدر في تركهم يعبثون
و قد نكثوا عهدنا عندهم فكيف تلام على الناكثين
و أخذ سكان غرناطة يتناسخون القصيدة و ينشدونها في الطرقات، و غلت نفوسهم و صمموا على الانتقام، و حانت الفرصة إذ كان يوسف قد اتفق مع المعتصم بن صمادح أن يرسل إليه جنودا إلى غرناطة أملا في أن تخلص له بعد خلوصها من باديس. و في مساء يوم السبت لعشر خلون من صفر سنة 45٩ تسوّر كثيرون من الرعية قصره حين تبينت لهم جليّة نواياه مصممين على قتله، فاختبأ منهم في بيت فحم، فقبضوا عليه و قتلوه و صلبوه على باب المدينة، و نهبوا متاجر اليهود و منازلهم و قتلوا منهم نحو أربعة آلاف.
و من كبار الهجائين في عصر المرابطين عبد اللّه (15)بن سارة الشنتريني المتوفى سنة 5١٧ و يقول ابن بسام عنه: «رأيت له عدة مقطوعات في الهجاء تربى على حصى الدّهناء، و هو فيه صائب السهم نافذ الحكم» و يقول إنه أضرب عن ذكرها إلا لمعا قليلة لمنهجه الذي اتخذه في الذخيرة، و هو أن ينحىّ عنها الهجاء و خاصة المفحش منه، و كان ابن سارة مقترّا عليه في الرزق، فتنقل طويلا في بلدان الأندلس، ثم استوطن إشبيلية و احترف فيها الوراقة، و فيها يقول ذامّا هاجيا:
أما الوراقة فهي أنكد حرفة أغصانها و ثمارها الحرمان
شبّهت صاحبها بإبرة خائط تكسو العراة و جسمها عريان
و يكثر في زمن المرابطين هجاء الفقهاء لما حازوا لأنفسهم فيه من مال و سلطان، و ابن سارة أحد من تعرض لهم هاجيا، و مثله ابن خفاجة و ابن البنّى و فيهم يقول مخاطبا لهم:
أهل الرّياء لبستم ناموسكم كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتم الدنيا بمذهب مالك و قسمتم الأموال بابن القاسم
و ركبتم شهب الدوابّ بأشهب و بأصبغ صبغت لكم في العالم
و هو يتهمهم بالمراءاة و أكل الأموال بالباطل و يزعم أنهم ملكوا الدنيا بمذهب مالك و أئمته المصريين الذين تتلمذ عليهم فقهاء الأندلس و اتخذوا كتبهم مصدرا لفتاويهم و أحكامهم، و هم ابن القاسم المتوفى سنة ١٩١ و أشهب بن عبد العزيز المتوفى سنة ٢٠4 و أصبغ بن الفرج المتوفى سنة ٢٢5. و ممن عنف بالفقهاء في الهجاء الأبيض (16)محمد بن أحمد المتوفى حول سنة 525 و ولع بهجاء الزبير المرابطي حاكم قرطبة بمثل قوله:
عكف الزّبير على الضلالة جاهدا و وزيره المشهور كلب النّار
ما زال يأخذ سجدة في سجدة بين الكؤوس و نغمة الأوتار
فإذا اعتراه السّهو سبّح خلفه صوت القيان ورنّة المزمار
و كانت في الأبيض جرأة شديدة، و أفحش في بعض هجائه للزبير فاستدعاه و قال له:
ما دعاك إلى هذا الهجاء؟ حتى إذا أخذ يقرّعه و يوجعه باللوم قال له هازئا به: إنني لم أر أحق بالهجو منك و لو علمت ما أنت عليه من المخازي لهجوت نفسك إنصافا و لم تكلها إلى أحد. و قامت قيامة الزبير حين سمع منه ذلك و أمر بقتله، و هو حمق منه ما بعده حمق.
