أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-9-2020
2920
التاريخ: 2-2-2023
2156
التاريخ: 15-4-2021
2605
التاريخ: 15-12-2020
1720
|
يمكن أن نعد قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 بداية لخطوة هامة في مجال التنمية الصناعية فقد صدرت عنه عدة قوانين في الأعوام 1923، 1926 ، 1929 تشجع إقامة صناعات وطنية، بإعفاء القائمين بها من ضريبتي الدخل والعقار، ومنحهم الأراضي لإقامة المشاريع الصناعية. وقد أجريت على هذه القوانين عدة تعديلات في فترات لاحقة تهدف الى تحفيز أصحاب رؤوس الأموال على استثمار مواردهم المالية في القطاع الصناعي. وكاستجابة لذلك قامت في القطر مصانع كثيرة في فروع الصناعات الغذائية والنسيجية والإنشائية والورق والطباعة. وإبان الحرب العالمية الثانية أقيمت مصانع أخرى مستفيدة من توقف توريد السلع والبضائع الى القطر بعضها توقف عند نهايتها، وأخرى استمر في الإنتاج.
والخطوة الهامة التالية في مسيرة التنمية الصناعية في القطر كانت تأسيس المصرف الصناعي عام 1945. ومع ضآلة رأس مال المصرف بداية تأسيسه، فقد أسهم في تمويل العديد من المشاريع الصناعية، وبخاصة بعد أن ازداد رأس ماله عدة مرات لاحقاً.
اتصفت المصانع التي أقيمت خلال هذه المراحل بأنها صغيرة سواء بمقدار رؤوس أموالها أو أعداد العاملين فيها، وبأنها أقيمت برؤوس أموال خاصة أسهم المصرف الصناعي في البعض منها ، وبأنها جميعاً قد أقيمت في بغداد وما حولها حيث السوق واسعة وقادرة على استيعاب إنتاجها. أما المشاريع العامة التي تمولها الحكومة فقد كانت تتركز على إقامة البنى الارتكازية وكان نصيب الصناعة منها ضئيلاً.
في عام 1950 أسس مجلس الإعمار، ومع وجود آراء متباينة حول أهداف تأسيس المجلس، وفي تقويم المشاريع التي تبناها إلا أننا يمكن أن نعد الخطة الأولى 1951-1956 التي أقرها المجلس الخطوة الأساسية الأولى في بناء سياسة وطنية للتخطيط الصناعي ومؤشر أول لسياسات المواقع الصناعية في العراق، تلتها مراحل أخرى لكل منها خصائص وملامح يمكن بيانها في الآتي:-
أولاً : المرحلة الأولى من 1951-1958. خصص مجلس الإعمار للصناعة في خطته الأولى 951-1956 حوالي 20% من إجمالي المبالغ المخصصة لبرامجه، و 14% من خطته الثانية 1955-1959، ويمكن بيان ملامح هذه المرحلة بالآتي:-
أ ـ إنشاء مشاريع صناعية تتبنى الدولة إنشاءها وإدارتها كنواة للقطاع الصناعي العام وملكية الدولة لمشاريع صناعية كبيرة الحجم وذات مستوى تكنولوجي متطور، ومن أهمها مصانع الاسمنت في سنجار في السليمانية وحمام العليل في الموصل ومصنع الغزل والنسيج القطني في الموصل، ومصنع لإنتاج القير في القيارة، ومصنع السكر في الموصل، ووضعت دراسات لإنشاء ثلاث محطات للكهرباء في كركوك وبغداد والبصرة .
ب ـ الإسهام غير المباشر في تشجيع الاستثمار الصناعي الخاص وحماية الصناعة الوطنية وتقديم الحوافز والامتيازات لها .
