أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-11-2014
5936
التاريخ: 8-12-2015
6681
التاريخ: 10-05-2015
6461
التاريخ: 9-05-2015
15438
|
لقد تحدّث الاستاذ محمّد البهي عن موقف المستشرقين من
الإسلام في مواضع متعددة من كتابه وسوف نلخّص ما ذكره بهذا الصدد ونضيف إليه بعض
التعليقات التي نراها تنسجم مع هذا الغرض.
ينطوي
عمل الدارسين للإسلام من المستشرقين على نزعتين رئيسيّتين.
النزعة
الاولى : النزعة الاستعمارية وتمكين الاستعمار الغربى في البلاد الإسلامية وتمهيد
نفوس بين سكّان هذه البلاد لقبول نفوذ الاوربي والرّضا بولايته.
النزعة
الثانية : الروح الصليبية في دراسة الإسلام تلك النزعة التي لبست في اطار حركة
الاستشراق ثوب البحث العلمي وخدمة الغاية الإنسانية المشتركة.
النزعة
الاولى : تطويع المسلمين للاستعمار وتمكينه منهم
تتجلّى
هذه النزعة في خطّين رئيسيين :
الخط
الاول :
إضعاف
القيم الإسلامية الدينية .
الخط
الثاني :
تمجيد
القيم الغربية المسيحية .
وقد نهج
المستشرقون تنفيذا للخط الاول طريقا في شرح تعاليم الإسلام ومبادئه يضعّف في
المسلم تمسّكه بالإسلام ويقوّي فيه الشك به كدين أو على الأقلّ كمنهج سلوكي يتّفق
وطبيعة الحياة القائمة. كما أنّهم درسوا العلاقات الاجتماعية القائمة في المجتمع
الإسلامي بشكل يؤدّي إلى تفكيك الرابطة الإسلامية ويقضي على الشعور بالوحدة
الدينية كإثارة النعرات الطائفية والقومية والخلافات بين زعماء البلاد الإسلامية.
وهناك
شواهد كثيرة تدل على هذا المنهج الذي سار عليه المستشرقون.
فـ
«رينان» المستشرق الفرنسي المعروف يحاول أن يصوّر عقيدة التوحيد في الإسلام بأنها
عقيدة تؤدّي بالفرد المسلم إلى الحيرة وتحطّ به كإنسان إلى اسفل درك. على حين أنّ
عقيدة التوحيد مزية الإسلام وآية على أنه الرسالة الكاملة الواضحة لخالق الكون إلى
عباده، كما أنّها الطريق السليم والوحيد إلى رفع شأن الإنسان وتكريمه وتحريره من
سائر العبوديات الأخرى؛ لأنّ صاحب هذه العقيدة لا يخضع في حياته لغير اللّه ولا
يتوجّه في طلب العون إلى غيره سبحانه. ولكنّ رينان يأبى هذا كلّه ويقول بصدد
الحديث عن عقيدتي القدر والاختيار :
وقد
ظهرت على أطلال العالم القديم بعد خمسمائة عام من انقضائه ديانتان إحداهما
(ربانية) والثانية (بشرية) تمثّلان ذينك المذهبين- مذهب الجبر ومذهب الاختيار-
المتناقضين ولكن بتلطيف في التناقض.
أمّا
الاولى (الديانة الربانية) فهي الديانة المسيحية الوارثة بلا واسطة آثار الآريين
والمقطوعة الصلات بالمرة مع مذهب السامية وإن كانت مشتقة منه وغصنا من دوحته. ومن
خصائص هذه الديانة (المسيحية) ترقية شأن الإنسان بتقريبه من الحضرة الالهية! على
حين أنّ الديانة الثانية (البشرية) وهي الإسلام المشوبة بتأثير مذهب السامية تحطّ
بالإنسان إلى أسفل درك وترفع الإله عنه في علاء لا نهاية له.
