المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الحرارة Temperature
2024-11-25
الشمام Sweet melon (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-25
إثر التبدل المناخي على النشاطات الأخرى Climatic Effects on other Activates
2024-11-25
أسيا Asia
2024-11-25
الآثار السلبية للنشاط البشري على المناخ The Negative Effects Of Humans Activity on Climate
2024-11-25
الإشعاع الشمسي Solar Radiation
2024-11-25

أقسام التشبيه
14-9-2020
Hans Samelson
25-12-2017
العوامل المؤثرة في نشأة المدن وتطورها- العوامل البشرية - التقدم التكنولوجي
26/9/2022
الخصائص الديمغرافية والنفسية للمستهلكين
8/9/2022
آداب المساكن (البيوت)
22-6-2017
Lactoflavin
6-11-2018


عام وفاة أبي طالب وخديجة « عليهما السلام » : عام الحزن  
  
340   09:05 صباحاً   التاريخ: 2024-09-15
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص437-459
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد البعثة /

1 . أبو طالب ( ( رحمه الله ) ) يقود عملية كسر الحصار قبيل وفاته

عندما حذَّر بحيرا الراهب أبا طالب أن يدخل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى دمشق خوفاً عليه من اليهود ، يومها عاد أبو طالب ( عليه السلام ) بحبيبه إلى مكة فطاف حول الكعبة داعياً ربه أن يحفظ محمداً ( صلى الله عليه وآله ) من كيد اليهود ، وأطلق قصائده في مديحه ، وتشدد في حراسته ، واستمر في ذلك أكثر من ثلاثين سنة !

وما أن بعثه الله رسولاً حتى واجهته قريش بأشد من كيد اليهود ، فطلبت من أبي طالب بكل وقاحة أن يسلمها إياه لتقتله ! لأن ادعاءه النبوة يهدد تقاسم الزعامة في قبائل قريش ، ويعني الدعوة إلى رئاسة بني هاشم !

من ذلك اليوم دخل أبو طالب « رحمه الله » في مواجهة ضارية مع زعماء شرسين وجبناء في آن واحد ، وقاد بني هاشم بحكمة وقوة ، وجمعهم حوله مؤمنهم وكافرهم ، يحمون ابنهم محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بشجاعة هاشمية مميزة !

كان محمد ( صلى الله عليه وآله ) عنده أعز من أولاده ومن نفسه ، فهو محبوبه المفدى ، وصديقه الحميم ، والنبي الصادق . وقد نجح في حمايته حتى في أشد السنوات في حصار الشعب ! وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوجه عمه الجليل بأدب الابن مع أبيه ، وحنان الرسول على المؤمن . وقد جاءه يوماً بعد سنوات من حصار قريش فقال له : يا عم إن الله عز وجل قد أرسل على صحيفة القوم أرَضَةً فأكلت كل بنودها الظالمة ، وأبقت منها اسم الله تعالى !

قال ابن إسحاق في سيرته : 2 / 142 : « فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبر أبا طالب ، فقال أبو طالب : يا ابن أخي من حدثك هذا ، وليس يدخل الينا أحد ولا تخرج أنت إلى أحد ، ولست في نفسي من أهل الكذب ؟ فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبرني ربي هذا ! فقال له عمه : إن ربك لحق وأنا أشهد أنك صادق . فجمع أبو طالب رهطه ولم يخبرهم ما أخبره به رسول الله كراهية أن يفشوا ذلك الخبر فيبلغ المشركين فيحتالوا للصحيفة بالخبث والمكر ، فانطلق أبو طالب برهطه حتى دخلوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة ، فلما أبصروه تباشروا به وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه !

فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا : قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم ، وفي حياته فرقتكم وفسادكم ! فقال أبو طالب : قد جئتكم في أمر لعله يكون فيه صلاح وجماعة ، فاقبلوا ذلك منا . هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا ، فجاؤوا بها ولا يشكون إلا أنهم سيدفعون رسول الله إليهم إذا نشروها ، فلما جاؤوا بصحيفتهم قال أبو طالب : صحيفتكم بيني وبينكم ، وإن ابن أخي قد خبرني ولم يكذبني أن الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرَضة فلم يدع لله فيها إسماً إلا أكلته وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان ، فإن كان كاذباً فلكم عليَّ أن أدفعه إليكم تقتلونه ، وإن كان صادقاً فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا ؟ فأخذ عليهم المواثيق وأخذوا عليه ! فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله ! وكانوا هم بالغدر أولى منهم ، واستبشر أبو طالب وأصحابه ، وقالوا أينا أولى بالسحر والقطيعة والبهتان » .

وفي رواية ابن سعد : 1 / 210 : « إن الله قد سلط على صحيفتكم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم ، وبقي فيها كل ما ذكر به الله » .

وفي الخرائج : 1 / 85 : « فما راعَ قريشاً إلا وبنو هاشم عُنُقاً واحداً ، قد خرجوا من الشعب ! فقالت قريش : الجوع أخرجهم ! فجاؤوا حتى أتوا الحِجْر وجلسوا فيه ، وكان لا يقعد فيه إلا فتيان قريش . فقالوا : يا أبا طالب قد آن لك أن تصالح قومك . قال : قد جئتكم بخبر ، إبعثوا إلى صحيفتكم لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح .

قال : فبعثوا إليها وهي عند أم أبي جهل ، وكانت قبلُ في الكعبة فخافوا عليها السرق ، فوضعت بين أيديهم وخواتيمهم عليها . فقال أبو طالب : هل تنكرون منها شيئاً ؟ قالوا : لا . قال : إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط ، أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرَضة ، فأكلت كل قطيعة وإثم وتركت كل اسم هو لله ، فإن كان صادقاً أقلعتم عن ظلمنا ، وإن يكن كاذباً ندفعه إليكم فقتلتموه . فصاح الناس : نعم يا أبا طالب ، ففتحت ثم أخرجت فإذا هي مُشَرَّبَة كما قال ، فكبَّر المسلمون ، وامتقعت وجوه المشركين . فقال أبو طالب : أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة ؟ فأسلم يومئذ عالمٌ من الناس » .

وفي إعلام الورى : 1 / 127 : « فتفرق القوم ولم يتكلم أحد . وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم مطعم بن عدي بن عامر بن لؤي ، وكان شيخاً كبيراً كثير المال له أولاد ،

وأبو البختري بن هشام ، وزهير بن أمية المخزومي ، في رجال من أشرافهم : نحن بَراء مما في هذه الصحيفة ! وقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل !

وخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الشعب ورهطه وخالطوا الناس ! ومات أبو طالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة بعد ذلك » .

2 . أبو طالب يُوَدِّع حبيبه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ويوصيه بالهجرة إلى المدينة

انتصر أبو طالب « رحمه الله » في كسر الحصار ، وحلَّت الفرحة قلب حامي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفاديه بنفسه وبنيه ، وعاد إلى بيته في مدخل الشعب ، شجرة باسقة أظلت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر من أربعين سنة ، وأظلت دعوته أكثر من عشر سنين !

كان أبو طالب قرير العين بما أنعم الله على ابن أخيه وعليه ، وأخذ يدير عملياته في ظروف جديدة ، مليئة بالأمل ، حتى مع المرض . وفي هذه المدة ، نظم بقية قصائده في نصرة الإسلام ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وراسل ابنه جعفراً في الحبشة بإحداها ، يخبره بالمعجزة الربانية وفشل الحصار !

وكان يعقد الجلسات مع حبيبه الغالي ( صلى الله عليه وآله ) ويتداول معه أخبار قريش ، ومستقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) والإسلام ، والخطر الذي سيواجهه بعد وفاته .

كان يعرف أن فراعنة قريش عنيدون حاقدون ، وأنه بمجرد أن يغمض عينيه سيقولون مات الذي وحَّد بني هاشم لحمايته ، وجاءت الفرصة لقتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! وسينفلتون كالذئاب الجائعة لدم محمد ( صلى الله عليه وآله ) !

كان يعرف أن قبائل العرب تخاف من قريش فلا تحمي محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ، أو تريد الثمن من محمد ( صلى الله عليه وآله ) لحمايته بأن تكون لها خلافته ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) يجيبهم بأن للأمر أهلاً ، ويطلب منهم أن يبايعوه على أن لا ينازعوا الأمر أهله !

لهذا لم يكن عند أبي طالب أمل إلا في المدينة وبني النجار خاصة ، وقد روت المصادر : « لما حضرت أبو طالب الوفاة دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : ابنَ أخي : إذا أنا متُّ فائت أخوالك من بني النجار ، فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم » . تاريخ دمشق : 66 / 338 ، الطبقات : 3 / 543 وتاريخ الذهبي : 1 / 233 .

كما روت المصادر أن أبا طالب ( عليه السلام ) سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم : « هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : يريدون أن يسجروني أو يقتلوني أو يخرجوني ! قال : من خبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك استوص به خيراً ، قال : أنا أستوصي به ؟ بل هو يستوصي بي . فنزلت : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا . الآية » . عمدة القاري : 18 / 246 ، وتفاسير : الطبري : 9 / 299 ، ابن أبي حاتم : 5 / 1688 ، الثعلبي : 4 / 350 وابن كثير : 2 / 314 . وقال في الدر المنثور : 3 / 179 : وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ » .

وقال في لباب النقول / 110 : « قال ابن كثير : ذكر أبي طالب فيه غريب بل منكر ، لأن القصة ليلة الهجرة ، وذلك بعد موت أبي طالب بثلاث سنين » !

وسبب استغرابهم : بغضهم لأبي طالب ! وإلا فقد رووا أن المشركين كانوا يأتمرون بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) من أول بعثته وقرروا قتله أو سجنه أو نفيه عدة مرات ، وكان الله تعالى يخبره بذلك ، فيخبر عمه ويتداول الموقف ، ونزلت الآية بعد ذلك .

أما قولهم « فاستوص به خيراً » فهو للطعن بأبي طالب « رحمه الله » والصحيح ما رووه هم في قصة الصحيفة كما سيأتي : « فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبرني ربي هذا ! فقال له عمه : إن ربك لحق ، وأنا أشهد أنك صادق » . سيرة ابن إسحاق : 2 / 142 .

فتأمل في بغضهم لأبي طالب وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) !

3 . جَمَعَ بني هاشم قبل وفاته وأوصاهم بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

بلغه أن زعماء قريش : « تحالفوا وتقاعدوا لئن مات أبو طالب لتجمعن قبائل قريش كلها على قتله . فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش ، فوصاهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : إن ابن أخي نبيٌّ كما يقول . إن محمداً نبي صادق ، وأمين ناطق ، وإن شأنه أعظم شأن ، ومكان من ربه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، واجتمعوا على نصرته ، وارموا عدوه من وراء حوزته ، فإنه الشرف الباقي لكم مدى الدهر » . وأنشأ يقول :

أوصي بنصر النبي الخير مشهده * علياً ابني وعمَّ الخير عباسا

وحمزة الأسد المخشي صولته * وجعفراً أن تذودوا دونه الباسا

وهاشماً كلها أوصي بنصرته * أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا

كونوا فداءً لكم نفسي وما ولدت * من دون أحمد عند الروع أتراسا

بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا »

المناقب : 1 / 55 وروضة الواعظين / 54 .

4 . وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يا عَمّ وجزاك الله عني خيراً

قال ابن واضح اليعقوبي وهو مؤرخ ثبت إن خديجة توفيت قبل أبي طالب « عليهما السلام » بعد كسر الحصار بقليل ، فحزن عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) حزناً عميقاً ، وكان يمضي وقته في بيته ، أو يزور عمه أبا طالب . وذات يوم جاءه الخبر : مات ناصرك أبو طالب وهوت الشجرة الظليلة الحانية !

قال اليعقوبي : 2 / 35 : « توفي أبو طالب بعد خديجة « عليهما السلام » بثلاثة أيام وله ست وثمانون سنة وقيل بل تسعون سنة . ولما قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أبا طالب قد مات ، عظم ذلك في قلبه ، واشتد له جزعه ، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات ثم قال : يا عم ، ربيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عني خيراً . ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول : وصلتك رحم ، وجزيت خيراً . وقال ( صلى الله عليه وآله ) : اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان ، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً ، يعني مصيبة خديجة وأبي طالب » .

إن فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بليغ ، وكلامه بليغ ، ورحم الله ابن واضح اليعقوبي على أمانته وهو أقدم من الطبري ، فقد توفي سنة 284 .

وكان موت خديجة وأبي طالب « عليهما السلام » مصيبتان على أمة الإسلام على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأنهما مجاهدان في تأسيس هذه الأمة وحمايتها ، ونصرة نبيها ومؤسسها .

وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما مات أبو طالب وقف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على قبره فقال : جزاك الله من عم خيراً ، فقد ربيتني يتيماً ، ونصرتني كبيراً » .

وروى ابن أبي حاتم في الدر النظيم / 221 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « أخبرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بموت أبي طالب فبكى ثم قال : إذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه ، ففعلت ثم أمرني فاغتسلت ونزلت في قبره ، وجعل يستغفر له ، وبقي أياماً لا يخرج من بيته » .

أقول : كانت قريش تتأهب لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمجرد وفاة أبي طالب « رحمه الله » ! ومع ذلك شارك في مراسم تشييعه في بيته القريب ، وحمله معهم على سريره ، وشيع جنازته إلى قبره في الحجون رغم الخطر على حياته كماروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ثم اعتكف في بيته أياماً ، وهو يعالج نشاط قريش وتخطيطهم لقتله . ولعله أوكل دفنه إلى علي بسبب ظرفه الأمني ثم ذهب إلى قبره بعد ذلك .

وفي الجواهر السنية / 219 ، عن عبد الرحمن بن كثير قال : « قلت لأبي عبد الله « الإمام الصادق ( عليه السلام ) » : إن الناس يقولون إن أبا طالب في ضحضاح من النار ! فقال : « كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل ! قلت : وبماذا نزل جبرئيل ؟ فقال أتى جبرئيل في بعض ما كان ينزل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إن أهل الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرتين . ثم قال ( عليه السلام ) : كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال : يا محمد ، أخرج من مكة ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب » .

وفي الكافي : 1 / 439 و 8 / 341 عن الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما توفي أبو طالب أوحى الله إلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) : أخرج من القرية الظالم أهلها ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب » .

ثم روى عن الإمام العسكري ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إن الله أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني قد أيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سراً فسيدهم وأفضلهم أبو طالب ، وشيعة تنصرك علانية ، فسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب » .

وفي كمال الدين / 174 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « والله ما عَبَدَ أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف ، صنماً قط . قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ( عليه السلام ) متمسكين به » .

وفي البحار : 35 / 116 ، عن الباقر ( عليه السلام ) : « مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً » .

وفي المناقب : 1 / 62 : « وقالوا : لو كان محمد نبياً لشغلته النبوة عن النساء ، ولأمكنه جميع الآيات ، ولأمكنه منع الموت عن أقاربه ، ولمَا مات أبو طالب وخديجة ، فنزل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ » . الرعد 38 .

5 . وفاة خديجة وأبي طالب « عليهما السلام » قبل الهجرة بسنتين وكسر

تفاوتت الرواية في كل المصادر عن سنة وفاة خديجة وأبي طالب « عليهما السلام » ، فروي أنها قبل الهجرة بسنة وروي أنها قبلها بثلاث سنوات ، والذي أطمئن إليه أنها كانت قبلها بسنتين وكسر ، لأن أبا طالب ( عليه السلام ) توفي في شوال وذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد وفاته مباشرة تقريباً إلى الطائف ، وفي موسم الحج بعد وفاة أبي طالب كان لقاؤه بستة من الأنصار ، وفي السنة الثانية التقى ببضعة عشر وبايعوه بيعة العقبة الأولى ، وفي السنة التالية جاءه السبعون وبايعوه بيعة العقبة الثانية ، وبعدها مباشرة كانت هجرته ( صلى الله عليه وآله ) في ربيع الأول من السنة التالية .

وكانت وفاة خديجة « عليها السلام » قريباً من وفاة أبي طالب ، وقد سمى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذلك العام : عام الحزن .

وفي الطبقات : 1 / 210 : « لما توفي أبو طالب وخديجة بنت خويلد وكان بينهما شهر وخمسة أيام ، اجتمعت على رسول الله مصيبتان فلزم بيته وأقلَّ الخروج ، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به » .

وفي تفسير ابن كثير : 4 / 176 : « وخروجه ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف كان بعد موت عمه ، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين ، كما قرره ابن إسحاق وغيره » .

أقول : ما تراه في بعض الروايات من أن وفاة خديجة « عليها السلام » كان قبل الهجرة بثلاث سنين أو سنتين ، فوجهه أنها بسنتين وكسر السنة .

أما رواية السنة كما في مستدرك الحاكم : 3 / 182 ، فلا تصح .

6 . سماه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : عام الحزن !

في الكافي : 1 / 440 : « فلما فقدهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شنئ المقام بمكة ، ودخله حزن شديد ، وشكا ذلك إلى جبرئيل ( عليه السلام ) فأوحى الله تعالى إليه : أخرج من القرية الظالم أهلها ، فليس لك بمكة ناصر بعد أبي طالب ، وأمره بالهجرة » .

وفي عمدة القاري : 8 / 180 ، ومناقب آل أبي طالب : 1 / 150 : فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسمي ذلك العام عام الحزن . وفي شرح الأخبار : 3 / 17 : « وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ما اغتممت بغم أيام حياة أبي طالب وخديجة ، لمِا كان أبو طالب يدفعه عنه ، وخديجة تعزيه وتصبره وتهون عليه ما يلقاه في ذات الله عز وجل » .

وفي أمالي الطوسي / 463 : « كان الله عز وجل يمنع نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بعمه أبي طالب ، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته ، فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بغيتها ، وأصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لِقىً ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم ! وصلتك رحم ، فجزيت خيراً يا عم .

ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر فاجتمع بذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حزنان حتى عرف ذلك فيه . قال هند : ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ، ليأتمروا في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأسروا ذلك بينهم . . إلى آخر الحديث » .

7 . هاجمت قريش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مرات لتقتله فخابت !

كانت الفترة بعد وفاة أبي طالب إلى الهجرة الأخطر على حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : « ما زالت قريش كاعَّة عني حتى مات أبو طالب » . أي منكمشة عن أذاه خوفاً من أبي طالب . إعلام الورى : 1 / 53 والحاكم : 2 / 622 .

وكثفت محاولاتها لقتله ( صلى الله عليه وآله ) فكانت تتجسس عن مكانه وتضع الخطط لقتله ، وكان جبرئيل ( عليه السلام ) يخبره ، وذات مرة أمره أن يفر ويختبئ مع علي ( عليه السلام ) في الحجون لأن بيته ( صلى الله عليه وآله ) كان قرب المسجد .

