أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2020
2600
التاريخ: 25-1-2022
3769
التاريخ: 5-4-2019
2018
التاريخ: 22-8-2022
1666
|
من الجدير بالذكر، أنّ أرباب السّير والسّلوك، والعلماء الذين سلكوا هذا الطريق، واتخذوا من القرآن الكريم والسّنة الشّريفة دليلاً لهم، (لا الصّوفيين الذين تأثروا بالمذاهب غير الإسلاميّة الأجنبيّة)، فكلّ واحد من اولئك الأفاضل اقترح طريقةً تختص به، أو بتعبيرٍ أدق، اتخذوا منازل ومراحل، سنأتي بها بصورةٍ ملخّصة، حتّى يكتمل البحث، ويكون أكثر فائدة:
1 ـ السّير والسّلوك المنسوب: «للسيد بحر العلوم»
هناك كتاب منسوب للعلّامة الفقيه العالم: «السيد بحر العلوم»، ورغم أنّ بعض أبحاثه لا يمكن القول بصدورها منه، إلّا أنّ بعض أقسامه والحقّ يقال، في غاية الأهميّة، فقد ذكر السّيد في هذا الكتاب أربعة عوالم ومنازل، مهمّة للسّير والسّلوك إلى الله تعالى، والقرب منه، وهي:
1 ـ الإسلام.
2 ـ الإيمان.
3 ـ الهجرة.
4 ـ الجهاد.
وكلّ واحد من هذه العوالم الأربعة، ذكر له ثلاث مراحل، فيصبح المجموع اثني عشرةَ مرحلةً، وبعد تجاوز هذه المراحل الإثني عشر، يصل السّالك إلى الله، وإلى عالم الخُلوص والفناء، والمراحل أو المنازل الإثني عشر هي:
المنزل الأول: الإسلام الأصغر، والقصد منه هو إظهار الشّهادتين والتّصديق بهما في الظّاهر، وأداء الوظائف الدينيّة.
المنزل الثاني: الإيمان الأصغر، وهو عبارة عن التّصديق القلبي والاعتقاد الباطني بكل المعارف الإسلاميّة.
المنزل الثالث: الإسلام الأكبر، وهو عبارةٌ عن التّسليم في مقابل كلّ حقائق الإسلام، والأوامر والنّواهي الإلهيّة.
المنزل الرابع: الإيمان الأكبر، وهو عبارةٌ عن روح ومعنى الإسلام الأكبر، والّذي ينتقل من مرتبة الطاعة، إلى مرتبة الشّوق والرّضا والرّغبة.
المنزل الخامس: الهجرة الصّغرى، وهي الإنتقال من «دار الكفر»، إلى «دار الإسلام»، وهي شبيهةٌ بهجرة المسلمين، من مكّة التي كانت مقرّ للكفار إلى المدينة.
المنزل السّادس: الهجرة الكبرى، وهي الهجرة والابتعاد عن أهل الذنوب والعصيان، وعدم الجلوس مع الظّالمين والملّوثين.
المنزل السابع: الجهاد الأكبر، وهو عبارةٌ عن محاربة جنود الشّيطان، بالاستمداد من جنود الرّحمان، وهي جنود العقل.
المنزل الثامن: منزل الفتح والظّفر على جنود الشيطان، والتّحرر من سلطتهم، والخروج من عالم الجهل والطّبيعة.
المنزل التاسع: الإسلام الأعظم، وهو عبارةٌ عن الغلبة على جنود الشّهوة والآمال البعيدة، فتنتصر العوامل الموقظة الخارجية، على العوامل الانحرافية الداخليّة، وهنا يكون القلب، مركزاً للأنوار الإلهيّة، والإضافات الرّبانيّة.
المنزل العاشر: الإيمان الأعظم، وهو الفناء في الله تعالى، ومرحلة الدّخول في عالم: (فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، وعندها تظهر حقيقة العبوديّة لله تعالى في واقع النّفس.
المنزل الحادي عشر: الهجرة العظمى، وهي هجرة الذّات ونسيانها، والسّفر إلى عالم الوجود المطلق، والتّوجه الكامل للذّات المقدّسة للباري تعالى، وهي الّتي تدخل في جملة خطاب: (وَادْخُلِي جَنَّتِي).
المنزل الثّاني عشر: الجهاد الأعظم، فبعد هجرة الذّات، يتوسل بالله تعالى أن يمحو كلّ آثار الأنا، ويضع القدم على بساط التّوحيد المطلق.
