أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2015
1173
التاريخ: 27-11-2015
1625
التاريخ: 27-11-2015
1278
التاريخ: 27-11-2015
1247
|
1- لماذا طُرِحَ العدل كواحد من أصول الدين ؟
كما نعلم ووفق تقسيم الصفات الإلهيّة ، تقع صفة العدل في قسم الصفات الفعلية ، وتُعتبر واحدة منها ، لأنهّا صفة للفعل الإلهي ، ويخطر هنا السؤال الثاني : لأي الخصوصّيات فُصلتْ هذه الصفة عن سائر الصفات ، وأخذت مكانها كأصل مُستقل من أصول الدين الخمسة ؛ وأحياناً توصف مع ، «الإمامة» ، كأصلين خاصّين في المذهب الشيعي؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب الإلتفات إلى عدّة أمور :
1- الظرف الزماني لهذه المسألة ، التي ...من ناحية أصل ظهورها التاريخي هي من أوضح أسباب انفصال هذه الصفة عن بقية الصفات الإلهيّة.
...فقد شهد القرن الأول الهجري نزاعاً شديداً بين علماء العقائد الإسلاميّة ، حيث كان في أحد طرفيه جماعة الأشاعرة الذين كانوا يعتقدون بعدم إمكانية وصف الأفعال الإلهيّة بالعدل والظلم ، فهي فوق هذه الأمور ، وكل ما يصدر من اللَّه هو عين العدل ، حتى وإن أدخل جميع الأنبياء في النار ، وجميع الأشقياء في الجنّة؛ وكان طرفه الأخر جماعة الشيعة وجماعة المعتزلة ، «جماعة كانت تعتبر العقل كأحد المصادر الإسلاميّة» ، الذين كانوا يقولون ويعتقدون بحكمة اللَّه وعدله وعدم صدور شيء منه خلاف ذلك ، فلن يثيب الظالم ولن يعاقب المظلوم ، وعقلنا يدرك الحسن والقبيح بمقدار واسع ، ولا يصدر من اللَّه العادل والحكيم إلّا الفعل الحسن.
وكما لاحظنا فإنّ كثيراً من الآيات القرآنية أيدت هذه الحقيقة أيضاً.
وأدّى هذا الإختلاف إلى ظهور جماعة عُرفت باسم «العدلية» ، وعُرف أصل العدل ، وأصل الإمامة كأصلين خاصّين في المذهب الشيعي.
2- علاوةً على هذا ، فإنّ الكثير من صفات الفعل الإلهي تعود بالحقيقة إلى أصل العدل ، فمثلًا حكمة اللَّه ورازقيته ورحمانيته ورحيميته جميعاً واقعة في ظلّ عدالته ، وبالأساس إنّ العدالة بمفهومها الحقيقي الواسع ، أي وضع كل شيء في موضعه المناسب ، تشمل جميع الصفات الفعلية ، والأهم من الجميع هو أنّ مسألة «المعاد» ، و «مالكية اللَّه ليوم الدين» ، تنشأ بالحقيقة من عدالته سبحانه ، وهذه الخصوصّية تستلزم الإلتفات إلى هذا الأصل بصورة مستقلّة.
3- للعدل مفهوم واسع بحيث يشمل كُلًّا من العدالة العقائديّة ، والعدالة الأخلاقية ، والعدالة الاجتماعيّة ، وبذلك سينعكس من مسألة العدل الإلهي نورٌ على الملكيات الأخلاقية الإنسانية ، وعلى كافة القوانين الاجتماعيّة ، وكم لائقٌ بمثل هذا الاصل العقائدي الذي له مثل هذا الانعكاس الواسع أن يُعرّف كأحد أركان الإسلام ، ولو أنّنا لم نعثر في المصادر الإسلامية على آية أو رواية تدل بوضوح على صدور هذا الإنتخاب من قبل الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ويبدو انه انتخاب صادرٌ من قبل علماء الكلام والعقائد ، ولكن الدافع الأساسي له هو التأكيد والإهتمام الكثير الذي أولته الآيات والروايات لهذه المسألة بشكل كُلّي (1).
2- هل تتعارض هذه الأمور مع العدل الإلهي؟
يلاحظ وجود مواضيع مختلفة في القرآن والروايات الإسلاميّة تبدو بأنّها غير متناغمة مع مسألة العدل الإلهي من الناحية الإسلامية أحياناً ، ومن وجهة نظر بعض العلماء أحياناً اخرى ، مثل :
1- مسألة الشفاعة.
2- مسألة الجبر والتفويض.
3- مسألة القضاء والقدر.
4- تفاوت تقسيم الأرزاق ، ووجود الغنى والفقر معاً في المجتمات الإنسانية.
ومن المسلّم أنّ لكل واحدة من هذه المسائل من حيث الماهيّة والمحتوى بحثاً خاصاً ومفصلًا سنتطرق إليها جميعاً في محلّها الخاص ، ولكن يتوجّب هنا فقط أن نبحثها من ناحية عدم وجود تضاد فيما بينها وبين مسألة العدل الإلهي.
