أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
3673
التاريخ: 16-10-2014
4231
التاريخ: 16-10-2014
1670
التاريخ: 29-04-2015
4665
|
نحن إذ نسير على هذا المنهج لا نتغافل صعوبة المسلك الذي نسلكه بهذا الصدد ، إنَّه بحث ذو جوانب خطيرة عن كتاب سماويّ احتفظ على أصالته في ذمّة الخلود ، وكفَّل سعادةً عُليا للبشريّة كافَّة إذا ما سارت على ضوء برامجه الحكيمة ، وتمسَّكت بعُرى حبْلِه الوثيق ، ومن ثمَّ فإنَّ الزلَّة في سبيل الوصول إلى حقائقه ومعارفه خطيرة ومخطرة في نفس الوقت ، ونسأله تعالى أن يمدَّنا بتوفيقه ويهدينا إلى طريق الحقِّ والصواب ، إنَّه قريبٌ مجيب .
نَظْمُ كلماته :
لا شكَّ أنَّ العامل في نظْم كلمات القرآن وصياغتها جُمَلاً وتراكيب كلامية بديعة هو : الوحي السماويّ المعجز ، لم يتدخَّل فيه أيّ يد بشرية إطلاقاً ، كما ولم يحدث في هذا النظْم الكلِمي أيّ تغيير أو تحريف عِبر العصور : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] إذ في ذلك يتجسَّد سرّ ذلك الإعجاز الخالد ، الذي لا يزال يتحدّى به القرآن الكريم ، ولمزيد التوضيح نعرض ما يلي :
أوّلاً : إسناد الكلام إلى متكلِّم خاصّ ، يستدعي أن يكون هو العامل في تنظيم كلماته وتنسيق أسلوبه التعبيري الخاصّ ، أمّا إذا كان هو مُنْتقِياً كلمات مفردة ، وجاء آخَر فنظّمها في أسلوب كلاميّ خاصّ ، فإنَّ هذا الكلام ينسب إلى الثاني لا الأوَّل .
وهكذا القرآن المجيد هو كلام الله العزيز الحميد ، فلابدَّ أن يكون الوحي هو العامل الوحيد في تنظيم كلماته جُمَلاً وتراكيب كلامية بديعة ، أمّا نفس الكلمات ـ من غير اعتبار التركيب والتأليف ـ فكان العرب يتداولونها ليل نهار ، إنَّما الإعجاز في نَظْمها جاء مِن قِبل وحي السماء .
ثانياً : كان القِسط الأوفر من إعجاز القرآن كامناً وراء هذا النَظْم البديع وفي أسلوبه هذا التعبيريّ الرائع ، من تناسب نغميّ مرِن ، وتناسق شِعريّ عجيب ، وقد تحدّى القرآن فُصحاء العرب وأرباب البيان ـ بصورة عامَّة ـ لو يأتوا بمِثل هذا القرآن ، و { لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }[ الإسراء : 88] ، فلو جوَّزنا ـ محالاً ـ إمكان تدخّل يد بشرية في نظْم القرآن كان بمعنى إبطال ذاك التحدّي الصارخ .
ومن ثمَّ كان ما يُنسَب إلى ابن مسعود : جواز تبديل العِهْن بالصوف في الآية الكريمة (1) ، أو قراءة أبي بكر : ( وجاءت سَكْرة الحقّ بالموت ) (2) مكذوباً ، أو هو اعتبارٌ شخصيٌّ لا يتّسم بالقرآنية في شيء .
ثالثاً : اتّفاق كلمة الأُمّة في جميع أدوار التاريخ : على أنَّ النظْم الموجود والأسلوب القائم في جُمَل وتراكيب الآيات الكريمة ، هو من صُنع الوحي السماويّ لا غيره ، الأمر الذي التزمت به جميع الطوائف الإسلامية على مختلف نزعاتهم وآرائهم في سائر المواضيع ، ومن ثمَّ لم يتردَّد أحد من علماء الأدب والبيان في آية قرآنية جاءت مخالفة لقواعد رَسموها ، في أخْذ الآية حجَّة قاطعة على تلك القاعدة وتأويلها إلى ما يلتئم وتركيب الآية ، وذلك عِلماً منهم بأنَّ النظْم الموجود في الآية وحي لا يتسرَّب إليه خطأ البتَّة ، وإنَّما الخطأ في فهْمِهم هُم ، وفيما استنبطوه من قواعد مرسومة .
مثال ذلك قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ }[ سبأ : 28] فزعموا أنَّ الحال لا تتقدَّم على صاحبها المجرور بحرف ، والآية جاءت مخالفة لهذه القاعدة ، ومن ثمَّ وقع بينهم جدل عريض ، ودار بينهم كلام في صحّة تلك القاعدة وسُقْمها (3) .