هذان
الميلان المختلفان يظهران ظهورا واضحا في الاعتقاد الأساسي لكلتا الديانتين وهو
أصل الالوهية. أمّا المسيحي فيذهب في هذا الأصل إلى الثالوث اي أنّ الإله أوجد
الإله الابن واتّصل الاثنان بصلة هي روح القدس. وعليه فيكون يسوع المسيح إلها
ومبشّرا.
هذا
الثالوث السرّي المشتقة أصوله من ضرورة إله بشري يمحو ذنب الجنس البشري ويفديه من
الخطيئة التي اقترفها ... يرفضه المسلم الذي يعتقد بوحدانية الرب ويتمسك بهذا
الاعتقاد تمسّكا شديدا حيث يقول : لا إله إلّا اللّه. غير أنّ ادراك المسيحيين من
هذا القبيل هو أخفّ وأعلى وأجلب للثقة إذ هو يحملهم على إتيان الأعمال التي
تقرّبهم إلى اللّه، حيث الوسائط بينهم وبين ذاته الحالية موصولة. في حين أنّ
المسلمين تجعلهم ديانتهم كمن يهوي في الفضاء بحسب ناموس لا يتحول ولا يتبدل ولا حيلة
فيه سوى متابعة الصلوات والدعوات والاستغاثة باللّه الأحد الذي هو مستودع الآمال،
ولفظة الإسلام معناها (الاستسلام المطلق لإرادة اللّه).
وقد كتب
رينان في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وكان يظن أنّ هذا الاسلوب مختص
بالعقلية الاستعمارية التي كانت تسيطر على العالم الغربي آنذاك.
واما
العقلية العلمية التي تدّعيها العقلية الغربية المعاصرة والتي ينظر إليها على
أنّها من مفاخر القرن العشرين لأنّها تزعم أنّها لا تخضع- في بحث المسائل وإصدار
الأحكام- لأيّ أثر حزبي أو مذهبي أو عاطفي ممّا يتأثّر به الإنسان العادي كان يظن
ان هذا القرن العشرين لا يصدر فيه مثل تصوير رينان المتحيّز للتثليث المسيحى ضدّ
التوحيد الإسلامي، ولكنّ مجلة أمريكية يصدرها الدكتور «كريج» مدير مؤسسه هارتفورد
للدراسات الدينية الشرقية ردّد هذا التصوير في شرح آية (إلى اللّه المصير) فنقول
ما ترجمته : (أنّ إله الإسلام متكبّر جبّار مترفّع عن المبشرية يطلب أن يسير
العابد نحوه. بينما إله المسيحية عطوف متواضع يتودّد للناس فظهر في صورة بشر وذلك
هو الإله الابن، فعقيدة التثليث في المسيحية قرّبت الإنسان من الإله وأعطته نموذجا
رفيعا واقعيا في حياته يسعى ليتقرّب منه. أمّا عقيدة التوحيد فباعدت بين الإنسان
والإله وجعلت الإنسان متشائما من شدّة الخوف منه ومن جبروته وكبريائه).
ونجد
مثل هذا الاتجاه المتحيّز والموقف الملتزم في تفسير أكثر المبادئ الإسلامية روعة
وأعظمها أثرا وفاعلية. فمبدأ الزكاة يفسّر على «أنّ الأموال مادّية في نظر الإسلام
هي من أصل شيطان نجس ويحلّ للمسلم أن يتمتّع بهذه الأموال شريطة أن يطهّرها وذلك
بارجاع هذه الأموال إلى اللّه» . (1)
وكأنّه
أخذ هذا التفسير الخاص لمبدأ الزكاة من قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة : 103]
ولم
يفهم أنّ الضمير يرجع إلى الناس لا إلى الأموال وأنّ الطهارة روحية لا طهارة
مادّية حسّية.