فبعد أن تُطوى هذه العوالم الإثنا عشر، يدخل في عالم الخُلوص، ويكون مصداقاً لقوله تعالى: (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). ([1])
كيفية السّير والسّلوك في هذه الطريقة:
في رسالة السّير والسّلوك المنسوبة للعلّامة بحر العُلوم، وبعد ذكره للعوالم والمنازل المذكورة آنفاً، يتطرق إلى كيفية السّير في هذا الطريق الصعب، والمليء بالمفاخر، ويذكر (25) أمراً للوصول إلى المقاصد العليا، ونذكرها بشكل مختصر:
فالسّالك إلى الله تعالى، والمريد للقرب منه، لأجل الوصول إلى هذه العوالم، وبعد إطّلاعه الكامل على اصول الدين وفروعه، وأحكامه الإسلامية من الطُرق المعتبرة، يشدُّ الرحال ويأخذ طريقه في عملية السّلوك، من خلال الإلتزام بالمراحل الـ(25)، ليصل إلى المقصود:
أولاً: ترك الآداب والرّسوم والعادات التي تقف عقبةً في الطريق، وتغرقه في بحر الآثام.
ثانياً: العزم القاطع للسّير في هذا الطّريق، فلا يخاف شيئاً، ولا يتردّد، وليعتمد على لُطف الله تعالى.
ثالثاً: الرّفق ومُداراة النّفس، فلا يحمّلها أكثر من طاقتها، كي لا تنفر ولا تنطفئ جذوتها، ولئلّا تنقطع عن المسير.
رابعاً: الوفاء، وهو الوفاء بالبقاء على العهد في التّوبة، وتركه للذّنوب وَعدم العودة إليها، وليكون وفيّاً مع استاذه أيضاً.
خامساً: الثّبات والدّوام، يعني الدّوام على ما اختاره من برامج لنفسه، حتى تُصبح عادةً عنده، وليغلق طريق العودة على نفسه.
سادساً: المُراقبة، وهي عبارة عن الانتباه لنفسه في كل الامور والأحوال، ولِئلا تصدر منه المخالفة.
سابعاً: المحاسبة، كما جاء في حديث: «لَيسَ مِنّا مَنْ لَم يُحاسِبْ نَفسَهُ كُلَّ يَوم» ([2]).
ثامناً: المؤاخذة، حيث يوآخذ نفسه في كلّ خطأ يصدر منه ويعاقبها.
تاسعاً: المسارعة، يعني يعمل بمقتضى أمر: (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)([3])، الوارد في القرآن الكريم، فيُسارع في كلّ خير، لئلّا يسبقه الشّيطان ويوسوس له في تركه.
عاشراً: خُلوص الباطن، وهو تطهير الباطن، بحيث لا يكون أدنى غش في قلبه، والحب التام لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صاحب الشّريعة، والأوصياء المعصومين (عليهم السلام).
الحادي عشر: الأدب، حفظ حُرمة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأوصياءه المعصومين (عليهم السلام)، بحيث لا يلفظ بلفظ يدل على عدم الرّضا منهم، والاعتراض عليهم (عليهم السلام)، وحفظ حرمة الأكابر، ولبيان حاجته في الدّعاء لا يستعمل ألفاظاً تدل على الأمر والنّهي.
الثاني عشر: النيّة، وتعني إخلاص القصد في هذا المسير والحركة، وجميع الأعمال لله تعالى.
الثالث عشر: الصّمت، ويعني الاكتفاء بالمقدار اللّازم من الكلام.
الرابع عشر: الجوع وقلّة الأكل، وهو من الشّروط المهمّة لسلوك هذا الطريق، ولكن ليس للحدّ الذي يبعث على الضّعف وعدم القدرة.
الخامس عشر: الخلوة، وهي عبارةٌ عن العزلة عن أهل العصيان، وطلّاب الدنيا وأصحاب العقول الناقصة، والتّوجه الخالص لله عند العبادة والذّكر، والابتعاد عن الضّوضاء وعناصر التّشويش الذهني.
السادس عشر: السّهر، وخصوصاً في الثّلث الأخير من الليل، الذي أكدّت عليه الآيات والرّوايات.
السابع عشر: الدّوام على الطّهارة، وهو أن يكون على وضوء دائماً، حيث ينوّر الباطن بأنوارٍ خاصّةٍ.