ولجَأ ابن مالك أخيراً إلى نبذ القاعدة بحجَّة أنَّها مخالفة للآية ، قال :
وسَبقُ حالٍ ما بحرف جرٍّ قد أبَوا ولا أمنعه فقد ورَد
تأليف الآيات :
وأمّا تأليف الآيات ضمن كلِّ سورة ـ على الترتيب الموجود ـ فهذا قد تحقَّق في الأكثر الساحق وفْق ترتيب نزولها ، كانت السورة تبتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فتُسجَّل الآيات التي تنزل بعدها من نفس هذه السورة ، واحدة تلو الأُخرى تدريجيّاً حسب النزول ، حتَّى تنزل بسْملة أُخرى ، فيُعرَف أنَّ السورة قد انتهت وابتدأت سورة أُخرى .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان يُعرَف انقضاء سورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً لأخرى ) (4) .
قال ابن عباس : كان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) يعرِف فصْل سورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ، فيعرف أنَّ السورة قد خُتمت وابتدأت سورة أُخرى (5) .
كان كتَبة الوحي يعرفون بوجوب تسجيل الآيات ضمن السورة التي نزلت بسْمَلَتُها ، حسب ترتيب نزولها واحدة تلو الأُخرى كما تنزل ، من غير حاجة إلى تصريح خاصّ بشأن كلِّ آيةٍ آية .
هكذا ترتَّبت آيات السوَر وفْق ترتيب نزولها ، على عهد الرسول الأعظم ( صلّى الله عليه وآله ) ، وهذا ما نسمّيه بـ ( الترتيب الطبيعي ) ، وهو العامل الأوَّل الأساسي للترتيب الموجود بين الآيات في الأكثرية الغالبة .
والمعروف أنَّ مُصحف عليّ ( عليه السلام ) وُضِع على دِقَّة كاملة من هذا الترتيب الطبيعي للنزول ، الأمر الذي تخلَّفت عنه مصاحف سائر الصحابة ، على ما سنشير .
* * *
وهناك عامل آخر عمل في نظْم قِسم من الآيات على خلاف ترتيب نزولها ، وذلك بنصٍّ من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وتعيينه الخاصّ ، كان يأمر ـ أحياناً ـ بثبْت آية في موضعٍ خاصّ من سورة سابقة كانت قد خُتمت من قبْل ، ولا شكَّ أنَّه ( صلّى الله عليه وآله ) كان يرى المناسبة القريبة بين هذه الآية النازلة والآيات التي سبَقَ نزولها ، فيأمر بثبْتها معها بإذن الله تعالى .
وهذا جانب استثنائي للخروج عن ترتيب النزول ، كان بحاجة إلى تصريح خاصّ : روى أحمد في مسنده عن عثمان بن أبي العاص قال : كنت جالساً عند رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إذ شخَصَ ببصرِه ثمَّ صوَّبه ، ثمَّ قال : ( أتاني جبرائيل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى }[ النحل : 90] ) فجُعلت في سورة النَحْل بين آيات الاستشهاد وآيات العهد (6) .
وروي أنَّ آخِر آية نزلت قولُهُ تعالى : { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ }[ البقرة : 281] فأشار جبرائيل أن توضع بين آيتَي الرِبا والدَين من سورة البقرة (7) .
وعن ابن عبّاس والسدّي : أنَّها آخِر ما نزلت من القرآن ، قال جبرائيل : ( ضعْها في رأس الثمانين والمئتين ) (8) .
وعن ابن عبّاس أيضاً قال : كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السوَر ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض مَن كان يكتب فيقول : ( ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ) (9) .
هذا ممّا لا خلاف فيه ، كما صرَّح بذلك أبو جعفر بن الزبير (10) .
ترتيب السِوَر :
وأمّا جمْع السوَر هو ترتيبها بصورة مصحف مؤلَّف بين دفَّتين ، فهذا قد حصل بعد وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) .
انقضى العهد النبوي والقرآن منثور على العُسُب ، واللِخاف ، والرقاع ، وقِطَع الأديم (11) ، وعِظام الأكتاف والأضلاع ، وبعض الحرير والقراطيس ، وفي صدور الرجال .
كانت السِوَر مكتملة على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) مرتَّبة آياتها وأسماؤها ، غير أنَّ جمعها بين دفَّتين لم يكن حصل بعد ؛ نظراً لترقّب نزول قرآن على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) ، فما دام لم ينقطع الوحي لم يصحّ تأليف السوَر مصحفاً ، إلاّ بعد الاكتمال وانقطاع الوحي ، الأمر الذي لم يكن يتحقّق إلاّ بانقضاء عهد النبوَّة واكتمال الوحي .
قال جلال الدين السيوطي : كان القرآن كُتب كلّه في عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتَّب السوَر (12) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) لعليّ ( عليه السلام ) : يا عليّ ، القرآن خلف فِراشي في الصحُف والحرير والقراطيس ، فخُذوه واجمَعوه ولا تضيِّعوه ) (13) .