وليس هذا
التفسير للزكاة اختص به هذا المبشّر بشكل خاص وإنّما يردّده غيره من المسيحيين
القائمين على الدراسات الإسلامية في الوقت الحاضر. ففي تاريخ 5 آبريل 1956 تحدّث
أب دومينيكاني من مصر كان يقوم بإلقاء محاضرات عن علم الكلام الإسلامي بجامعة
مونتريال الأمريكية عن النظرة الإسلامية للحياة فقال : «إنّ المسلمين يتجنّبون
الناس الذين ينشغلون بالمال ويعتبرونهم أقرب للكلاب منهم للبشر». وبمثل هذه النظرة
يشرح المستشرقون مبدأ (قوامة الرجل) بأنه عبارة عن الالتزام بالتفوق الطبيعي ومبدأ
الجهاد بأنه فكرة عدوانية ومبدأ عدم زواج المسلمة بغير المسلم بأنه فكرة عنصرية،
ومبدأ العودة إلى مبادئ القرآن بأنها رجوع إلى الحياة البدائية . (2)
والخط
الثاني للتمكين الاستعماري من البلاد الإسلامية هو تمجيد القيم الغربية المسيحية
وشرح صلاحيّتها لإقامة الحياة الاجتماعية على أساسها.
وقد
انطلق المستشرقون في هذا الاسلوب من نقطة بارزة كان لها في عقل الفرد المسلم
وضميره وحياته تأثير كبير وهذه النقطة هو التقدّم الصناعي والتفوّق التكنولوجي
للغرب والزيادة الملحوظة في دخل الفرد والرفاه المادّي في الحياة الاجتماعية
الغربية ، حيث حاول المستشرقون أن يربطوا ذلك بالقيم والمثل المسيحية على أساس
أنّها هي السبب في انطلاقة الغرب الصناعية والاجتماعية. وقد اعتبرت حلقة الوصل في
هذا الربط تبنّي الغربيين للديانة المسيحية على أنّها الديانة العامّة لشعوبهم.
فالغربيون
مسيحيون والغربيون متقدّمون. إذن فسبب التقدّم هو القيم والمثل الغربية المسيحية ،
والشرقيّون مسلمون والشرقيّون متأخّرون. إذن فالقيم والمثل الإسلامية هي سبب هذا
التأخر. وقد فات هؤلاء أنّ اوربا كانت ترزح تحت أثقال الجهل والمرض والفساد
الاجتماعي وتعيش عصورا مظلمة حين كانت تسيطر عليها المسيحية في الوقت الذي كانت
تعيش الامة الإسلامية حياة مزدهرة حين كان يعيش الإسلام وجودا اجتماعيا في صفوفها
ويتحكّم في علاقاتها وتصرّفاتها.
ثم أين
هي القيم المسيحية ذات الأثر الإيجابي في هذه المدنيّة الصناعية الاوربية ؟! ليست
هناك أيّ صلة بين المسيحية كدين وبين هذه الحضارة الصناعية الغربية؛ لأنّ المسيحية
ليست إلّا سلوكا فرديّا يستوحى من السلوك الخلقي لشخص عيسى (عليه السلام) . (3)
نعم
تقوم هذه الصلة بين المسيحية والحضارة الغربية الصناعية في أنّ صاحب الحضارة يرفع
المسيحية شعارا ويتبنّاها دينا وإن كان لا يلتزم بقيمها ومثلها واقعا وعملا.
النزعة
الثانية : المستشرقون ونزعتهم الصليبية
والنزعة
الثانية التي تتحكّم في أعمال المستشرقين وأبحاثهم الروح الصليبية الدينية التي
استبطنت الحقد والبغضاء نتيجة للعوامل السياسية والاجتماعية والدينية التي كانت
تربط المسيحية والإسلام.
ولذلك
نجد أنّ أعمال المستشرقين المرتبطين بالكنيسة تنبئ عن الحقد أكثر ممّا تنبئ عن
محاولة إضعاف المسلمين وتحطيم قيمهم الفكرية والروحية. ويبدو ذلك جليّا واضحا في
أعمال المستشرقين الكاثوليك وبالأخصّ المستشرقين الفرنسيين.
