أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-06
957
التاريخ: 2023-10-27
993
التاريخ: 24-12-2015
1803
التاريخ: 22-7-2017
1772
|
(أبو اليقظان عمار) بعين مهملة مفتوحة فميم مشددة فراء ابن ياسر بمثناة تحتية وبعد الألف سين مهملة وراء.
ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن الوذيم بفتح الواو كسر الذال المعجمة وبعدها ياء مثناة تحتية وآخره ميم ويقال الوذين بالنون ابن تغلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بمثناة تحتية على وزن سام بن عنس بفتح العين المهملة وسكون النون وبعدها سين مهملة ابن مالك وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي العنسي مولى بنى مخزوم.
قال أبو عمرو في كتاب الاستيعاب كان ياسر والد عمار بن ياسر عربيا قحطانيا من عنس في مذحج الا ان ابنه عمار كان مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسر قدم مع أخوين له يقال لهما الحرث ومالك في طلب أخ لهم رابع فرجع الحرث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي فزوجه أبوه حذيفة أمة له يقال لها سمية فأولدها عمارا فمن هاهنا كان عمار مولى بنى مخزوم وأبوه عربي قحطاني لا يختلفون في ذلك وللحلف والولاء الذي بين بنى مخزوم وعمار وأبيه ياسر كان اجتماع بنى مخزوم على عثمان حين نال غلمان عثمان من عمار ما نالوا من الضرب حتى ناله فتق في بطنه وكسروا ضلعا من أضلاعه فاجتمعت بنوا مخزوم وقالوا والله لئن مات لقتلنا به أحدا غير عثمان. وكان عمار رضي الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين لا يغير شيبته.
قال أبو عمر ولم يزل عمار مع حذيفة بن المغيرة حتى مات وجاء الله بالإسلام فأسلم عمار وعبد الله أخوه وياسر أبوهما وسمية أمهما وكان إسلامهم قديما في أول الإسلام.
وقال غيره أسلم عمار بعد بضعة وثلاثين رجلا والنبي في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان يعذب هو وأخوه وأبوهما وأمهما في الله عذابا عظيما وكان رسول الله يمر بهم وهم يعذبون فيقول صبرا يا آل ياسر فان موعدكم الجنة ويقول لهم صبرا يا آل ياسر اللهم أغفر لآل ياسر وقد فعلت وكانت سمية أم عمار من الخيرات الفاضلات وهي أول شهيدة في الاسلام وقد كانت قريش أخذت ياسرا وسمية وابنيهما وبلال وجنابا وصهيبا فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فأعطوهم ما سألوا من الكفر وسب النبي صلى الله عليه وآله بألسنتهم واطمأن الأيمان في قلوبهم ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فالقوهم فيها ثم حملوا بجوانبها فلما كان العشى جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث ثم وجأها بحربة في قلبها فماتت وهي أول من أستشهد في الاسلام فقال عمار للنبي صلى الله عليه وآله يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ فقال صبرا يا أبا اليقظان اللهم لا تعذب أحدا من آل ياسر بالنار وفيهم انزل (ألا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان).
قال أبو عمرو: هذا مما أجمع أهل التفسير عليه.
وهاجر عمار مع النبي إلى المدينة فكان من المهاجرين الأولين وصلى القبلتين وشهد بدرا والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسنا وأختلف في هجرته إلى الحبشة فقال أبو عمرو أنه هاجر إليها وقيل لم يهاجر.
روى ابن عباس أنه قال في قوله تعالى (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) انه عمار بن ياسر (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) أنه أبو جهل بن هشام.
وعن علي " عليه السلام " قال: أستأذن عمار على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ائذنوا له مرحبا بالطيب ابن الطيب.
وعنه " عليه السلام " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه.
وعن خالد بن الوليد قال كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له فشكاني إلى رسول الله فقال من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الجنة تشتاق إلى ثلاثة على وعمار وسلمان.
وعن علي " عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله دم عمار ولحمه وعظمه حرام على النار.
وعن عائشة أنها قالت ما من أحد من أصحاب رسول الله أشاء إن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر انى سمعت رسول الله يقول عمار ملئ ايمانا إلى أخمص قدميه.
قال عبد الرحمن بن أبزى شهدنا مع علي " عليه السلام " صفين ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر (رض).
روى الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله يتبعونه كأنه علم لهم.
وروى أن مسعود البدوي وطائفة قالوا لحذيفة حين أحتضر وقد ذكر الفتنة إذا أختلف الناس فبمن تأمر قال عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فإنه يزول مع الحق حيث زال. قال أبو عمرو بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا.
وعن أبانة العكبري عن النبي صلى الله عليه وآله ما خير عمار بين أمرين الا أختار أشدهما.
وعن أبي بكر بن عياش في قوله تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) قال عمار.
وروى أبو بكر بن مردويه في كتابه والواحدي في أسباب النزول قال ابن عباس وقتادة لما هاجر النبي أسر أبو جهل عمارا وجعل يمسح رأسه وعفره وبقر بطن أمه وجعل يقول سب محمدا أو لأقتلنك فسبه ونجا وهرب فقال قومه عند النبي كفر عمار فقال النبي أن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الأيمان بلحمه ودمه، وجاء عمار إلى النبي باكيا فقيل له كيف أفلت قال وكيف يفلت من يسب رسول الله صلى الله عليه وآله ويذكر آلهتم بخير فجعل النبي يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فجاء جبرئيل " عليه السلام " يقول (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
وعن أحمد بن يونس قال سمعت أبا بكر بن عياش في قوله (امن هو قانت آناء الليل ساجدا) قال ساعات الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قال عمار (هل يستوي الذي يعلمون) قال عمار (والذين لا يعلمون) قال مواليه بنى المغيرة.
وأخرج الكشي في رجاله عن فضيل الرسان قال سمعت أبا داود وهو يقول حدثني بريدة الأسلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الجنة تشتاق إلى ثلاثة قال فجاء أبو بكر فقيل له يا أبا بكر أنت الصديق وأنت ثاني اثنين إذ هما في الغار فلو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله من هؤلاء الثلاثة قال أنى أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم قال ثم جاء عمر فقيل له يا أبا حفص ان رسول الله قال إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة وأنت الفاروق أنت الذي ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله من هؤلاء الثلاثة فقال انى أخاف ان أسأله فلا أكون منهم فيعيرني بذلك بنو عدى ثم جاء على " عليه السلام " فقيل له يا أبا الحسن ان رسول الله قال إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة فلو سألته من هؤلاء الثلاثة فقال " عليه السلام " أسأله أن كنت منهم حمدت الله فان لم أكن منهم حمدت الله قال: فقال على " عليه السلام " يا رسول الله أنك قلت إن الجنة لتشتقاق إلى ثلاثة فمن هؤلاء قال أنت منهم وأنت أولهم وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك وعمار بن ياسر يشهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلا وهو فيها كثير خيره ضيئ نوره عظيم أجره.
