أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-1-2016
7599
التاريخ: 15-11-2021
1816
التاريخ: 27-12-2021
1667
التاريخ: 19-5-2022
1349
|
إن اتفاقيات العراق مع إيران هي امتداد لاتفاقيات الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، والتي كانت في حروب مستمرة وفي فترات مختلفة. إن أول اتفاقية بينهما كانت "اتفاقية السلام" لعام 1639، والتي ثبتت الحدود بين الدولتين. رغم إن هذه الاتفاقية أثبتت فعاليتها في معظم الحدود المشتركة، ولكن لم تثبت فعاليتها بالنسبة لشط العرب. إذ اعتبرت الدولة الفارسية شط العرب هو الحدود الفاصلة بين الدولتين ـ أي تقسيم الشط بينهما ـ بينما اعتبر العثمانيون جميع النهر وإلى اليابسة في الجانب الفارسي مياهها عثمانية، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة بين العرب سكنة جانبي شط العرب، وأن الدولة العثمانية ـ حسب رأيها ـ مسؤولة عنهم.
تم توقيع اتفاقية أرضروم الأولى في تموز من عام 1823، بعد المشاكل والحروب العديدة التي حدثت بين الدولتين بعد اتفاقية السلام لعام 1639. وتضمنت هذه الاتفاقية ـ أرضروم الأولى ـ محاولة لوضع وصف دقيق للحدود بين الدولتين، ولكنها أيضاً فشلت في السيطرة على الحدود في شط العرب.
برزت وبوضوح في هذه الأثناء المطامع البريطانية والروسية وزيادة نفوذهما في إيران، (وفي مستعمرات عثمانية اخرى أيضاً)، إلى درجة أن وزير الخارجية البريطاني آنذاك، اللورد بالميرستون Palmerston، قال في سنة 1851: "أن الحدود التركية الفارسية لا يمكنه حلها إلاّ بتحكيم بريطاني - روسي".
على إثر فشل معاهدة أرضروم الأولى، تم عقد أرضروم الثانية في أيار 1847، في ظل "وساطة وتحكيم" روسية - بريطانية، أصبحت فيها حدود الدولة الفارسية تسير مع الضفة الشرقية لشط العرب، وبقيت السيادة في شط العرب كاملة للدولة العثمانية، وأقر بروتوكول وقع في كانون الأول 1911 استمرار شرعية معاهدة أرضروم الثانية.
ولكن بسبب استمرار المشاكل واعتراض الجانب الإيراني، تدخل "الوسيطان" البريطاني والروسي، وتم توقيع بروتوكول اسطنبول "القسطنطينية" في تشرين الثاني 1913، حيث تم بموجبه تنازل الدولة العثمانية عن جزء من المياه، والقبول بخط الثالويك Thalweg Line كحدود في منطقة المحمرة، أي القبول بأعمق مجرى في النهر وهو على العموم يكون في منتصف النهر، كخط للحدود ولمسافة (4) أميال (حوالي 6.5 كيلومتر) أمام المحمرة فقط، أما بقية الشط فقد بقي تحت السيادة العثمانية الكاملة.
إن "الوساطة" الروسية البريطانية، أدت بنفس الوقت إلى تقاسم النفوذ، وإلى إطلاق يد روسيا في شمال إيران، وإلى إطلاق يد بريطانيا في مناطق النفط في جنوب إيران أي عبادان والمحمرة، كذلك إطلاق يدها في إمارات الخليج العربي والعراق (بالحدود التي سمحت بها الدولة العثمانية). ثم جاءت الحرب، لتضع اتفاقية (1913) تحت التساؤل اعتماداً على قوة الجهات المتصارعة في المنطقة، وأن إيران كانت تعترض على الاتفاقية، وتريد أن يكون شط العرب الحد الفاصل بين العراق وإيران، أي يستمر خط الثالويك على طول النهر كله، أما العراق فيريد أن تكون الحدود هي الساحل الشرقي للنهر على طوله.
