أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-12-2015
972
التاريخ: 7-4-2016
21277
التاريخ: 28-4-2020
752
التاريخ: 16-12-2015
1735
|
اكتشاف الإلكترونات والذرات، أو الفيلة والبراغيث
«… إن علمنا لهو علمٍ حسي »
رالف والدو إيمرسون ١٨٣٠ لا يلمح إيمرسون في الاستشهاد السابق أن العلم متعلق بالحس الجسدي، إنما يعني أننا نبني نظريتنا العلمية على مدخلات حواسنا الخمس: اللمس والتذوق والسمع والنظر والشم، لكن عندما يتعلق الأمر بالنظريات التي تدور حول الذرة، تُخفق حواسنا. فنحن لا يمكننا أن نرى ذرة واحدة، أو نتذوقها أو نشعر بها أو نسمعها أو نشمها، وإذا قام أحدهم بضربنا على رأسنا بذرة واحدة من التنجستين (وهي ذرة غاية في الضخامة بالنسبة لباقي الذرات)، فإننا لن نشعر مطلقًا. وما يجعلنا غير مدركين لوجود ذرة واحدة هو أن الذرة الواحدة غاية في الصغر، فقد تصطف نحو عشرة ملايين ذرة مفردة لتصل إلى طول حبة الأرز، والأجزاء التي تتكون منها الذرة هي في منتهي الصغر. وتتكون النواة أو مركز الذرة من البروتونات والنيترونات، ويساوي نصف قطر البروتون تقريبًا فيمتومتر الذي يعادل واحدًا على كدريليون من المتر أو لتبسيطها يساوي نصف قطر البروتون واحد على مليون من واحد على بليون من المتر، يا له من حجم شديد الصغر! وتبلغ كتلة كل من البروتون والنيترون نحو واحد على سبتليون من الجرام (واحد على تريليون من واحد على تريليون من الجرام)، وهذا حجم شديد الصغر بأية معايير. وتقل كتلة الإلكترون نحو ألفي مرة عن كتلة البروتون والنيترون، فحجم الإلكترون بالنسبة لحجم البروتون كالبرغوث بالنسبة للفيل، وبالطبع البروتون هو الفيل، وعندما تحسب كتلة الفيل، احذر من أن تضيف كتلة البراغيث الموجودة على جسم الفيل، وكذلك الحال عندما نحسب كتلة الذرة، لا نضيف كتلة الإلكترونات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت جسيمات الذرة غاية في الصغر لدرجة أننا لا يمكننا أن نستخدم حواسنا لنكتشفها، كيف لنا أن نعرف بوجودها؟ الجواب هو بالاستدلال والاستنتاج؛ فلقد تعلمت البشرية منذ وقت طويل أن مدخلات الحواس يمكن خرقها، وما أكثر ما خُدِعَ البصر والشم واللمس! ومن ثم فلكي تُكْتَشَف طبيعة أجزاء العالم التي لا يمكن شمها أو لمسها أو رؤيتها، تعلم الناس أن ينظروا للتأثيرات غير المباشرة ويستنتجون الأسباب من ورائها. لقد اغتنم العالم المبجل إيرنست رازرفورد المفهوم جيدًا حينما كان James Chadwick في النصيحة التي أسداها لجيمس تشادويك تشادويك يبحث عن دليل على وجود النيترون، فقد سأله رازرفورد قائلًا: كيف يمكنك العثور على الرجل الخفي في زحمة مرور ميدان » من طريق رد فعل » : بيكاديلي الشهير في لندن؟ … ثم أجابه قائلًا
«. هؤلاء الذين نحاهم جانبًا بعد أن وصل إلى بعض ، وبالمثل أعلن جي. جي. طومسون J. J. Thomson الاستنتاجات من الأعمال التي أجراها بنفسه وأعمال الآخرين، عن وجود الإلكترونات عام ١٨٩٧ م. وعُيِّن للإلكترون شحنة سالبة بإجماع الآراء، واستطاع طومسون تحديد كمية الشحنات في الكتلة المعطاة من الإلكترونات من انحراف شعاع الإلكترونات في مجال مغناطيسي ويسبب هذا التفاعل الذي يحدث بين الإلكترونات والمجال المغناطيسي تشويش صورة التليفزيون في حالة وجود مغناطيس، إذ ينحرف شعاع الإلكترونات الموجود في أنبوبة أشعة الكاثود، التي تسبب حدوث التفسفر
) الوميض الفسفوري( على الشاشة، في وجود مجال مغناطيسي قريبًا منها، وبالطبع لا ينبغي للفرد أن يقرب مغناطيسًا من شاشة التليفزيون، إلا إذا كان يستطيع الاستغناء عنه، فهذا التفاعل يمكنه أن يسبب تلفًا دائمًا لمكونات الجهاز، أما إذا كان لدى الفرد جهاز يمكن الاستغناء عنه، فإنه سوف يستمتع أيما استمتاع بمشاهدة تأثيرات مثيرة.