ت ـ شهدت الصناعة في هذه المرحلة تحولاً في مواقعها، إذ أنها لم تعد تتركز في بغداد الكبرى فحسب، وإنما قامت في مناطق عديدة أخرى، فظهرت ونمت مواقع جديدة للصناعة، أصبح بعضها لاحقاً ذا أهمية على مستوى القطر، مما خلق حوافز ودوافع اقتصادية لتطوير المناطق التي تقع فيها.
ث ـ اختيار مواقع الصناعات عند خاماتها المحلية، وفي المواقع التي تحقق وفورات اقتصادية موقعية أي أن تحديد الموقع كان يعتمد مبدأ الكفاءة الاقتصادية Economic Efficiency ، وإغفال مبدأ العدالة الاجتماعية في التوزيع المكاني للصناعات.
ثانياً : المرحلة ما بين 1959 ــ 1972 وهي المرحلة التي أعقبت ثورة تموز عام 1958، وفيها ألغي مجلس الإعمار وحلت محله وزارتا التخطيط والصناعة ومجلس التخطيط المركزي. واتصفت ملامح هذه المرحلة بالآتي:
أ- ازدياد الاهتمام بالمشاريع الصناعية، فبدأ نصيب الصناعة من الإنفاق الاستثماري يتزايد باطراد، فمن 10% هو نصيب الصناعة في خطة 1959-1961 ، ارتفع الى 27.4 في خطة 1961-1965، و 25.5 % في خطة 1965-1969 ، ثم الى 36.8 % في خطة التنمية القومية 1970-1974. وعقدت اتفاقات مع عدد من الدول أهمها الاتحاد السوفيتي وفرنسا واليابان وتشيكوسلوفاكيا لإقامة الصناعات في العراق، ومن أهم المشاريع التي أقيمت بداية هذه المرحلة هي التعليب في كربلاء، والزجاج في الرمادي، والآلات والمكائن في الإسكندرية بابل، والأدوية في سامراء، والخياطة في الكوت والخياطة في بغداد والورق في الهارثه والأسمدة في البصرة، واستخلاص الكبريت في كركوك، والحرير الصناعي في السدة والنسيج الناعم في الحلة، والأحذية في الكوفة، والسكاير في السليمانية، والسكر في ميسان .
ب ـ صدور قانون التأميم لمجموعة من مؤسسات القطاع الخاص الكبيرة عام 1964 فتغيرت بنية الصناعة في العراق من حيث الملكية، وتحدّد وتضاءل دورالقطاع الخاص في النشاط الصناعي، ثم ظهر دور القطاع المختلط الذي يجمع ما بين القطاعين العام والخاص، إلا انه وابتداءاً من عام 1970 بدأ القطاع الخاص يلقى عوناً وتشجيعاً أكبر مما سبق لإعادة إشراكه في عملية التنمية الصناعية بعد أن تقلص دوره بإجراءات التأميم.
ت ـ الإفادة من وفرة مدخلات الصناعة من المواد الأولية وإقامة صناعات في مواقع وفرتها لتحقيق عائد اقتصادي مناسب تحقيقاً لمبدأ الكفاءة الاقتصادية مثل صناعات التعليب والأسمدة والسكر والسكاير والاسمنت.
ث ـ استمرار محاولات تشتيت الصناعة بين محافظات القطر وعدم تركيزها في بغداد وخاصة لمشاريع القطاع العام، من خلال التوزيع الجغرافي للاستثمارات ونشر الصناعات في المناطق المتأخرة اقتصادياً تحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية، والإفادة بنفس الوقت من وفرة قوة العمل العاطلة في بعض المحافظات فأقيمت صناعات النسيج والخياطة في العديد من المحافظات.
وهذه تتميز بإمكانية توقيعها في مواقع مختلفة وخاصة تلك التي توفر قوة عمل أو أسواق واسعة، إلا أن هذه المحاولات لم ترق الى مستوى ستراتيجي ومنهجي لذلك فإن التصنيع ظل يفتقر الى منهجية العمل في اعتبار البعد المكاني.
