أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2014
5699
التاريخ: 10-05-2015
9621
التاريخ: 3-06-2015
5800
التاريخ: 9-05-2015
6029
|
يجب علينا هنا أن نبحث أولًا مسألة أهميّة الشورى في الإسلام ، ومواردها ، وصفات الذين ينبغي أن نستشيرهم.
أهميّة وضرورة المشورة :
تُعدّ مسألة المشاورة وخاصة في الأمور الاجتماعية وما يتعلق بمستقبل المجتمع من أهمّ المسائل التي عرضها الإسلام بدقّة وأهميّة خاصة ، ولها مكانة متميزة في آيات القرآن الكريم والروايات الإسلامية وتاريخ أئمّة الإسلام العظام.
وقد جاء الأمر بالمشورة في عدّة آيات من القرآن الكريم.
ففي سورة آل عمران أمر اللَّه تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه و آله ، بأن يشاور المسلمين في الأمور المهمّة وهو قوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ} (آل عمران/ 109).
وفي سورة الشورى ، وعند بيان الأوصاف المتميزة للمؤمنين حقاً يقول تعالى : {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى/ 38).
وكما تلاحظون في هذه الآية ، أنّ مسألة الشورى هي بمستوى الإيمان باللَّه تعالى والصلاة ، إذ يبيّن ذلك أهميّتها الاستثنائية.
ويُقال أحياناً إنّ السبب في صدور الأمر إلى الرسول صلى الله عليه و آله بمشاورة النّاس كان لغرض احترام المسلمين وإشراكهم في المسائل الاجتماعية فقط ، ذلك أنّ الذي يعزم على الأمور في نهاية المطاف هو شخص الرسول صلى الله عليه و آله وليس الشورى ، وهذا هو قوله تعالى في نهاية الآية الكريمة : {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (آل عمران/ 159) .
ولكن من المسلّم به أنّ المراد من الآية الكريمة لاسيما نهايتها ليس المقصود به أن يقوم الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله بمشاورة النّاس ومن ثم لا يأخذ بوجهات نظرهم وآرائهم ، ويختار طريقاً آخر ، فمثل هذا الأسلوب لا ينسجم ، من جهة ، مع الهدف الذي تقصده الآية (لأنّه سيصبح سبباً لعدم احترام الرأي العام ، ويؤدّي بالتالي إلى انزعاج المسلمين وترتُّب نتائج عكسية) ، ولا ينسجم من جهة أخرى مع تاريخ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أيضاً ، لإنّه صلى الله عليه و آله عندما كان يشاور النّاس في الحوادث والملمات المهمّة ، فإنّه كان يحترم آراء النّاس ، حتى أنّه كان يتجاهل أحياناً وجهة نظره الكريمة ، بهدف تقوية ودعم مبدأ المشاورة بينهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ آية المشاورة ونظراً للآيات الورادة قبلها وبعدها ، يُراد بها غزوة «احُد» ، ونعلم أنّه في غزوة أحُد ، لم يكن الرسول صلى الله عليه و آله موافقاً على الخروج بالجيش من المدينة ، ولكن بما أنّ أكثرية آراء المسلمين استقرت على هذا الأمر ، فقد وافق صلى الله عليه و آله على الخروج (1).
وعلى فرض أنّ هذه الآية تعطي هذه المزية للرسول صلى الله عليه و آله بأن تكون مشاورته للناس ذات جنبة تشريفية ، إلّا أنّ الآية الواردة في «سورة الشورى» والتي توضح القانون العام للمسلمين بشكل واضح وجلي ، تؤكد على أنّ الأمور المهمّة يجب أن تُنجز من خلال الشورى بين المسلمين ، وأنّ الشورى تلعب دوراً مصيرياً.
ومن البديهي أنّ العمل بالشورى يكون في المسائل التي لم ينزل بها حكم خاص من قبل اللَّه تعالى ، وعندما نقول : إنّ الشورى في مسألة خلافة الرسول صلى الله عليه و آله لا اعتبار لها ، بسبب وجود أمر خاص من قبل اللَّه تعالى في هذا المجال ، ومع تعيين الوصي وخليفة الرسول صلى الله عليه و آله عن طريق الوحي ومن خلال شخص رسول الإسلام صلى الله عليه و آله ، لم يبق مجالٌ للشورى بعد ذلك.
وبعبارة أخرى ، إنّ الشورى يُعمل بها دائماً في المواضيع ، وليس في الأحكام التي صدر حكمها من قبل اللَّه تعالى.
وعلى أيّة حال فإنّ مسألة الشورى التي ذكرت في الإطار المبين أعلاه ، تُعدّ ركناً ومبدأً أساسياً في الإسلام ، إذ إنّ التعبير بكلمة «أمر» إشارة إلى الأمور المهمّة ، وخاصة المسائل التي يحتاجها المجتمع ، ويحمل هذا المصطلح مفهوماً واسعاً لدرجةٍ يشمل معها جميع الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية المهمّة.
