أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-05
![]()
التاريخ: 2024-11-12
![]()
التاريخ: 2024-12-25
![]()
التاريخ: 2024-08-12
![]() |
كانت بلاد النوبة منذ أقدم العهود مرتبطة بمصر ارتباطًا وثيقًا في معظم العصور، غير أن هذا الارتباط كانت تنحل عراه بعض الشيء في عهد الثورات التي كانت تشب في مصر من وقت إلى آخر، وقد ظلت الحال كذلك حتى عهد الأسرة الخامسة والعشرين، حين غزا الكوشيون مصر واستولوا عليها جملة، وظلوا يحكمونها حوالي قرن من الزمان إلى أن أجلاهم «بسمتيك الأول» عنها تمامًا حوالي عام 655 ق.م، وذلك حينما استولى على إقليم طيبة، وطرد آخر كوشي منها؛ ومنذ ذلك العهد بقيت دولة الفراعنة في «سايس» وفي «نباتا» منفصلتين بعضهما عن بعض. ويتساءل المرء الآن كيف يمكن تصوير العلاقات التي كانت بين الدولتين؟
وتدل شواهد الأحوال على أن الكوشيين لم يحاولوا الاستيلاء على مصر كرة أخرى، بل وجهوا كل اهتمامهم إلى الجنوب؛ إذ الواقع أن آمالهم كانت تتجه إلى الأرض السودانية الخصبة؛ ولا غرابة في ذلك فقد كانت المستعمرة المصرية القديمة لفراعنة مصر التي طالما أغدقت عليهم الخيرات العميمة، وذلك على عكس الأراضي القاحلة التي كانت تخترقها الشلالات في أعلى «وادي حلفا»، والشريط الطويل الضيق من الأرض المعروف باسم بلاد «النوبة السفلى»، التي تفصل مصر عن السودان. ولا بد أن نتعرف أولًا على الذكريات التاريخية التي ربطت مصر ببلاد كوش، والواقع أن الهزائم المستمرة التي تحملها القوم في مصر تساعدنا في الوصول إلى ذلك.
ومن جهة أخرى نعرف أنه لا «بسمتيك الأول» ولا ابنه وخليفته «نيكاو» قد تعدى سلطانهما حصن الحدود الجنوبية عند الفنتين؛ أي جهة الشلال الأول. على أن قيام حملة مصرية على بلاد الجنوب كان يقف في وجهها الضغط الكامن، الذي كان يتهددها من الشمال الشرقي، ويمنع ملوكها الساويين من أي عمل حربي في الجنوب؛ وذلك لأن الأحوال في آسيا الصغرى كانت دائمًا تدعو إلى الخوف والقلق، إذ كان يتوقع في كل لحظة أن يقوم جيش بلاد الشمال الشرقي كله بهجوم على مصر كما رأينا من قبل.
ومن جهة أخرى لا بد أن نعترف بوجود علاقات حربية أو اقتصادية بين المملكتين، يدل على ذلك أنه قد عثر في «ميت رهينه» (منف) على قطعة من مائدة قربان باسم الفرعون الكوسي «سن كا امن سكن» (حوالي 643–623 ق.م) (راجع Cairo Museum, J. D. E. Nr. 41293; Daressy, A. S. 109, P. 183-4, Gauthier, L. R. IV, P. 53 Nr. 2).
ولا شك في أن مصر كانت قبل كل شيء في حاجة إلى المحاصيل السودانية، وبخاصة ذهب جبال بلاد النوبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت بلاد النوبة الفقيرة في المحاصيل الزراعية في حاجة إلى استيرادها، ولو بكمية قليلة من مصر بعد أن استقلت عنها. وقد كانت تقف في وجه العلاقات التجارية على أية حال بين البلدين الشلالات التي كان لا يمكن اختراقها إلا في زمن الفيضان. وقد كان يزيد في هذه الصعوبات الطبيعية قبائل بلاد النوبة السفلى، الذين جبلوا على السلب والنهب، هذا وكانت السياسة الساوية متجهة نحو الشمال في حين كانت سياسة مملكة «نياتا» من جهة أخرى متجهة نحو الجنوب باستمرار، ومن ثم أصبحت العلاقات بين المملكتين تتناقص شيئًا فشيئًا، غير أنه حدث تغير في الموقف في عهد «بسمتيك الثاني»، كما سنرى بعد.
أما الأثر الثاني الذي نجد فيه علاقات بين مصر وبلاد كوش، فقد جاء في ورقة ديموطيقية مؤرخة بالشهر الرابع من عام 41 من حكم الملك «أحمس» (أبريل 529)، عثر عليها في الفنتين ومحفوظة الآن بمتحف برلين (راجع Museum Berlin Nr. 13615. W. Ericksen, Klio. 34 (1942), P. 56–61) ، وهذه الورقة خاصة على ما يظهر بسجل لأمير عن أناس ذاهبين إلى بلاد كوش، وقد جاء عليها البيانات التالية «كاتب … مشاة (؟): 130 رجلًا، مجدفون: 30 رجلًا، محارب: 50 رجلًا، مشاة (؟) 130 رجلًا، «نوبي»: س رجلًا، فلسطينيون: 60 رجلًا، سوري: 15 رجلًا.