لكن طومسون لم يحدد الطبيعة الذرية للمادة بطريقة لا تُدحض، فقد صمدت حتى ١٩٠٩ م حينما قدم جين برين الدليل القاطع بشأن الذرات، عندما قاس حركة جزيئات لقاح بالغة الصغر عالقة في الماء، ويمكن شرح ملاحظته المفصلة لهذه الحركة البراونية (سميت الحركة البراونية نسبةً إلى إذ افترض أن الذرات المتحركة (Robert Brown عالم النبات روبرت براون تدفعها ذهابًا وإيابًا، وقد أقنعت ملاحظاته المجتمع العلمي بصلاحية النموذج الذري، وبلا شك، استخدم النموذج بنجاح قبل برين ولكن من الجيد وجود مثل هذا الإثبات الرائع. وفي عام ١٩١٠ م، أدرك رازرفورد وجوب تألف الذرات من نواة مركزية كثيفة محاطة بفراغ فسيح، وقد أطلق بعض الجزيئات في حجم الذرة علي صفيحة رقيقة جدٍّا من الذهب ووجد أن معظم الذرات اخترقت رقائق الذهب لكن عددًا قليلًا ارتد للوراء، وقد علق رازرفورد على ذلك في عبارات طريفة لقد كان الأمر … كما لو أطلقت قذيفة قطرها خمس عشرة » : كعادته قائلًا
. بوصة على منديل ورقي ثم ارتدت من هذا المنديل واصطدمت بك ورجح رازرفورد أن هذه النواة التي تقع في مركز الذرة مكونة من جزيئات محتشدة بكثافة وذات شحنات موجبة. ثم استكمل بعدها مباشرةً قبيل مصرعه المبكر في جاليبولي في غضون — Henry Moseley هنري موسلي الحرب العالمية الأولى — تجارب الاستدلال على هذه الجزيئات، التي هي البروتونات. ٦ أما الجزيئات الأخرى في النواة وهي النيترونات فقد وُجدت صعوبات أكثر قليلًا لإثبات وجودها بسبب انعدام شحنتها. لكن جيمس شادويك عمل بنصيحة رازرفورد وأثبت أخيرًا وجودها عام ١٩٣٢ م، فقد قاس شادويك ارتداد إشعاعات معينة من النيتروجين والهليوم ووجد أنها تتوافق مع الجسيمات المتعادلة التي لها تقريبًا نفس كتلة البروتون. و قد استغرق الأمر حتى ثلاثينيات القرن الماضي لاكتشاف كل أجزاء الذرة مما أظهر كيف كان الأمر عسيرًا، وحتى ظهور كل الأجزاء لا يزال لم يحل اللغز بعد، فثمة سمات أخرى للذرة — ناهيك عن حجمها — تثير الحيرة، ومن إحدى هذه السمات كثافة النواة، وتساوي كثافة المادة كتلة الحجم المُعطَى، فعلى سبيل المثال، يكون لمكيال من الريش ولآخر من الحصاة نفس الحجم ولكن الكتل تختلف حتمًا. فمكيال الحصاة أثقل من مكيال الريش ومن ثم كثافته أكبر، وقد ذكرنا أن رازرفورد وجد أن الذرة محتشدة بكثافة لكننا لم نصرح بمقدار هذه الكثافة، لقد اتضح أن النواة، مع أبعادها المتناهية الصغر، فإنها تحتوي على مليون تريليون جرام في السنتيمتر المكعب الواحد، وبمقارنة هذا بكثافة الرصاص على سبيل المثال — التي تقترب من إحدى عشر جرامات في السنتيمتر المكعب — نجد أن الفرق يكمن في أن النواة تتكون