لقد علقت إيران موافقتها على التصويت لانضمام العراق لعصبة الأمم المتحدة لحين النظر باتفاقية حول شط العرب، واستمرت بهذا الموقف مما اضطر العراق إلى الطلب في سنة 1934 من عصبة الأمم النظر بالخلاف جرت مفاوضات مختلفة بين العراق وإيران في الربع الأخير من سنة 1936، انتهت بموافقة الحكومة العراقية على تخصيص مرسى لإيران مقابل عبادان بطول (4)كم لقاء اعتراف إيران ببروتوكول اسطنبول/القسطنطينية لعام 1913، وذلك في أواخر شهر تشرين الثاني 1936، وعد هذا الاتفاق تسوية لمسألة المياه في شط العرب ووقعت عليه طهران في تموز 1937، وعلى أساس قيام لجنة مشتركة لتثبيت الحدود النهائية في سنة 1938 على مبدأ أن شط العرب بمجمله تحت السيادة العراقية عدا منطقة بطول (4)كم يكون فيها خط الثالويك، (منتصف النهر)، في شط العرب هو الحدود المشتركة.
لقد حدثت الحرب العالمية الثانية، وثم دخل العراق وإيران في حلف بغداد، ولكن الأمر لم يحل نهائياً، وحدثت ثورة 14 تموز 1958، ثم الانقلاب الدموي في 8 شباط1963، وبعدها انقلاب 17ـ30 تموز 1968، وانتهزت حكومة شاه إيران الموقف غير المستقر للعراق لتعلن من جانب واحد في سنة 1969 إلغاء اتفاقية تموز 1937. علماً أن رغم كل هذه الأمور بقيت السيادة العراقية على مجمل النهر، أي أن الحدود تسير مع خط سير النهر في المنطقة الشرقية منه، عدا المنطقة المقابلة لعبادان، وباعتراف الأمم المتحدة وجميع الدول، وذلك باعتبار أن اتفاقية 1937 هي الاتفاقية المعترف بها دوليا.
انتهزت حكومة الشاه في إيران تجدد الثورة الكردية في شمال العراق، واستمرار الحركات العسكرية لتضغط على الحكومة العراقية، وحدثت بعض المناوشات مع إيران في سنة 1971، واستقر رأي الحكومة العراقية على التوصل إلى اتفاق مع إيران على حساب الحركة الكردية ومن يناصرها وحارب معها من العرب، وتوصلت مع الحكومة الإيرانية إلى اتفاقية الجزائر، برعاية الرئيس الجزائري بومدين، وذلك في 6/3/1975، تنازل فيها العراق عن حقوقه بموجب اتفاقية 1937، ليكون خط الثالويك هو الحدود المشتركة بين العراق وإيران وعلى طول شط العرب في المنطقة الحدودية، مقابل انسحاب حكومة الشاه من دعم الثورة الكردية، والتي انهارت مؤقتاً إثر هذه الاتفاقية. وبدأت الدوائر الإيرانية بتسمية شط العرب، أروند أو أرفند (أي نهر أروند Arvand Rud)، واستمرت هذه التسمية في إيران لحد الآن، علماً أن (الشاهنامة) استخدمت اسم "أروند" على دجلة وليس على شط العرب.
عاد العراق، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ليعلن من جانب واحد في أيلول 1980 إلغاء اتفاقية 1975، ( رغم انه قام بتوثيقها لدى الامم المتحدة في حينه ) ، لتبدأ الحرب العراقية الإيرانية!!، ثم رجع مرة أخرى وفي سنة 1992 ليعلن أنها سارية المفعول. في كل الأحوال فانه من الناحية " القانونية " و العملية بقيت اتفاقية 1975 سارية المفعول كأمر واقع معترف به، وذلك في زمن حكم صدام المقبور ، وما بعد الاحتلال، ولكن بنفس الوقت لم تثبت الحدود النهائية في شط العرب ، و كذلك لبقية الحدود العراقية – الايرانية البرية بالرغم من ان الحدود البرية بقيت على حالها حسب نصوص الاتفاقية الا ان غالبية علامات الحدود " الثايات " كانت قد رفعت من الحدود من قبل الجهات العراقية اثناء اندفاع الجيش العراقي الكاسح في بداية الحرب و خصوصا في مناطق الحقول العراقية المجاورة للحدود في محافظة ميسان اعتقادا بامكانية الحصول على اراض ايرانية ترى الحكومة العراقية انها اراض عراقية .
