أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-08
![]()
التاريخ: 2025-03-02
![]()
التاريخ: 2024-01-31
![]()
التاريخ: 2025-01-28
![]() |
أشرنا فيما سبق إلى أن بداية تحرير مصر من يد الأجنبي قد جاء ذكرها في قصة الملك «كاموس» بصورة واضحة وبخاصة في اللوحة التي كُشِفَ عنها حديثًا بالكرنك. ففي خطابه لمجلس مستشاريه يقول: «إني أريد أن أعرف أين قوَّتي عندما يكون أمير في «أواريس» وآخر في «كوش» وأنا أجلس في وسطهما (أي متحدًا مع الآسيويين والنوبيين) وكل واحد منهما يسيطر على نصيبه من مصر ويقاسمانني هذه الأرض». وقد حاول أعضاء المجلس في جوابهم أن يُهَدِّئُوا من روعه فأجابوه: «بأن الآسيويين لا يحكمون إلا إلى «قوص» ونحن نحكم ما لنا من مصر في سلام. و«إلفنتين» قوية». وبعبارة أخرى أنه على الرغم من أن بلاد النوبة قد استقلت فإن حدودنا الجنوبية في أمان، وأنه لا خوف من زحف النوبيين على بلادنا؛ لأن «إلفنتين» كانت محصنة تحصينًا قويًّا. وهذا الموقف السياسي يتفق مع الكشوف الأثرية التي أشرنا إليها من قبل في بلاد النوبة. ومما يجدر التسليم به كذلك أن جنود المزوي الذين جاء وصفهم في ساحة القتال بين المصريين والهكسوس في هذا المتن هم الذين عرفناهم في المقابر القعبية التي أسهبنا الكلام عنها في الفصل السابق، هذا ويدل وجودهم في الجيش المصري على انتشار المقابر القعبية.
ولم كان الجزء الأعظم من قصة «كاموس» قد ضاع من لوحته على ما يظهر فإن اللوحة الثانية التي كُشِفَ عنها تحدثنا عن حروب «كاموس» مع الهكسوس وانتصاره عليهم مبدئيًّا. والواقع أن اسم «كاموس» قد وُجِدَ في نقش على حجر في بلدة «توشكى» غير أن هذا النقش خاص على وجه التأكيد بعهد خلفه الملك «أحمس الأول» الذي وُجِدَ اسمه تحت اسمه مباشرة. ويُلْحَظُ هنا أن «أحمس» يحمل لقب «مُعْطَى الحياة». وهذا يدل على أنه كان لا يزال عائشًا عند كتابة هذا النقش غير أنه لا يجب أن نفهم هذا اللقب على هذا الوجه دائمًا، وإذا فهمناه كذلك فإنه يعني هنا أن الملكين كانا يحكما بالاشتراك في وقت واحد، ولكن ليس لدينا ما يُعَزِّزُ هذا الرأي ويؤكده، يضاف إلى ذلك أن الجعران الذي عُثِرَ عليه في بلدة «قوص» وهو الذي نقش عليه اسم «واز-خبر-رع» (؟) لا يعني أنه قد حدث تغلُّب على بلاد النوبة قبل عهد «أحمس الأول» ويرجع السبب في ذلك إلى أن سياسة طرد الآسيويين من مصر، وهي السياسة التي وصفها «كاموس» — كما أشرنا إلى ذلك من قبل — لم تكن قد حُقِّقَتْ بعدُ في أوائل حكم «أحمس الأول» لذلك لم يكن جائرًا أن يقوم «أحمس» بعمل هجومي على الجنوب قبل أن يستولي على «أواريس» عاصمة الهكسوس في الشمال.
ويقص علينا «أحمس» بن «إبانا» في وصف الحرب التي وقعت في «أواريس» ما يأتي: «وقد وقعت الحرب في مصر في الجزء الواقع جنوب هذه المدينة وأحضرت أسيرًا. «وقد عارض كل من الأثري «شيفر» والمؤرخ «إدوارد مير» وكذلك «برستد» و«زيته» وغيرهم بحق في أن ذلك كان لا يعني إخماد ثورة في الوجه القبلي أو حملة على بلاد النوبة، بل المقصود من عبارة «هذه المدينة» هو «أواريس». وأن الغرض من العبارة في المتن هو محاصرة ومحاربة جزء من «أواريس»، إذ نجد مباشرة بعد وصف الحرب عبارة «جنوبي هذه المدينة» وقد جاء ما يأتي: «وقد استولى على أواريس»، ومن ذلك يظهر أن فتح بلاد النوبة لم يبدأ إلا بعد أن قُضِيَ على النفوذ الآسيوي كما تحدثنا بذلك صراحة في نقوش «أحمس» بن «إبانا» فاستمع لما يقول: «وبعد أن ذبح جلالته منتيو آسيا صعد في النيل نحو «خنت-حن- نفر» وهزم النوبيين وقد أوقع جلالته مذبحة عظيمة بينهم وقد أُحْضِرَتْ غنائم … وبعد ذلك انحدر جلالته في النيل وكان قلبه مملوءًا بالشجاعة والنصر الذي أحرزه على الجنوبيين والشماليين».
