أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-9-2020
1386
التاريخ: 17-12-2020
1722
التاريخ: 1-2-2022
1347
التاريخ: 2024-03-26
931
|
تعرف «المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية» اختصارًا باسم «سيرن». عندما بدأت هذه المنظمة عام 1954، كانت النويات الذرية تمثل حدود الفيزياء ومن ثم استخدمت صفة «نووية» على نحو ملائم في اسم المنظمة. لكن اليوم، انتقل تركيز الأبحاث إلى مستوى أعمق؛ إلى الكواركات التي تشكل بروتونات ونيوترونات نواة الذرة والعديد غيرها من الجسيمات سريعة الزوال. وتأكيدًا على المهمة التي يسعى نحوها، يُعرف المختبر الآن باسم «المنظمة الأوروبية لفيزياء الجسيمات»، الأمر الباعث على المزيد من الراحة أيضًا لمن يرون في كلمة «نووية» صبغة «بغيضة». عند بلوغ سيرن من جهة جنيف، نجد مكاتب المعمل على أحد جانبي الطريق في حين نجد في الحقول المقابلة مبنى كرويا غريب الشكل، يبلغ ارتفاعه نحو عشرين مترًا ولونه بني داكن يبدو للوهلة الأولى كالمفاعل النووي. من بعيد يبدو المبنى صدئًا مهجورًا، لكن بالتحقق منه عن كثب يتبين أنه مصنوع من الخشب ومكتوب عليه باللغة الفرنسية «لو جلوب»؛ أي الكرة الأرضية.
بدأ لو جلوب نشاطه كمعرض في مكان آخر بسويسرا. وعند إغلاقه، أُثير سؤال ما الذي يمكن فعله بهذا المكان، وعليه تقرر منحه إلى سيرن كمعرض لأنشطتها بدلًا من تدميره. لم ترد إدارة سيرن أن ترفض العرض، لذا قبلته دون أن يكون لديها خطة واضحة بشأن ملايين الفرانكات التي سيتكلفها أي معرض دائم. اقترح أحد العلماء أن تتحول هذه الإشكالية إلى ميزة: فمبنى «لو جلوب» كرة مجوفة ... فارغة، وما كان علماء سيرن خبراء في الذرة، ليكن إذن مبنى «لو جلوب» الفارغ هو نفسه رمزا للذرة. بل من الأفضل تعليق كرة صغيرة قطرها ملليمتر، لا تتجاوز تكلفتها فرانكات معدودات، في منتصف مبنى «لو جلوب»، من خلالها يختبر الزوار مدى فراغ الذرة؛ إذ تمثل الكرة الصغيرة النواة وجدران «لو جلوب» تمثل الحدود الخارجية للذرة. ولا بأس من إنفاق بضعة فرانكات أخرى على أشعة ليزر تُشغل على الجدران لتعرض تدفق الإلكترونات. وإذا فرضت رسم دخول على الزوار فسيشعر فلاسفة ما بعد الحداثة بالرضا.
لم يجر تبني هذه الفكرة، وبالتالي لم يدفع الأشخاص العاديون المال لدخول قطعة فنية توهما أنهم سيختبرون الفراغ الداخلي لذرة. بدلا من ذلك، استضيفت المعارض المؤقتة المرتبطة بأنشطة سيرن المختلفة، في هذه البناية الرديئة. لكن لنفترض أنه جرى تبني الاقتراح الجريء وسافرت أنت عبر القارة الأوروبية بغية أن تجرب الغموض الموجود بداخل الذرة، ودفعت رسوم الدخول، ودخلت الكرة الخشبية ووجدت، لا شيء: هل كنت ستطالب باسترداد قيمة الرسوم أم ستشعر أنك اختبرت حقيقة عظيمة؟
صحيح أن الذرات فراغ هائل، لكن هذا فقط من منظور الجسيمات التي بداخلها، وهذا ليس سوى جزء من الحقيقة؛ فالفراغ الداخلي مليء بمجالات القوى الكهربائية والمغناطيسية التي تتمتع بقوة هائلة من شأنها أن تمنعك إذا حاولت الدخول. وهذه القوى هي التي تمنح الصلابة للمادة على الرغم من الافتراض بأن ذراتها «فارغة». وأنت تقرأ هذا الكتاب جالسًا، تفصل بينك وبين ذرات الكرسي الذي تجلس عليه مسافة ذرة واحدة بسبب تأثير هذه القوة.