أمّا بالنسبة للشفاعة فالذين يعتقدون بأنّ الشفاعة معناها أن يشفع النبي صلى الله عليه و آله ، أو إمام معصوم عليه السلام ، أو ملك مقرب في دخول مذنب معين الجنّة ، في حين من المقرر أن يدخل نظيره في الذنب والظروف النار ، يحق لهم أن يعتقدوا بتضاد مثل هذه الشفاعة مع أصل العدل.
ولكن نظراً لكون الشفاعة تخص الذين أبدوا من ناحيتهم لياقة خاصّة في هذا المجال ، وحازوا على حق شفاعة الشافعين بالأعمال الصالحة ، بحيث صار وعد الشفاعة من الناحية العملية درساً تربوياً لإصلاح المذنبين وسوقهم نحو الصراط المستقيم أو مانعاً لهم على الأقل من زيادة التلوث بالذنوب ، يتضح جيداً عدم انتفاء مسألة الشفاعة مع عدالة اللَّه وحكمته ، بل تؤكّدها كذلك (2).
وأمّا مسألة «الجبر والتفويض» ، فالذي يتنافى مع العدل هو مسألة «الجبر» ، فإمّا أن نقول بالجبر وننكر العدالة ، وإمّا الاقرار «بالعدل» وترك «الجبر» وكما لاحظتم في البحوث السابقة فقد اضطرّ المعتقدون بالجبر إلى مسألة العدالة ، وهذه إحدى أكبر الإشكالات على مذهبهم.
نكرر بأن ليس الهدف هو طرح مسألة الجبر والتفويض ودلائل بُطلان الجبر ، فلها محل أخر خاص بها ، والهدف الوحيد هنا هو النظر إليها بمنظار مسألة العدالة لنرى هل يمكن أن يُجبر أحدٌ على ذنبٍ معين ثم يُعاقبُ عليه ، فمن الواضح أنّ هذا السؤال يجاب عنه بالنفي ، وأمّا بالنسبة إلى مسألة «القضاء والقدر»و «مصير الإنسان» بالشكل الذي سيمر علينا في بحث القضاء والقدر ، فإنّ المفهوم الواقعي والمنطقي «للقضاء والقدر» ، ليس بمعنى التقدير المُسبق لمصير الإنسان ، من حيث السعادة والشقاء ، والطاعة والمعصية ، بشكل إجباري وحتمي وغير قابل للتغيير ، فليست هذه المسألة بأكثر من خرافة ، أي حمل بعض الجهلاء مسألة «القضاء والقدر الإلهي» ، على هذا المعنى ، فالقضاء والقدر الإلهي يشير من جهة إلى قانون العلية ، أي أنّ اللَّه قدّر نجاح وتوفيق الساعين العاملين ، وأفشل الكسالى والخاملين «ووجود بعض الإستثناءات المحدودة لا تُلغي كُليّة هذه المسألة».
وكذا تعلق القضاء والقدر الإلهي بعمل الإنسان بأن يسعد المطيعون ، ويشقى العاصون ويهزم الذين يَسلكون طريق الفرقة والاختلاف.
والقضاء والقدر الإلهي هكذا دائماً ، ومن المُسلّم تناغمه الكامل مع مسألة العدل الإلهي إن فُسّر بهذا الشكل ، وإن حملناه على ما فسّره بعض الجهلاء فسوف يتنافى مع العدل الإلهي ، وليس هنالك طريق لحل هذه المعضلة (3).
وأمّا مسألة تفاوت الناس من حيث الفقر والغنى ، فهي أيضاً مسألة من قبيل القضاء والقدر الإلهي المشروط ، أي أنّ الأفراد أو الشعوب المثابرة ، المنظمة ، والمتحدة أغنى من الأفراد والشعوب الكسولة العديمة النظم والإتحاد عادة ، ونحن نلاحظ نماذج عينية لها في مجتمعنا والمجتمعات العالمية ، ولا يُمكن للموارد الاستثنائنة أن تُلغي هذا الأصل الكلّي.
أجل ، فهنالك موارد أيضاً يفرض الفقر فيها على فرد أو مجتمع معين من الخارج ، ويؤدّي الاستعمار والاستثمار من قبل جماعة إلى فقر واستضعاف جماعة اخرى ، وهذه المسألة أيضاً لا تفسح المجال للتشكيك بمسألة العدل الإلهي ، فلا ريب في أنّ اللَّه قد منح الإنسان الحرّية ، لأنّه تعالى لو لم يفعل لما أمكن سلوك طريق التكامل تحت ظروف الجبر ، ولا ريب أيضاً في قيام جماعة باستغلال هذه المسألة بصورة سيئة ، وطبعاً سينتصر اللَّه للمظلوم من الظالم ، ولكن إذا كان من المقرر أن تؤدّي الإستغلالات السيئة إلى سلب اللَّه الناس الحرّية بصورة تامّة لتعطلت قافلة السير التكاملي الإنساني ، هذا من جهة ومن جهة اخرى ، إن سوء استغلال العباد لنعمة الحرية لا تخدش عدالة اللَّه أصلًا (4).