و كان معاصره اليكّي يهجو المرابطين مثله، غير انه لم يبلغ مبلغه في الإقذاع و هو من كبار الهجائين، و سنخصه بكلمة. و كانت بين المتفلسفين أبي العلاء بن زهر و ابن باجة- بسبب المشاركة في مهنة الطب كما يقول المقري-ما يكون بين النار و الماء، و الأرض و السماء، فقال فيه ابن (17)باجة:
يا ملك الموت و ابن زهر جاوزتما الحدّ و النهايه
ترفّقا بالورى قليلا في واحد منكما الكفايه
و هي في رأينا دعابة و ممازحة، لا هجاء ذميم كما ظن المقري، مما جعله يعقّب لأبى العلاء بن زهر ببيتين يصف فيهما شخصا بالزندقة و أنه لا بد أن يصلب و الجذع و الرمح حاضران، إلا أن يكون ذلك بقصد الدعابة. و من الهجائين المخضرمين الذين عاشوا في عصر المرابطين، و لحقوا عصر الموحدين الأعمى المخزومي أبو بكر محمد، و أنشد له ابن سعيد في المغرب هجاء كثيرا، من ذلك قوله في إحدى مقطوعاته يهجو قوما لقوه لقاء قبيحا:
و أنتم سننتم كلّ محدث سبّة و لم تتركوا فيها لحاقا لآخر
فقد جمعوا-غير مسبوقين-كل مسبّة و كل مذمّة و كل قبيحة، و قطعوا الطريق فيها على كل لاحق، حتى استحقوا لعنة تزرى سوءا و عارا بلعنات كل من في المقابر كما يقول. و لم يسلم أحد من هجائه حتى تلميذته الشاعرة نزهون (18)-و كانت من بيت فضل و علم-هجاها قائلا:
ألا قل لنزهونة مالها تجرّ من التّيه أذيالها
فردّت عليه بهجاء موجع أخرسه. و كما هجا تلميذته التي كانت حرية بكل ثناء على الأقل لخصب ملكتها الشعرية هجا ابنا له بقوله:
الحقّ أبلج لست أنت و حقّ من أحيا بك الأجلاف ممّن يفلح )19)
لا تهتدى بفضيلة لا ترعوى بملامة لا أنت ممن يصلح
يزداد عقلك ما كبرت تناقصا و تلجّ في صمم إذا ما تنصح (20)
و بدلا من أن يتعاطف مع ابنه فلذة كبده و يصوغ له النصح برفق يجرح مشاعره بهذه السهام المصمية. و يقول ابن سعيد عنه في مطلع ترجمته نقلا عن الحجاري: «بشار الأندلس انطباعا و لسنا و أذاة، و هو الذي أحيا سيرة الحطيئة بالأندلس فمقت، و كان لا يسلم من هجوه أحد» . و يروى ابن سعيد أن جده عبد الملك كان يبرّه و يكرمه و أنه قصده مرة فأنزله في دار تلطفا، و قال لغلام له: اسأل في الموضع الذى نزل فيه المخزومي متى يرحل و كان يريد أن يرسل إليه حين يهم بالرحيل زادا و ينظر له في دابة تحمله، و أساء الغلام الطريقة إذ ضرب على المخزومي فخرج إليه، فقال له: يقول لك صاحبك متى ترحل؟ فقال له انتظر حتى أكتب لك الجواب و كتب له أبياتا منها:
لا ترجونّ بنى سعيد للنّدى فالظلّ أفيد منهم للسائل
قوم مصيبتهم بطلعة وافد و سرورهم أبدا بخيبة راحل
و من كبار الهجائين في عصر الموحدين على بن حزمون و سنفرد له ترجمة، و كان يعاصره محمد بن الصفار الأعمى القرطبي المتوفى سنة 6٣٩ و كان قد أخذ نفسه بالوقوع في الأعراض، و كان لا يزال يتناول أعراض الأمراء و وجوه القوم، و يروى ابن سعيد أنه لما قال أبو زيد الفازازي كاتب أبى العلاء المأمون الموحدي (6٢4-6٢٩ ه) ابن يعقوب المنصور قصيدته التي أولها: «الحزم و العزم منسوبان للعرب» يشير بذلك إلى أنصاره من عرب جشم ناقضه ابن الصفار بقصيدة في مديح يحيى بن الناصر الموحدي أخي المأمون مخاصمه على إمارة الموحدين، أشار فيها إلى عمه المأمون هاجيا له بقوله:
و إن ينازعك في المنصور ذو نسب فنجل نوح ثوى في قسمة العطب
و إن يقل أنا عمّ فالجواب له ؟ ؟ ؟ امّ النبي بلا شكّ أبو لهب
و شاعت القصيدة و بلغت المأمون فحرّض على قتله، و فرّ ابن الصفار إلى أبي زكريا بن عبد الواحد أمير تونس و أجرى عليه راتبا شهريا إلى أن بارح دنياه. و يظل شرر الهجاء يتطاير في إمارة بنى الأحمر، و يكثر الشعراء حينئذ من ذم الزمان و الناس، على نحو ما يلقانا عند البسطي محمد بن عبد الكريم القيسي بأخرة من زمن تلك الإمارة، و قد صبّ كثيرا من هجائه على القضاة و المشرفين على الأحباس، و من هجائه لقاضي بلدته (22):
تبّا لقاضي بسطة ابن مفضّل تبّا له فيه يروح و يغتدى
إذ غيّر الأحكام عما أصّلت تغيير جبّار عنيد معتدى
و حرى بنا أن نتوقف قليلا بإزاء أربعة من كبار الهجائين في الأندلس على مر عصورها هم يحيى الغزال و السّميسر و اليكّى و على بن حزمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) مرت مصادر ابن الشمر في الحديث عن علوم الأوائل في الفصل الثاني.
