أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-13
575
التاريخ: 2024-08-27
372
التاريخ: 2024-03-13
808
التاريخ: 2023-07-11
1262
|
وجد للفرعونين «سيتي الأول» وابنه «رعمسيس الثاني» عدد عظيم من الجعارين منقوش عليها اسمهما وألقابهما، كما نقش على جعارين أخرى من هذا العهد عبارات قصيرة تشير إلى حوادث تاريخية، أو رموز دينية شائعة في معتقدات القوم مؤرخة باسميهما.
والواقع أن هذه الجعارين كانت على جانب عظيم من الأهمية في تحديد بعض الحوادث التاريخية الغامضة، أو تأكيد الحوادث المعلومة للباحثين في تاريخ الكنانة؛ ولذلك رأينا لزامًا علينا قبل أن نستعرض بعض هذه الجعارين، وما عليها من نقوش أن نضع هنا مختصرًا بسيطًا عن معنى هذه الجعارين من حيث المعتقدات الدينية، وكيف أصبحت لها قيمة تاريخية، وسنضرب صفحًا هنا عن استعمالها أختامًا للعامة والخاصة.
استعمل المصري منذ فجر التاريخ أسطوانات من الطين المنقوش لختم الأشياء التي كان يريد المحافظة عليها من أيدي العابثين كأواني الخمر، والزيت، وغيرها، ولكن على مر الأيام لاحظنا أنه استعمل بدلًا من هذه الأسطوانات أختامًا في هيئة جعارين (1)،ولا نعلم حتى الآن على وجه التأكيد سر هذا الانتقال؛ هذا فضلًا عن أننا لا نعلم ما للأسطوانات من أهمية دينية أو سحرية، في حين نعرف أن الجعران كان يعد في نظر القوم تعويذة قوية المفعول، والواقع أن الجعران أو الجعل الممثل في الحجر أو القيشاني كان يعد في نظر أفراد الشعب المصري ممثلًا لإله الشمس الخالق لكل شيء، والموجد لنفسه، ووالد شخصه؛ ولذلك كان يطلق عليه «خبري»؛ أي الخالق. وكلمة جعران تقابل في المصرية «خبر»، وهي مشتقة من الفعل خلق أو أوجد إلخ.
وتدل شواهد الأحوال على أن هذا الإله كان في الأصل إلهًا مميزًا عن الإله «رع» إله الشمس في مدينة «هليوبوليس»، ومن المحتمل أنه كان معبودًا شمسيًّا أصليًّا مميزة عبادته عن عبادة «رع» الذي كان مقرُّه الدلتا، وعلى أية حال فنجد في عهد الدولة الحديثة أن «خبري» كان أحد مظاهر الشمس في خلال اليوم؛ إذ كانت الشمس في الصباح «رع»، ووقت الظهيرة «خبري»، ووقت الغروب تُدعى «آتوم» على وجه التقريب.
وقد لفتت عادات الجعل الخاصة منذ القدم نظر المصري، فزعم أن في دحرجة هذه الحشرة لكرة الروث العظيمة التي ترى أمامه كثيرًا على الأرض تفسير لدحرجة إله الشمس كرة الشمس العظيمة في عرض السماء. وقد قال القوم: إن القوة التي تحرِّك كرة الشمس فتدحرجها قد مثلت على الأرض في الجعل؛ ولذلك أطلقوا على إله الشمس اسم «خبري»، يضاف إلى ذلك أعجوبة أخرى خاصة بطبائع الجعل أضفت عليه أهمية بعيدة المرمى، عظيمة التأثير في عقول سكان وادي النيل الأول؛ وذلك أنه كان يخرج من كرة الروث التي كان يدحرجها الجعل أمامه جعرانًا صغيرًا عندما كانت تحل ساعة فقسه، وهذا الرأي العتيق وجدناه فيما كتبه الكاتب «هورابولو»، غير أن الكاتب «فبر» قد برهن أن هذا الرأي خاطئ من أساسه (راجع M. J. H. Fabre, Souvenir Entomologique V. (1897) pp. 1–85)؛ إذ يقول: إن الكرة التي يدحرجها الجعل على الأرض لم تكن وظيفتها إلا طعامًا لهذه الحشرة، وكانت تتغذى بها في جحرها. أما البيضة التي تضعها أنثى الجعل فكانت في كرة من الروث أيضًا، ولكن كانت كمثرية الشكل، ولا ترى قط على ظهر الأرض؛ إذ كانت الأنثى تحضر هذه الكرة، وتضع البيضة في الحجر، وكان الروث الذي يحيط بها بطبيعة الحال وظيفته إطعام الدودة في بادئ تكوينها.