بقيت الحدود العراقية الايرانية غير مرسمة منذ توقيع الاتفاقية في سنة 1975 ولحد الآن، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى نتائج خطيرة على العراق ، حتى لو افترضنا أن هذه الاتفاقية سارية المفعول قانونياً. علما ان جميع الابار النفطية المحفورة في محافظة ميسان من قبل وزارة النفط في السبعينيات من القرن الماضي تقع في الجانب العراقي من الحدود اذ لم يتم أي اعتراض عليها من قبل الجانب الايراني في حينه ، اضافة الى ان وجود علامات الحدود التي تؤكد عراقية هذه الابار ، مع احتمال ان يكون جزء من حقل " فكة " النفطي داخل الحدود الايرانية ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان جميع الابار المحفورة فعلا هي داخل الاراضي العراقية و قسم منها قريب جدا من الحدود الايرانية .
ولكن ما حدث في بداية الحرب و اثناء الاكتساح العراقي الاول داخل الاراضي الايرانية ان تم رفع العلامات الحدودية و بالأخص في منطقة الحقول النفطية في محافظة ميسان ، و اصبحت هذه الحدود غير المعلمة من الناحية العملية منطقة " حرام " لا تتواجد فيها مظاهر مسلحة ، و ذلك منذ انتهاء الحرب و طوال فترة التسعينيات و لحد حوادث فكة الاخيرة التي حدثت في كانون اول / 2009 .
وعلى ضوء المعلومات المتوفرة لدي فان الجانب الايراني مستعد لترسيم الحدود و لكن بشرط موافقة الجانب العراقي على اتفاقية 1975 ، اي قبول العراق بتناول " العلقم " الذي تمثله اتفاقية 1975 المشؤومة ، و التي هي في كل الاحوال تعتبر اتفاقية رسمية معترف بها من قبل المجتمع الدولي لحين الاتفاق بين الجابين العراقي و الايراني على الغائها أو تبديلها ، و هذا أمر صعب .
بنفس الوقت فان هناك جهات مؤثرة في السلطة العراقية الحالية تريد الغاء هذه الاتفاقية لانها كانت بين نظامي صدام و الشاه المرفوضين من الشعبين الايراني و العراقي ، و كانت الاتفاقية على حساب مصالح الشعب العراقي ، كما انها تتخوف من القبول بها لرفض الشعب العراقي لها . و لقد أكد وزير الخارجية العراقي في أواخر كانون الاول / 2009 ، و اثناء ازمة حقل فكة ، بأن ايران ترفض ترسيم جزء من الحدود و انما تريد ترسيم جميع الحدود بعد موافقة السلطة العراقية الحالية عليها ، اذ انه قال " ان موقفهم ( الايرانيين ) كان لن نتفاوض ما لم تقروا اتفاقية اتفاقية الجزائر ..... و ان اكبر ملف في وزارة الخارجية هو الملف مع ايران " ، و أضاف " ان الموقف العراقي الرسمي ، و خلال الحكومات العراقية الثلاثة المتعاقبة ، متحفظ على هذه الاتفاقية " ، لكنه اضاف مستدركا " ان ذلك لايعني ان العراق غير ملتزم بها " .
وهنا تكمن العقبة التي يجب تجاوزها من قبل السلطتين التشريعية و التنفيذية في العراق بشكل او بآخر ، و المفروض حلها وديا ، و عدم الانجرار وراء من يريد اشعال حرب اخرى مع الجارة ايران ، و بتأثيرات و ضغوط اميركية و اسرائيلية ، حيث لا يمكن قصف أو محاربة ايران الا من خلال العراق ، اذ ان غايتهما ( اميركا و اسرائيل ) تدمير ايران كما دمروا العراق ، و هذا أمر يجب ان يتجنبه العراق و جميع القوى الوطنية العراقية ، فالخاسر هنا هو العراق و الشعب الايراني و الرابح هو المحتل و اسرائيل وكل من يعتقد بغير ذلك فانه لم يستفد من تجارب الماضي . هذا و لقد ذكرت " السومرية نيوز " في 7 كانون ثاني 2010 ، و كذلك كررت الخبر وكالات الانباء الاخرى ، من ان وزيري الخارجية العراقي و الايراني اعلنا في مؤتمر صحفي مشترك عن " اتفاق بغداد و طهران على ترسيم الحدود و تطبيع الاوضاع الحدودية و عودتها الى ما كانت عليه قبل قضية بئر الفكة ..... و ان اللجان الفنية المشتركة بين البلدبن ستبدأ اجتماعاتها خلال الاسبوع القادم بشأن ترسيم الحدود " . كما يظهر فان الجانب العراقي قد وافق على اتفاقية 1975 .