وعن جعفر بن معروف قال حدثنا الحسن بن علي بن نعمان عن أبيه عن صالح الحذاء قال لما أمر النبي ببناء المسجد قسم عليهم المواضع إلى كل رجل رجلا فضم عمار إلى على " عليه السلام " فبينا هم في علاج البناء إذ خرج عثمان عن داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وأعرض بوجهه قال: فقال على " عليه السلام " لعمار إذا قلت شيئا فرد على قال: فقال عليه السلام من كلامه:
لا يستوي من يعمر المساجدا * يظل فيها راكعا وساجدا
ومن يرى عن الطريق حائدا قال فأجابه عمار كما قال فغضب عثمان من ذلك فلم يستطع ان يقول لعلى شيئا فقال لعمار يا عبد يا لكع ومضى فقال على " عليه السلام " لعمار هنيت بما قال لك الا تأتى النبي فتخبره قال فاتاه فأخبره فقال يا نبي الله ان عثمان قال لي يا لكع فقال رسول الله من يعلم ذلك قال على " عليه السلام " قال فدعاه وسأله فقال له كما قال عمار فقال لعلى أذهب فقل له حيث ما كان يا عبد يا لكع أنت القائل لعمار يا عبد يا لكع فذهب علي عليه السلام فقال له ذلك فانصرف.
وعن علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد الله " عليه السلام " قال كان رسول الله وعلى " عليه السلام " وعمار يعملون مسجدا فمر عثمان في بزة له يخطر فقال على أرجز به فقال عمار:
لا يستوي من يعمر المساجدا * يظل فيه راكعا وساجدا
ومن تراه عائدا معاندا * عن الغبار لا يزال حائدا
قال فإني النبي (ص) فقال ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا فقال رسول الله أفتمنن بذلك فنزلت آيتان يمنون عليك إن أسلموا الآية ثم قال النبي صلى الله عليه وآله لعلى " عليه السلام " اكتب هذا في صاحبك ثم قال النبي اكتب هذه الآية. انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله.
وعن محمد بن أحمد بن حماد المروزي قال عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ألقته قريش في النار يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فلم يصبه منها مكروه وقتلت قريش أبويه ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول صبرا يا آل ياسر موعدكم الجنة ما تريدون من عمار، عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان عمار عمار جلدة بين عيني وأنفي تقتله الفئة الباغية.
وهو أول من بنى مسجدا لله تعالى في الإسلام بنى مسجد قبا وكان الناس في بناء المسجد النبوي ينقلون لبنة لبنة وهو ينقل لبنتين لبنتين فغشى عليه فاتاه رسول الله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول ويحك يا بن سمية الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الآخرة.
وعن حبيب بن أبي ثابت قال لما بنى المسجد جعل عمار يحمل حجرين حجرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا اليقظان الا تشفق على نفسك قال يا رسول الله أنى أحب أن أعمل في هذا المسجد قال ثم مسح ظهره ثم قال أنك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية.
وعن مجاهد قال رآهم وهم يحملون حجارة المسجد فقال رسول الله مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وتلك دار الأشقياء والفجار.
وروى الطبرسي في الاحتجاج عن أبان بن تغلب عن الصادق " عليه السلام " ان عمار بن ياسر قام حين تولى الخلافة أبو بكر فقال يا معاشر قريش يا معاشر المسلمين ان كنتم علمتم والا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بارئه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته فمروا صاحبكم ليرد الحق إلى أهله قبل ان يضطرب حبلكم ويضعف امركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويبلغ فيكم عدوكم فقد علمتم ان بنى هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلى " عليه السلام " من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه وإيثاره إياه بكريمته فاطمة " عليه السلام " دون من خطبها إليه منكم وقوله صلى الله عليه وآله انا مدينة الحكمة وعلى بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها وأنكم جميعا مضطرون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه فمالكم تحيدون عنه وتغيرون على حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلا أعطوه ما جعله الله له ولا تولوا عنه مدبرين ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين.
وشهد عمار قتال اليمامة في زمن أبى بكر فأشرف على صخرة وقال يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون إلى أنا عمار بن ياسر وقطعت أذنه وهو يقاتل أشد قتال.
واستعمله عمر على الكوفة وكتب معه إليهم كتابا مضمونه أنى بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود معلما ووزيرا وأنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من أهل بدر فاسمعوا لهما واقتدوا بهما وقد آثرتكم بهما على نفسي.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال رأيت عمارا وقد اشترى قتا بدرهم فاستزاد حبلا فأبى فجاذبه حتى قسمه نصفين وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة فقيل لعمران عمارا لا يحسن السياسة فعزله فلما ورد عليه قال له أساءك عزلنا إياك قال لئن قلت ذاك لقد سائني حين استعملتني وساءني حين عزلتني.
وعن سالم بن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف.
وروى الجوهري قال قام عمار يوم بويع عثمان فنادى يا معشر المسلمين إنا قد كنا وما كنا نستطيع الكلام قلة وذلة فأعزنا الله بدينه وأكرمنا برسوله فالحمد لله رب العالمين يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه هاهنا مرة وهاهنا مرة ما أنا امن أن ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم كما زعمتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله فقال له هشام بن المغيرة يا بن سمية لقد عدوت طورك وما عرفت قدرك ما أنت وما رأت قريش لأنفسها أنك لست في شيء من أمرها وإمارتها فتنح عنها وتكلمت قريش بأجمعها فصاحوا بعمار فانتهروه فقال الحمد لله رب العالمين ما زال أعوان الحق أذلاء ثم قام فانصرف.
قال الشعبي وأقبل عمار ينادى ذلك اليوم:
يا ناعي الإسلام قم فانعه * قد مات عرف وبدا منكر
أما والله لو أن لي أعوانا لقاتلهم والله لأن قاتلهم واحد لأكونن له ثانيا فقال على " عليه السلام " يا أبا اليقظان والله لا أجد عليهم أعوانا ولا أحب ان أعرضكم لما لا تطيقون.