والواقع أن المصري لم يلحظ ذلك، بل فكر أن الجعل قد خرج من الكرة التي ترى على ظهر الأرض بصفة جعران صغير، ومن ثم ظن المصري القديم أنه ليس هناك فرق بين ذكر الجعل وأنثاه، فكانت كل الفصيلة في نظره تدحرج كورها المصنوعة من الروث أمامها، وتحمل فيها صغارها. وعلى هذا زعم المصري القديم عندما رأى الجعران الصغير خارجًا من الكرة أن فصيلة الجعران كانت كلها ذكورًا وحسب، وأن الجعل قد خلق أولاده بدون أنثى؛ أي إنها جاءت من كرة الروث التي وضعها هو نفسه، وعلى أية حال فإن الفكرة القائلة إن خالق الشمس كان خالقًا لنفسه قد علقت بذهن المصريين الأول، ومن ثم أصبح الجعل مصدر فكرة تكاثر ونمو في العقائد الدينية. ومن الغريب أن الفكرة القائلة بأن الجعل لا يضع إلا بيضة واحدة قد اتخذها الكتَّاب المسيحيون وسيلة تيسر لهم القول بأن الجعل في خلقه ما هو إلا طراز للمسيح؛ أي إنه ابن الإله الذي لم يلد غيره، ولا غرابة في ذلك فقد وجدنا الكتَّاب ينعتون المسيح أحيانًا بالجعل الطيب، أو جعل الإله (راجع St. Lukés Gospel. Budge The Egyptian Mummy P. 233 n. 1).
ولدينا فكرة أخرى يظهر أن لها علاقة بالجعل في الأزمان المتأخرة، وهي فكرة حياة الإنسان ثانية في عالم الدنيا، ولكن مما لا شك فيه أن المصري منذ أقدم عهوده لم يقرن الجعل بأية فكرة تدل على تجديد الحياة على الأرض، بل كان اعتقاده ينحصر في تجديد الحياة في العالم السفلي؛ ولذلك يوضع «جعل القلب»؛ أي الجعل الذي كان يحل محل قلب المتوفى من الحجر، وهو رمز للحياة المتجددة بدون مساعدة؛ لأن فصيلته كانت تلد نفسها بنفسها بدون مساعدة بخروج الجعل بكثرة من الكرة التي كان يدحرجها أمامه كما ذكرنا. وكان الجعل يمد نسله بالحياة كما تمد بني الإنسان كرة الشمس التي تتدحرج في عرض السماء، وعلى ذلك كان المصري يرجو بعد وفاته بمساعدة الجعل الذي يوضع في مكان قلبه أن يكون نصيبه محاكمة عادلة في قاعة العدل المزدوجة التي كان يحاكم أمامها يوم الحساب. وكذلك كان يرجو ألا تكون قوى الشر التي في العالم السفلي حربًا عليه، وأن تكون نتيجة وزن قلبه أمام حراس الميزان مرضية، غير أن هذا الأصل في محاكمة عادلة وحياة مجددة في العالم السفلي قد بدأت فكرته تبدو مرتبكة بدخول فكرة أجنبية عن تجديد الحياة على هذه الأرض، وقد زاد في ارتباكها ثانية فكرة المسيحيين حول بعثهم بأجسامهم الأصلية يوم القيامة؛ وهذا هو ما حدا بهم إلى القول بأن المسيح هو الجعل، وأن الجعل هو رمزه (راجع Hall. Catalogue of Egyptian scarabs p. XIX).