إن الحرب العراقية الإيرانية كانت كارثة بالنسبة لمياه وبساتين شط العرب، وازدادت الكارثة تفاقما في السنوات الأخيرة لعدم توفر المياه العذبة الكافية لتمنع تدفق مياه الخليج المالحة من الدخول إلى جداول الشط، الذي يبلغ طوله حوالي 200كم وعرضه حوالي 232 متر في مدينة البصرة، و800 متر عند مصبه في الخليج العربي. لقد كانت منطقة شط العرب تحوي خمس نخيل العالم البالغ عددها ما يقارب (90) مليون نخلة، إذ كانت تحوي ما يقارب من (17 ـ 18) مليون نخلة، ولكن انتهت هذه الأشجار بنهاية سنة 2005، إذ مات منها (14) مليون نخلة، (9 مليون في العراق، و5 مليون في إيران) بسبب الحروب وملوحة ماء النهر والآفات الزراعية والإهمال، والباقي (3 ـ 4) مليون نخلة في حالة يرثى لها. ووصلت الأمور في سنة 2009 إلى انتشار الأمراض بين البشر وهجرتهم ونفوق الحيوانات وانتهاء البساتين بكاملها بسبب شحة المياه وارتفاع ملوحتها إلى درجة عالية جداً. لقد ذكرت صحيفة "الحياة" العربية اللندنية في 9/9/2009، بأن "نسبة الملوحة في شط العرب تجاوزت عشرة آلاف جزء /مليون ، " مما أدى إلى نفوق الحيوانات، وإغلاق مشروع مياه شرب سيحان نهائياً وهو مشروع يغذي الفاو والسيبة والقرى الواقعة على شط العرب بأكمله". وأشارت الصحيفة إلى أن أحد أسباب ملوحة شط العرب هو تحويل مجرى نهر كارون بـ"سداد غلق".
إن مشكلة شط العرب أكبر من ذلك بكثير، وكما أوضحنا سابقاً في سياق الدراسة، كما وأن هناك مناطق الغوارق والألغام، والتي يبلغ عددها حوالي (21) منطقة ، معظمها في الجانب العراقي، وهناك مناطق الترسيب والتي تتركز في ثلاث مناطق أحداها مصب نهر كارون، حيث أن هذا النهر يرسب الكثير من الرمل عند مناطق مصبه في شط العرب، مما كان يتطلب التطهير ( عمليات الكري ) المستمر لها، وهو أمر ليس بجديد.
إن الأمر الأهم الحالي في شط العرب هو التآكل الذي يحدث في الجانب العراقي من النهر، وتحدده وزارة الموارد المائية في كتاب لها موجه على مجلس الوزراء في أوائل 2007 بأنه يقع في سبع مناطق، ( منها في جزيرة أم الرصاص، ومنطقة سيحان، ومنطقة جنوب السيبة، وغربي منطقة المخراق، ومنطقة الهاتف).
أما الصحيفة الإلكترونية أصوات العراق، وفي تقرير لها من البصرة، باللغة الإنكليزية في 2/3/2008، تقول نقلاً عن أحد ضباط البحرية العراقية أن التآكل من الأراضي العراقية يبلغ حوالي (100) دونم سنوياً . إذ أنه يحدث على مسافة (6.5)كم من الساحل الغربي للنهر، ويتآكل ما معدل عرضه (3.5)متر من ضفة النهر في السنة. بالواقع هناك خطأ في مكان ما في هذه الأرقام، إذ أن هذه الأرقام ترينا تآكلاً سنويا في الأراضي العراقية يعادل (22750)م2، (أي 9.1 دونم عراقي)، وليس (100)دونم. إن التآكل موجود، وباعتراف رسمي من الجهات الحكومية العراقية، وبصورة مخيفة، وباعتقادي أن المسافة هي أكثر من 6.5كم، وقد يكون المقصود بها (65)كم.