الثامن عشر: التّضرع لله تعالى، والتحرك على مستوى اظهار الخضوع له، أكثر وأكثر.
التاسع عشر: عدم إعطاء النفس ما تريد وإن كان مُباحاً، بالقدر الذي يستطيع.
العشرون: كتمان السّر، وهو من أهم الشّروط، وهو ما يؤكد عليه أساتذة هذا الأمر، حتى لا يجرّ الإنسان للرياء والتّظاهر، وإذا ما حصلت له المكاشفة، يجب أن لا يخبر أحد لئلّا يُصاب بالعجب.
الواحد والعشرون: يجب الإلتزام في عمليّة السّلوك المعنوي بأستاذ، سواء كان الأستاذ عامّاً للسّير والسّلوك أو خاصّاً، وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام).
ويجب على السّالك الانتباه إلى أنّ هذه المرحلة، هي مرحلةٌ دقيقةٌ جداً، حتى لا يختبر أحداً ولا يطّلع على صلاحيّته العلميّة والدينية، ولا يعتمد على إرشاداته بصورة كليّة، لأنّه يوجد بعض الشياطين يتلبّسون بلباس الأساتذة، وذئاب تلبس ثوب الرّاعي، فتحرف السّالك عن الجادّة.
ويقول المرحوم العلّامة الطباطبائي في هذا المجال: إنّ الإطّلاع على العلوم والأسرار الغريبة، وما وراء الطّبيعة وأسرار الإنسان، والمشي على الماء والنار والإخبار بالمغيّبات، كلّها لا تؤكد أنّ ذلك الإنسان قد وصل إلى مرحلة الكمال، لأنّ كلّ تلك الامور تحصل في مرتبة المكاشفة الرّوحيّة، والطّريق طويل حتّى الوصول إلى الكمال.
الثاني والعشرون: «الأوراد»، وهي عبارةٌ عن الأذكار التي تفتح للسّالك الطّريق والمرور من المطّبات الصّعبة، وتعينه في المسير إلى الله تعالى.
الثالث والعشرون: نفي الخواطر، وهو تسخير القلب، والحكومة عليه والّتمركز الفكري، بحيث لا يمر من خاطره شيء، إلّا باختياره وإذنه، أو بتعبير آخر، لا يشغل تفكيره الأفكار المُشوّشة، وهو من الامور الصّعبة.
الرابع والعشرون: التّفكر، والقصد منه أنّ السّالك يسعى من خلال التّفكير الصحيح، والعميق، في اكتساب المعرفة الحقّة، ويحصر تفكيره في عالم الصّفات، والأسماء الإلهيّة وتجلّياته وأفعاله.
الخامس والعشرون: الذِكّر، والمراد منه التّوجه القلبي للذّات المقدّسة للباري تعالى، وليس الذّكر اللّساني الذي يسمّى بالوِرد، أو بعبارةٍ اخرى، يكون كلّ نظره جمال الإله، ولا يرى شيئاً غيره.
هذه هي خلاصة، ما نسب للعلّامة بحر العلوم في دائرة السّير والسّلوك، وتبعه في ذلك مع اختلاف يسيرٍ، العلّامة الطّباطبائي، وذلك كما جاء في رسالته «لبّ اللباب».
2 ـ طريقة المرحوم الملكي التّبريزي
وهو المرحوم «الحاج ميرزا جواد الآقا تبريزي»، وهو من الاساتذة المعروفين في السّير والسّلوك إلى الله، وقد انتهج في رسالته (لقاء الله)، نهجاً يختلف عمّا جاء به في الرّسالة المنسوبة للعلّامّة بحر العلوم.
فهو يُذكر في البداية، أنّ لقاء الله هو الغاية القصوى، والهدف الأعلى، للسّير والسّلوك، ويستشهد لذلك بآياتٍ متعدّدةٍ من القرآن الكريم، وكذلك بالروايات الكثيرة لُمدّعاه، ويصرّح بأنّ لقاء الله تعالى ليس هو المشاهدة العينية، لأنّ الباري تعالى منزّه عن الكيفيات التي توجب رؤيته بالبصر، ولا هو لقاء النّعيم والثّواب في يوم القيامة، بل هو نوع من «الشّهود»، واللّقاء القلبي والروحي والمشاهدة بالبصيرة.
