إذا نذر اعتكافا مطلقا‌ ، وجب عليه أن يعتكف ثلاثة أيام ، لأنّ الاعتكاف لا يصح في أقلّ من ثلاثة ، خلافا للشافعي ، فإنّه جوّزه لحظة ، ويبرأ بها من عهدة النذر عنده ، لكن يستحب أن يعتكف يوما ⁽¹⁾.

وإن نذر الاعتكاف مدّة من الزمان ، فإمّا أن يطلق تلك المدّة أو يعيّنها ، فإن أطلق تلك المدّة ، فإمّا أن يشترط فيها التتابع ، كأن يقول : لله عليّ أن أعتكف ثلاثة أيام متتابعات ، أو لا يشترطه.

فإن شرطه ، لزم ، لأنه نذر في طاعة هي المسارعة إلى فعل الخير ، كما لو شرط التتابع في الصوم.

وإن لم يشترط التتابع ، لم يلزمه إلاّ في ثلاثة ثلاثة ، فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيام ، وجب عليه اعتكاف شهر بأن يعتكفه متتابعا أو متفرّقا ثلاثة ثلاثة ، ولا يجب عليه تتابع الشهر بأسره ، كما في الصوم ، لأنّه معنى يصح‌ فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر ، كالصيام ، وهو أحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ⁽²⁾.

والثاني : أنّه يلزمه التتابع ـ وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى ـ لأنّه معنى يحصل في الليل والنهار ، فإذا أطلقه ، اقتضى التتابع ، كما لو حلف : لا يكلّم زيدا شهرا ، وكمدّة الإيلاء والعدّة ⁽³⁾.

والوجه : الأول ، لأصالة براءة الذمة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التتابع وإن لم يلزمه إلاّ في كلّ ثلاثة عندنا ، ولا يلزمه مطلقا عند العامة ، فإنّ الأفضل التتابع ، لما فيه من المسابقة إلى فعل ما يوجب المغفرة.

ولو لم يتلفّظ بالتتابع في نذره ، لكن نواه في ضميره ، فإن قلنا : النذر ينعقد بالضمير ، لزمه ، وإلاّ فلا.

ولو شرط في نذره التفريق ، لم يلزمه ، وخرج عن العهدة بالتتابع ، لأنّ الأولى التتابع ، فلا ينعقد نذر خلافه عندنا ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ⁽⁴⁾ ـ كما لو عيّن غير المسجد الحرام ، يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام.

__________________

(1) المهذب للشيرازي 1 : 198 ، المجموع 6 : 490 ، فتح العزيز 6 : 480 ـ 481.

(2) فتح العزيز 6 : 508 ، المهذب للشيرازي 1 : 198 ، المجموع 6 : 493 ، حلية العلماء 3 : 220 ، المغني 3 : 157 ـ 158 ، الشرح الكبير 3 : 138.

(3) المجموع 6 : 494 ، فتح العزيز 6 : 508 ، حلية العلماء 3 : 320 ، بدائع الصنائع 2 : 111 ، المبسوط للسرخسي 3 : 119 ، بداية المجتهد 1 : 317 ، المدونة الكبرى 1 : 234 ، المغني 3 : 158 ، الشرح الكبير 3 : 138.

(4) المهذب للشيرازي 1 : 198 ، المجموع 6 : 493 ، فتح العزيز 6 : 508.