أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2014
8290
التاريخ: 30-11-2015
7425
التاريخ: 13-12-2015
7797
التاريخ: 23-04-2015
7563
|
فما أغفل هؤلاء الذين يعدون الصناعيات من الأشياء التي يعملها الإنسان مصنوعة مخلوقة للإنسان مقطوعة النسبة عن إله العالم عز اسمه مستندين إلى أنها مخلوقة لإرادة الإنسان واختياره.
فطائفة منهم - وهم أصحاب المادة من المنكرين لوجود الصانع - زعموا أن حجة المليين في إثبات الصانع : أنهم وجدوا في الطبيعة حوادث وموجودات جهلوا عللها المادية ولزمهم من جهة القول بعموم قانون العلية والمعلولية في الأشياء والحوادث أن يحكموا بوجود عللها - وهي مجهولة لهم بعد - فأنتج ذلك القول بأن لهذه الحوادث المجهولة العلة علة مجهولة الكنه هي وراء عالم الطبيعة وهو الله سبحانه فالقول بأن الصانع موجود فرضية أوجب افتراضها ما وجده الإنسان الأولي من الحوادث المادية المجهولة العلل كالحوادث الجوية وكثير من الحوادث الأرضية المجهولة العلل ، وما وجده من الحوادث والخواص الروحية التي لم يكشف العلوم عن عللها المادية حتى اليوم.
قالوا : وقد وفق العلوم في تقدمها الحديث لحل المشكل في الحوادث المادية وكشفت عن عللها فأبطلت من هذه الفرضية أحد ركنيها وهو احتياج الحوادث المادية المجهولة العلل إلى علل ورائها ، وبقي الركن الآخر وهو احتياج الحوادث الروحية إلى عللها ، وانتهاؤها إلى علة مجردة ، وتقدم البحث في الكيمياء الآلي جديدا يعدنا وعدا حسنا أن سيطلع الإنسان على علل الروح ويقدر على صنعه الجراثيم الحيوية وتركيب أي موجود روحي وإيجاد أي خاصة روحية ، وعند ذلك ينهدم أساس الفرضية المذكورة ويخلق الإنسان في الطبيعة أي موجود شاء من الروحيات كما يخلق اليوم أي شيء شاء من الطبيعيات ، وقد كان قبل اليوم لا يرضى أن ينسب الخلق إلا إلى علة مفروضة فيما وراء الطبيعة ، حمله على افتراضها الجهل بعلل الحوادث ، هذا ما ذكروه.
وهؤلاء المساكين لو أفاقوا قليلا من سكرة الغفلة والغرور لرأوا أن الإلهيين من أول ما أذعنوا بوجود إله للعالم - ولن يوجد له أول - أثبتوا هذه العلة الموجدة لجميع العالم ، وبين أجزائه حوادث معلومة العلل - وفيها حوادث مجهولة العلل - والمجموع من حيث المجموع مفتقر عندهم إلى علة خارجة ، فما يثبته أولئك غير ما ينفيه هؤلاء.
فالمثبتون - ولم يقدر البحث والتاريخ على تعيين مبدأ لظهورهم في تاريخ حياة النوع الإنساني - أثبتوا لجميع العالم صانعا واحدا أو كثيرا وإن كان القرآن يثبت تقدم دين التوحيد على الوثنية ، وقد بين ذلك الدكتور ماكس مولر الألماني المستشرق صاحب التقدم في حل الرموز السنسكريتية وهم حتى الإنسان الأولي منهم يشاهدون العلل في بعض الحوادث المادية ، فإثباتهم ، إلها صانعا لجميع العالم استنادا إلى قانون العلية العام ليس لأجل أن يستريحوا في مورد الحوادث المجهولة العلل حتى ينتج ذلك القول باحتياج بعض العالم إلى الإله واستغناء البعض الآخر عنه ، بل لإذعانهم بأن هذا العالم المؤلف من سلسلة علل ومعلولات طبيعية بمجموعها ووحدانيتها لا يستغني عن الحاجة إلى علة فوق العلل تتكي عليها جميع التأثيرات والتأثرات الجارية بين أجزائه ، فإثبات هذه العلة العالية لا يبطل قانون العلية العام الجاري بين أجزاء العالم أنفسها ، ولا وجود العلل المادية في موارد المعلولات المادية تغني عن استناد الجميع إلى علة عالية خارجة من سلسلتها ، وليس معنى الخروج وقوف العلة في رأس السلسلة ، بل إحاطتها بها من كل جهة مفروضة.
ومن عجيب المناقضة في كلام هؤلاء أنهم قائلون في الحوادث - ومن جملتها الأفعال الإنسانية - بالجبر المطلق فما من فعل ولا حادث غيره إلا وهو معلول جبري لعلل عندهم ، وهم مع ذلك يزعمون أن الإنسان لو خلق إنسانا آخر كان غير منته إلى علة العالم لو فرض له علة.
وهذا المعنى الذي قلنا - على لطفه ودقته وإن لم يقدر على تقريره الفهم العامي الساذج لكنه موجود على الإجمال في أذهانهم حيث قالوا باستناد جميع العالم بأجمعه إلى الإله الصانع - وفيه العلل والمعلولات فهذا - أولا.