إن الذرة غير فارغة بالمرة. ونواة الذرة مصدر لمجالات كهربائية قوية تملأ المساحات «الفارغة» الأخرى داخل الذرة. اكتُشف هذا في عام 1906. كان رذرفورد قد لاحظ أنه عندما اخترق شعاع من جسيمات ألفا (حزم محكمة مؤلفة من بروتونين ونيوترونين) موجبة الشحنة صحائف رقيقة من الميكا، تكونت صورة ضبابية على شريحة فوتوغرافية، مما رجح أن الميكا بعثرتها وأنها انحرفت عن مسارها. أثار هذا الدهشة لأن جسيمات ألفا كانت تسير بسرعة 15 ألف كيلومتر في الثانية، أو ما يعادل واحدًا على اثني عشر من سرعة الضوء، وكانت تملك طاقة هائلة مقارنة بحجمها. بإمكان المجال الكهربائي أو المغناطيسي القوي أن يحرف جسيمات ألفا بمقدار بسيط، لكن ما من شيء يمكنه التسبب في انحرافها بالقدر الذي تنحرف به بعد أن تخترق بضعة ميكرومترات (جزء من مليون من المتر) من الميكا. ظن رذرفورد أن المجالات الكهربائية داخل الميكا تتمتع قطعا بقوة هائلة مقارنة بأي شيء أخر عرف حينذاك. والمجالات التي تتمتع بمثل هذه القوة في الهواء من شأنها أن تتسبب في تطاير الشرر، والتفسير الوحيد الذي أمكنه أن يفكر فيه هو أن هذه المجالات الكهربية القوية لا بد أن توجد فقط في مناطق شديدة، أصغر حتى من الذرة.
ومن هنا خرج بتخمينه الرائع: أن هذه المجالات الكهربية الشديدة هي التي تحبس الإلكترونات في سجونها الذرية وهي القادرة على التسبب في انحراف جسيمات ألفا شديدة السرعة.
في عام 1909، كلف رذرفورد أحد تلاميذه الشباب، ويدعى إرنست مارسدن، بمهمة اكتشاف هل تنحرف أشعة ألفا بزوايا كبيرة للغاية. استخدم مارسدن رقائق من الذهب بدلا من الميكا، وشاشة وامضة كي تكشف أشعة الألفا المتبعثرة. وقد استطاع أن يحرك الشاشة ليس فقط خلف رقائق الذهب، بل أيضًا إلى الأجناب والدوران بجانب المصدر الإشعاعي نفسه. وبهذه الطريقة استطاع أن يكشف أشعة ألفا المرتدة بزوايا كبيرة.
ما أثار دهشة الجميع أن مارسدن اكتشف أن جسيمًا واحدًا من بين كل 20 ألف جسيم ارتد إلى الخلف نحو الاتجاه الذي أتى منه ليرتطم بالشاشة عندما كانت بجانب مصدر الإشعاع. كانت هذه نتيجة رائعة؛ فقد أمكن التسبب في انحراف جسيمات ألفا، التي كادت لا تتأثر على الإطلاق بأشد القوى الكهربية المعروفة حينها، رجوعا نحو مصدرها عن طريق صحيفة ذهبية رقيقة لا يتعدى سمكها بضع مئات من الذرات لا غرابة إذن في أن رذرفورد تعجب قائلا: «الأمر أشبه بإطلاق قذيفة قطرها 15 بوصة نحو قطعة من ورق الحمام فارتدت للخلف وصدمتك».
بعد أن أمضى رذرفورد أشهرًا عديدة في محاولة فهم هذه الملاحظات، توصل إلى تفسيرها عن طريق عملية حسابية غاية في البساطة. كمنَ خيط حل المعضلة في معرفة طاقة جسيمات ألفا الآتية. كان يعرف أيضًا أن كل جسيم من جسيمات ألفا يحمل شحنة موجبة مضاعفة. ولا بد أن الشحنة الموجبة في ذرات الذهب تتنافر مع جسيمات ألفا التي تقترب منها فتبطئ من سرعتها وتحرفها. وكلما اقتربت جسيمات ألفا أكثر من الشحنة الموجبة في الذرة، زاد انحرافها إلى أن تقف في الحالات القصوى ثم ترتد عائدة من حيث أتت.
تمكن رذرفورد من حساب مدى القرب من الشحنة الموجبة الذي ينبغي أن تكون عليه جسيمات ألفا، وقد أذهلته النتيجة. ففي حالات نادرة كانت جسيمات ألفا على بعد واحد على مليون المليون من السنتيمتر من مركز الذرة، أي على بعد واحد على عشرة آلاف من قطر الذرة، قبل أن ترتد. كان هذا هو ما أوضح أن الشحنة الموجبة تتمركز في منتصف الذرة بالضبط، وأدى إلى صورة الذرة «الفارغة» من منظور الجسيمات، والممتلئة في الوقت نفسه بالمجال الكهربائي.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|