وروى عياش بن هشام الكلبي عن أبي مخنف في أسناده انه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلى وجوهر فاخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكل كلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال لنا خذن حاجتنا من هذا الفئ وان رغمت به أنوف أقوام فقال علي عليه السلام اذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه فقال عمار أشهد الله ان أنفى أول راغم من ذلك فقال عثمان أعلى يا بن ياسر تجترئ خذوه فأخذوه ودخل عثمان فدعا به وضربه حتى غشى عليه ثم أخرج فحمل حتى أتى به منزل أم سلمة (ره) فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما أفاق توضأ وصلى وقال الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله تعالى فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمار حليفا لبني مخزوم يا عثمان أما على فاتقيته وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف اما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بنى أمية عظيم الشأن فقال عثمان وانك لها هنا يا بن القسرية قال فإنهما قسريتان - وكانت أم هشام وجدته قسريتين من نخلة - فشتمه عثمان وأمر به فاخرج فأتى به أم سلمة فإذا هي غضبت لعمار وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت أيضا وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وفعلا من نعاله وثوبا من ثيابه وقالت لأسرع ما تركتم من سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.
وروى آخرون ان السبب في ضرب عثمان لعمار انه مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل عبد الله بن مسعود فغضب عثمان على عمار لكتمانه إياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه وعندها وطأه عثمان حتى أصابه الفتق.
وروى آخرون ان المقداد وعمار وطلحة والزبير وعدة من أصحاب رسول الله اجتمعوا وهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار فكتبوا كتابا عددوا أحداث عثمان وما نقموا عليه وخوفوه به وأعلموه أنهم مواثبوه ان لم يقلع وقالوا لعمار أوصل هذا الكتاب لعثمان حتى يقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذي ننكره فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه ثم قال أعلي تقدم من بينهم فقال لأني أنصحهم لك قال كذبت يا بن سمية فقال عمار انا ابن ياسر فامر عثمان غلمانه فمدوا بيديه ورجليه وضربوه حتى أغمي عليه وكان ضعيفا كبيرا وقام إليه عثمان بنفسه ووطئ بطنه ومذاكيره برجليه وهما في الخفين حتى أصابه الفتق فأغمي عليه أربع صلوات فقضاها بعد الإفاقة فاتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب تحت الثياب لأجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم إن عمارا الزم بيته إلى أن كان من قتل عثمان ما كان.
أخرج الشيخ الطوسي (ره) في أماليه بإسناده عن أبي نجية قال سمعت عمار بن ياسر يعاتب أبا موسى الأشعري ويوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب " عليه السلام " وقعوده عن الدخول في بيعته ويقول له يا أبا موسى ما الذي أخرك عن أمير المؤمنين " عليه السلام " فو الله لئن شككت فيه لتخرجن عن الإسلام وأبو موسى يقول لا تفعل ودع عتابك لي فإنما انا أخوك فقال له عمار (رض) ما انا لك باخ أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يلعنك ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما هممت فقال له أبو موسى أفليس قد أستغفر لي قال عمار قد سمعت اللعن ولم أسمع الاستغفار.
وعن أبي مخنف قال لما نزل أمير المؤمنين ذا قار وقد خرج عليه طلحة والزبير بعث ابنه الحسن " عليه السلام " وعمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد ابن عبادة ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة فاقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرأوا كتاب على " عليه السلام " وهو من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالما وإما مظلوما وإما باغيا وإما مبغيا على فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا الا نفر إلى فان كنت مظلوما أعانني وان كنت ظالما استعتبني والسلام.
قال أبو مخنف فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن " عليه السلام " وعمار بن ياسر من ذي قار حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن وعمار ونزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم ثم سمعته يقول ما تركت في نفسي حزة أهم إلى من أن لا يكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار فلما دخل الحسن " عليه السلام " وعمار الكوفة أجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس.
قال أبو مخنف حدثني جابر بن زيد قال حدثني تميم بن حذيم الناجي قال قدم علينا الحسن " عليه السلام " ابن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس إلى على " عليه السلام " ومعهما كتابه فلما فرغا من قرائة كتابه قام الحسن وهو فتى حدث السن فقال أبى والله لأرثي له من حداثة سنه وصعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود فتساند إليه وكان عليلا من شكوى به فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله من علينا بنبوته وخصه برسالته وأنزل عليه وحيه واصطفاه على جميع خلقه وأرسله إلى الجن والإنس حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان وجحد الرحمن فصلى الله على محمد وآله وجزاه أفضل ما جزى المسلمين أما بعد فإني لا أقول لكم الا ما تعرفون ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " عليه السلام " أرشد الله امره وأعز نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب والى العمل بالكتاب والجهاد في سبيل الله وان كان في عاجل ذلك ما تكرهون فان في آجله ما تحبون إن شاء الله تعالى وقد علمتم ان عليا " عليه السلام " صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وحده وانه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ثم شهد معه جميع مشاهده وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم ولم يزل رسول الله عنه راض حتى غمضه وغسله وحده والملائكة أعوانه والفضل به عمه ينقل إليه الماء ثم أدخله حضرته وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من أموره كل ذلك من من الله عليه والله ما دعا إلى نفسه ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند وردها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه ولا خلاف اتاه حسدا وبغيا عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله والجد والصبر والاستعانة بالله والحقوا إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين " عليه السلام " عصمنا الله وإياكم بما عصم أولياءه وأهل طاعته وألهمنا وإياكم تقواه وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه واستغفر الله العظيم لي ولكم، ثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام.