إن التآكل يعني أن خط الثالويك يتحرك باتجاه العراق، إذ أن منتصف النهر ـ خط الثالويك ـ يتحرك مع حركة التآكل، وهذا لا يعني خسارة أراضي عراقية فحسب، ولكن يعني أيضاً خسارة في المياه الإقليمية والموانئ العراقية، وهذا ما أكده التقرير وحذر منه موقع "أصوات العراق" في آذار 2008، والمشار إليه أعلاه، حيث يقول أن البحارة، الذين قابلهم كاتب التقرير، يؤكدون أن "لو بقيت الأمور على ما هي عليه فإن الميناء العائم الرئيسي لتصدير النفط العراقي، خور العمية، سيكون يوماً ما داخل الحدود الإيرانية، وعند ذاك سوف لا يكون للعراق أي منفذ بحري". والآن ، ونحن في شهر كانون الاول / 2009 ، نرى بعض الجهات الإيرانية غير الرسمية تقول أن خور العمية يقع داخل المياه الإقليمية الإيرانية.
إن معرفة إيران بطريق سير شط العرب وأنه يسبب تآكلاً في الأرضي العراقية، لذا فإن من مصلحتها أن تماطل في تثبيت الحدود في شط العرب، هذا على افتراض موافقتنا لاتفاقية 1975 " المشؤومة " أصلاً. رغم ذلك إن من واجب الحكومة العراقية أن تأخذ الأمر بجدية تامة وبسرعة آنية لتثبيت الحدود، إذ الزمن يخلق أمراً واقعاً وهو ليس بصالح العراق بل يعمل ضده. و كما يظهر لنا فان الجانب الايراني يماطل في ترسيم الحدود ، فان كان الامر كذلك ، فعلى العراق ان يلجأ الى المحافل الدولية في حالة عجزه عن حل الامر وديا أو عن طريق وسيط يقبل به الطرفان .
اضافة لذلك فان على الجهات العراقية ان تتخذ الاجراءات الفورية لتقوية الجانب العراقي من شط العرب لمنع التآكل سواء باستخدام السداد أو التبطين الكونكريتي أو الحجري أو زراعة الضفة بالأشجار التي تتحمل الملوحة ، او باستخدام جميع هذه الطرق . المهم الحفاظ على الضفة العراقية من شط العرب من التآكل .
ومن الجدير بالذكر أن حادثتين قد وقعتا بعد الاحتلال، في مداخل شط العرب، قالت إيران أنهما تسلل لقوات بريطانية للمياه الإقليمية الإيرانية. الأولى حدثت في حزيران 2004 حيث احتجزت البحرية الإيرانية عدداً من القوات البريطانية لمدة يومين وأطلق سراحهم بعد مباحثات بين سترو وزير الخارجية البريطانية وخرازي وزير الخارجية الإيراني، ولكن بعد مصادرة الزوارق والأسلحة البريطانية من قبل إيران.
أما الحادثة الثانية فقد حدثت في سنة 2007، حيث تم إلقاء القبض على (15) بريطاني قالت إيران أنهم كانوا في مياهها الإقليمية، وتم "العفو" عنهم بعد (13) يوم وأطلق سراحهم. وعند النظر في المراجع المعلوماتية البريطانية حول هاتين الحادثتين، نرى أنها حددت منتصف النهر ـ بشكله الحالي ـ كخط حدود بين العراق وإيران، مما قد يعني أن بريطانيا ليس فقط تعترف باتفاقية 1975، و هذا أمر منطقي ، وإنما تعترف ايضا بالتغيرات التي حدثت على الأرض نتيجة التآكل الحاصل في الضفة العراقية من شط العرب.