وهذا النقش بعينه يصف هزيمة ثائرين، واسما الثائرين هما «أيتيو» و«تيتي-عن» (= تيتي جميل)، والأول منهما قيل عنه إنه أتى من الجنوب، ولكن آلهة الوجه القبلي قد قبضوا عليه، وقد وجده جلالته (يعني أحمس الأول) في «تنتاع» وأحضره جلالته بمثابة أسير وكل أهله بمثابة غنيمة، وأحضرت اثنين من المجا (مزوي) وهما اللذان استوليت عليهما من سفينة «أيتيو». واسم المكان «تنتاع» ليس معروفًا لدينا، ولكن الأستاذ «زيته» يظن أنه محطة بئر في الصحراء، غير أن رأيه لا يستند على برهان هذا وليس بواضح من المتن أين حدثت هذه الثورة. أما التعبير «وآلهة الوجه القبلي قد قبضوا عليه» فيمكن أن يحدد مكان الثورة في الوجه القبلي، غير أن ذكر «أحمس» بن «إبانا» أنه استولى على اثنين من المزوي يحتمل أن يكون إشارة إلى أن الثورة قامت في بلاد النوبة ويُعَزِّزُ ذلك ما ذكره «أمنحتب الثالث» على لوحة «سمنة» أنه كان ضمن الغنائم التي استولى عليها في «إبهت» مئة وعشرة من رجال المزوي، يُضاف إلى ذلك أننا نجد لقب المشرف على المزوي في القبر رقم 78 «بطبية» وهذا الموظف نلحظ من قرطيه الكبيرين في الصورة أنه لم يكن مصري الجنس في ملامحه، على الرغم من أنه يحمل اسمًا مصريًّا هو وأخو صاحب المقبرة. ويشاهد خلف هذا الموظف رجل يجلب محصول الصيد، من ذلك أرنب بري وبيضة نعام وريش نعام. ومما يُؤْسَفُ له أن لدينا صورة جنود المزوي مهشمة في «تل العمارنة» ولذلك لا يمكننا أن نؤكد إذا كانوا أجانب أم لا، ولكن وجود جزء كبير من الجنود النوبيين لم يكن الأمر غير العادي. وعلى ذلك لا يُسْتَغْرَبُ من وجود صور جنود المزوي وصور جنوبيين. وعلى الرغم من أن هذا المصدر لا يشير بوجه التأكيد إلى أن المزوي هم نوبيون حقيقيون إلا أنه مع ذلك على ما يظهر يشير إلى هذا الاتجاه. وبالإضافة إلى ما ذكرنا من أن «أيتيو» قد وفد من الجنوب فإنه من الجائز على أقل تقدير أن نفهم أن هذه كانت أول ثورة قامت في بلاد النوبة السفلى وفي وادي نهر النيل كما يدل على ذلك ذكر سفينة الثائر «أيتيو». ولا يمكننا أن نعرف من النقوش التي في متناولنا إلى أي حدٍّ زحف «أحمس» بجيشه جنوبًا، وذلك لأن اسم «خنت-حن- نفر» لا يدل على الرقعة المفتوحة كما وَضَّحَ ذلك «ستيندورف» بقوله: «حقًّا لا تدل على جزء صغير من بلاد النوبة». وفضلًا عن ذلك فإن هذا الاسم قد ظهر أولًا في الدولة الحديثة كما أوضحنا ذلك من قبل، ولكن الآثار التي كُشِفَ عنها في بلاد النوبة السفلى توحي بأن «أحمس» قد استولى على الأقل حتى ما بعد «بهين». وعُثِرَ في «كوبان» على مخروط جنازي عليه النقش التالي: «الإله الطيب «رع نب بحتي» (لقد «أحمس الأول») مُعْطَى الحياة أبديًّا، إنه الكاهن الأول لآمون وحامل الخاتم «حورسات»؛ يُضَافُ إلى ذلك نقش على الصخر ذكرناه آنفًا في «توشكى» وكذلك نقوش على أجزاء مبانٍ من أقدم معبد عُثِرَ عليه في «بهين»، وقد وُجِدَ تحت أرضية معبد «أمنحتب الثاني» أنه قد رسم على كوة باب الملك «أحمس الأول» والملكة «أعح حتب» أمام آلهة مختلفين، ووُجِدَ كذلك رسم قربان لقائد حامية «بهين» الْمُسَمَّى «ثوري». و«ثوري» هذا هو نفس «ثوري» الذي أصبح فيما بعدُ نائبًا للملك، وليس لدينا أي شك في أن هذا الأثر قد أُقِيمَ في عهد هذا الملك. وقد كانت «بهين» على ذلك وهي سوق التجارة القديم قد عادت في عهده إلى يد المصريين، إذ من المحتمل أن الرقعة الْمُحَصَّنَةَ هنا زاد فيها «أحمس» زيادة كبيرة. والواقع أن جدران الدولة الحديثة التي تلف حول الحصن القديم الذي يشغل مساحة كبيرة لا يمكن تأريخها على وجه التأكيد، غير أن تأسيس معبد خارج سور الدولة الوسطى على يد «أحمس الأول» يدل على أن تحصينات الدولة الحديثة كان قد بُدِئَ في بنائها في عهده فعلًا.