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 1 / 449 » : « لما توفي أبو طالب نزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد أخرج من مكة فليس لك فيها ناصر ، وثارت قريش بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فخرج هارباً حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون ، فصار إليه » .

ومعنى ثاروا به : أنهم هاجموا بيته ليقتلوه !

وفي مجمع الزوائد : 6 / 15 : « وعن أبي هريرة قال : لما مات أبو طالب تحينوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ما أسرع ما وجدتُ فقدك يا عم » .

وقال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 36 : « واجترأت قريش على رسول الله بعد موت أبي طالب وطمعت فيه ، وهموا به مرة بعد أخرى » .

وفي تفسير القمي : 2 / 431 : « لما مات أبو طالب ( عليه السلام ) فنادى أبو جهل والوليد عليهما لعائن الله : هلموا فاقتلوا محمداً فقد مات الذي كان ناصره ! فقال الله تعالى : فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُو الزَّبَانية . قال : كما دعا إلى قتل محمد رسول الله نحن أيضاً ندع الزبانية » .

أقول : هذا يدل على نزول هذه الآيات مرتين ، وهو كثير في القرآن .

وفي الطبري : 2 / 80 : « وصلوا من أذاه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته منه ، حتى نثر بعضهم على رأسه التراب » .

ولم يذكر لنا رواة السلطة أين كان عمر ومن ادعوا لهم البطولة في تلك الفترة ! ولماذا ذابوا وقت الشدة كما يذوب الملح ؟

8 . دفنها النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مقبرة المعلا بالحجون

في الخصال / 225 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة : اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت « عليهم السلام » ، واختار من الأنبياء أربعة للسيف : إبراهيم وداود وموسى وأنا ، واختار من البيوتات أربعة ، فقال : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . واختار من البلدان أربعة فقال عز وجل : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ . فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة . واختار من النساء أربعاً : مريم وآسية وخديجة وفاطمة » . وفي تاريخ اليعقوبي : 2 / 35 وأمالي الطوسي / 175 : « توفيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولها خمس وستون سنة ، ودخل عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهي تجود بنفسها فقال : بالكُرْهِ مني ما أرى ، ولعل الله أن يجعل في الكره خيراً كثيراً . إذا لقيت ضُرَّاتك في الجنة يا خديجة فاقرئيهن السلام . قالت : ومن هنَّ يا رسول الله ؟ قال : إن الله زوجنيك في الجنة ، وزوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثوم أخت موسى . فقالت : بالرفاء والبنين !

ولما توفيت خديجة ، جعلت فاطمة تتعلق برسول الله وهي تبكي وتقول : أين أمي أين أمي ؟ فنزل عليه جبريل ( عليه السلام ) فقال قل لفاطمة : إن الله تعالى بنى لأمك بيتاً في الجنة [ من قصب ] لانصب فيه ولا صخب . فقالت فاطمة « عليها السلام » : إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام » .

« ودفنت خديجة بالحجون ، ونزل في قبرها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . الحاكم : 3 / 182 .

« ويستحب أن يزور خديجة « عليها السلام » بالحجون ، وقبرها معروف هناك ، قريب من سفح الجبل » . الدروس الشرعية : 1 / 468 .

9 . الوهابيون انتقموا من خديجة !

تقع مقبرة الحجون في مكة على يسار الذاهب إلى منى ، وفيها قبور أجداد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والمشهور منها قبر جده عبد المطلب ، وعمه أبي طالب ، وزوجته خديجة سلام الله عليهم ، وكان المسلمون منذ الجيل الأول يزورونها ويصلون ويدعون الله تعالى عندها ، ويستشفعون إلى الله بأصحابها ، وبنوا عليها قباباً .

إلى أن جاء الوهابيون النجديون صنيعة الإنكليز فهدموها بحجة أن زيارتها شرك !

قال الحائري في شجرة طوبى : 2 / 175 ، يصف هدمهم لقبرها : « وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنون بالقوافي ، ويستهزؤن بالقبور التي هدموها ! هدموا قبة مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا هذا الموضع الذي ولدت فيه تلك المرأة ذلك المولود ! وقالوا عندما هدموا قبر خديجة : طالما عبدك الناس فالآن قومي وامنعينا ! ونادى بعضهم هاك يا خديجة ! وقالوا : أطلعوا للقبب واهدموها واطرحوا الأصنام وارموها ، حتى لا يكون لكم معبود غير الله ! وهدموا مولد سيدتنا فاطمة « عليها السلام » . ودخلوا حرم النبي ( صلى الله عليه وآله ) . فأقدمت جماعة من الأعراب على تخريب قبور أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ثم منعوا الناس عن قول يا رسول الله ، ويضربونهم ! وجعلوا ينادون غيرهم بلفظ : يامشرك وياكافر ! » .

10 . وانتقم القرشيون من أبي طالب ( ( رحمه الله ) ) بعد موته !

بمجرد أن استولى الطلقاء على دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورفعوا شعار نبوته ، صار عتاة قريش الذين كذبوه وأبغضوه وعملوا لقتله . مؤمنين دعا لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخير ، وشهد في حقهم بأنهم أبرارٌ أخيارٌ من أهل الجنة !

أما عمه أبو طالب ، ناصره وفاديه بنفسه وبأولاده وعشيرته ، فأنكروا إسلامه ، وغيبوا شعره الصريح بإسلامه ، وغيبوا شهادات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حقه ! وافتروا عليه أنه كان كافراً لم يؤمن بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

ومع ذلك أفلتت أحاديث في مصادرهم تكذب افتراءهم ! كالذي رواه  ابن سعد في الطبقات : 1 / 123 عن علي ( عليه السلام ) قال : « أخبرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بموت أبي طالب فبكى ثم قال : إذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه . قال ففعلت ما قال وجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستغفر له أياماً ، ولا يخرج من بيته » .

وعلق عليه في هامش الخصائص للنسائي / 38 : « قال البرزنجي كما في أسنى المطالب / 35 : أخرجه أبو داود وابن الجارود وابن خزيمة . وإنما ترك النبي المشي في جنازته اتقاء شر سفهاء قريش ، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ » .

لكن المبغضين تجاهلوا هذا الحديث وأمثاله ، ورووا بدله أن الله نهى نبيه عن الاستغفار لأبي طالب ، وأنزل آية في ذمه آية : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ . . الخ . ! مع أنها نزلت بعد أكثر من عشر سنين من وفاة أبي طالب ( عليه السلام ) !