آخر الكلام حول مسألة العدل الإلهي : انعكاس العدل الإلهي في «الأخلاق» و«العمل».
فقد أشرنا سابقاً إلى عدم انفصال «المسائل العقائدية» عن «المسائل العلميّة» في الإسلام ، وإلى كون التفكّر بالصفات الإلهيّة يؤدّي إلى تفتُّح بصيرة الإنسان ، وربطها بذلك الكمال المطلق ، والسعي للتقرب إليه تعالى بالسير الظاهري والباطني ، وهذا القرب سيؤدّي بالنتيجة إلى تخلق الإنسان بالأخلاق الإلهيّة ، وانعكاس صفاته تعالى في أخلاقه واعماله.
لذا فكلما تقرب الإنسان إليه أكثر ، تأصلت هذه الصفات فيه أكثر ، لا سيما في مسألة العدل الإلهي ، «سواءً أفسّرنا العدالة بمفهومها الواسع أي وضع كل شيء في محلّه المناسب ، أم بمعنى أداء الحقوق ومحاربة كل ألوان التبعيض والإجحاف» ، فهذه العقيدة تترك أثراً في الفرد المسلم والمجتمعات الإسلامية ، وتدعوهم نحو إدارة الأعمال بصورة صحيحة ، ورفع راية العدل ليس فقط في المجتمعات الإسلاميّة ، بل في العالم أجمع.
ومسألة العدالة في الإسلام بدرجة من الأهميّة بحيث لا يحول دونها شيء ، فلا أثر للحب والعداوة والقرابة والأرحام ، البعد والقرب فيها وأي انحراف عنها يُعدّ اتباعاً للهوى ، كما ورد في قوله تعالى : {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرضِ فَاحكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (ص/ 26) .
قوله تعالى : {وَلَا يَجْرِمَنَّكُم شَنَئَانُ قَومٍ عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا}. (المائدة/ 8) .
وهذا الموضوع بدرجة من الأهميّة بحيث لو لم يتيسّرْ تطبيق العدالة بالطرق السلميّة لجاز تعبئة المظلومين ودعوتهم إلى الثورة العامة من جهة ، ومقاتلة الظالم للدفاع عن حقهم من جهة اخرى ، كما ورد في الآية : {وَمَا لَكُم لَا تُقاتِلُونَ فِى سِبيلِ اللَّهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وِالوِلْدانِ}. (النساء/ 75) .
نختم هذا البحث بعدة روايات موثوقة تزين خاتمة هذا المجلّد :
1- قال الإمام علي عليه السلام في كلامٍ مختصرٍ وبتعبيرٍ لطيف غني : «العدل حياة» (5)
2- في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «العدل أحلى من الماء يُصيبه الظّمآن» (6).
3- وعن الإمام علي عليه السلام أيضاً : «جعل اللَّه العدل قواماً للأنام وتنزيهاً من المظالم والآثام وتسنية للإسلام».
4- وعنه عليه السلام أيضاً : «العدل رأس الإيمان وجماع الاحسان وأعلى مراتب الإيمان».
وأخيراً ورد تعبير سامٍ عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله : «عدل ساعة خيرٌ من عبادة سبعين سنة ، قيام ليلها وصيامُ نهارها ، وجورُ ساعة أشدّ وأعظم عند اللَّه من معاصي ستين سنة».
اللّهمّ! أنر قلوبنا بنور معرفة ذاتك ، وصفات جمالك وجلالك ، لكي لا نعبد سواك ، ولا نسلك إلّا سبيلك.
اللّهمّ! نَوِّر أرواحنا وقلوبنا بعشق جمالك لتصطبغ أعمالنا وأخلاقنا بصبغتك وتقترن بها {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنَ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}. (البقرة/ 138) .
اللّهمّ! هب لنا تقوىً مقرونة بالإيمان بأسمائك الحسنى ، تصوننا عن الإفتراق عن خط العدالة ، وسلوك خط الانحراف ، ولو بمقدار رأس إبرة.
______________________________
(1) ورد تأييد ضمني فقط لهذا الكلام في الرواية المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله رجل : «إنّ أساس الدين التوحيد والعدل» وطلب منه توضيحاً أكثر حول ذلك. (راجع بحار الأنوار ، ج 5 ، ص 17).
(2) لزيادة الإطلاع راجع التفسير الأمثل ، ذيل الآيتين 47و 48 من سورة البقرة.
(3) ولتمام التوضيح حول مسألة القضاء والقدر والمصير راجع كتاب دوافع ظهور المذاهب ، ص 17- 41 ، والتفسير الامثل ذيل الآية 49 من سورة القمر.
(4) ورد توضيح أكثر حول هذا البحث في نفحات القرآن ، ج 2 ، ص 290- 294.
(5) غرر الحكم نقل عنه ميزان الحكمة ، ج 6 ، ص 81.
(6) بحار الانوار ، ج 72 ، ص 36 ، ح 32 ، وقد نقل نفس هذا المضمون بشكل آخر عنه عليه السلام حيث قال : «العدل أحلى من الشهد ، وألين من الزبد ، وأطيب ريحاً من المسك».
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|