قال جابر قلت لتميم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال ولما سقط عنى من قوله أكثر ولقد حفظت بعض ما سمعت، قال أبو مخنف ولما فرغ الحسن بن علي " عليه السلام " من. خطبته قام عمار فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال أيها الناس أخو نبيكم وابن عمه يستنفركم لنصر دين الله وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة إمامكم فحق دينكم أوجب وحرمة إمامكم أعظم أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل في ذي سابقة في الإسلام ليست لأحد وانكم لو حضرتموه بين لكم امركم إن شاء الله تعالى، قال فلما بلغ أبو موسى خطبة الحسن " عليه السلام " وعمار قام فصعد المنبر وقال الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله فجمعنا بعد الفرقة وجعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة وحرم علينا دماءنا وأموالنا قال الله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) فاتقوا الله وضعوا أسلحتكم وكفوا عن قتال إخوانكم اما بعد يا أهل الكوفة ان تطيعوا الله باديا وتطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المضطر ويأمن فيكم الخائف ان عليا انما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معهم من المسلمين وانا اعلم منكم بهذه الفتن انها أقبلت اشبهت وإذا أدبرت أسفرت انى أخاف عليكم ان يلتقي غاران منكم فيقتتلان ثم يتركان كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض ثم تبقى رجرجة من الناس لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر انها قد جائتكم فتنة لا يدرى من أين تؤتى تترك الحليم حيران كأن اسمع رسول الله صلى الله عليه وآله بالأمس يذكر الفتن فيقول أنت فيها نائما خير منك قائما وأنت فيها قائما خير منك ساعيا فشلوا سيوفكم وقصروا رماحكم ونصلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم وخلوا قريشا يرتق فتقها ويرأب صدعها فان فعلت فلأنفسها ما فعلت وان أبت فعلى أنفسها ما جنت وتصلى هذه الفتنة من جناها، فقام إليه عمار بن ياسر (ره) فقال أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك فقال نعم هذه يدي بما قلت فقال إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك واتخذ عليك الحجة فالزم بيتك ولا تدخلن في الفتنة اما انى اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عليا " عليه السلام " بقتال الناكثين وسمى له فيهم من سمى وأمره بقتال القاسطين وان شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون ان رسول الله صلى الله عليه وآله انما نهاك وحدك وحذرك من الدخول في الفتنة ثم قال له اعط يدك على ما سمعت فمد يده فقال له عمار غلب الله من غابه وجاحده ثم جذبه فنزل عن المنبر.
وروى فروة بن الحرث التميمي قال كنت اعتزل الحرب بوادي السباع مع الأحنف بن قيس وخرج ابن عم لي يقال له جون مع عسكر البصرة فنهيته فقال لا أرغب بنفسي عن نصرة أم المؤمنين وحواري رسول الله فخرج معهم فإني لجالس مع الأحنف نستنشي الأخبار إذا بجون بن قتادة ابن عمى مقبلا فقمت إليه فاعتنقته وسألته عن الخبر فقال أخبرك العجب خرجت وانا لا أريد أن أبرح الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين فبينا انا واقف مع الزبير إذ جاءه رجل فقال ابشر أيها الأمير فان عليا لما رأى ما أعد الله من هذا الجمع نكص على عقبيه وتفرق عنه أصحابه وأتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال له الزبير ويحكم أبو الحسن يرجع والله لو لم يجد الا العرفج لدان إلينا فيه ثم أقبل رجل فقال أيها الأمير ان نفرا من أصحاب على فارقوه ليداخلو معنا منهم عمار بن ياسر فقال الزبير كلا ورب الكعبة ان عمارا لا يفارقه ابدا فقال الرجل بلى والله مرارا فلما رأى الزبير ان الرجل ليس راجعا عن قوله بعث معه رجلا آخر وقال اذهبا فانظرا فعادا وقالا ان عمارا قد اتاك رسولا من عند صاحبه قال جون فسمعت والله الزبير يقول وانقطاع ظهراه وا جدع أنفاه واسوداد وجهاه ويكرر ذلك مرارا ثم أخذته رعدة شديدة فقلت والله ان الزبير ليس بجبان وأنه لمن فرسان قريش المذكورين وان لهذا الكلام لشأنا لا أريد ان أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة فرجعت إليكم ولم يكن إلا قليلا حتى مر الزبير بنا تاركا للقوم فاتبعه عمر ابن جرموز فقتله.
وأخرج الشيخ الطوسي في أماليه عن موسى بن عبد الله الأسدي قال لما انهزم أهل البصرة أمر علي بن أبي طالب " عليه السلام " ان تنزل عائشة قصر بنى خلف فلما نزلت جائها عمار بن ياسر فقال لها يا أمه كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف فقالت استبصرت يا عمار من أجل انك غلبت قال انا أشد استبصارا من ذلك اما والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على لحق وانكم على الباطل فقالت له عائشة أهكذا يخيل لك أتق الله يا عمار فان سنك قد كبر ودق عظمك وفنى أجلك وأذهبت دينك لابن أبي طالب فقال عمار أنى والله اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فرأيت أن عليا أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بتأويله وأشدهم تعظيما لحرمته وأعرفهم بالسنة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وعظم عنائه وبلائه في الإسلام فسكتت.
(وروى) نصر بن مزاحم في كتاب (صفين) قال:
لما أراد أمير المؤمنين " عليه السلام " المسير إلى الشام استشار من معه من المهاجرين والأنصار فقام عمار بن ياسر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أمير المؤمنين أن استطعت ان لا تقيم يوما فافعل أشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى حظهم ورشدهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا فو الله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وكرامة منه.
وأخرج الطوسي (ره) في أماليه بإسناده عن الحسين بن أسباط الصيدي قال سمعت عمار بن ياسر (ره) يقول عند توجهه إلى صفين اللهم لو اعلم أنه أرضى لك ان أرمى بنفسي من فوق هذا الجبل لرميت بها ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد لنفسي نارا فأقع فيها لفعلت وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وانا أريد بذلك وجهك وانا أرجو أن لا تخيبني وانا أريد وجهك الكريم.
وروى قال خرج في اليوم الثالث من أيام صفين عمار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال وجعل عمار يقول يا أهل الإسلام تريدون ان تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما أراد الله ان يظهر دينه ويظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو والله فيما نر راهب غير راغب وقبض الله ورسوله لنعرفه وهو معروف بعداوة المسلم ومودة المجرم فالعنوه لعنه الله وقاتلوه فإنه ممن يطفئ نور الله ويظاهر أعداء الله وكان مع عمار زياد بن النصر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل في الخيل وصبروا له وشد عمار في الرجال فأزالوا عمرو بن العاص عن موقعه.
وروى عن حبيب بن ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا أبا اليقظان ألم تقل قال رسول الله قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا منى دماؤهم وأموالهم قال بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.