ثم كذبوا على لسان علي ( عليه السلام ) بأنه قال : « لما مات أبو طالب أتيت رسول الله فقلت إن أبا طالب عمك الكافر قد مات ! فقال رسول الله : إذهب فواره . فقلت : والله لا أواريه ! فقال : فمن يواريه إن لم تواره فانطلق فواره ، ثم لاتحدث شيئاً حتى تأتيني . فانطلقت فواريته ثم رجعت إلى رسول الله فقال : انطلق فاغتسل ثم أئتني ففعلت ، ثم أتيته فلما أن أتيته دعا لي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما على الأرض من شئ » . وفي رواية كرروها : « إن عمك الضال قد مات » ! ابن إسحاق : 4 / 223 ، أم الشافعي : 7 / 173 الإصابة : 7 / 200 وتلخيص الحبير : 5 / 148 ، عن أحمد ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن شيبة ، وأبي يعلى ، والبزار ، والبيهقي . . عن ناجية بن كعب عن علي . . وقال : « مدار كلام البيهقي على أنه ضعيف ، ولا يتبين وجه ضعفه ، وقد قال الرافعي إنه حديث ثابت مشهور » !

أقول : ذكروا أن البيهقي ضعف ناجية لأن شُعبة وجده يلعب بالشطرنج ، فلم يكتب عنه ! الثقات لعمر بن شاهين / 243 .

وتحمس الألباني في أحكام الجنائز / 134 ، لتصحيح حديث ناجية محتجاً بتوثيق ابن حبان له ، لكن ابن حبان جرحه فقال في المجروحين : 3 / 57 : « في حديثه تخليط . قال النسائي ليس بثقة ، وقال ابن عدي : يسرق الحديث . وقال الجوزجاني مذموم » .

ومن عجيب أمرهم أنهم نسبوا القسوة والجلافة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) ليطعنوا بأبي طالب ! ثم نقضوا كلامهم ورووا رثاء علي لأبيه ( عليه السلام ) !

قال ابن إسحاق : 2 / 224 : « وقال علي بن أبي طالب يرثي أباه حين مات :

أرقت لنوح آخر الليل غردا * أبا طالب مثوى الصعاليك ذا الندى

وذا الحلم لا جلفاً ولم يك قعددا * لشيخي ينعي والرئيس المسودا

أخا الهلك خلى ثلمة سيشدها * بنو هاشم أو تستباح وتضهدا

فأمست قريش يفرحون لفقده * ولست أرى حياً لشيء مخلدا

أرادوا أموراً زينتها حلومهم * ستوردهم يوماً من الغي موردا

يرجون تكذيب النبي وقتله * وأن يفتروا بهتاً عليه وجحدا

كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم * صدور العوالي والصقيع المهندا

ويبدوَ منا منظر ذو كريهة * إذا ما تسربلنا الحديد المسردا

فإما تبيدونا وإما نبيدكم * وإما تروا سلم العشيرة أرشدا

وإلا فإن الحي دون محمد * بنو هاشم خير البرية مجندا

نبي أتاه الوحي في كل حطة * فسماه ربي في الكتاب محمدا

أغر كضوء الشمس صورة وجهه * جلا الغيم عنه ضوؤه فتعددا

أمين على ما استودع الله قلبه * وإن قال قولاً كان فيه مسددا

ثم لم يكتفوا بكذبة ناجية على أبي طالب ! فزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عرض عليه الإسلام في مرض وفاته فأبى أن يقول لا إله إلا الله وقال : أخاف أن يعيروني بها ! بل أنا على ملة أبي عبد المطلب » ! قال بخاري : 2 / 98 و 4 / 247 : « لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة . قال رسول الله لأبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله ! فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ! فلم يزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ! وأبى أن يقول لا إله إلا الله ! فقال رسول الله : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . فأنزل الله تعالى فيه : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . ونزلت : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ » .

لاحظ أن البخاري زعم أن هذه الآية من سورة براءة نزلت يومئذ ، وقد قال هو في صحيحه : 5 / 115 و 185 و 202 : « آخر سورة نزلت كاملة : براءة » !

لكنهم لبغضهم أبا طالب « رحمه الله » يتناقضون ولا يستحون ! راجع الغدير : 8 / 4 .

ثم لم يكتفوا بذلك ! فكذب لهم الزهري بأن علي بن الحسين ( عليه السلام ) : « أخبره أن أبا طالب توفي في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلم يَرِثْهُ جعفر ولا علي وورثه طالب وعقيل ، وذلك لأنه لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم » . الطبقات : 1 / 124 .

وغرضهم أن يلغوا وراثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من آبائه « عليهم السلام » وأعمامه لأنهم كفارٌ كغيرهم من زعماء قريش بل أسوأ ! وغرضهم أن يتساووا مع بني هاشم في النبي ( صلى الله عليه وآله ) فترث قريش سلطانه دون الأنصار لأنهم غرباء ، قال عمر في السقيفة : « من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدْلٍ بباطل أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة » . الطبري : 2 / 457 .

11 . معنى شفاعة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لأبي طالب ( ( رحمه الله ) )

ورد في حزن النبي ( صلى الله عليه وآله ) على عمه أبي طالب وتأبينه له قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « أما والله لأشفعن لعمي شفاعة يُعجب بها أهل الثقلين » . إيمان أبي طالب للمفيد / 25 ، إعلام الورى / 282 ، البحار : 22 / 261 و 35 / 125 والغدير : 7 / 386 .

لكنها ليست شفاعة لنجاته من النار كما زعم القرشيون ، لأنه كان مسلماً مؤمناً مجاهداً ، ويكفيه عمل صغير من أعماله العظيمة لدخول الجنة ، بل هي شفاعة لرفع درجته في الجنة ، بدليل قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « يعجب بها أهل الثقلين » .

وكذا معنى الحديث القدسي « الكافي : 1 / 446 » عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « نزل جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إني قد حَرَّمْتُ النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحِجْر كفلك ، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب . وفي رواية : وفاطمة بنت أسد » .

وهذا تكريم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بتكريم من له علاقة بنشأته ونصرته « عليهم السلام » .

12 . سافر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى الطائف وطلب حماية ثقيف

في المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي / 11 : « توفيت خديجة رضي الله عنها بعد أبي طالب بثلاثة أيام . وخرج إلى الطائف بعد ذلك بثلاثة أشهر وثمانية أيام ، وأقام بالطائف شهراً ويومين » .

