أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-12-2015
992
التاريخ: 16-12-2015
938
التاريخ: 23-09-2014
1483
التاريخ: 15-12-2015
812
|
إنّ أكثر ما يعكر صفو روح الإنسان في الدنيا هو عدم الشعور بالأمان في شتى مناحي الحياة، وعدم الشعور بحلاوة الدنيا يعود في الغالب إلى عدم ثقة الإنسان بما بين يديه، فهو غير واثق من المستقبل ولا هو واثق من أبناء جنسه، لا سيما إذا كانت لدية نعمة أكثر فهو يجد نفسه عرضة لأمواج متلاطمة من الحقد والحسد والكراهية بما يجعل الدنيا مظلمة في عينيه.
واحدى النعم الروحية المتوفّرة في الجنّة هي الشعور بالأمن والأمان في جميع المجالات، فلا خوف من اندلاع الحرب ولا وجل من المخاصمات، ولا الحقد له وجود ولا الحسد، والعشق والوفاء يملأ الأرجاء، وكذلك المحّبة والاخوّة تحيط بالجميع.
نلاحظ في القرآن الكريم آيتين فيهما وصف جميل وغني للجنّة وهو «دار السلام» وهذا ما جاء في الآية الكريمة : {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ}.
(الأنعام/ 127)
وكذلك جاء هذا الوصف في قوله تعالى : {وَاللَّهُ يَدعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ}. (يونس/ 25)
ينقسم المفسرون في تفسيرهم لمعنى (دار السلام) إلى قسمين :
الأول : يرى أنّ السلام هنا يعني السلامة من كل ألم وآفة وبلاء، وهو من أوصاف الدار أي : الجنّة، فلا وجود هناك لصراع الناهبين في الدنيا المادّية ولا أثر للسلوكية المنحرفة لأصحاب الثروة الغافلين عن ذكر اللَّه، ذلك المكان خالٍ من الحروب وإراقة الدماء ولا مكان فيه للاستعمار والاستثمار، نعم هناك دار السلام والوئام والأمن والأمان «1».
الثاني : يرى أنّ السلام من أسماء اللَّه، وعلى هذا فدار السلام هي من قبيل المضاف والمضاف إليه، وهو إشارة إلى أنّ الجنّة دار اللَّه، وكلا المعنيين جميل رغم أنّ المعنى الأول يبدو مناسباً أكثر، لأنّ أصل هذه المفردة- بناءً على قول الراغب الإصفهاني- يعني الخلو والسلامة من العيب والنقص الظاهري والباطني، حتّى أنّ هذه المفردة أطلِقت على ذات الباري عزّ وجلّ كواحدة من صفاته وأسمائه الحُسنى، لأنّ ذاته المقدّسة سالمة من العيب والفناء.
ويظهر كذلك من جملة (لهم دار السلام) أنّها تتطابق والمعنى الأول. (تأمل).
وورد في حديث عن ابن عّباس أنّه قال : «دار السلام : الجنّة وأهلها لهم السلامة من جميع الآفات والعاهات والأمراض والاسقام، ولهم السلامة من الهرم والموت وتغير الأحوال عليهم، وهم المكرمون الذين لا يهانون أبداً، وهم السعداء الذين لا يشقون أبداً، وهم الفرحون المسرورون الذين لا يغتمون ولا يهتمون أبداً، وهم الأحياء الذين لا يموتون أبداً، فهم في قصور الدر والمرجان أبوابها مشرعة إلى عرش الرحمن والملائكة يدخلون عليهم من باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» «2».
وأخيراً تأتي تكملة هذا الموضوع في الآية الكريمة : {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ اخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ* لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَاهُمْ مِّنهَا بِمُخْرَجِينَ} «3». (الحجر/ 47- 48)
وبما أنّ كلمة «غل» تحتمل الكثير من المعاني الواسعة التي تدل في الغالب على الصفات الباطنية القبيحة التي تعكر صفو الروح والجسد والعائلة والمجتمع، لهذا يفهم من هذه الآية أنّ صدور أهل الجنّة خالية من الحقد ولا تحمل قلوبهم أي ضغينة وعداوة وكبر وحسد، فاللَّه قد نزع من قلوبهم كل هذه الصفات الرذيلة، فسادتهم روح الاخوة والمحّبة. وما أجمل وألطف مثل هذه الأجواء الخالية من تلك الصفات التي يخيم عليها الحب والعطف والسلام والوئام.
وحتى في الحياة الدنيا كلما أزيلت أمثال هذه الرذيلة من المجتمع كلما ساده الأمن والاستقرار، وعلى العكس من ذلك كلما انتشر وجود أمثال هذه الظواهر في أي بيت أو مجتمع أصبحت مصدراً للنزاعات الدامية والمؤسفة وسبباً لزعزعة الأمن والاستقرار.
وممّا يثير الاهتمام أنّ القرآن الكريم جعل الاستقرار الداخلي مكمّلًا للاستقرار الخارجي حيث يقول : لا يوجد في الجنّة تعب أو اضطراب، وينعدم فيها الخوف من زوال النعم، وهو الهاجس الذي يقلق بال الإنسان الذي ينعم بالخيرات ويكدّر عليه عيشه، وكل هذه الأسباب تجعل من نعم الجنّة هنيئة مستساغة «4».
__________________________
(1). بلغني وأنا أكتب هذه الجمل أنّ المستعمرين بقيادة أمريكا قد بدأوا قبل عدّة ساعات بهجوم على العراق وأنّ المئات من طائراتهم تضرب وبشكل متواصل جميع المنشآت الحيوية في هذا البلد (27/ 10/ 1369 المصادف ليوم 30 جمادى الثانية عام 1411).
(2). بحار الأنوار، ج 8، ص 194، ح 176.
(3). «غلّ» مشتقّة من كلمة «غلل» على وزن «بَلَل»، وتعني في الأصل النفوذ التدريجي للشيء، ولهذا يُقال للماء الذي يجري ويتسلل بين الأشجار (غلل)، وكذلك يقال للحسد والحقد والعداوة «غل» لأنّها تنفذ إلى القلب خفية وبالتدريج، وكذلك يطلق على الخيانة اسم «الغلول» لهذا السبب.
(4). ورد ما يشابه هذا المضمون مع بعض الاختلاف الجزئي في : الآية 43 من سورة الأعراف؛ والآية 35 من سورة فاطر.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|