مما ورد في أعلاه نجد أن صرخة "كاظم فنجان"، الكاتب الذي يحمل هموم العراق، والتي أطلقها في 30/9/2009 من صحيفة الزمان ، تحت عنوان: هل أغلقوا منافذنا البحرية؟، وهو يتحدث عما يسمى "المياه لإقليمية الكويتية"، يجب أخذها بجدية تامة. فالعراق يحاصر بحريا الآن من قبل كل من الكويت وإيران، ومن خلال "اتفاقيات مجحفة"، وقعت في ظروف غير طبيعية كانت موجودة في العراق، ولكن هذه المعاهدات معترف بها دولياً، والأدهى من ذلك والأمر أنها تفسر من قبل الجهتين المستفيدتين إيران والكويت، بالطريقة التي تريانها ملائمة لمصالحهما، بحيث لن يكون لدينا بالنتيجة أي منفذ بحري خلال الفترة القريبة القادمة في حال استمرار "ترك الحبل على الغارب".
إن الحكومات المتعاقبة لفترة ما قبل الاحتلال وما بعده، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، لم تعر الأمر الأهمية اللازمة، وحتى دون اللازمة. لم تستفد الجهات التي جاءت بمعية الاحتلال من "علاقاتها الطيبة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة وبريطانيا"، وكذلك لم تستفد الجهات التي جاءت من إيران، ولها علاقات طيبة مع إيران التي تؤكد باستمرار بأنها مهتمة بعلاقات حسن الجوار مع العراق، لحل هذا الأمر.
إن جميع الحكومات العراقية، ومنذ تكوين الدولة العراقية الحديثة، وحتى قبلها، كانت تدرك ضرورة وجود منفذ بحري واضح واسع يكفي لسد جميع احتياجات العراق، الأمر الذي يعتبر مسألة حياة أو موت للعراق، وكان هذا المنفذ هو السبب الرئيسي في كل المنازعات مع إيران والكويت، وسيبقى كذلك لحين إيجاد حل عادل له، إذ أنهما، وبمباركة أو مشاركة من المحتلين "قد أغلقوا منافذنا البحرية فعلاً".
ما هو الحل لشط العرب؟: أكملت إيران وبسرية تامة، بعد اتفاقية 1975، كري وتعميق نهر (جدول) شبه مندرس يدعى (بهمنشير)، وشيدت جسرين غاطسين لأجل رفع منسوب نهر كارون قبالة المحمرة، لتحويل الماء عن شط العرب إلى نهر بهمنشير، وثم ليستمر هذا النهر في سيره إلى الخليج العربي. عملياً انقطع جزء مهم من الماء "العذب" اللازم لاحياء الزراعة عن شط العرب اللازم لاحياء الزراعة في شرقي شط العرب، وكما أوضحنا سابقاً عند الحديث عن نهر كارون.
رغم أن الدراسات العراقية السابقة لم تأخذ بنظر الاعتبار مياه نهر كارون لتحلية شط العرب، إذ احتسبت كميات من دجلة والفرات لهذا الغرض، ولكن وضح في الوقت الحاضر ضرورة وجود مياه أخرى، مثل مياه كارون أو الكرخه للمساعدة في التحلية , ستعترض إيران على هذا الأمر، وستقول أن كارون نهر داخلي، بل حتى ليس نهرا عابرا للحدود. ولكن في الوقت الحاضر فإن شط العرب هو نهر دولي وذلك في حال اعتبار اتفاقية 1975 سارية المفعول!!، لهذا علينا التفكير بشكل آخر ، و يجب التحدث عنه بصوت عال في الوقت الحاضر .
إذا كانت إيران لا تريد أن تشارك في تحلية شط العرب، وتعتبر كارون نهراً داخلياً بالكامل، رغم أنه كان تاريخياً يصب في شط العرب في كل العصور، حتى قبل 1975 حين كان بالكامل تحت السيادة العراقية، أي أن هناك حقوقاً تاريخية عراقية في هذا النهر. وإذا كان شط العرب يمثل الحدود الدولية بين العراق وإيران، بعد 1975، فعند ذاك لا يمكن لأي طرف أن يتصرف بالمياه الحلوة الواردة إلى شط العرب إلاّ بالتنسيق مع الطرف الآخر.