من جزيئات محتشدة قريبة بعضها من بعض، في حين أن الذرة تكاد تكون فارغة. ويمكن تطبيق هذه المقارنة على الأرض والشمس، فإذا كانت نواة ذرة الرصاص هي الأرض، تعادل المسافة لأقرب إلكترون تقريبًا المسافة التي بين الأرض والشمس، بمعنى أن معظم الذرات هي مجرد فراغ، فإذا كنت تضع النوى وحدها في وعاء، فسيكون الأمر كما لو وضعت قطعًا صلبة من الرخام، وحينما تضع ذرات الرصاص في وعاء، فإنك في الحقيقة تكون كمن يصنع فقاعات من الفضاء الفارغ. والسؤال الذي قد يطرأ على الذهن على الفور هو: إذا كانت المادة تتكون من فقاعات دقيقة، فلماذا إذن لا نسقط في برك من الماء والطين؟ توجد إجابة غير مرضية وهي أن الإلكترونات تبقي حيثما تكون لأنها توجد في مدارات إذا كان للإلكترونات شحنة سالبة » : حول النواة، لكن قد يعترض أحدهم قائلًا وللبروتونات شحنة موجبة، لماذا لا تتجاذب هذه الشحنات المختلفة ولماذا لا ؟ تصطدم الإلكترونات بالبروتونات
وكما هو واضح، هذا السؤال ليس سؤال تافهًا وإنما هو سؤال يستحق الاهتمام. في Niels Bohr في أوائل القرن العشرين، ساعد العالم الشهير نيلز بور شرح الإجابة على هذا السؤال عن طريق توضيح أن الإلكترون مادام يتحرك فيمكن له أن يظل بعيدًا عن البروتون. ونستطيع أن نجري تشبيهًا آخر بالأرض والشمس؛ تجذب الجاذبية الأرضية هذين الجسمين معًا، إلا أن الأرض عن طريق التحرك في مدار خاص بها، يمكنها أن تستمر في الانحدار نحو الشمس لكنها لا تسقط فيها على الإطلاق. وبالمثل يمكن تطبيق الصورة نفسها على الإلكترون، فيمكن أن نعتبر أن الإلكترون يدور حول النواة ومن ثم ينجذب نحوها وليس فيها.
ومما لا شك فيه، أن القارئ لاحظ في الفقرة السابقة بعض العبارات يمكن أن » ولم نقل: شرح نيلز بور، و « ساعد نيلز بور في شرح » المقيدة، مثل وهذا المبدأ ضروري ،«… يدور الإلكترون » وليس « نعتبر أن الإلكترون يدور للغاية لأن التشابه ليس سوى مجرد تشابه، وهذا التشابه يعمل فقط عند المستوى الأولي النظري، ويتراجع التشابه سريعًا عندما يتطلب الأمر أي قدر من الدقة، ولن يكون لدينا أي تشبيه غاية في الدقة لأن علم الفيزياء عند المستوى الذري يختلف تمامًا عن علم الفيزياء الذي نلاقيه في حياتنا اليومية. وهكذا، ومع هذا الرأي السابق فسوف نعرض بنية الذرة تمامًا كما هي مفهومة في الوقت الحالي، ولنلاحظ أولًا الملامح الرئيسية التي تشيع معرفتها:
تتكون النواة التي هي مركز الذرة من جسيمات مشحونة بشحنة موجبة تسمى البروتونات وجسيمات منعدمة الشحنة متعادلة تسمى النيترونات، أما الإلكترونات، كما هو معروف للكافة، فهي جسيمات ذات شحنة سالبة تدور في مدارات حول النواة.