وقد
صوّر المستشرق المسلم (محمّد أسد) هذه الروح الصليبية وتأثيرها في أبحاث
المستشرقين في كتابه (الإسلام على مفترق الطرق) كالتالي :
«لا تجد
موقف الاوربي موقف كره في غير مبالاة فحسب كما هي الحال في موقفه من سائر الأديان
والثقافات عن الإسلام بل هو كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على جذور من التعصّب
الشديد. وهذا الكره ليس عقليّا فقط ولكنه أيضا يصطبغ بصبغة عاطفية قوية.
وقد لا
تقبل اوربا تعاليم الفلسفة البوذية أو الهندوكية، ولكنّها تحتفظ دائما فيما يتعلق
بهذين المذهبين بموقف متزن ومبنيّ على التفكّر.
إنّها
حالما تتّجه إلى الإسلام يختلّ التوازن ويأخذ الميل العاطفي بالتسرب.
حتّى
أنّ أبرز المستشرقين الاوربيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزّب غير العلمي في
كتاباتهم عن الإسلام ويظهر في جميع بحوثهم على الأكثر، كما أنّ الإسلام لا يمكن أن
يعالج على أنّه (موضوع بحث) في البحث العلمي بل إنّه متهم يقف أمام قضاته . (4)
إنّ بعض
المستشرقين يمثّلون دور المدّعي العام الذي يحاول إثبات الجريمة وبعضهم يقوم مقام
المحامي في الدفاع، فهو مع اقتناعه شخصيّا بإجرام موكله لا يستطيع أكثر من أن يطلب
له مع شيء من الفتور اعتبار الأسباب المختلفة.
وعلى
الجملة فإنّ طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتّبعها أكثر المستشرقين تذكّرنا
بوقائع دواوين التفتيش، تلك الدواوين التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية لخصومها في
العصور الوسطى أي إنّ تلك الطريقة لم يتّفق لها أبدا إن نظرت في القرائن التأريخية
بتجرّد وغير تحزّب.
ولكنها
كانت في كلّ دعوى تبدأ باستنتاج متّفق عليه من قبل قد أملاه عليها تعصّبها لرأيها،
ويختار المستشرقون شهودهم حسب الاستنتاج الذي يقصدون أن يصلوا اليه مبدئيّا، وإذا
تعذر عليهم الاختيار العرفي للشهود عمدوا إلى اقتطاع اقسام الحقيقة التي شهد بها
الشهود الحاضرون ثم فصلوها عن المتن أو تأوّلوا الشهادات بروح غير علمية من سوء
القصد من غير أن ينسبوا قيمة ما إلى القضية من وجهة نظر الجانب الآخر. أي من قبل
المسلمين أنفسهم.
والشواهد
على هذه الروح الحاقدة في أعمال المستشرقين كثيرة نذكر منها المثال التالي، يقول
المستشرق الفرنسي كيمون واصفا الإسلام :
«إنّ
الديانة المحمّدية جذام تفشّى بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا، بل هو مرض مريع
وشلل عام وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل ولا يوقظه منهما إلّا ليسفك
الدماء ويدمن معاقرة الخمور ويجمع في القبائح. وما قبر محمّد إلّا عمود كهربائي
يبعث الجنون في رءوس المسلمين ويلجئهم إلى الاتيان بمظاهر الصرع العامة والذهول
العقلي وتكرار لفظة «اللّه» إلى ما لا نهاية والتعوّد على عادات تنقلب إلى طباع
أصيلة ككراهة لحم الخنزير والنبيذ والموسيقى وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة
والفجور والانغماس في اللذات» . (5)
_______________________
(1)
دراسة الإسلام في افريقيا السوداء لمؤلفه فيليب فونداسي.
(2)
راجع تفصيل ذلك في الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي : 52- 64.
(3)
راجع مقدمة كتاب (اقتصادنا) الطبعة الثانية لمعرفة حقيقة تأثير الأخلاق الإسلامية
والأخلاق الغربية على التقدم الاجتماعي والمدني.
(4) راجع الإسلام على مفترق الطرق.
(5) تاريخ الإمام محمّد عبده : 2/ 409.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|