والأرجح عندنا ما ذكره البلاذري في أنساب الأشراف : 1 / 227 : « وكان خروج النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف لثلاث ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، وقدم مكة يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة » .

ولعله يفهم من قول ابن عبد البر في الدرر / 58 ، ويناسبه الاعتبار لأنهم آذوه في الطائف وطلبوا منه الخروج ، ومعناه أنه ( صلى الله عليه وآله ) بقي فيها بضعة أيام ، والطريق من مكة رواحاً ومجيئاً بضعة أيام ، وروي أنه بقي يومين في نخلة قبل دخوله إلى مكة ، فتكون مجموع سفرته دون الشهر .

ويناسبه أنه ( صلى الله عليه وآله ) كان حريصاً على لقاء وفود الحجاج في ذي القعدة

وذي الحجة .

وفي المناقب : 1 / 113 : « لما دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير فقالا : هو يقوم قبلنا « أي لا نقوم للسلام عليه » فلما قرب النبي منهما خر السرير ووقعا على الأرض ، فقالا : عجز سحرك عن أهل مكة ، فأتيت الطائف » !

وفي المناقب : 1 / 62 : « فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ودموا رجليه فخلص منهم واستظل في ظل حبلة « كرمة » منه وقال : اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي : وناصري وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .

فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى عداساً وكان نصرانياً ، فلما مد يده وقال : بسم الله ، فقال : إن أهل هذا البلد لا يقولونها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من أين أنت ؟ قال : من بلدة نينوى ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى قال : وبما تعرفه ؟ قال : أنا رسول الله ، والله أخبرني خبر يونس ، فخر عداس ساجداً لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء ، فقال عتبة لأخيه : قد أفسد عليك غلامك ، فلما انصرف عنه سئل عن مقالته فقال : والله إنه نبي صادق ، فقالوا : إن هذا رجل خداع لايفتننك عن نصرانيتك ، وقالوا : لو كان محمد نبياً لشغلته النبوة عن النساء ولأمكنه جميع الآيات ولأمكنه منع الموت عن أقاربه . ولما مات أبو طالب وخديجة فنزل : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً » .

وقال اليعقوبي : 2 / 36 : « فعمد لثقيف بالطائف فوجد ثلاثة نفر إخوة هم يومئذ سادة ثقيف وهم : عبد يالْيَلْ بن عمرو ، وحبيب بن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، فعرض عليهم نفسه وشكى إليهم البلاء ، فقال أحدهم : ألا إنه يسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك ؟ وقال الآخر : أعجزَ الله أن يُرسل غيرك ؟ وقال الآخر : والله لا أكلمك أبداً ، لئن كنت رسولاً كما تقول ، لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك ! وتهزؤوا به وأفشوا في قومهم ما قالوه له وقعدوا له صفين ، فلما مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجموه بالحجارة حتى أدموا رجله ! فقال رسول الله : ما كنت أرفع قدماً ولا أضعها إلا على حجر ! ووافاه بالطائف عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومعهما غلام لهما نصراني ويقال له عداس ، فوجها به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما سمع كلامه أسلم » .

وفي الإصابة : 4 / 385 : « وذكر الواقدي في قصة بدر من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، عن حكيم بن حزام قال : فإذا عداس جالس على الثنية البيضاء والناس يمرون عليها فوثب لما رأى شيبة وعتبة وأخذ بأرجلهما يقول : بأبي وأمي أنتما ، والله إنه لرسول الله وما تساقان إلا إلى مصارعكما ! قال : ومر به العاص بن شيبة فوجده يبكي فقال مالك ؟ فقال : يبكيني سيداي وسيدا هذا الوادي فيخرجان ويقاتلان رسول الله ! فقال له العاص : إنه لرسول الله ؟ فانتفض عداس انتفاضة شديدة واقشعر جلده وبكى وقال : إي والله إنه لرسول الله إلى الناس كافة . وذكر الواقدي من وجه آخر أنه نهاهما عن الخروج وهما بمكة فخالفاه ، فخرج معهما فقتل ببدر ، قال ويقال إنه لم يقتل بها ، بل رجع فمات » .

13 . دعاء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الطائف

في حلية الأبرار : 1 / 129 و 131 : « فعمد لحائط من كرومهم ، وجلس مكروباً فقال : اللهم إني أشكو إليك غربتي وكربتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، أنت رب المكروبين . اللهم إن لم يكن لك عليَّ غضبٌ فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي . أعوذ بك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك . لاأحصي الثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، لك الحمد حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » . ونحوه المناقب : 1 / 61 ، إعلام الورى : 1 / 135 ، الدرر / 62 ، شرح النهج : 14 / 96 ، الدعاء للطبراني / 315 وابن هشام : 2 / 285 .

كان علي ( ( ع ) ) وزيد مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفره إلى الطائف

ذكرت أكثر مصادرهم على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان وحده في سفره إلى الطائف ، أو معه زيد فقط ! قال في الطبقات : 1 / 211 : « فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة ، وذلك في ليال بقين من شوال . فأقام بالطائف عشرة أيام » .

لكن ابن أبي الحديد المعتزلي روى عن المدائني وهو إمام عندهم ، أن علياً ( عليه السلام ) كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفرته تلك ، قال في شرح النهج : 4 / 127 : « فكان معه علي وزيد بن حارثة في رواية أبي الحسن المدائني ، ولم يكن معهم أبو بكر . وقال ابن إسحاق كان معه زيد بن حارثة وحده . وكان غياب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفرة الطائف أربعين يوماً » . راجع الصحيح من السيرة : 3 / 266 .

14 . طلب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الجوار من مطعم لكسر قرار قريش

كان مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف زعيم بني نوفل ، من الذين واجهوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أنه من بني عبد مناف ، وقد ورد ذكره في شعر أبي طالب .

وعاش مطعم سبعاً وتسعين سنة وتوفي قبل بدر . « فتح الباري 7 / 249 ، وأسد الغابة 1 / 271 » وشارك أخوه طعيمة في بدر وقتل ، وشارك فيها ابنه جبير وفاوض النبي باسم قريش على أسرى بدر ، وزعم رواة السلطة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له » ! بخاري : 5 / 20 .