وروى أيضا بإسناده عن جندب بن عبد الله قال قام عمار بن ياسر بصفين فقال أمضوا عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون المنكرون العدوان الآمرون بإحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لإحداثه فقالوا ما أحدث شيئا وذلك لأنه مكنهم من دار الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت عليهم الجبال والله ما أظنهم يطلبون دمه انهم ليعلمون أنه الظالم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرئوها وعلموا لو أن الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يرعون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام ليستحقوا فيها طاعة الله والولاية فخدعوا اتباعهم أن قالوا قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذاك جبابرة ملوكا وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعه من الناس رجل اللهم ان تنصر يا فطال ما نصرت وان تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم ثم مضى ومضى معه أصحابه فلما دنى من عمرو بن العاص قال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فطال ما بغيت الإسلام عوجا ثم حمل عمار وهو يقول:
صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربى وكان جليلا
رب عجل شهادة لي بقتل * في الذي قد أحب قتلا جميلا
مقبلا غير مدبر ان للقتل * على كل ميتة تفضيلا
انهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا
من شراب الأبرار خالطه المسك وكأسا مزاجها زنجبيلا ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر، وذلك قبل مقتله فقال يا بن عمر صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الاسلام قال كلا ولكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم قال كلا أشهد على علمي فيك انك أصبحت لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله وانك ان لم تقل اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك ثم قال عمار اللهم انك لتعلم ان لو أعلم ان رضاك ان أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم أنك تعلم لو أعلم أن رضاك أن أضع ضبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت اللهم وإني أعلم مما علمتني أنى لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء القوم الفاسقين ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته.
وروى نصر أيضا بإسناده عن أسماء بن خارجة الفزاري قال كنا بصفين مع علي " عليه السلام " تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى وقد استظلينا برداء احمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال أيكم عمار بن ياسر فقال عمار انا عمار فقال أبو اليقظان قال نعم قال إن لي إليك حاجة فأنطق بها سرا أم علانية قال أختر لنفسك أيهما شئت قال بل علانية قال فانطق قال أنى خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى ليلتي هذه فإني رأيت مناديا فقام فأذن وشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونادى بالصلاة ونادى مناديهم مثل ذلك ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلمها الا الله حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين " عليه السلام " فذكرت ذلك له فقال لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما يقوله لك فاتبعه فجئتك لذلك فقال عمار تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي فإنها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة فما هي بخيرهن ولا أبرهن بل هي شرهن وأفجرهن شهدت بدرا وأحدا ويوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرك عنها قال لا قال فان مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين وان مراكز هؤلاء على مراكز رايات المشركين والأحزاب فهل ترى هذا العسكر ومن فيه والله لوددت ان جميع من فيه ممن أقبل مع معاوية يريد قتالا مفارقا فالذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته والله لدمائهم جميعا أحل من دم عصفورا فترى دم عصفور حراما قال لا قال فإنهم كذلك حلال دماؤهم أتراني بينت لك قال قد بينت قال فاختر أي ذلك أحببت فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال اما انهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا والله ما هم من الحق على ما يقذى عين ذباب والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على حق وأنهم على باطل، وقد تضافرت الروايات ان النبي صلى الله عليه وآله قال عمار بن ياسر جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية.
وفى صحيح مسلم عن أم سلمة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية.
وروى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبى سعيد الخدري في الحديث السادس عشر من افراد البخاري قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار فقتله معاوية.
وروى نصر عن حفص بن عمران الأزرق الدحمي قال حدثني نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه لولا أن رسول الله أمر بطاعتك ما سرت معك هذا المسير اما سمعت رسول الله يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية.
وروى نصر في كتاب صفين بينا على واقفا بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أبناه قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام من يدل على أبى نوح الحميري فقيل له قد وجدته فما تريد قال فحسر عن لثامه فإذا وذو الكلاع الحميري ومعه جماعة من أهله ورهط فقال لأبي نوح سر معي قال إلى ابن قال إلى أن تخرج من الصف قال وما شأنك قال إن لي إليك حاجة قال أبو نوح معاذ الله ان أسير إليك إلا في كتيبة فقال ذو الكلاع بلى فسر فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد ان أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار أبو نوح وسار ذو الكلاع فقال له إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص قديما في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الآن به فأعاده انه بزعم ان سمع رسول الله صلى الله عليه وآله قال يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفى إحدى الكتيبتين الحق وامام الهدى ومعه عمار بن ياسر فقال أبو نوح نعم والله أنه لفينا قال أنشدك بالله أجاد هو على قتالنا قال أبو نوح نعم والله ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم منى ولوددت انكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم وأنت ابن عمى قال ذو الكلاع ويلك على م تمنى ذلك منا فو الله ما قطعتك فيما بيني وبينك قط وان رحمك لقريبة وما يسرني أنى أقتلك قال أبو نوح ان الله قطع بالإسلام أرحاما قريبة ووصل به أرحاما متباعدة وأنى أقاتلك وأصحابك لأنا على الحق وأنتم على الباطل فقال ذو الكلاع فهل تستطيع ان تأتى معي صف أهل الشام فانا لك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بحال عمار وجده في قتال لعله أن يكون صلح بين هذين الجندين قلت وا عجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان على " عليه السلام " ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق يكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان على " عليه السلام " ويحذرون من قول النبي صلى الله عليه وآله تقتلك الفئة الباغية ويرتاعون لذلك ولا يرتاعون لقوله صلى الله عليه وآله في علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ولا لقوله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وهذا يدلك على أن عليا اجتهدت قريش كلها في مبدأ الأمر في اخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه حتى محى فضله ومزيته من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم. قال نصر فقال له أبو نوح انك رجل غادر وأنت في قوم غدر وان لم ترد الغدر أغدروك وإني إن أموت أحب إلى من أن أدخل مع معاوية فقال ذو الكلاع انا جار لك من ذلك أن لا تقتل ولا تسلب ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك وإنما هي كلمة تبلغها عمرو بن العاص لعل الله ان يصلح بذلك بين هذين الجندين ويضع عنهم الحرب والقتال فقال أبو نوح انى أخاف غدرتك وغدرت أصحابك، قال ذو الكلاع انا لك بما فلت زعيم قال أبو نوح اللهم انك ترى ما أعطاني ذو الكلاع وأنت تعلم ما في نفسي فاعصمني واختر لي وانصرني وأدفع عنى ثم سار مع ذي الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبيد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو يا أبا عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب مشفق يخبرك عن عمار بن ياسر فلا يكذب بك. قال ومن هو؟ قال هو ابن عمى هذا وهو من أهل الكوفة فقال عمرو وأرى عليك سيماء أبى تراب:
فقال أبو نوح على سيماء محمد وأصحابه وعليك سيماء أبى جهل وسيماء فرعون فقام أبو الأعور فسل سيفه وقال لا أرى هذا الكذاب اللئيم يسأبنا بين أظهرنا وعليه سيماء أبى تراب فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ابن عمى وجاري عقدت له ذمتي وجئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فقال عمرو بن العاص أذكرك بالله إلا ما صدقتنا ولم تكذبنا أفيكم عمار بن ياسر؟
قال أبو نوح ما أنا بمخبرك حتى تخبرني لم تسأل عنه ومعنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله عدة غيره كلهم جاد على قتالكم فقال عمرو سمعت رسول الله يقول إن عمار تقتله الفئة الباغية وأنه ليس لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار من عمار شيئا فقال أبو نوح لا إله إلا الله والله أكبر إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو والله الذي لا إله إلا هو إنه لجاد على قتالنا: قال نعم والله الذي لا إله إلا هو ولقد حدثني يوم الجمل انا سنظهر على أهل البصرة، ولقد قال لي أمس إنكم لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا إنا على الحق وانكم على الباطل ولكانت قتلانا في الجنة وقتلا كم في النار. قال عمرو فهل تستطيع أن تجمع بيني وبينه؟ قال نعم فركب عمرو بن العاص وابناه وعتبة بن أبي سفيان وذو الكلاع وأبو الأعور السلمي وحوشب والوليد بن عقبة وانطلق وسار أبو نوح ومعه شرحبيل بن ذي الكلاع بحمير حتى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحاب له منهم: الأشتر، وهاشم، وابن بديل، وخالد بن عمر، وعبد الله بن حجل، وعبد الله بن عباس. فقال لهم أبو نوح انه دعاني ذو الكلاع وهو ذو رحم فقال أخبرني عن عمار ابن ياسر أفيكم هو؟ فقلت لم تسأل عنه فقال أخبرني عمرو بن العاص في إمرة عمر بن الخطاب انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يلتقي أهل الشام وأهل العراق وعمار مع أهل الحق وتقتله الفئة الباغية نعم ان عمارا فينا فسألني أجاد هو على قتالنا فقلت نعم والله انه لأجد منى في ذلك ولوددت انكم خلق واحد فذبحه وبدأت بك يا ذا الكلاع فضحك عمار. قال أيسرك ذلك؟ قال نعم ثم قال أبو نوح أخبرني الساعة عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تقتل عمار الفئة الباغية قال عمار رحمه الله أقررته بذلك قال نعم لقد أقررته بذلك فأقر فقال عمار صدق وليضرنه ما سمع ولا ينفعه فقال أبو نوح فإنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه اركبوا فركبوا وساروا قال فبعثنا إليهم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر قد بهظني فذهب حتى إذا كان قريبا منهم نادى أين عمرو ابن العاص؟ قالوا هاهنا فأخبره بمكان عمار وخيله قال عمرو قل له فليسر إلينا.
قال عوف انه يخاف غدراتك وفجراتك فقال عمرو وما أجرأك على وأنت على هذه الحالة قال عوف جرأني على ذلك بصرى فيك وفى أصحابك وان شئت نابذتك الآن على سواء فقال عمرو انك لسفيه وإني باعث إليك ورجلا من أصحابي يواقفك فقال أبعث من شئت فلست المستوحش وإنك لا تبعث الأشقياء فرجع عمرو وأنفذ إليه أبا الأعور فلما توافقا تعارفا فقال عوف انى الا عرف الوجه وأنكر القلب وإني لا أراك مؤمنا ولا أراك إلا من أهل النار: قال أبو الأعور يا هذا لقد أعطيت لسانا يكبك الله به على وجهك في النار قال عوف كلا والله إني لا أتكلم إلا بالحق ولا تتكلم إلا بالباطل وإني أدعوك إلى الهدى وأقاتلك على الضلال وافر من النار وأنت بنعمة الله ضال تنطق بالكذب وتقاتل على ضلالة وتشترى العقاب بالمغفرة والضلالة بالهدى انظر إلى وجوهنا ووجوهكم وسيمانا وسيماكم واسمع دعوتنا ودعوتكم فليس أحد منا إلا وهو أولى بالحق وبمحمد صلى الله عليه وآله وأقرب إليه منكم فقال أبو الأعور لقد أكثرت الكلام وذهب النهار ويحك ادع أصحابك وأدعوا أصحابي وليأتي أصحابك في قلة ان شاءوا أو كثرة فإني أجئ من أصحابي بعدتهم فسار عمار في اثنى عشر فارسا حتى إذا كانوا بالمنصف سار عمرو بن العاص في اثنى عشر فارسا حتى اختلفت أعناق الخيل خيل عمرو وخيل عمار ونزل القوم واحتبوا بحمائل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص فقال له عمار اسكت فلقد تركتها وأنا الأحق بها منك فان شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك وان شئت كانت خطبة فنحن اعلم بفصل الخطاب منك وان شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك ونكفرك قبل القيام وتشهد بها على نفسك ولا تستطيع ان تكذبني فيها فقال عمرو يا أبا اليقظان ليس لهذا جئت إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم أذكرك الله إن لا كففت سلاحهم وحقنت دماءهم وحرصت على ذلك فعلى م تقاتلونا أو لسنا نعبد إلها واحدا ونصلي إلى قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن بنبيكم؟ فقال عمار الحمد لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولأصحابي القبلة والدين وعبادة الرحمن والنبي والكتاب من دونك ودون أصحابك الحمد لله الذي قررك لنا بذلك وجعلك ضالا مضلا أعمى وسأخبرك على ما أقاتلك عليه وأصحابك ان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني ان أقاتل الناكثين وقد فعلت وأمرني ان أقاتل القاسطين وأنتم هم. واما المارقون فلا أدرى أأدركها أم لا أيها الأبتر تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فإني مولى الله ورسوله وعلى مولاي بعدهما قال عمرو لم تشتمني يا أبا اليقظان ولست أشتمك فقال عمار (ره) وبم تشتمني أتستطيع ان تقول انى عصيت الله ورسوله يوما قط فقال عمرو ان فيك لمساب سوى ذلك فقال عمار ان الكريم من أكرمه الله كنت وضيعا فرفعني الله ومملوكا فاعتقني الله وضعيفا فقواني الله وفقيرا فأغناني الله قال عمرو فما ترى في قتل عثمان فقال فتح لكم باب كل سوء قال عمرو فعلى " عليه السلام " قتله قال عمار بل الله رب على قتله وعلى سعه قال عمرو فكنت فيمن قتله قال كنت مع من قتله وانا اليوم أقاتل معهم قال عمرو فلم قتلتموه قال عمار انه أراد ان يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو الا تسمعونه قد اعترف بقتل إمامكم فقال عمار قد قالها فرعون قبلك لقومه الا تسمعون فقاموا ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا وقام عمار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا وبلغ معاوية ما كان بينهم فقال هلكت العرب ان حركتهم خفة العبد الأسود يعنى عمارا.