هنا مجازيٍّا وليس حرفيٍّا، ومع أن الصورة « المدار » ويستخدم مصطلح العامة هي لإظهار الإلكترونات وهي تدور حول النواة مثل القمر الصناعي، فإن الفراغ الذي تشغله الإلكترونات لا يمكن وصفه بدقة، وأفضل ما نستطيع أن نقدمه هو أن نصف منطقة غائمة ونعتبر أن الإلكترون موجود فيها، وللتأكيد على هذا الاختلاف، سنطلق على الفراغ الذي تشغله الإلكترونات حول وهذه المدارات قد تكون كروية .Orbit وليس مدار Orbital « مداريات » النواة الشكل، مثل تلك الأثقال المستخدمة في لعبة رفع الأثقال، أو تأخذ شكل تراكيب معقدة من حلقات وفصوص، لكني أود أن أؤكد مرة أخرى على أنه لا شيء في خبراتنا العامة بالفعل يشابهها تمامًا، من ثم لا تعد التشبيهات كاملة.
وتسوء المشكلة عندما يكون هناك أكثر من إلكترون في المناقشة، وهو ما يحدث مع كل عنصر يلي الهيدروجين، والإلكترونات هي جسيمات لها شحنة، والجسيمات التي لها شحنة تميل لأن ينجذب بعضها لبعض إذا كان لها
شحنات مختلفة ويتنافر بعضها عن بعض إذا كان لها نفس الشحنة، وخير مثال على هذا هو المجال المغناطيسي؛ فالأقطاب المختلفة للمغناطيس تتجاذب والمتشابهة تتنافر. ويصبح الموقف أكثر ظلمة مع الذرة حيث لا توجد تفاعلات شبه مغناطيسية بين إلكترون وإلكترون أو بين إلكترون وبروتون، لكن هناك كم هائل من الشحنات السالبة والموجبة التي يتفاعل بعضها مع بعض. وقد شبه الحاصل على جائزة نوبل الموقف في Enrico Fermi الفيزيائي أنريكو فيرمي إحدى المرات بقوارب تتمايل في الميناء، نحن نعلم بالبديهة أن حركة أحد القوارب تؤثر على باقي القوارب الأخرى والعكس، لكن بطرق غاية في التداخل والتعقيد لدرجة أنه لا يمكن التنبؤ بالحركة الأخيرة لأي قارب من القوارب في أي وقت. ويطلق من يدرسون مثل هذه الأمور) علماء ميكانيكا الكم النظريون( فحينما يكون لديك جسيمان ،« مشكلة الأجسام الثلاثة » على هذه المسألة اسم في وضع متحرك وينجذب أحدهما نحو الآخر، يمكنك أن تصف الموقف في معادلة، لكن حينما يكون لديك ثلاث جسيمات بينها انجذاب وتنافر وجميعها في وضع متحرك يحدث الكثير جدٍّا من الأشياء في معادلة واحدة دقيقة، وتكمن المشكلة في أنه مع وجود إحدى السحب الإلكترونية واستطاعتنا الإشارة إليها وقياسها، فإننا لا نستطيع أن نتنبأ سلفًا بالمكان الذي سوف تستقر فيه أو بالشكل الذي ستأخذه؛ فثمة عوامل كثيرة ومتغيرات عديدة بعضها غير معروف أو لا يمكن التعرف عليه، فالمشكلة تكمن في لب منهاج الاحتمالية المتعلق بالتركيب الذري. ولكن من حسن حظك أنك غير مُضطر لأن تعرف موقع كل سحابة كي تتنبأ بحالة الطقس. وبالاستناد على منهاج الاحتمالية، تستطيع نظرية ميكانيكا الكم أن تفسر بدقة الكثير من خواص الذرات والجزيئات وطرق تفاعلها، بل تتنبأ بها. وقد أصبح بوسع العلماء أيضًا فهم وحش صغير والتعامل معه، وهو الأيون. والأيون هو ذرة أو جزيء فقد بعض الإلكترونات أو اكتسب مزيدًا منها، مثلما حدث مع الملعقة البلاستيكية في تجربة الساحرة والماء عندما اكتسبت بعض الإلكترونات. ويعني وجود القليل جدٍّا أو الكثير جدٍّا من الإلكترونات أن الشحنة الموجبة للبروتون غير متوازنة وأن الأيون له شحنة موجبة صافية أو سالبة صافية، وفي حالة الملعقة البلاستيكية، نجد أن الإلكترونات قد انتقلت بالاحتكاك للملعقة واكتسبت الملعقة شحنة سالبة صافية، وثمة أشياء أخرى مشحونة تقدر على أن تؤدي خدعًا أخرى رائعة، مثل آلة التصوير المعجزة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|