أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-1-2023
1370
التاريخ: 2024-09-08
337
التاريخ: 2024-07-30
701
التاريخ: 2023-09-02
1418
|
ومن أعظم المهمّات عند الفقهاء والمحدّثين من كلِّ الطوائف معرفة مختلف الحديث ومعرفة ما يترتّب على الاختلاف، وإذا وردت مختلفة في الحكم فلا تخرج عن أقسام ثلاثة:
(الأوّل) أن يقع التعادل والتضاد فيها من كلّ وجه.
وهو قليل الوقوع، حتّى منع من وقوعه بعض المخالفين. وليس بشيء.
وحكمه عندنا وعند أكثر العامّة التخيير، وقال بعض الفقهاء: يتساقطان ويرجع الى مقتضى العقل. والصحيح الأوّل.
وقد جاء في بعض أحاديثنا عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال: بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك (1).
إلا أنّا روينا عن محمد بن يعقوب رحمه الله عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعاً عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحمدهما بأمر يأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال: يرجئه حتّى يلقى من يخبره، فهو في سعة حتّى يلقاه (2) وسيأتي نحو هذا في حديث عمر بن حنظلة.
وقد استفاض النقل عن النبي والأئمّة (عليهم السلام) بالأمر بالتوقّف عند الاشتباه، وهذا منه ولكن عمل أصحابنا وجماهير العلماء على الأوّل، وهو التخيير.
ولعلّ مثل هذين الحديثين ونحوهما محمول على ما لا يضطر إليه الإنسان بدليل (أرجئه)، فيكون ورودهما على سبيل الأولويّة والأحوطيّة، أو يكون ذلك وما ورد فيه الأمر بالتوقّف محمولاً على المبالغة والتأكيد في التثبّت وكثرة الفحص عن المرجّحات، أو يكون الأمر بالتوقّف عند الاشتباه محمولاً على مَن ليس له درجة الاستنباط والاستدلال، أو على مَن يمكنه الترجيح ولم يبحث فيه، أو نحو ذلك.
واعلم أنّ التضاد لا يجوز أن يقع في خبرين متواترين قطعاً لامتناع اجتماع النقيضين كما لا يقع بين دليلين قطعيّين، ولا يكون بين متواتر وآحاد لوجوب العمل بالمتواتر.
(القسم الثاني) أن يمكن الجمع بوجه، إمّا بأن يعمل بأحدهما على الاطلاق وبالآخر على وجه دون وجه، أو بأن يعمل كلّ منهما من وجه دون آخر.
وذلك كما جاء في قوله (عليه السلام): ألا أنبئكم بخير الشهود؟ قيل: نعم يا رسول الله.
قال: أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد (3).
وقوله (عليه السلام): يفشو الكذب حتّى يشهد الرجل قبل أن يستشهد (4).
فيعمل بالأوّل في حقوقه تعالى وفي الثاني في حقوق العباد، فإذا أمكن مثل ذلك لم يجز طرح أحدهما مع صحّته.
وكذا لو كان لأحدهما وجه من التأويل وجب تأويله والعمل بالآخر، سيما إذا عضد التأويل دليل أو حديث آخر.
وإنّما يكمل للجمع العلماء الجامعون بين الحديث والفقه والأصول الأذكياء الغوّاصون على المعاني.
وأحسن ما صنّف فيه عندنا كتاب الاستبصار، فإنّه لم يشذَّ عنه إلا القليل.
ومن تبصّر في مطالعته لم يكد يخفى عنه وجه الجمع بين حديثين وإن كان الشيخ رحمه الله أتى فيه بأشياء يمكن الجمع بالحمل منهما وبأشياء غير مرضيّة، لكنّه سبّاق الغاية في ذلك وإنّما يمشي الماشي بعده على أثره ويستضيئ بنوره.