وجبير هو صاحب وحشي الذي وعده أن يعتقه إن قتل محمداً أو علياً أو حمزة وشجعته هند آكلة الأكباد وجعلت له جائزة ، فقتل حمزة ! شرح الأخبار 1 / 268 ، المناقب 1 / 166 ، ابن إسحاق 3 / 302 ، تاريخ دمشق 62 / 411 وشرح النهج 15 / 11 .

وبقي جبير على كفره حتى أسلم مع الطلقاء في فتح مكة . أسد الغابة : 1 / 271 .

وكان يقول : « كنت آذى قريش لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) » . الخرائج : 1 / 130 .

وسكن المدينة وجاء مع عثمان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطلبا أن يجعل لهم سهماً في الخمس لأنهم من بني عبد مناف فقالا : يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً وقرابتنا مثل قرابتهم ! فقال لهما : « إنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد . ولم يقسم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئاً » . صحيح بخاري : 5 / 79 .

وكان مطعم بن عدي صديقاً لبني أمية ، وهذا سبب مدح رواة السلطة له بأنه عمل لنقض صحيفة المحاصرة ، وأنه أجار النبي ( صلى الله عليه وآله ) في رجوعه من الطائف ، وقولهم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقي سنتين في جواره إلى أن هاجر !

والحقيقة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يستطيع دخول مكة بحماية حمزة وعلي وحدهما ، فضلاً عن بقية بني هاشم ! بل يستطيع دخولها لأنه في شهر ذي القعدة الحرام ، الذي يأمن فيه كل الناس حتى الأعداء . لكنه أراد أن يخفف غلواء قريش بعد أن اشتدت محاولاتهم لقتله بعد وفاة حاميه أبي طالب ( عليه السلام ) ، فيدخل مكة علناً وهو معتمر فيطوف ويسعى بحماية أحد أعدائه من زعماء قريش ، فبعث إلى مطعم أن يحميه حتى يؤدي عمرته فقَبِلَ ، فدخل ( صلى الله عليه وآله ) واعتمر ، ثم رد عليه جواره !

وبذلك كسر قرار قريش وإجماعهم على قتله ، وخفض من خطرهم على حياته ، لأن قتله صار يعني الخلاف بين زعماء قريش أنفسهم !

وفي نفس الوقت خفف عن بني هاشم بعد أبي طالب « رحمه الله » ، فصار من السهل عليهم إعلان حمايته بعد أن حماه مطعم وهو من زعماء المشركين !

ففي تفسير القمي : 2 / 431 : « لما مات أبو طالب ( عليه السلام ) نادى أبو جهل . . هلموا فاقتلوا محمداً فقد مات الذي كان ناصره فقال الله : فَلْيَدعُ نَادِيَهْ سَنَدْعُو الزَّبَانِيَة . . لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أجاره مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ولم يجسر عليه أحد » .

وقال الطبرسي في إعلام الورى : 1 / 135 : « قال علي بن إبراهيم بن هاشم : ولما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الطائف وأشرف على مكة وهو معتمر ، كره أن يدخل مكة وليس له فيها مجير ، فنظر إلى رجل من قريش قد كان أسلم سراً فقال له : إئت الأخنس بن شريق فقل له : إن محمداً يسألك أن تجيره حتى يطوف ويسعى فإنه معتمر . فأتاه وأدى إليه ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال الأخنس : إني لست من قريش ، وإنما أنا حليف فيهم والحليف لا يجير على الصميم ، وأخاف أن يخفروا جواري فيكون ذلك مسبة . فرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، وكان رسول الله في شعب حراء مختفياً مع زيد فقال له : إئت سهيل بن عمرو فاسأله أن يجيرني حتى أطوف بالبيت وأسعى . فأتاه وأدى إليه قوله فقال له : لا أفعل . فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذهب إلى مطعم بن عدي فسله أن يجيرني حتى أطوف وأسعى . فجاء إليه وأخبره فقال : أين محمد ؟ فكره أن يخبره بموضعه فقال : هو قريب ، فقال : إئته فقل له : إني قد أجرتك فتعال وطف واسع ما شئت . فأقبل رسول الله وقال مطعم لولده وأختانه « أصهاره » وأخيه طعيمة بن عدي : خذوا سلاحكم فإني قد أجرت محمداً ، وكونوا حول الكعبة حتى يطوف ويسعى ، وكانوا عشرة فأخذوا السلاح ، وأقبل رسول الله حتى دخل المسجد ، ورآه أبو جهل فقال : يا معشر قريش هذا محمد وحده وقد مات ناصره فشأنكم به ! فقال له طعيمة بن عدي : يا عم لا تتكلم ، فإن أبا وهب قد أجار محمداً ! فوقف أبو جهل على مطعم بن عدي فقال : أبا وهب أمجير أم صابئ ؟ قال : بل مجير . قال : إذاً لا يُخفر جوارك ! فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم فقال : أبا وهب قد أجرت وأحسنت فرد عليَّ جواري . قال : وما عليك أن تقيم في جواري ؟ قال : أكره أن أقيم في جوار مشرك أكثر من يوم . قال مطعم : يا معشر قريش إن محمداً قد خرج من جواري » .

أقول : ردَّ صاحب الصحيح من السيرة : 3 / 269 رواية جوار مطعم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحجة أنه : « لم يكن يقبل أن يكون لمشرك عنده يد يستحق الشكر عليها وهذه يد ولا شك » . لكن لا دليل في سيرة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أو غيره من الأنبياء « عليهم السلام » على إبائهم ذلك ، فقد قال يوسف ( عليه السلام ) لرئيس وزراء مصر : اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ . يوسف : 55 وهذه يد على يوسف توجب الشكر دون شك .

وقال موسى ( عليه السلام ) لفرعون : وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ . « الشعراء : 22 » . ولو فعلها فرعون لكانت له يداً له على موسى ( عليه السلام ) وشكره عليها .

واحتج صاحب الصحيح أيضاً بأن طلب الجوار من مطعم ركونٌ للظالمين ، والله تعالى يقول : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ . سورة هود : 113 .

وجوابه : أنه ليس ركوناً ، ولو سلمنا ، فالضرورة والتقية أوسع من ذلك . ولم أرَ أحداً من فقهائنا أفتى بحرمة طلب الجوار من كافر ، أو إعطائه لكافر .

وقد حث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الوفاء بالجوار والذمام مطلقاً ، فقال في نهج البلاغة : 2 / 150 : « فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام . . » .

ويكفي لإثبات استجارته ( صلى الله عليه وآله ) بمطعم أن يرويه علي بن إبراهيم والطبرسي وابن شهرآشوب « المناقب : 1 / 15 » وقد أورده علماؤنا على أنه من مسلَّمات السيرة .