وبعدها يقترح برنامجاً للسّير في هذا الطريق الطويل، والمحفوف بالمخاطر، ويتلخص في عدّة امور:
1 ـ العزم والنيّة لسلوك هذا الطريق.
2 ـ التّوبة النّصوح من الأعمال السّالفة، وهي التّوبة التي تنفذ في أعماق الوجدان والوعي، في واقع النفس، وتعمل على تغييره، وغسل آثار الذّنوب وأدران الخطايا من جسمه وروحه.
3 ـ حمل الزّاد للطريق، وذكرَ له عدّة برامج:
ا: صباحاً، المشارطة: (يشرط على نفسه أن لا يمضي إلّا في طريق الحق)، وفي النّهار المراقبة: (الانتباه لئلّا يحيد عن الطريق)، ومساءً المحاسبة: (لنفسه على ما فعله في النّهار).
ب ـ التّوجه للأوراد والأذكار، ووظائف اليقظة والمنام.
ج ـ التّوجه لصلاة اللّيل، والخَلوة بالله تعالى، وإحياء الليل وترويض النفس في حالات النوم والأكل، بحيث لا يتجاوز عن الحدّ الضروري.
4 ـ الإستفادة من سوط السّلوك، وهو عبارة عن مُؤاخذة النّفس وتوبيخها، لتوجُّهِها للدنيا وتقصيرها في طلب الحق، وعدم وفائها، وإطاعة الشّيطان في معصية الله تعالى، ويستغفر الله على كلّ ذلك ويعزم على السّعي في طريق الإخلاص والإيمان والصلاح.
5 ـ عند التّحول، وفي هذه المرحلة، وقبل كلّ شيء، يجب أن يفكّر في الموت، ليميت حبّ الدنيا في قلبه ويصلح الصّفات القبيحة عنده، وهو دواءٌ نافعٌ في هذا المجال، (وبعدها يفكر في عظمة الله وأسماءه وصفاته، ويذكر أولياء الحق، وليسعى بأن يُشابِههم في صفاتهم).
6 ـ عند القرب من منزل المقصود، يشير إلى أنّ الإنسان لديه ثلاثة عوالم:
1 ـ عالم الحسّ والطّبيعة.
2 ـ عالم الخيال والمثال.
3 ـ عالم العقل والحقيقة.
فعالم الحسّ والطّبيعة كلّه ظلمات، وإذا لم يعبره فلن يستطيع الوصول لعالم المثال، وهو العالم الذي تكون فيه الحقائق لها صورٌ عاريةٌ عن المادّة.
وما دام يراوح في عالم المثال، فلن يستطيع الوصول إلى عالم العقل، الذي هو عالم الحقيقة والأصل للنفس الإنسانية، الذي لا صورة ولا مادة فيه، فإذا وصل لعالم العقل، وأدرك نفسه خالية عن المادة والصّورة، فسيصل إلى معرفة الباري تعالى، ويكون مصداق لقوله: «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ ([4])» ([5]).
3 ـ طريقةٌ اخرَى
في رسالة «لقاء الله» للعالم والمحقق الكبير، الآقا المصطفوي، أشار إلى برنامج آخر للسّير والسّلوك، في رسالته الجامعة والغنية، والمعتمدة على الآيات والأخبار، حيث أشار أولاً إلى الآيات المتعلّقة بلقاء الله، وبعدها شرع في تفسير معنى اللّقاء؛ أنّ المراد منه اللّقاء المعنوي والرّوحي، وأضاف أنّ الإنسان ولأجل وصوله للقاء الله تعالى في هذا السير المعنوي، عليه أن يكسر حدود المادة والمكان والزّمان، وكذلك الحدود الذّاتية لكلّ المُمكنات، ويفنى في عالم اللّاهوت، ويكون المخاطب لقوله تعالى: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)([6]).
وأقترح خمسة مراحل للوصول إلى المقصود الأكبر:
المرحلة الاولى: التّحرك على مستوى تكميل وتقوية الاعتقادات، والتّوجه الخاص لأصول الدّين.
المرحلة الثانية: التّوبة من الذنوب، والتّحرك من هذا الموقع للإتيان بالأعمال الصّالحة وأداء الواجبات.
المرحلة الثالثة: السّعي الجاد لتطهير النّفس من الرذائل، وتحليتها بالفضائل الأخلاقية.