وقد ألّف الشافعي للعامّة فيه شيئاً لم يستوفِ ما هناك ولكنّه نبّههم على الطريق، وصنّف لهم بعده ابن قتيبة فأتى بأشياء مرضيّة وغير مرضيّة.
(القسم الثالث) أن يترجّح أحدهما على الآخر بوجه من التراجيح المقرّرة في الأصول الراجعة الى سنده أو متنه أو زمانه أو حكمه أو نحو ذلك.
وقد كفانا الأصوليّون البحث عن وجوهه.
وأمّا حقيقته فهو عبارة عن النظر والفحص عمّا يتقوّى به كلّ واحد منهما ثم الموازنة بين المرجّحات والحكم لما كان مرجّحاته أكثر وأقوى.
وهذه لجّة عميقة بل مجر متّسع لا يكاد يدرك قراره.
وكثير من الاختلاف حصل باختلاف أنظار الفقهاء في ذلك، حيث إنّ بعضهم قد يتفطّن لمرجّحات لم يتفطّن لها الآخر، أو يترجحّ في نفسه قوّة مرجح على آخر ويترجح العكس عند آخر، أو نحو ذلك.
واعلم أنّ المحقّقين من العلماء على وجوب الفحص في الترجيح على المجتهد ليعمل بالراجح، بل كاد يكون إجماعاً.
ومنع بعض المخالفين منه ليس بذي وجه؛ لأنّ العرف والعقل والشرع يقتضي وجوب العمل بالراجح:
أمّا العرف: فظاهر؛ لأنّ من تتبّع العمل بالأوهام وترك الأمور الراجحة عُدَّ سفيهاً.
وأمّا العقل: فلأنّه يمنع من العمل بالمرجوح مع وجود الراجح ويحكم على فاعله أيضاً بالسفه.
وأمّا الشرع: فلا يخفى فيه وجوب العمل بالظن الغالب في أكثر موارده من لدن نبيّنا (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا.
وأمّا ما جاء في القرآن من النهي عن اتّباع الظن فالمراد به الوهم؛ لأنّه يطلق على اسم الظن لغة إمّا حقيقة وإمّا مجازاً، أو المراد فيما الغرض فيه العلم من العقائد كما هو الظاهر؛ لأنّ الآيات وردت في حق الكفاّر؛ لأنّه كانوا يتركون الأمور الجليّة ويتّبعون الأوهام والإمكانات التي توافق أهواء أنفسهم.
وأحاديثنا شاهدة بوجوب الترجيح والعمل بالراجع، ومقبولة عمر بن حنظلة ترشد أيضاً إلى ذلك وإلى فوائد أخرى، فلنوردها لكثرة نفعها:
رويت بأسانيدنا المتصلة الى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم الى الطاغوت وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفروا به، قال الله (عزّ وجلّ): {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} قلت: كيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمه فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهما على حدّ الشرك بالله. قلت: فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكون الناظرين في حقّهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلف في حديثكم؟ قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر. قال: قلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل وأحد منهما على صاحبه؟ قال: فقال: ينظر إلى ما كان من رواياتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه.
وإنّما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتبّع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه الى الله ورسوله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم. قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة. قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة والآخر مخالفاً لهم بأيّ الخبرين يؤخذ؟ قال: ما يخالف العامّة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر الى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت: فإن وافق حكّامه الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فأرجئه حتّى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (5).
فهذا الحديث وأمثاله تضمّن وجوب الترجيح في المفتي والحديث ووجوب العمل بالراجح كما لا يخفى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1 / 66.
(2) الكافي 1 / 41.
(3) سنن ابن ماجة 2 / 792 وفيه: (خير الشهود من أدّى شهادته قبل أن يسألها).
(4) سنن ابن ماجة 2 / 792، سنن الترمذي 4 / 465، 549.
(5) الكافي 1 / 67.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
استمرار توافد مختلف الشخصيات والوفود لتهنئة الأمين العام للعتبة العباسية بمناسبة إعادة تعيينه
|
|
|