وروى نصر عن زيد بن وهب الجهني ان عمار بن ياسر نادى يومئذ أين من يبغي رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا ولد قال فأتته عصابة من الناس فقال يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذي يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله ما كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله عليه.
وعن حبيب بن ثابت قال: لما كان قتال صفين والراوية مع هاشم بن عتبة قال جعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع قال فجعل يستحى من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم لمراكز الراية فإذا تناهت إليه الصفوف قال عمار أقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع فجعل عمرو بن العاص يقول انى لا أرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفانت العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا وجعل عمار يقول صبرا عباد الله الجنة تحت ضلال البيض.
وحدثنا عمرو بن شمر قال حمل عمار في ذلك اليوم على صفوف أهل الشام وهو يرتجز ويقول:
كلا ورب البيت لا أبرح أجئ * حتى أموت أو أرى ما أشتهي
لا أبرحن الدهر أحمي عن علي * صهر الرسول ذي الأمانات الوفي
ينصرنا رب السماوات العلى * ونقطع الهام بحد المشرفي
يمنحنا النصر على من يبتغى * ظلما علينا جاهدا ما يأتلي
قال فضرب صفوف أهل الشام حتى أضطرهم إلى الفرار.
وروى نصر عن عبد الخير الهمداني قال: نظرت إلى عمار بن ياسر يوما من أيام صفين قد رمى رمية غمي عليه فلم يصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدأ بأول شيء ثم بالتي تليها.
قال نصر وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت الشعبي يقول قال الأحنف بن قيس يقول والله إني لألى جانب عمار بن ياسر فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمار أحمل فداك أبي وأمي فقال له هاشم رحمك الله يا أبا اليقظان انك رجل تأخذك خفة في الحرب وإنما زحفت باللواء زحفا أرجو أن أنال بذلك حاجتي وإني ان خففت لم آمن الهلكة - وقد كان قال معاوية لعمرو ويحك ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وقد كان من قبل يرقل به ارقالا وان زحف اليوم زحفا انه اليوم الأطول على أهل الشام فان زحف في عنق من أصحابه انى لأطمع ان يقتطع - فلم يزل به حتى حمل فنظر إليه معاوية فوجه إليه جماعة أصحابه ومن يزن بالبأس والنجدة منهم في ناحية وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص ومعه يومئذ سيفان قد تقلد بأحدهما وهو يضرب بالآخر فأطافت به خيول على وجعل عمرو يقول يا الله يا رحمن ابني ابني فيقول معاوية اصبر فلا بأس عليه فقال عمرو ولو كان يزيد بن معاوية لصبرت فلم تزل حماة أهل الشام تذب عن عبد الله حتى نجى هاربا على فرسه: قال نصر وحدثنا عمر بن سعد قال وفى هذا اليوم قتل عمار بن ياسر أصيب في المعركة وقد كان حين نظر إلى راية عمرو بن العاص. قال والله انها لراية قاتلتها ثلاث مرات وما هذه بأرشدهن. ثم قال:
نحن ضربناكم على تأويله * كما ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله * يا رب انى مؤمن بقيله
وفى رواية أنه مضى ومعه عصابة وكان لا يمر بواد من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جاء إلى هاشم بن عتبة وكان صاحب راية على " عليه السلام " فقال يا هاشم أعورا وجبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو يقول:
أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا وعمار
يقول تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف. والموت تحت أطراف الأسل وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه وتقدم حتى دنى من عمرو بن العاص فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك فقال لا ولكن أطلب بدم عثمان قال أشهد على علمي فيك ان لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله تعالى وإنك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطى الله الناس على قدر نياتهم ما نيتك لعد فإنك صاحب الراية التي قاتلتها ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ما هي بأبر واتقى ثم استسقى وقد أشتد عطشه فاتته امرأة طويلة اليدين معها عسر وإداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب الجنة تحت الأسنة اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل ثم حمل وحمل عليه أبو جويرية السكسكي وأبو العادية الفزاري فأما أبو العادية فطعنه وأما أبو جويرية فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول انا قتلته فقال عمرو بن العاص ان تختصمان إلا في النار فسمعها معاوية فقال لعمرو ما رأيت مثلما صنعت اليوم قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهم إنكما تختصمان في النار فقال عمرو وهو والله ذلك وأنت لتعلمه ولوددت انى مت قبل هذا بعشرين سنة.
وروى وكيع عن شعبة عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال:
لكأني انظر إلى عمار وهو صريع فاستسقى فأتي بشربة من لبن فشرب فقال اليوم ألقى الأحبة ان رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلى أن آخر شربة اشربها في الدنيا شربة من لبن.
وعن حبة بن جويرية العرني قال قلت لحذيفة بن اليمان حدثنا فانا نخاف الفتن فقال عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق فان آخر رزقه ضياح من لبن قال حبة فشهدته يوم قتل يقول ائتوني بآخر رزق لي في الدنيا فأتي بضياح من لبن في قدح أروح بحلقة حمراء فما أخطأ حذيفة ثم قال اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه وقال والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت أننا على الحق وانهم على الباطل ثم قتل رضي الله عنه.
وقد كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول إن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمار تقتلك الفئة الباغية وآخر شرابك ضياح من لبن فقال ذو الكلاع لعمرو ويحك ما هذا فقال عمرو انه سيرجع إلينا ويفارق أبا تراب وذلك قبل ان يصاب عمار فلما أصيب عمار في هذا اليوم أصيب ذو الكلاع فقال عمرو لمعاوية والله ما أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا والله لو بقى ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى على ولأفسد علينا أمرنا.
قال نصر وروى عمر بن سعد قال كان لا يزال رجل يجئ فيقول لمعاوية وعمرو انا قتلت عمار فيقول له عمرو فما سمعته يقول فيخبطون حتى أقبل ابن حوى فقال فسألته قال عمرو فما كان آخر منطقه قال سمعته يقول اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه فقال صدقت أنت صاحبه اما والله ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربك.
قال نصر روى عمر بن شمر عن السدى ان رجلين بصفين اختصما في سلب عمار وفى قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال ويحكما أخرجا عنى فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما لقريش ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار.