وقد صدر الأمر بالشورى في القرآن الكريم كذلك في الأمور المهمّة المتعلقة بنظام الأسرة (المجتمع المصغر ، ومن ذلك فطام الطفل قبل بلوغ الحولين الكاملين إذ يشير إلى مبدأ الشورى ، وهو قوله تعالى : {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلَا جُناحَ عَلَيهِمَا}. (البقرة/ 233)
وهذا دليل على الأهميّة البالغة للشورى في الأمور.
أهميّة الشورى في الأحاديث الإسلامية :
لقد ذكرت أهميّة استثنائية للشورى في الأحاديث الإسلامية ، سواءً تلك التي نقلت عن شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ، أو عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، لدرجةٍ اعتُبرت معها مسألة الشورى في الحديث النبوي الشريف إحدى أسباب إحياء المجتمع ، وتركها يُشكل إحدى أسباب موت المجتمع إذ قال صلى الله عليه و آله :
«إذا كانَ امَراؤُكُمْ خِيارَكُمْ وَاغْنِياؤُكُمْ سُمَحاؤَكُمْ وَأمْرُكُمْ شُورى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأرْضِ خَيرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِها ، وَإذا كانَ امَراؤُكُمْ شِرارَكُمْ وَأغْنياؤُكُمْ بُخَلاؤُكُمْ وَلَمْ يَكُنْ أمْرُكُمْ شُورى بَيْنَكُمْ فَبَطْنُ الأرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِها» (2).
وبلغت أهميّة الشورى إلى درجة أن قال عنها الإمام علي عليه السلام :
«الإسْتِشارَةُ عَيْنُ الْهِدايَةِ ، وَقَدْ خاطَرَ مَنْ اسْتَغنى بِرَأيِهِ» (3).
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أيضاً أنّه قال :
«لا يَسْتغنِي الْعاقِلُ عَنِ الْمُشاوَرَةِ» (4).
والسببُ في ذلك واضحٌ أيضاً ، وجاء ذلك في تعبير جميل ورد في بعض الروايات عن الإمام علي عليه السلام في هذا المجال إذ قال :
«حَقّ عَلى العاقِلِ أنْ يُضيفَ إلى رَأيِهِ رَأيَ الْعُقَلاءِ وَيَضُمَّ إلى عِلْمِهِ عُلُومَ الَحُكَماءِ» (5).
وجاءَ في حديث آخر أيضاً عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال :
«من شاورَ ذوي العقول استضاءَ بأنوار العقولِ» (6).
وبناءً على ذلك ، فالمشاورة هي السبب في إضافة عقول الآخرين وعلومهم وتجاربهم إلى عقل المرء وعلمه وتجربته ، إذ إنّ الإنسان في هذه الحالة قليلًا ما يقع في الخطأ والانحراف. والاحاديث الواردة في هذا المجال كثيرة جدّاً ، ونختتم هذا البحث المختصر بحديث آخر عن النّبي الأكرم صلى الله عليه و آله ، وحديث عن الإمام علي عليه السلام.
قال النّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله :
«لا مظاهرةَ أوثقُ من المشاورةِ» (7).
وقال الإمام علي عليه السلام :
«شاور ذوي العقولِ تأمنْ من الزَّللِ والنَّدم» (8).
وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالإشارة إليها ، إذ ليس من الضروري أن يكون مستوى الذين نشاورهم أرفع درجةً من المشاورين أنفسهم ، والدليل على ذلك مشاورة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله لأصحابه ، ولربما نجد أفراداً بسطاء يمتلكون من العقل والفطنة الفطرية ما يجعل مشاورتهم تحل الكثير من المعضلات ، كما ورد ذلك في حديث عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السلام ، إنّه دار الحديث ذات مرّةٍ في مجلسه عليه السلام عن أبيه المعصوم عليه السلام فقال : «إنَّ اللَّه تبارك وتعالى ربَّما فتح على لسانِهِ» (9).
ونختتم الحديث حول أهميّة المشاورة بأبيات من الشعر الحسن لأحد الشعراء العرب إذ يقول :
أَقرِنْ برأيكَ رَأي غيركَ واسْتَشِر فالحقُّ لا يخفى على الإثنينِ
للمرءِ مِرآة تريهِ وجههُ ويرى قفاهُ بجمعِ مرآتيْنِ
أي أنّ المرآة الواحدة تريه جانباً منه ، فإذا أراد أن يرى جوانب متعددة فعليه بمرآتين.
صفات المستشارين :
ممّا لا شك فيه أنّ الطرف الذي يشاوره الإنسان ، وخاصة في الأمور المهمّة والمسائل الاجتماعية الحساسة ، لا يمكن أن يكون أي شخصٍ كان ، بل يجب أن يمتلك صفات خاصة تجعله فرداً صالحاً للمشورة ، ولهذا السبب نجد الروايات الإسلامية وصفت مجموعة من النّاس بأنّهم «أفراد جديرون بالمشاورة» ومجموعة أخرى بأنّهم «غير جديرين».
ويقول الإمام الصّادق عليه السلام في حديث مروي عنه :
«إن المشورة لا تكونُ إلّا بحدودها الأربعةِ ... فأولها أن يكون الذي تشاوِرُهُ عاقلًا ، والثاني أن يكونَ حُرّاً متديناً ، والثالثُ أن يكونَ صديقاً مؤاخياً ، والرابع أنْ تطلعه على سرِّك فيكون علمُهُ به كعلمك ...» (10).