وقد أصبح الجعل منذ أن استُعمل خاتمًا، أو تعويذة للوقاية موحدًا بخرافات مختلفة خاصة باسم الإنسان. والنقوش التي نقرؤها على كثير من الجعارين شواهد عدل على تأثير مثل هذه الخرافات على عقل المصري، وعلى وجه عام يظهر أن الجعارين الصغيرة قد أخذت تعد بمثابة تعاويذ أكثر منها أختامًا؛ ولذلك كان يظن أنها تحمي حاملها من كل أنواع الأذى في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة. وفي الوقت نفسه إذا كانت حسنة النقش والتنسيق كانت تجلب السعادة كل السعادة لحاملها. فنجد مثلًا على جعران نقشًا يتضرع فيه للإله أن يمنح صاحبه «بداية سنة سعيدة»، كما نجد أن بعض السيدات كن يتزين بالجعران ليُرزقن غلمانًا، وكان الرجال يلبسون الجعل لأجل أن تبقى أسماؤهم على الأرض، وتخلد بيوتهم. وكان الحُجاج الأتقياء يلبسونها لتضع لهم سياحة سعيدة لبيت الإله «آمون» بالكرنك. وأحيانًا نجد مكتوبًا على الجعل بكبرياء ما يُشعر بأبدية مدينة «منف» مقر الإله «بتاح». ويلاحظ أن الإلهين اللذين كان المصريون يخصونهما بالذكر والتضرع إليهما في نقوش الجعارين هما: الإلهان «آمون رع»، والإله «بتاح»، وقد كان التضرع منصبًا على طلب حفظ حامليها من الأذى؛ وكذلك نجد أن التضرع للإلهة «باست» إلهة «تل بسطة»، (وتعد بنت «رع» وعينه)، والإله «خنسو» الذي كان يمثل القمر، وابن «آمون» كان شائعًا عند عامة القوم؛ ولذلك كان وجود اسم أي إله من هذه الآلهة تعويذة قوية المفعول. هذا ونجد بدرجة أقل أسماء الإلهة «موت» زوج «آمون»، والإلهة «بوتو»، «وازيت» إلهة الوجه البحري، والإلهة «إزيس» ممثلة حاملة ابنها «حور» الطفل، أما الإله «أوزير» إله الموتى فلم يظهر على الجعارين إلا نادرًا، ولم يرَقَّط اسمه على جعارين صغيرة، وهذا يدل على أن الجعارين الصغيرة العادية الاستعمال كان الغرض الأول منها هو حماية الأحياء لا الموتى، ولم يظهر شخص «أوزير» إلا على جعارين القلب التي كانت توضع على قلب المتوفى.
وكان الجعل بوصفه شيئًا دينيًّا يمثل في صورة الإله «خبري» غالبًا في أوراق البردي الخاصة بكتاب الموتى، وكذلك على جدران المقابر والمعابد، فكان الإله «خبري» يمثل في صورة جعل برأي إنسان أحيانًا، وأحيانًا أخرى يمثل بصورته الأصلية بوصفه معبودًا (راجع Book of the Dead C6ap. XXX)، يضاف إلى ذلك أن الجعارين الضخمة المصنوعة من الحجر كانت تنصب في المعابد، ولدينا أمثلة منها معبد الكرنك، وفي «المتحف البريطاني»، وبخاصة الجعران رقم 74، وهو من الجرانيت الأخضر، ويبلغ طوله خمسة أقدام، وارتفاعه قدمان وتسع بوصات، وعرضه قدمان وعشر بوصات، وكذلك جعران آخر باسم «رعمسيس الثاني» (رقم 1231)، ويبلغ طوله قدمان، وارتفاعه قدم واحد.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|