ويفهم من هذه الأعداد أن الجنود الذين ذكرتهم كانوا ذاهبين لمحاربة بلاد كوش، أو لإخضاع بعض القبائل في بلاد النوبة السفلى، غير أن هذا العدد كان قليلًا لا يكفي لذلك. وتدل شواهد الأحوال على أن هؤلاء الجنود كانوا في حراسة قافلة تجارية، وبخاصة لأنه كان معهم كتاب. على أن وجود مثل هذا الحرس من الجنود يدل على أن هذه القوافل كان من الضروري حمايتها من اللصوص، حتى تصل إلى مملكة «نباتا».
وهكذا نرى أنه من أول عهد الملك «بسمتيك الأول» إلى عهد «أحمس الثاني» كانت معلوماتنا لا تزال قليلة، من حيث المتون التي في متناولنا الدالة على العلاقات التي بين مصر وبلاد كوش. ولا نزاع في أن العلاقات السياسية بين المملكتين لم تقم بأي دور قط، ومن ثم بقيت الأحوال كذلك حتى ظهر «قمبيز» الفارسي في مصر عام 525 ق.م.
وسنحاول فيما يأتي أن نتحدث عن الملوك الذين حكموا بلاد كوش، من بداية الأسرة السادسة والعشرين؛ أي منذ خروج الكوشيين من مصر نهائيًّا على يد الملك «بسمتيك الأول»، وانزواء ملوكهم في نباتا عاصمة ملكهم في الجنوب، إلى أن جاء «قمبيز»، واستولى على الديار المصرية ثم غزا بلاد كوش وأخضعها لسلطانه أيضًا. وسنحاول جاهدين في هذا الباب ذكر كل ما وصل إلينا عن هؤلاء الملوك وما تركوه من آثار باقية في بلادهم.
وعلى الرغم من أن ملوك كوش قد قصروا همهم على تنمية موارد بلادهم والانزواء فيها، وبعدهم عن العالم الخارجي حتى الفتح الفارسي، فإنهم كانوا يلقبون أنفسهم بالألقاب الفرعونية، ويدعون ملك مصر حتى نهاية دولتهم، وحتى بعد أن هزمهم بسمتيك الثاني كما سنرى بعد.
ويرجع الفضل في كشف النقاب عن أسماء ملوك كوش، وترتيبها من أول عهد بسمتيك حتى نهاية الدولة الكوشية إلى البحوث التي قام بها الدكتور ريزنر، ونشرها في عدة كتب قيمة أماطت اللثام عن حقائق بقيت مجهولة حتى عهد قريب (راجع هذه المصادر في The Harvard-Boston Archeological Expedition in the Sudan. A Progress Report on Publication by Down Dunham, in Kush, Journal of the Sudan Antiquities Service Vol. III, P. 70 ff).
يضاف إلى ذلك ما قام به كل من الأثريين «جارستانج» و«جرفث» و«ماكا دم» من حفائر كانت نتائجها مثمرة عن كشف النقاب عن تاريخ بلاد كوش (راجع The Temples of Kawa by M. F. Laming Macadam in 4 vol. Oxford University Press London 1949 ff).
وعلى الرغم من أن قائمة الملوك التي وضعها الأستاذ ريزنر، هي الأساس الذي يسير عليه علماء الآثار عند التحدث عن ملوك كوش، فإنه توجد نقاط يكنفها الغموض والإبهام، ولا أدل على ذلك من أن الملك الذي حاربه الملك بسمتيك الثاني وصده عن بلاده هو الملك «اسبالتا»، على حسب التاريخ الذي وضعه «ريزنر» لم يذكر لنا أي شيء عن هذه الحروب التي نشبت بينه وبين مصر، وكان الفوز فيها للجانب المصري كما حدثتنا النقوش المصرية التي عثر عليها حديثًا. يضاف إلى ذلك أن بسمتيك الثاني لم يذكر لنا اسم الملك الكوشي الذي حاربه، ومن أجل ذلك أفردنا فصلًا خاصًّا لهذه الحروب، وتناولنا فيه العلاقات بين الدولتين بشيء من التفصيل بقدر ما وصلت إليه معلوماتنا. ثم أتبعناه بفصل آخر عن ملوك كوش حتى بداية العهد الفارسي.
|
|
لشعر لامع وكثيف وصحي.. وصفة تكشف "سرا آسيويا" قديما
|
|
|
|
|
كيفية الحفاظ على فرامل السيارة لضمان الأمان المثالي
|
|
|
|
|
شعبة مدارس الكفيل: مخيَّم بنات العقيدة يعزِّز القيم الدينية وينمِّي مهارات اتخاذ القرار لدى المتطوِّعات
|
|
|