ونشير في الختام إلى أن حكيم بن جبير بن مُطعم ، كان من خاصة أصحاب الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، فهو على العكس من جده مطعم .

قال السيد الخوئي « رحمه الله » في معجم الرجال : 7 / 195 : « حكيم بن جبير بن مطعم بن عدي بن عبد مناف القرشي المدني ، من أصحاب السجاد ( عليه السلام ) » .

وفي الكشي : 1 / 44 و 338 : « ارتد الناس بعد الحسين ( عليه السلام ) إلا ثلاثة : أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ، ثم إن الناس لحقوا وكثروا » .

وفي الإختصاص / 61 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري رسول الله « عليهما السلام » الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر . . إلى أن قال : ثم ينادي أين حواري علي بن الحسين ؟ فيقوم [ حكيم بن ] جبير بن مطعم ، ويحيى بن أم الطويل ، وأبو خالد الكابلي ، وسعيد بن المسيب » .

15 . لم يتزوج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مكة بعد خديجة ( عليها السلام )

لا يصح قولهم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تزوج بعد وفاة خديجة « عليها السلام » قبل الهجرة ، لأنه لا يوجد نص صحيح بزواجه في تلك الفترة ، ولعل السبب أنها كانت أشد الفترات خطراً على حياته ( صلى الله عليه وآله ) . فلا تصح رواية أن خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون بأنها عرضت على النبي بعد وفاة خديجة « عليها السلام » أن تخطب له فقبل ، وخطبت له سودة بنت زمعة من أبيها وكان كافراً ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى بيته وزوجه ، وأن أخاها عبد بن زمعة لما عرف بزواج أخته من النبي ( صلى الله عليه وآله ) حثا التراب على رأسه !

ولا روايتهم بأن خولة اقترحت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يتزوج بعائشة وقالت له : بنت أبي بكر أحب خلق الله إليك ، فأرسلها لخطبتها فوافق أبو بكر وذهب رسول الله إلى بيته فعقد عليها ! وقالت عائشة إن عمرها كان يومها ست سنين ، وإنه تزوجها في المدينة وقد أكملت تسع سنين . مجمع الزوائد : 9 / 225 و 246 والطبقات : 8 / 57 .

لكنهم رووا أن عائشة كانت متزوجة قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « خطب رسول الله عائشة بنت أبي بكر فقال : إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير ، فدعني حتى أسُلَّها منهم فاستلها منهم ، فطلقها فتزوجها رسول الله » . الطبقات : 8 / 59 .

وروى الذهبي في تاريخه : 1 / 279 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقي سنتين لم يتزوج بعد خديجة .

وفي دلائل الإمامة / 81 ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : « خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) النساء وتزوج سودة أول دخوله المدينة ، فنقل فاطمة إليها ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية ، فقالت أم سلمة : تزوجني رسول الله وفوض أمر ابنته إليَّ فكنت أدلها وأؤدبها ، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها » .

16 . أرسله الله تعالى إلى الإنس والجن

روى الجميع أن الله تعالى صرف إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عودته من الطائف عند منطقة نخلة ، نفراً من الجن ، وأمره أن يتلو عليهم القرآن فآمنوا .

ورويَ ذلك أيضاً في عودته من سوق عكاظ عند وادي مِجَنَّة ، بكسر الميم وهي قرب مكة . قال الله تعالى : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . الأحقاف : 29 .

وقال تعالى في سورة الجن : قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا .

وتدل هذه الآية وغيرها على أن الجن أصحاب مستوى ذهني عال ، وأن بعضهم قد استوعب بمجرد سماع القرآن من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتخرجوا منذرين لأقوامهم !

قال ابن هشام : 2 / 287 : « ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى ، وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولَّوْا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا ، فقص الله خبرهم عليه ( صلى الله عليه وآله ) قال الله عز وجل : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ » .

ونخلة : موضع بين الطائف ومكة على مسير ليلة من مكة . معجم البلدان : 5 / 278 .

وفي تفسير القمي : 2 / 299 : « تهجد بالقرآن في جوف الليل ، فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استمعوا له ، فلما سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض : أنصتوا . فجاؤوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله شرائع الإسلام . ومنهم كانوا يعودون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في كل وقت ، فأمر رسول الله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يعلمهم ويفقههم ، فمنهم مؤمنون ومنهم كافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس ، وهم ولد الجان .

وسئل العالم ( عليه السلام ) عن مؤمني الجن أيدخلون الجنة ؟ فقال لا ، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار ، يكون فيها مؤمنو الجن ، وفساق الشيعة » .

وروى في المحاسن : 2 / 379 : « عن عمر بن يزيد قال : ضللنا سنة من السنين ونحن في طريق مكة ، فأقمنا ثلاثة أيام نطلب الطريق فلم نجده ، فلما أن كان في اليوم الثالث وقد نفد ما كان معنا من الماء ، عمدنا إلى ما كان معنا من ثياب الإحرام ومن الحنوط ، فتحنطنا وتكفنا بإزار إحرامنا ، فقام رجل من أصحابنا فنادى : يا صالح يا أبا الحسن ، فأجابه مجيب من بُعد ! فقلنا له : من أنت يرحمك الله ؟ فقال : أنا من النفر الذي قال الله عز وجل في كتابه : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ . ولم يبق منهم غيري ، فأنا مرشد الضال إلى الطريق ! قال : فلم نزل نتبع الصوت حتى خرجنا إلى الطريق » .

وفي الإحتجاج : 1 / 330 ، من حديث يهودي مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ولقد سُخِّرَت لنبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) الشياطين بالإيمان ، فأقبل إليه من الجِنة تسعة من أشرافهم . وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ . وهم التسعة فأقبل إليه الجن والنبي ( صلى الله عليه وآله ) ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً . ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفاً منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين ، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططاً » . راجع أيضاً المناقب : 1 / 44 و 191 ، المحاسن : 2 / 380 ، الأمان / 123 ، الحاكم : 2 / 456 و 518 ، مجمع الزوائد : 7 / 106 . والبحار : 10 / 44 ، 18 / 76 و 90 ، 60 / 55 وفيه : « ولم يبعث الله نبياً إلى الإنس والجن قبله ( صلى الله عليه وآله ) وإنما سميا ثقلين لعظم خطرهما وجلالة شأنهما » .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.