ثم إن البراهين العقلية التي أقامها الإلهيون من الحكماء الباحثين أقاموها بعد إثبات عموم العلية وبنوا فيها على وجوب انتهاء العلل الممكنة إلى علة واجبة الوجود ، واستمروا على هذا المسلك من البحث منذ ألوف من السنين من أقدم عهود الفلسفة إلى يومنا هذا ، ولم يرتابوا في استناد المعلولات التي معها عللها الطبيعية الممكنة إلى علة واجبة ، فليس استنادهم إلى العلة الواجبة لأجل الجهل بالعلة الطبيعية ، وفي المعلولات المجهولة العلل كما يتوهمه هؤلاء ، وهذا ثانيا.
ثم إن القرآن المثبت لتوحيد الإله إنما يثبته مع تقرير جريان قانون العلية العام بين أجزاء العالم ، وتسليم استناد كل حادث إلى علة خاصة به ، وتصديق ما يحكم به العقل السليم في ذلك ، فإنه يسند الأفعال الطبيعية إلى موضوعاتها وفواعلها الطبيعية وينسب إلى الإنسان أفعاله الاختيارية في آيات كثيرة لا حاجة إلى نقلها ، ثم ينسب الجميع إلى الله سبحانه من غير استثناء ، قال تعالى : "الله خالق كل شيء" : الزمر - 62 ، وقال تعالى : {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [غافر : 62] ، وقال تعالى : {ألا له الخلق والأمر} : الأعراف - 54 ، وقال تعالى : "له ما في السموات وما في الأرض" : طه - 6 ، فكل ما صدق عليه اسم شيء فهو مخلوق لله منسوب إليه على ما يليق بساحة قدسه وكماله ، وقد جمع في آيات أخر بين الإثباتين جميعا فنسب الفعل إلى فاعله وإلى الله سبحانه معا كقوله تعالى : "و الله خلقكم وما تعملون" : الصافات - 96 ، فنسب أعمال الناس إليهم ونسب خلق أنفسهم وأعمالهم إليه تعالى ، وقال تعالى : {و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} : الأنفال - 17 ، فنسب الرمي إلى رسول الله ونفاه عنه ونسبه إلى الله تعالى إلى غير ذلك.
ومن هذا الباب آيات أخر تجمع بين الإثباتين بطريق عام كقوله تعالى : "و خلق كل شيء فقدره تقديرا" : الفرقان - 2 ، وقال تعالى : {إنا كل شيء خلقناه بقدر - إلى أن قال - وكل صغير وكبير مستطر} : القمر - 53 ، وقال تعالى : "قد جعل الله لكل شيء قدرا" : الطلاق - 3 ، وقال تعالى : {و إن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} : الحجر - 21 ، فإن تقدير كل شيء هو جعله محدودا بحدود العلل المادية والشرائط الزمانية والمكانية.
وبالجملة فكون إثبات وجود الإله الواحد في القرآن على أساس إثبات العلية والمعلولية بين جميع أجزاء العالم ، ثم استناد الجميع إلى الإله الفاطر الصانع للكل مما لا يعتريه شك ولا ريب لا كما يزعمه هؤلاء من إسناد البعض إلى الله وإسناد الآخر إلى علله المادية المعلومة ، وهذا ثالثا.
نعم حملهم على هذا الزعم ما تلقوه : من جمع من أرباب النحل الباحثين عن هذه المسألة وأمثالها في فلسفة عامية كانت تنشرها الكنيسة في القرون الوسطى.
أو يعتمد عليها الضعفاء من متكلمي الأديان الأخرى وكانت مؤلفه من مسائل محرفة ما هي بالمسائل ، واحتجاجات واستدلالات واهية فاقدة لاستقامة النظر ، فهؤلاء لما أرادوا بيان دعواهم الحق الذي يقضي بصحته إجمالا عقولهم ونقله من الإجمال إلى التفصيل دفعهم ضعف التعقل والفكر إلى غير الطريق فعمموا الدعوى ، وتوسعوا في الدليل ، فحكموا باستناد كل معلول مجهول العلة إلى الله سبحانه من غير واسطة ، ونفوا حاجة الأفعال الاختيارية إلى علة موجبة ، أو احتياج الإنسان في صدور فعله الاختياري إلى الإله تعالى ، واستقلاله في فعله ، وقد مر البحث عن قولهم في الكلام على قوله تعالى : {و ما يضل به إلا الفاسقين} : البقرة - 26 ، ونورد هاهنا بعض ما فيه من الكلام.
وطائفة منهم - وهم بعض المحدثين والمتكلمين من ظاهريي المسلمين وجمع من غيرهم - لم يقدروا أن يتعقلوا معنى صحيحا لإسناد أفعال الإنسان الاختيارية إلى الله سبحانه على ما يليق بالمقام الربوبي فنفوا استناد مصنوعات الإنسان إليه سبحانه ، وبالخصوص فيما وضعه للمعصية خاصة كالخمر وآلات اللهو والقمار وغير ذلك ، وقد قال تعالى : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } [المائدة : 90] ومعلوم أن ما عده الله سبحانه عملا للشيطان لا يجوز أن ينسب إليه.
وقد مر فيما تقدم ما يظهر به بطلان هذا التوهم نقلا وعقلا ، فالأفعال الاختيارية كما أن لها انتسابا إلى الله سبحانه على ما يليق به تعالى كذلك نتائجها وهي الأمور الصناعية التي يصنعها الإنسان لداعي رفع الحوائج الحيوية.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|