ونطالع في حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال :
«خيرُ ما شاورتَ ذووا النُّهى والعِلمِ واولوا التجاربِ والحزمِ» (11).
وورد في النقطة المقابلة لهذا المعنى ، نهي شديد عن المشورة مع الأفراد «البخلاء» و «الجبناء» و «الحريصين» و «الحمقى» ، إذ قال النّبي الأكرم صلى الله عليه و آله للإمام علي عليه السلام :
«يا علي لا تشاور جباناً فإنّه يضيّقُ عليك المخرجَ ، ولا تشاور البخيل فإنّه يقصِّرُ بك عن غايتك ، ولا تشاور حريصاً فإنّه يزيّن لك شَرَهاً» (12).
كما ورد النّهي في الروايات أيضاً عن مشاورة الأفراد الحمقى والجهلاء والكذّابين.
ويُستفاد ممّا تقدم أنّ المستشارين- وخاصة في الأمور المهمّة- يجب أن يكونوا من الأذكياء ، والعقلاء ، والمحسنين ، وذوي التجربة ، والصادقين ، والأمناء ، والشجعان والأسخياء ، وإن فقدان أو زوال كل واحدة من هذه الصفات يوجب وهن وتخلخل أركان واسس المشاورة.
وعلى سبيل المثال ، عندما يكون المستشار فرداً أحمقاً وجاهلًا ، فإنّه سيقلب الحقائق للإنسان ، وبالشكل الذي ورد ذكره في الأحاديث ، فإذا أراد أن يُحسن إليك فسوف ينقلب عليك شراً! ولو كان جباناً فإنّه سيحول دون الإقدام المناسب والحزم في الأمور ، فتذهب تلك الفرصة السانحة ، ولو كان كذّاباً- وكما تعبّر الروايات عنه- يقرّب إليك البعيد ، ويبعّد عنك القريب ويشبه في ذلك السراب الذي يخدع العطاشى في الصحراء ، ولو كان بخيلًا يحول دون أعمال الخير ويخوّفك دائماً من الفقر وعسر الحال ، ولو كان قليل التجارب أو عديمها ، فإنّه سيؤدّي إلى العبث وإفشال البرامج والمناهج البنّاءة ، ولو كان حريصاً فإنّه سيدعوك إلى ممارسة الظلم والعدوان لكي يطفيء بذلك نار الحرص (13).
ومن خلال ما تقدم ذكره من الملاحظات يجب أن نتوخى الحذر الشديد في اختيار من نستشيرهم ، وخاصة في المسائل الاجتماعية المهمّة التي تأخذ بنظر الاعتبار حقوق الآخرين ، وأن تؤخذ المعايير الآنفة الذكر بنظر الاعتبار بشكل دقيق.
وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالذكر أيضاً ، إذ إنّ المشاورة في الإسلام تؤدّي إلى إيجاد الحق بمعنى أنّ الشخص المستشار إمّا أن لا يقبل المشاورة ، أو يقبلها ولكن بشرط أن يراعي حق أداء الأمانة في ذلك ، وأن يجعل بين يدي من استشاره ما يرى فيه الخير والصلاح ، وبغير ذلك فإنّه يعد «خائناً»! ، والخيانة في المشاورة تعدّ من كبائر الذنوب.
ونقرأ في حديث ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله :
«إنّ استشاره أخوه المؤمن فلم يمحِّضه النصيحةَ سَلبَ اللَّهُ لُبَّهُ» (14).
وورد في حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «خيانة المستسلمِ والمستشير من أفظع الأمور وأعظم الشرور وموجبُ عذابِ السعير!» (15).
إنّ الحديث عن المشاورة وفروعها وما يتعلق بها واسعٌ جدّاً ، وما ذكرناه يعدّ غيضاً من فيض وعصارة من هذه الأبحاث التي تساعد على فتح الطريق أمام الأبحاث اللاحقة.
ونختتم بحثنا هذا بمقطع جميل آخر من الشعر الذي يتناول صفات المستشارين :
لا تستشر غير ندبٍ حازمٍ فطنٍ قد استوى منهُ اسرار واعلان
فللتدابير فرسان إذا ركظوا فيها أبرّوا كما للحربِ فرسانُ (16)
________________________
(1) كتاب سيد المرسلين ، ج 2 ، ص 142.
(2) تحف العقول ، باب الأحاديث القصيرة للنّبي صلى الله عليه و آله ، ح 13.
(3) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 42 ، ح 10.
(4) غرر الحكم.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 100.
(8) غرر الحكم.
(9) ميزان الحكمة ، ج 5 ، ص 211.
(10) ميزان الحكمة ، ج 5 ، ص 318.
(11) غرر الحكم.
(12) بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 34.
(13) إن جميع ما ذكر أعلاه تقريباً ورد في الروايات المختلفة.
(14) بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 104.
(15) غرر الحكم.
(16) حياة الحيوان ، الدميري ، ج 1 ، ص 173.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|