أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-12-2015
9650
التاريخ: 24-09-2014
8069
التاريخ: 24-09-2014
9056
التاريخ: 23-11-2014
8360
|
هناك آيات في القرآن الكريم تشير إلى أنّ نبي اللَّه العظيم داود عليه السلام قد استغفر ربّه لعمل قام به، وأنّ اللَّه تعالى قد غفر له وذلك قوله : {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} (ص/ 24- 25).
ألم يكن استغفار داود والعفو عنه من قبل اللَّه سبحانه وتعالى دليلًا على صدور الذنب منه؟ وهل يتلاءم هذا ومقام عصمته؟
للحصول على جواب هذا السؤال لابدّ من الرجوع إلى القرآن، والبحث قبل كلّ شيء عن العمل الذي يرتبط به هذا الإبتلاء وتلك المغفرة.
تحكي الآيات التي سبقت آيات بحثنا أنّ خصمين تسوّرا محراب داود عليه السلام، ودخلا عليه على حين غرّة، ففزع لدخولهما المفاجىء عليه : {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ* إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِى الْخِطَابِ} (ص/ 22- 23).
فقال داود بدون تحقيق أو استفسار : {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ...} (ص/ 24).
هذه هي القصّة التي ذكرت في آيات القرآن بأكملها بلا زيادة أو نقصان.
هناك تفاسير مقبولة قدّمت تفسيراً مقنعاً لهذه الآيات، كما أنّ هناك روايات موضوعة وردت في بعض الكتب، تعرّضت لمعاني هذه الآيات بشكل مسيء ومشوّه.
أمّا ما يتّفق ومحتوى الآيات المذكورة، فهو القول : إنّ الشيء الوحيد الذي صدر من داود عليه السلام كان فقط تركه للأولى وذلك بتسرّعه في القضاء، لكن لا بتلك السرعة التي تكون على خلاف «واجبات» موازين القضاء، إذ «يستحبّ» للقاضي التمعّن أكثر ما يمكن، فلو ترك الأكثر واكتفى بالحدّ الأوسط أو الأقل فقد ترك الأولى، وهذا ما فعله داود، فقد قضى بظلم الأخ لأخيه الفقير، وربّما كان السبب وراء هذا التسرّع هو ذعره من دخولهما المفاجىء عليه في خلوته، فضلًا عن أنّ اجحافاً كهذا من قبل أخ لأخيه يبعث على الأسف والشفقة.
صحيح أنّ داود عليه السلام أصغى لادّعاء طرف واحد فقط، لكن سكوت الطرف الآخر وعدم التفوّه بأي كلام، أو اعتراض يعدّ في نفسه دليلًا على اعترافه، وعلى أيّة حال فمن آداب مجلس القضاء أن يطلب القاضي توضيحاً أكثر من الطرف المقابل وهذا ما لم يفعله داود.
وما استغفار داود إلّا لتركه الأولى، وقد تقبّل اللَّه تعالى توبته وغفر له.
وهو أفضل دليل على عدم صدور أي ذنب عن داود عليه السلام، والجملة الواردة في ذيل نفس هذه الآيات : {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} تشير إلى ذلك، كما أنّ هناك أوصافاً أخرى كثيرة في حقّه قد وردت في الآيات السابقة، ونُعت بتلك المنزلة الرفيعة عند اللَّه تعالى بحيث غدت سيرته نموذجاً لنبي الإسلام صلى الله عليه و آله يقتدى به، ولا شكّ أنّ هذا المعنى لا يتناسب مع العصيان والذنب أبداً.
حينما يصرّح القرآن في ذيل هذه الآيات ويقول : {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ ...}. (ص/ 26)
يتبيّن بكلّ وضوح أنّ خليفة اللَّه لا يذنب، ومسألة ردعه من اتّباع هوى النفس إنّما هي بمثابة الأمر ولا تدلّ على ارتكاب معصية، ومن هنا يتّضح مدى تفاهة تلك القصّة التي أبرزتها التوراة بشكل مُشوَّه، وبالغت في تضخيمها أكثر من الوضع الطبيعي، وربطت هذه القضيّة بحادثة مختلقة وهي عشق داود عليه السلام لزوجة أحد ضبّاط جيشه وهيامه في حبّها، والتدبير لقتله في خاتمة المطاف وأخذ زوجته.
تشتمل التوراة التي حُرِّفت عن مواضعها على بعض العبارات التي تبيّن مدى فظاعة هذه القصّة، والتي لا تسمح عفّة القلم ومنزلة الأنبياء عليهم السلام «1» بذكرها.
هذه القصص الموضوعة، والعبارات البذيئة تعدّ بنفسها أفضل دليل على تحريف التوراة الحالية.
من الطبيعي أنّ مثل هذا التحريف ليس غريباً بالنسبة لمحقّقي تاريخ التوراة على مدى آلاف السنين، لكنّ العجب إنّما هو من كيفية إقدام بعض المفسّرين المسلمين على نقل تلك الخرافات القبيحة في كتبهم، في الوقت الذي نقرأ في رواية عن علي أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «لا اوتى برجل يزعم أنّ داود تزوّج امرأة أُوريا إلّا جلدته حدّين حدّاً للنبوّة وحدّاً للإسلام» «2».
كما احتمل البعض كون هذه الحادثة إشارة إلى أنّ داود عليه السلام لم يأسف لنبأ مقتل اوريا في ميدان القتال كأسفه على غيره، وذلك لرغبته في الزواج من امرأته بعد مصرعه، ولكن من دون (اتّفاق مسبق) حول الموضوع.
لكن وكما أشار المرحوم السيّد المرتضى أيضاً، فانّ هذه التصرّفات وإن لم تعدّ ذنباً لكنّها ممّا تشمئزّ منها النفوس، ومعلوم أنّه لا ينبغي للأنبياء والأئمّة القيام بمثلها «3».
كما احتمل بعض المفسّرين أنّ العادة في ذلك الزمان كانت جارية على عدم تزويج المرأة الأيّم أبداً، وأنّ داوداً قد تزوّج زوجة اوريا بعد موته لتحطيم هذه السنّة الخاطئة.
لكنّ هذا التفسير أيضاً لا يتناسب بدوره مع ظاهر الآيات التي تبيّن صدور ترك الأولى من داود، لأنّ تحطيم هذه السنّة الخاطئة يعدّ واجباً فضلًا عن عدم كونه تركاً للأولى، إلّاأن
يقال : إنّ هذا العمل كان سبب العناء الروحي لُاوريا، كما جاء في إحدى الروايات «4».
لكن التفسير الأوّل هو الأنسب من بين هذه التفاسير.
__________________________
(1) لمزيد من الإطلاع راجع الكتاب الثاني ل «اسموئيل» (من كتب التوراة) الفصل الحادي عشر، الجملة الثانية إلى السابعة والعشرين، ثمّ نقدها وتحقيقها من التفسير الأمثل ذيل الآيات 21 إلى 25 من سورة ص.
(2) تفسير مجمع البيان، ذيل الآيات من سورة ص، كما ذكر الفخر الرازي نفس هذا الموضوع بعبارة اخرى.
(3) تنزيه الأنبياء، ص 91 و 92.
(4) عيون أخبار الرضا، ج 1، الباب 14، ص 154.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|