إن إيران تصرفت لوحدها في نهر كارون، و ذلك بعد 1975، وأثّر تصرفها جداً في الوضع الزراعي والإنساني لسكنة منطقة شط العرب من العراقيين، وإذا استمرت على هذا الوضع وبدون مناقشة الأمر وتصحيحه، سوف يكون من حق العراق التصرف لوحده أيضاً في مياهه التي تدخل شط العرب.
إن أحد الحلول المقترحة لمشكلة المياه الحلوة في شط العرب، ولتجنب مياه الخليج المالحة للدخول إلى جداول البساتين، أو التأثير في محطات تغذية مياه الشرب المقامة على الشط، هو غلق شط العرب في منطقة ملائمة من القسم الأعلى للشط والخاضع بصورة كاملة للسيادة العراقية، أي أن الأراضي التي تقع على جانبيه عراقية ، و بناء سد يمكن أن يكون في منطقة جنوب البصرة، (وهو قد يكون نفس السد الذي كان مقترحاً في الدراسة السوفيتية ليكون خزاناً إضافياً و ذلك من خلال رفع مستوى المياه في نهر دجلة الى منطقة الفتحة شمال سامراء ، حيث اقترح بناء سد آخر في الفتحة لرفع مستوى مياه دجلة الى سد الموصل شمالا ، و بذا يكون نهر دجلة نفسه خزانا مائيا كبيرا) .
بنفس الوقت تحويل مجرى شط العرب إلى مجرى آخر جديد يمر بمحاذاة غرب البصرة. قد يكون هذا السد عال، و كما ان تحويل الماء إلى غرب مسار شط العرب الحالي يجب ان يتم من خلال أنابيب كونكريتية، أو جداول مبطنة بالكونكريت، كي تقوم بتوزيع المياه إلى بساتين ومدن محافظة البصرة الجنوبية، والمناطق الزراعية التابعة لها.
بنفس الوقت غلق كل مداخل الجداول المفتوحة حالياً على شط العرب، وعدم توصيل المسار الجديد المقترح إلى الخليج لئلا يتلوث بمياهه، وإنما يوجه الماء العذب الزائد ـ إن وجد ـ إلى مسار شط العرب الحالي. إن هذا الوضع يجعل مياه شط العرب الحالي تأتي فقط من مياه الخليج، ويكون فقط للملاحة وليس لاستخدامات أخرى شأنه شأن أي مجرى لمياه بحرية.
إنني لست "خبيراً" في هندسة الري، وإنما فقط أطرح هذه الفكرة بصوت عال، قد تكون هذه الفكرة قد طرحت من قبل عدد من المختصين العراقيين أو غيرهم، ولهذا فإن من يقرر أمكانية تنفيذ مثل هذا الأمر هي وزارة الري، وأية جهة استشارية تعمل معها.
ولكن طرح هذه الفكرة إلى العلن، قد تساعد إلى أن يضطر الجانب الإيراني للاعتراض في البداية ، ومن ثم الدخول في مفاوضات مع العراق للوصول إلى حلول معقولة، خصوصاً إذا كانت هناك مشاكل تحول دون جعل شط العرب صالحاً للملاحة اعتماداً على مياه الخليج فقط مما سيؤثر في إيران أكثر من العراق بما يتعلق بالملاحة. هذا و ان سد البصرة مطلوب في كل الاحوال .
إن إيران لم تقل ما يقوله الأتراك، على الأقل لم تقله في العلن، و ذلك بأن الأنهار العابرة للأقطار، هي أنهار داخلية تعود إلى دولة المنبع، ولكنها عملياً تعمل وفق هذا الأساس، إذ أن جميع السدود التي أقيمت على كارون أو الكرخه أو ديالى، والأهم على الزاب الصغير، لم يؤخذ فيها رأي الجانب العراقي حيث استغلت ايران فترة الحرب بين الجانبين وتوتر موقفها مع العراق لمدة تقارب ربع قرن. من المفروض أن الأمر يختلف في الوقت الحاضر، وهناك حقائق سياسية تجعل أمكان التفاوض والتفاهم أكثر واقعية من ذي قبل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|