المرحلة الرابعة: محو الأنانيّة، والفناء في مُقابل عظمة الحق.
وفي هذه المرحلة التي ينقطع الإنسان فيها عن التّعلقات المادية، من الأهل والأموال والأولاد واللّذات، تكون الشّهوات الماديّة والخياليّة قد تغيّرت وتبدّلت، إلى تعلّقٍ وارتباط روحي ومعنوي، والذي يبقى هو التّعلق بالذّات والنّفسٍ، وهذا التعلّقً متجذّر وقويّ لدرجةٍ كبيرةٍ جدّاً، ولشدّة ظهوره: خفي، وتبقى ملاحظةٌ واحدةٌ وهي، أنّ هدف السّالك في جميع هذه المراحل هو الوصول إلى لقاء الله، وفي الواقع والباطن أنّ كلّ عمل يكون قد أدّاه هو له ولنفسه.
وبعبارة اخرى: كان يُريد الوصول إلى المقامات العليا، والقُرب من الله تعالى، والحصول على الكمالات المعنوية والروحية، فكلّ ذلك كان بدافع النّفس والذّات، وليس لِلهدف الأصلي، ولذلك فهو عند وصوله لمثل هذا المقام يفرح غاية الفرح، ولكن إذا وصل غيره إلى هذا المقام، فسوف لن يكون فرحاً لهذا الحد، وهنا يجب أن تُحذف «الأنا» وتُنسى، ويكون المحبوب للسّالك هو تجلّي الله سبحانه، لا من خلال حبّ الذّات، أو بعبارةٍ أوضح، يجب أن تُمحى «الأنا»، وهي الحِجاب الأكبر والمانعُ الأقوى، وآخر الحُجب للوصول إلى الله تعالى ولقائه.
ولإزالة هذا المانع، توجد عدّة طرق:
1 ـ طريق التّوجه القلبي لله تعالى، والتّوحيد الذّاتي والصّفاتي والأفعالي، ومنه يفهم أنّ غيره لا شيء في مُقابله.
2 ـ التّفكر والإستدلال للوقوف بوجه «الأنانية» وحجاب النفس، بمعنى أن يرى أنّ الله تعالى غير محدودٍ بحدٍّ، وهو الأزلي والحقّ المطلق، والنفس هي الموجود المحدود في كلّ شيء، وفي منتهى الضّعف والعجز والفقر والحاجة إلى الله تعالى، ومن دون المدد الإلهي فإنّها لا تستطيع الصّمود ولا لِلِحظةٍ واحدةٍ.
3 ـ المعالجة بالأضداد، بمعنى أنّه كلّما أحسّ بوجود «الأنا» في وعيه، يعالج هذا الموقف بالتّوجه لله والصّالحين من عباده، لكي يعيش في الحضور الدّائم مع الباري تعالى.
المرحلة الخامسة: في هذه المرحلة يصبح السّالك إنساناً ملكوتياً، ويدخل في عالم الجبروت، والقصد من الدخول في مرحلة الجبروت، هو أنّ الإنسان يصل إلى مرحلةٍ من الصّفاء والإخلاص، يكون فيها مندّكاً في ذاتِ الله تعالى، وله نفوذٌ وسلطةٌ على الامور، فيتحرك في أداء وظائفه الإلهيّة، وإرشاد الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من موقع المسؤولية والانضباط في خط الرّسالة، ويكون على بصيرةٍ كاملةٍ من أمره.
أو الأحرى، ينسى نفسه، ويكون على علمٍ بكلّ المسائل والوظائف والأحكام والآداب الشرعية، وطرق السّير والسّلوك، ويكون تشخيصه لِلأمراض والأدوية دقيق جدّاً، كالطّبيب الحاذق الذي يعرف الدّاء والدّواء ويشخصه جيّداً ([7]).
والجدير بالذّكر أنّه قد استدلّ لكلّ هذه المطالب في كتابه، بالآيات والرّوايات الإسلاميّة، كشاهدٍ على مُدّعاه.
خلاصة ما تقدم من مذاهب السّير والسّلوك:
يُستفاد ممّا تقدّم من تعليمات أرباب هذا الفن، والطريق: (الذين مشوا في نهج الإسلام الأصيل وطريق أهل البيت (عليهم السلام) لا المتصوّفة)، اصولٌ مشتركةٌ في عمليّةِ السّيرِ والسّلوك إلى الله وهي:
1 ـ أنّ الهدف الأصلي، هو لقاء الله وشهود ذاته المقدسة، بالبصيرة والحُضور الروحي المعنوي عنده.