وأوَّل مَن قام بجمْع القرآن بعد وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) مباشرة وبوصيّةٍ منه هو :
الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ثمَّ قام بجمْعه زيد بن ثابت بأمرٍ من أبي بكر ، كما قام بجمْعه كلّ من : ابن مسعود ، وأُبَي بن كعب ، وأبي موسى الأشعري وغيرهم ، حتّى انتهى الأمر إلى دَور عثمان ، فقام بتوحيد المصاحف وإرسال نُسَخ موحَّدة إلى أطراف البلاد ، وحملَ الناس على قراءتها وترْك ما سواها ـ على ما سنذكر ـ .
كان جمعُ عليّ ( عليه السلام ) وفْق ترتيب النزول : المكّي مقدَّم على المدَني ، والمنسوخ مقدَّم على الناسخ ، مع الإشارة إلى مواقع نزولها ومناسبات النزول .
قال الكلبي : لمّا توفّي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قعد عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في بيته ، فجمَعه على ترتيب نزوله ، ولو وُجِد مصحفُه لكان فيه عِلمٌ كبير (14) .
وقال عكرمة : لو اجتمعت الإنْس والجِنّ على أن يؤلّفوه كتأليف عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ما استطاعوا (15) .
وأمّا جمْع غيره من الصحابة فكان على ترتيبٍ آخر : قدَّموا السوَر الطِوال على القِصار ، فقد أثبتوا السبْع الطوال : ( البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، الأعراف ، يونس ) قبل المئين : ( الأنفال ، براءة ، النحل ، هود ، يوسف ، الكهف ، الإسراء ، الأنبياء ، طه ، المؤمنون ، الشعراء ، الصافّات ) ، ثمَّ المثاني : ( هي التي تقلّ آياتها عن مئة ، وهي عشرون سورة تقريباً ) ، ثمَّ الحواميم : ( السور التي افتُتحت بـ حم ) ، ثمَّ المفصَّلات : ( ذوات الآيات القِصار ) لكثرة فواصلها ، وهي السوَر الأخيرة في القرآن .
وهذا يقرب نوعاً ما من الترتيب الموجود الآن ـ على ما سيأتي ـ .
نعم ، لم يكن جمْع زيد مرتّباً ولا منتظماً كمُصحف ، وإنَّما كان الاهتمام في ذلك الوقت على جمع القرآن عن الضياع ، وضبط آياته وسوَره حذراً عن التلف بموت حامِليه ، فدوّنت في صُحف وجُعلت في إضبارة ، وأُودعت عند أبي بكر مدَّة حياته ، ثمَّ عند عُمَر بن الخطّاب حتّى توفّاه الله ، فصارت عند ابنته حفْصة ، وهي النُسخة التي أخذَها عثمان لمقابلة المصاحف عليها ، ثمَّ ردّها عليها ، وكانت عندها إلى أن ماتت ، فاستلَبها مروان من ورَثَتها حينما كان والياً على المدينة من قِبل معاوية ، فأمَر بها فشُقَّت ، وسنذكر كلَّ ذلك بتفصيل .
_____________________
(1) القارعة : 5 / راجع تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة : ص19 .
(2) ق : 19 / راجع تفسير الطبري : ج26 ، ص100 ، وأصل الآية ( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) .
(3) راجع شرح التوضيح لخالد الأزهري ، والكشّاف للزمخشري .
(4) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص19 .
(5) المستدرك للحاكم : كتاب الصلاة ، ج1 ، ص231 . تاريخ اليعقوبي : ج2 ، ص27 ، طبع الحيدري .
(6) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج1 ، ص62 .
(7) الإتقان : ج1 ، ص62 .
(8) مجمع البيان للطبرسي : ج2 ، ص394 .
(9) أخرجه الترمذي بطريقٍ حسَن والحاكم بطريقٍ صحيح . ( راجع البرهان للزركشي : ج1 ، ص 241 . وتاريخ اليعقوبي : ج2 ، ص36 ، طبع الحيدري ) .
(10) الإتقان : ج1 ، ص60 .
(11) العسيب : جريدة النخل إذا كشط خُوصها ، واللخف : حجارة بيض رقاق ، والأديم : الجِلد المدبوغ ، وهكذا ذهب السيد الطباطبائي إلى أنّه لم يُجمع القرآن على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) . ( راجع الميزان : ج3 ، ص78 ) .
(12) الإتقان : ج1 ، ص57 . مناهل العرفان للزرقاني : ج1 ، ص240 .
(13) بحار الأنوار : ج92 ، ص48 .
(14) التسهيل لعلوم التنزيل : ج1 ، ص4 .
(15) الإتقان : ج1 ، ص57 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|