ولما كانت الحالة السياسية في بلاد النوبة السفلى المفتوحة حديثًا لم تكن حتى الآن في حالة استقرار وسلام فإنه مما لا يكاد يُسَلَّمُ به أن هذا المعبد قد حُفِظَ ببناء سور حوله. ومن الجائز أن «أحمس الأول» قد زحف إلى جنوبي الشلال الثاني وذلك لأنه وُجِدَ في حصن مُقَامٍ على جزيرة «ساي» تمثال نُقِشَ عليه اسم هذا الملك، ولكن من المحتمل في الوقت نفسه أنه نُقِلَ إلى هذا المكان. وفي عهد خلفه «أمنحتب الأول» تم إعادة فتح بلاد النوبة فقد قامت حملة إلى بلاد «كوش» لتوسيع حدود مصر، ومصدرنا الرئيسي عن ذلك هو تاريخ حياة «أحمس» بن «إبانا»، يُضاف إلى ذلك عبارة قصيرة عن هذه الحملة جاءت في نقوش مقبرة «أحمس بننخت» وقد وُصِفَتْ هذه الحملة كما هي العادة في المتون المصرية وصفًا مختصرًا جدًّا. والواقع أننا لا نعرف شيئًا تقريبًا عن هذه الحملة، كما أن المتن لا يدلنا أين وقعت الحرب فاستمع لما يقول المتن: «إن جلالته هزم هذا النوبي في وسط جيشه وقد أُحْضِرُوا مُكَبَّلِينَ دون استثناء، أما الذين هربوا منهم فقد صُرِعُوا على جُنُوبِهِمْ وصاروا كأن لم يَغْنَوْا بالأمس … وأهله ماشيته أُسِرُوا وقد أحضرت جلالته في يومين من محطة البئر العليا». وتدل شواهد الأحوال على أن نهاية الحرب على الأقل قد وقعت في الصحراء، وهذا يعني أن نوبيي وادي النيل قد اقتفى أثرَهم الفرعونُ حتى الصحراء، أو أنه كان يحارب بدو الصحراء. هذا ولا نعلم أين تقع محطة «البئر العليا» التي على مسيرة يومين من مصر. فإذا لم يكن في هذا التعبير مبالغة كما هي عادة المصري في تقدير المسافة فإنه لا بد أن يكون المقصود بالعدوِّ هنا البدو الذين لم يكونوا قد أُخْضِعُوا بعدُ للحكم المصري في جهة بالقرب من «أسوان»، وهؤلاء هم الذين كانوا يسكنون الصحراء الغربية بالقرب من وَاحَتَيْ «كركر» و«دنقل» أو هم من البدو مثل قبيلة البجا الذين يسكنون في جبال الصحراء شرقِي وادي النيل. ويُلَاحَظُ هنا أن تسمية العدو باسم «أونتي-ستي» يمكن أن نستخلص منها شيئًا وهو أن الاسم القديم «أونتيو» كان يُطْلَقُ على القبائل الأجنبية المتوحشة أعداء مصر، وعلى ذلك فإنه من الممكن كذلك أن يُطْلَقَ على سكان النوبة في وادي النيل كما شرحنا ذلك من قبل. هذا وقد وُجِدَ تمثال للملك أمنحت الأول حديثًا في جزيرة «ساي»؛ مما يدل صراحة على أنه قد تَغَلَّبَ على هذا الجزء من البلاد الكوشية وهذا الأثر محفوظ الآن بمتحف وادي حلفا عَثَرَ عليه الأثري ثابت في حفائره الحديثة في جزيرة «ساي».
|
|
هدر الطعام في رمضان.. أرقام وخسائر صادمة
|
|
|
|
|
كالكوبرا الباصقة.. اكتشاف عقرب نادر يرش السم لمسافات بعيدة
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يقيم عددًا من المجالس الرمضانية بمحافظة نينوى
|
|
|