2)المقتبس (تحقيق د. مكى-طبع بيروت) . ص 65-66.
3) انظر في ترجمة مؤمن بن سعيد و شعره الحميدى،٣٣٠ و الجزء السابق من المقتبس في مواضع مختلفة (راجع الفهرس) و قضاة قرطبة للخشني ١٠٣-١٠5 و الحميدي ص ٣٣٠ و بغية الملتمس ص 456 و المغرب ١/١٣٢.
4) رواطم لعلها من آنية الخمر في الأندلس.
5) انظر في القلفاط و شعره الزبيدي ٣٠١ و الحميدي ٩١ و بغية الملتمس ١٣4 و المغرب ١/١١١ و ابن عذارى ٢/١٩٣ و إنباه الرواة ٣/٢٣١ و المقتبس الجزء الخاص بالأمير عبد اللّه.
6) رايات المبرزين (طبعة القاهرة) ص ٧٨.
7) راجع في أبي تمام غالب الحجام و شعره الذخيرة ٣/٨٢١ و ما بعدها و المغرب ٢/4٠ و رايات المبرزين ص ٨٢.
8)انظر في أبي عامر الأصيلي و شعره الذخيرة ٣/٨5٧ و المغرب ٢/444 و الخريدة ٢/٣٠٨.
9) انظر في هذه المعركة و الثورة على يهود غرناطة الذخيرة ٢/٧66 و ما بعدها و انظر المغرب ٢/١١4 و أعمال الأعلام ص ٢64 و البيان المغرب ٣/٢64 و الإحاطة ١/4٣٩ و تاريخ ابن خلدون 4/١6١ و راجع مقدمة د. إحسان عباس على رسالة الرد على ابن النغريلة لابن حزم (طبع القاهرة) ص ٩-١٨.
10) الذخيرة ٢/56٢
11) العلوج: جمع علج: الفظ.
12) ديوان الإلبيري (طبع مدريد) ص ١5١.
13) الندى: مجلس القوم. العرين: غيل الأسد و مأواه.
14) انتخوا: تعاظموا و تكبروا.
١5) انظر في ترجمة عبد اللّه بن سارة و شعره الذخيرة ٢/٨٣4 و الخريدة ٢/٣١5 و القلائد ٢6٠ و التكملة ٨١6 و البغية رقم ٨٩6 و المغرب ١/4١٩ و ابن خلكان ٣/٩٣ و المطرب ٧٨،١٣٨،٢٣5.
16)راجع في ترجمة الأبيض و شعره المغرب ٢/١٢٧ و زاد المسافر ص 66 و نفح الطيب ٣/4٨٩ و ما بعدها.
17) انظر في ترجمة الأعمى المخزومي و شعره المغرب ١/٢٢٨ و الإحاطة ١/4٢4 ٣/٢١6.
18) تأتى في الفصل التالي مراجع نزهون.
١9) أبلج: مضيىء.
20) تلج: تتمادى.
21) انظر في ترجمة ابن الصفار الأعمى و شعره ١/١١٧ و اختصار القدح المعلى ص ٢٠٣ ص ٣١٣.
22) انظر كتاب البسطي آخر شعراء الأندلس للدكتور محمد بن شريفة (طبع بيروت) ص ١٩4.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|