قال الخوارزمي في (المناقب) وفرح بقتل عمار أهل الشام وقال معاوية قتلنا عبد الله بن بديل وهاشم بن عتبة وعمار بن ياسر فاسترجع النعمان بن بشير قال والله إنا كنا نعبد اللات والعزى وعمار يعبد الله ولقد عذبه المشركون بالرمضاء وغيرها من ألوان العذاب فكان يوحد الله ويصبر على ذلك وقال رسول الله صبرا يا آل ياسر موعدكم الجنة وقال له ان عمار يدعو الناس إلى الجنة ويدعونه إلى النار.
قال نصر: وكان عبد الله بن سويد الحميري من آل ذي الكلاع قال لذي الكلاع ما حديث سمعته من ابن العاص في عمار فأخبره فلما قتل عمار خرج عبد الله ليلا يمشى فأصبح في عسكر على " عليه السلام " وكان عبد الله من عباد أهل زمانه وكاد أهل الشام ان يضطربوا لولا أن معاوية قال لهم ان عليا قتل عمارا لأنه أخرجه إلى الفتنة ثم أرسل معاوية إلى عمرو لقد أفسدت على أهل الشام أكل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله تقوله فقال عمرو وقلتها ولست أعلم الغيب ولا أدرى ان صفين تكون قلتها وعمار يومئذ لي ولك رويت أنت فيه مثلما رويت فغضب معاوية وتنمر لعمرو وعزم على منعه خيره فقال عمرو لابنه وأصحابه لا خير في جوار معاوية ان تجلت هذه الحرب عنه لأفارقنه وكان عمرو بن العاص حمى الأنف فقال:
تعاتبني ان قلت شيئا سمعته * فقد قلت لو أنصفتني مثله
قبلي أنعلك فيما قلت نعل ثبته * وتزلق بي في مثل ما قلته
نعلي وما كان لي علم بصفين إنها * تكون وعمار يحث على قتلى
ولو كان لي بالغيب علم كتمتها * وكابدت أقواما مراجلهم تغلي
أبى الله إلا ان صدرك واغر * على بلا ذنب جنيت ولا ذحل
سوى انى والراقصات عشية * بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل
فلا وضعت عندي حصان قناعها * ولا حملت وجناء ذعلبة رحلي
فلا زلت أرعى في لوى بن غالب * قليلا غنائي لا أمر ولا أحلى
من الله أرجو من خناقك مرة * ونلت الذي رجيت ان لم أزر أهلي
وأترك لك الشام الذي ضاق رحبها * عليك ولم يهنك بها العيش من أجلى
فأجابه معاوية:
الان لما ألقت الحرب ركبها * وقام بنا الأمر الجليل على رجل
غمزت قناتي بعد ستين حجة * تباعا كأني لا أمر ولا أخلى
أتيت بأمر فيه للشام فتنة * وفى دون ما أظهرته زلة النعل
فقلت لك القول الذي ليس ضائرا * ولو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي
فعاتبتني في كل يوم وليلة * كأن الذي أبليك ليس كما أبلى
قيا قبح الله العتاب وأهله * ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل
فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلة * ترد بها قوما مراجلهم تغلي
دعاهم على فاستجابوا الدعوة * أحب إليهم من ثرى المال والأهل
إذا قلت هابوا حرمة الموت أرقلوا * إلى الموت أرقال الهلوك
إلى الفحل قال فلما انى عمر اشعر معاوية اتاه فأعتبه وصار أمرهما واحدا.
وروى عن الصادق " عليه السلام " انه قال لما قتل عمار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو على معاوية وقال يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا قال لما ذا؟ قال قتل عمار بن ياسر قال معاوية قتل عمار فماذا قال أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية قال معاوية رخصت في قولك أنحن قتلناه إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا فاتصل ذلك بعلي فقال فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين.
وروى صاحب (السياسة والإمامة) عن معاوية تأويلا آخر أشنع من هذا قال الباغية التي تبغى دم عثمان أي تطلبه.
وروى أنه لما قتل عمار احتمله أمير المؤمنين " عليه السلام " وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول:
وما ظبية تسبي القلوب بطرفها * إذا التفتت خلنا بأجفانها
سحرا بأحسن منه كلل السيف وجهه * دما في سبيل الله
حتى قضى صبرا وفى رواية أخرى: انه لما بلغ قتل عمار أمير المؤمنين " عليه السلام " جاء حتى وقف على مصرعه وجلس إليه ووضع رأسه في حجره وأنشد:
ألا أيها الموت الذي هو قاصدي * أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أودهم * كأنك تنحو نحوهم بدليل
ثم استرجع وقال إن من لا يسؤه قتل عمار فليس له من الإسلام نصيب رحم الله عمارا ما رأيت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا إلا هو رابعهم ولا أربعة إلا وعمار خامسهم ما وجبت الجنة لعمار مرة ولكن وجبت مرارا هناه الله بما هيأ له من جنة عدن انه قتل والحق معه وهو على الحق كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله يدور الحق مع عمار حيث دار ثم قال قاتل عمار وشاتمه وسالبه سلاحه معذب بنار جهنم، ثم تقدم " عليه السلام " وصلى عليه وتولى دفنه بيده.
قال أبو عمرو في كتاب (الاستيعاب) دفنه علي عليه السلام بثيابه ولم يغسله.
وقال المسعودي في (مروج الذهب) وكان قتله عند العشاء وله ثلاث وسبعون سنة وقبره بصفين وصلى عليه على " عليه السلام " ولم يغسله.
قال أبو عمرو: كان سن عمار يوم قتل نيفا وتسعين، وقيل إحدى وتسعين وقيل اثنين وتسعين. وقيل ثلاثة وتسعين. قال وكان عمار يقول انا ترب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن أحد أقرب إليه سنا مني، وكان قتله في شهر ربيع الأول وقيل الآخر سنة سبعة وثلاثين وقيل إن أبا العادية قاتل عمار عاش إلى زمن الحجاج فدخل عليه فأكرمه وقال له أنت قتلت ابن سمية يعنى عمارا؟ قال نعم قال من سره ان ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا ثم سأله أبو العادية حاجة فلم يجبه إليها فقال تعطى لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم انى عظيم الباع فقال من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثله المدينة والربذة أنه لعظيم الباع يوم القيامة والله لو أن عمارا قتله أهل الأرض لدخلوا كلهم النار وينسب إلى عمار من الشعر هذه الأبيات:
توق من الطرق أوساطها * وعد من الجانب المشتبه
وسمعك صن عن سماع القبيح * كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح * شريك لقائله فانتبه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|