ج ـ ومع هذا فلم تنجح سياسات الدولة لتشتيت الصناعة، ففي عام 1970 كان في بغداد 60% من عدد منشآت الصناعة و 61% من قوة العمل الصناعي العاملة في العراق لما تحققه بغداد من وفورات تكتل صناعي وحضري للمنشآت القائمة فيها.
ثالثاً : المرحلة الثالثة من عام 1973-2002 في عام 1968 تغير النظام السياسي في العراق وتغيرت معه الفلسفة الاقتصادية للبلاد، وما يتعلق منها بالنشاط الصناعي، إلا أن الفلسفة الجديدة لم تجد طريقها الى التطبيق إلا بعد عام 1972، وبالتحديد مع بداية النصف الثاني من عام 1973، حيث صدر قانون تأميم النفط، وثم عقد اتفاقات مع الشركات النفطية تلاها ازدياد عوائد النفط المالية، وصار للدولة قدرة مالية كبيرة تعين على تنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية، وقد اتخذت عدة إجراءات في الجانب الصناعي كان من أبرزها :
أ ـ زيادة هائلة في مبالغ الاستثمارات الصناعية ونسبتها من إجمالي الاستثمارات في خطط التنمية القومية، فوصلت هذه المبالغ الى أكثر من (11) مليار دينار للمدة 1976-1990 أي بنسبة 22.5% من إجمالي الإنفاق الاستثماري لنفس المدة.
التوجه الجاد نحو بناء قاعدة أساسية للصناعة التحويلية بإنفاق استثمارات ضخمة في عدد محدود من المشاريع الصناعية الكبرى مثل الصناعات البتروكيمياوية والحديد والصلب والاسمنت والزيوت ومصافي النفط، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، والصناعات الهندسية والألمنيوم، مما أسهم بتغيير كبير في البنية الصناعية على مستوى القطر.
ت ـ إيلاء الاعتبارات الاجتماعية اهتماماً كافياً وتمثل ذلك في محاولة تنمية الأقاليم المتخلفة صناعياً بتوطين المشاريع الصناعية في عدد منها مثل بابل وديالى والقادسية والبصرة وذي قار والموصل والاستمرار بإضعاف (خفض ) هيمنة بغداد على الصناعة .
ث ـ إقامة مجمعات صناعية لصناعات متطورة تعمل كأقطاب نمو لتقود عمليات التوطن الصناعي في أقاليم مواقعها في بابل للصناعات الميكانيكية، وفي البصرة للأسمدة والحديد والصلب، وفي ديالى للصناعات الكهربائية، وفي بيجي لمجموعة متنوعة من صناعات تصفية النفط والزيوت النباتية وتوليد الطاقة الكهربائية والأسمدة وفي الأنبار مجمع عكاشات الكبير للأسمدة الكيمياوية.
ج ـ وبرغم التأكيد على دور رأس المال العام في قيادة عمليات التصنيع الكبرى، إلا أن عملاً دؤوباً تم تنفيذه باتجاه تطوير القطاع الصناعي المختلط ومنح فرص جيدة للقطاع الخاص بإجراءات وقوانين تنظيم عمليات الإقراض والإعفاءات الضريبية وحماية المنتج المحلي، وتأسيس مناطق صناعية في المدن الرئيسة في المحافظات ومنحها للقطاع الخاص، هذا إضافة الى إصدار القوانين التي تشجع الاستثمارات العربية والأجنبية وفق شروط معينة.
ح ـ كان لظروف الحصار الاقتصادي على العراق ما بين 1991-2003 أثر بالغ على الصناعة، فتراجعت قوة العمل الصناعي بنسبة 31% للمدة أعلاه وتراجعت هيمنة بغداد فوصلت قوة العمل فيها الى 43% من قوة العمل الصناعي لإجمالي القطر عام 1997، في حين أن محافظات أخرى قد حققت تقدماً ملحوظاً بهذا المعيار مثل ميسان وذي قار والقادسية وبابل والبصرة و نينوى.
