المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

المنافسة
6-6-2016
استحباب خطبة الإمام بعرفة قبل الأذان.
20-4-2016
Ovide Arino
26-3-2018
الشيخ محمد بن الحارث المنصوري الجزائري
24-1-2018
purism (n.)
2023-11-03
جسيمة الفا تفعل ما لم يفعله رياضي القفز العالي من قبل
2023-06-22


الحركة الأدبية في صقلية في عصر الأمراء الأمويين  
  
2273   07:20 مساءاً   التاريخ: 10-2-2016
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج4، ص207-210
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-31 989
التاريخ: 29/11/2022 1290
التاريخ: 2024-08-31 285
التاريخ: 2024-10-17 181

كان من الأمراء الكلبيّين حكّام صقلّية نفرٌ من الشعراء المجيدين، و لكنّ من الذين ظلّ شعرهم تقليدا واضحا للمشارقة في كلّ شيء حتّى ليصعب جدّا أن ترى فيه لمحة من صقلّية. من هؤلاء مثلا الأمير أبو القاسم عبد اللّه بن سليمان يخلف (1) فقد تصرّف في وجوه الأغراض و أجاد الوصف و التشبيه، إلى جانب عدد من الكتب له في الردّ على العلماء (الفقهاء؟) و في تطبيق الشعراء (جعلهم طبقات على أزمانهم أو فنونهم أو مكانتهم) . قال الأمير أبو القاسم في الخمر و الغزل و وصف الطبيعة:

أسابق صبحي بصبح الدنان... و أصرف ليلي بصرف العقارِ (2)

ألا ربّ يوم لنا بالبروج... بخيل الضياء جواد القطار (3)

كأنّ الشقيق بها وجنة... بآخرها لمعة من عذار (4)

كأنّ البنفسج في لونه... اختلاط الظلام بضوء النهار

و أترجّها كحقاق النّضار... تصفّف أو كثديّ الجواري (5)

أقمنا نسابق صرف الزمان... بدارا إلى عيشنا المستعار (6)

نجيب بصوت القناني القيان... إذا ما أجابت غناء القماري

نشمّ الخدود شميم الرياض... و نجني النهود اجتناء الثمار

و نسقى على النور مثل النجو... م مثل البدور اعتلت للمدار (7)

نعمنا بها و كأنّ النجوم... دراهم من فضّة في نثار (8)

إذا ما لقيت الليالي بها... فأنت على صرفها بالخيار (9)

و كان في النصف الأوّل من القرن الخامس للهجرة (النصف الأوّل من القرن الحادي عشر للميلاد) نفر من الشعراء منهم الفقيه أبو بكر عتيق السمنطاري (10)، نسبة إلى سامانترية إحدى قرى صقلّية، و كان ينظم شعرا من شعر العلماء العاديّ كقوله:

فتن أقبلت و قوم غفولُ... و زمان على الأنام يصولُ

- و يبدو أنّ من هؤلاء أيضا أبو عبد اللّه بن الطوبيّ، و قد كان كاتب الإنشاء في صقلّية. و هو شاعر متقلّب الرأي في الدنيا يدعو حينا إلى الزهد و التصوّف الحقيقيّ و يمجن أحيانا في الغزل المذكّر خاصّة. قال في التصوّف و المتصوّفين:

ليس التصوّف لبس الصوف ترقعهُ... و لا بكاءك إن غنّى المغنّونا

و لا صياح و لا رقص و لا طربٌ... و لا تغاش كأن قد صرت مجنونا (11)

بل التصوّف أن تصفو بلا كدرٍ... و تتبع الحقّ و القرآن و الدينا

و أن تُرى خائفا للّه ذا ندمٍ... على ذنوبك طول الدهر محزونا

و كذلك قال في الغزل المذكّر:

انظر إلى حَسنٍ و حُسن عذارهِ... لترى محاسن تسحر الأبصارا (12)

فإذا رأيت عذاره في خدّهِ... أبصرت ذا ليلا و ذاك نهارا

غير أنّنا نرى في هذه الحقبة أيضا من أدرك سوء الحال في صقلّية فنفث ذلك في شعره. قال أبو محمّد القاسم بن عبد اللّه التميمي:

و ما كنت أشقى الغرب لو كان لم تكن... صقلّية منه، و إن لام لائم (13)

منينا بذات البين حتّى كأنّنا... نرى أنَّ من يبغي سوى البغي غاشم (14)

يغير الفتى منا على مال نفسهِ... و يقتله غدرا أخوه الملائم

و كانت بلاد الروم طوع سيوفنا... إذا رامها منّا على البعد رائم (15)

فإن نال منّا الناس أو قلّ كثرنا... فقد تقتل الحمّى و تردي السمائم (16)

أتونا، و لكن بالدروع، أساودا... و لكن أتينا و السيوف عزائم (17)

و طيب حياة المرء في عزّ موته... و ما الموت إلاّ أن تموت الكرائم

______________________

1) راجع «المسلمون في جزيرة صقلية و جنوب ايطالية تأليف أحمد توفيق المدني (نشرته الشركة الوطنية للنشر و التوزيع بالجزائر) -تاريخ المقدّمة 1365 ه‍ (1945 م) - ص ٢١٣-214.

2) الدن (بالفتح) : وعاء كبير للخمر. العقار: الخمر. صرف: خالصة (غير ممزوجة) .

3) البروج (لعلّه اسم مكان) . القطار: المطر (يوم غائم ممطر) .

4) الشقيق (شقائق النعمان) كناية عن الحمرة. العذار: الشعر النابت في الوجه.

5) الأترج: نوع من الليمون (يكون كبيرا و أصفر) . الحقاق (بالكسر) جمع حقّ (بالضمّ) : وعاء صغير. النضار: الذهب.

6) صرف: أحداث (مصائب) . بدارا: استباقا (نحاول نحن أن نلتقي الصباح مثلا قبل أن يأتي الصباح حتّى لا نضيع من عمرنا دقيقة سدى) .

7) النور (بالفتح) : الزهر. مثل النجوم: الحبب (بفتح ففتح) و هي نفّاخات صغيرة تطوف على وجه الخمر في الكأس. و ربّما بدأ البيت: و نسقى (بالبناء للمجهول) . . . فيكون المعنى: و يسقينا في جنينة مملوءة بالأزهار ندمان مثل البدور (بجمالهم) حينما اعتلت في المدار (في مدارها: ارتفعت الى كبد السماء) مثل النجوم (خمرا يطفو الحبب على سطحها) . حينئذ تصبح «مثل البدور» فاعلا.

8) النجوم (نجوم السماء أو نجوم الكاس: الحبب؟) في نثار: قطع صغيرة (من ذهب) كناية عن الخمر.

9) إذا دهمتك مصائب الدهر فإذا شئت فاشرب الخمر (لكي تنسى تلك المصائب) .

10) المسلمون في صقلية، تأليف مورينو 4٣،44.

11) تغاش (غير موجودة في القاموس) و المقصود التظاهر بأن الإنسان قد أغمي عليه (من شدّة الخوف من اللّه) .

12) العذار: الشعر النابت في الوجه.

13 و 14) نحن أشقياء في صقلّية لأن صقلّية جزء من الغرب (الأندلس) الشقي. منينا: أصبنا (بالبناء للمجهول) بذات البين (بالبغضاء و العداوة) . يبغي: يطلب. البغي: الظلم. غاشم: ظالم. تعوّدنا الظلم: من الناس حتّى إذا رأينا رجلا لا يظلم سميّناه ظالما. أو نظنّه غشيما جاهلا (راجع المعجم الوسيط، ص 65٩) . و ما كنت (؟) للمخاطبة المؤنثة: أشقى الغرب (بغين منقوطة) أو (للمتكلم المفرد: أشقى العرب (بعين مهملة و مضمومة) .

15) رام: أراد، قصد. -كنّا نحن نتغلّب على بلاد الروم. . .

16) تردي: تهلك. السموم (بالفتح) : الريح الحارّة.

17) الروم (النصارى) يتغلّبون علينا لأنهم يلبسون دروعا (عندهم وسائل كثيرة للقتال) ، و نحن نقاتل بعزائمنا (بأيدينا) بدل السيوف (ليس عندنا سلاح) .





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.