2 ـ للوصول لهذا الهدف، ينبغي التّحرك أولاً من موقع التوبة من جميع الذنوب والرذائل الأخلاقية، والتّحلي بالفضائل.
3 ـ في هذا الطريق يجب أن لا ينسى الآداب الأربعة: المشارطة، والمراقبة، والمحاسبة، والمعاقبة، يعني يشترط في الصّباح على نفسه، أن لا يذنب ولا يخالف رضا الباري تعالى، ويراقب نفسه في طول النّهار وفي اللّيل وعند النوم، يجلس للمحاسبة، وإذا ما صدرت منه مخالفةٌ يعاقب نفسه بتركه لأنواع اللّذائذ.
4 ـ التّصدي لهوى النفس من موقع المخالفة؛ لأنّ الهوى هو من أكبر السّدود في هذا الطّريق، ومخالفته هي من أوجب الواجبات.
5 ـ التّوجه لأذكارٍ وأورادٍ وردت في الشّرع المقدس، أمثال: «لا حَولَ وَلا قُوَّةَ بِالله»، وذكر (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، وذكر «يا الله» و«يا حَيُّ يا قَيُّوم» وهي الزاد في هذا الطّريق والسبب للقوّة.
6 ـ التوجه القلبي لحقيقة التّوحيد للذات والصّفات والأفعال لله تعالى، والغرق في صفات كماله وجماله، وهي زاد آخر لهذا الطريق الوعر المليء بالمطبّات والتّحديات الصعبة.
7 ـ كسر أكبر الأصنام، وهو صنم الأنانيّة والّذات الفرديّة، وهو من أهم الشّروط للوصول للمقصود.
8 ـ وقد اشترط البعض الاستعانة بالأستاذ، والسّير في هذا الطريق تحت إشرافه، فيكون كالطبيب الذي يعمل على معالجته، والبعض لا يعتمدون على الاستاذ، وحصل في كثير من الموارد، وللأسف الشديد، الوقوع في حبائل الشيطان، وذلك بسبب الإعتماد على الاستاذ، حيث يعتبرونه كالملاك، فيذهب دينهم وإيمانهم وأخلاقهم أدراج الرّياح!.
ويرى البعض الآخر، أنّ وظيفة الإرشاد والسير على هدي الأنبياء والأولياء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي آخر المراحل، ولكن كثيراً منهم لم يذكروا شيئاً، وتركوا السّالك بحاله.
والغرض من الإتيان بهذا البحث، في المباحث الأخلاقيّة، في هذا الكتاب، هو:
أولاً: سرد عصارة من التّفكرات التي لها علاقة بالمباحث الأخلاقية، حتى يتنور القارئ ويتحرك في طريق التّهذيب وإصلاح الذّات.
ثانياً: نحذّر طلاب الحقيقة، أنّ الحدّ بين الحقّ والباطل ضيئل جدّاً، فكثيرٌ من الشّباب من ذوي القلوب النّقية، كان هدفهم الوصول إلى الحقّ والعين الصّافية، ولكنّهم انجرفوا في طريق الضّلالة، وتركوا طريق العقل والشّرع، ولذلك تاهوا في وادي الحيرة، وغرقوا في مستنقع الخطيئة، ولم يسلموا من مخالب الذّئاب الضّارية، الذين يرتدون مسوح الزّهد والقداسة، فأضاعوا وفقدوا كلّ ما لديهم.
[1] للاطلاع ، يرجى مراجعة: رسالة السّير والسّلوك للمرحوم السيّد بحر العلوم قدس سره، وفيه تفاوت واختلاف بينه وبين رسالة العلّامة الطباطبائي، لبّ اللّباب، وهنا في الواقع تلفيق من الإثنين.
[2] إرشاد القلوب للديلمي، باب 39.
[3] سورة آل عمران، الآية 133.
[4] بحار الأنوار، ج 2، ص 32.
[5] للتفصيل يرجى الرجوع إلى رسالة لقاء الله المرحوم التبريزي قدّس سره.
[6] سورة الفجر، الآية 27 إلى 30.
[7] للاطّلاع، يرجى الرجوع إلى كتاب: «لقاء الله» للعلّامة الكبير المُصطفوي.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|