رابعاً : مرحلة ما بعد الاحتلال عام 2003 وهي مرحلة صعبة في تاريخ الصناعة في العراق وأبرز خصائصها :-
أ- تراجع إسهم الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي من 8.3 %عام 1980 الى 1.9% فقط عام 2005.
وكذلك تراجع قوة العمل الصناعي بنسبة 25% عام 2005 مقارنة بما كانت عليه عام 1980، بسبب توقف معظم المنشآت الصناعية الكبيرة عن الإنتاج أو أنها تعمل بطاقات إنتاجية متواضعة جداً.
ت ـ التحول السريع من القطاع العام وملكية الدولة لوسائل الإنتاج الى نظام آلية السوق، وهذا يعني توقف دعم الدولة لمنشآت القطاع العام ولا سيما توفير السيولة النقدية، فتوقفت أو كادت تتوقف عن العمل وعجزت عن إصلاح معداتها المستهلكة أو حتى توفير مستلزماتها .
ث ــ التوقف نهائياً عن الاستثمار الصناعي العام أو حتى المختلط، فكل ميزانية الدولة حتى الآن تشغيلية، ولجهة فتح الباب وتشجيع الاستثمار الأجنبي في القطاع الصناعي، والذي لم يتحقق بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها القطر حتى الآن.
ج ــ إتباع سياسة الباب المفتوح في استيراد السلع والبضائع، وإيقاف العمل كلياً بكافة إجراءات حماية المنتج المحلي، فأغرقت الأسواق بالسلع الصناعية المستوردة من مصادر شتى بأنواع وأسعار متدنية عجز فيها المنتوج المحلي من المنافسة بظروف إنتاج وتسويق غير متكافئة لصالح المنتوج الأجنبي. بناءاً على ما تقدم هل يمكن القول ببناء ستراتيجية متكاملة للمواقع الصناعية في العراق؟ الإجابة الدقيقة هي بالنفي قطعاً، فإذا كانت بعض ملامح التجربة العراقية قد بدأت تتشكل وتتبلور خلال المدة 1970-1990 ، الا ان فرض الحصار الاقتصادي على العراق ابتداءاً من عام 1991 وثم الاحتلال الأجنبي للعراق في نيسان 2003 وما رافقه وتلاه من تراجع في جميع أوجه الحياة وخاصة في القطاعات الاقتصادية الزراعة والصناعة والنقل وتبدل في الفلسفة الاقتصادية بل وربما الافتقار الى مثل هذه الفلسفة أصلاً، كل ذلك أعاد التجربة العراقية في مجال المواقع الصناعية الى نقطة بدايتها الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). David Smith, OP.Cit, PP. 469-473.
(2) د.جواد هاشم ،وآخرون تقييم النمو الاقتصادي في العراق الجزء الثاني، وزارة التخطيط، بغداد، 1970، ص 204 ـ 234
(1) حسين موسى الأوسي، التوزيع الجغرافية للصناعة في محافظة بابل رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الآداب جامعة بغداد، 1983، ( غير منشورة ) ، ص 31
(2) أ- د. خطاب صكار العاني، د .نوري خليل البرازي جغرافية العراق، جامعة بغداد، 1979 ، ص 293
ب ــ د. أحمد حبيب رسول دراسات في جغرافية العراق الصناعية، جامعة بغداد، مطبعة العاني، 1975، ص 32
(1) د .حسن محمود الحديثي تخطيط المواقع الصناعية مجلة النفط والتنمية، دار الثورة للطباعة والنشر العدد الثاني آذار - نيسان، 1987، ص 33.
(2) أ- د.عباس علي التميمي، النمو الصناعي في محافظتي البصرة والموصل، مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة، مطابع جامعة الموصل، 1981، ص 39.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|