أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-11-2015
4822
التاريخ:
3877
التاريخ: 11-5-2022
1531
التاريخ: 28-4-2017
3143
|
1 . أبو طالب ( ( رحمه الله ) ) يقود عملية كسر الحصار قبيل وفاته
عندما حذَّر بحيرا الراهب أبا طالب أن يدخل بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى دمشق خوفاً عليه من اليهود ، يومها عاد أبو طالب ( عليه السلام ) بحبيبه إلى مكة فطاف حول الكعبة داعياً ربه أن يحفظ محمداً ( صلى الله عليه وآله ) من كيد اليهود ، وأطلق قصائده في مديحه ، وتشدد في حراسته ، واستمر في ذلك أكثر من ثلاثين سنة !
وما أن بعثه الله رسولاً حتى واجهته قريش بأشد من كيد اليهود ، فطلبت من أبي طالب بكل وقاحة أن يسلمها إياه لتقتله ! لأن ادعاءه النبوة يهدد تقاسم الزعامة في قبائل قريش ، ويعني الدعوة إلى رئاسة بني هاشم !
من ذلك اليوم دخل أبو طالب « رحمه الله » في مواجهة ضارية مع زعماء شرسين وجبناء في آن واحد ، وقاد بني هاشم بحكمة وقوة ، وجمعهم حوله مؤمنهم وكافرهم ، يحمون ابنهم محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بشجاعة هاشمية مميزة !
كان محمد ( صلى الله عليه وآله ) عنده أعز من أولاده ومن نفسه ، فهو محبوبه المفدى ، وصديقه الحميم ، والنبي الصادق . وقد نجح في حمايته حتى في أشد السنوات في حصار الشعب ! وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوجه عمه الجليل بأدب الابن مع أبيه ، وحنان الرسول على المؤمن . وقد جاءه يوماً بعد سنوات من حصار قريش فقال له : يا عم إن الله عز وجل قد أرسل على صحيفة القوم أرَضَةً فأكلت كل بنودها الظالمة ، وأبقت منها اسم الله تعالى !
قال ابن إسحاق في سيرته : 2 / 142 : « فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبر أبا طالب ، فقال أبو طالب : يا ابن أخي من حدثك هذا ، وليس يدخل الينا أحد ولا تخرج أنت إلى أحد ، ولست في نفسي من أهل الكذب ؟ فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبرني ربي هذا ! فقال له عمه : إن ربك لحق وأنا أشهد أنك صادق . فجمع أبو طالب رهطه ولم يخبرهم ما أخبره به رسول الله كراهية أن يفشوا ذلك الخبر فيبلغ المشركين فيحتالوا للصحيفة بالخبث والمكر ، فانطلق أبو طالب برهطه حتى دخلوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة ، فلما أبصروه تباشروا به وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه !
فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا : قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم ، وفي حياته فرقتكم وفسادكم ! فقال أبو طالب : قد جئتكم في أمر لعله يكون فيه صلاح وجماعة ، فاقبلوا ذلك منا . هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا ، فجاؤوا بها ولا يشكون إلا أنهم سيدفعون رسول الله إليهم إذا نشروها ، فلما جاؤوا بصحيفتهم قال أبو طالب : صحيفتكم بيني وبينكم ، وإن ابن أخي قد خبرني ولم يكذبني أن الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرَضة فلم يدع لله فيها إسماً إلا أكلته وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان ، فإن كان كاذباً فلكم عليَّ أن أدفعه إليكم تقتلونه ، وإن كان صادقاً فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا ؟ فأخذ عليهم المواثيق وأخذوا عليه ! فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله ! وكانوا هم بالغدر أولى منهم ، واستبشر أبو طالب وأصحابه ، وقالوا أينا أولى بالسحر والقطيعة والبهتان » .
وفي رواية ابن سعد : 1 / 210 : « إن الله قد سلط على صحيفتكم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم ، وبقي فيها كل ما ذكر به الله » .
وفي الخرائج : 1 / 85 : « فما راعَ قريشاً إلا وبنو هاشم عُنُقاً واحداً ، قد خرجوا من الشعب ! فقالت قريش : الجوع أخرجهم ! فجاؤوا حتى أتوا الحِجْر وجلسوا فيه ، وكان لا يقعد فيه إلا فتيان قريش . فقالوا : يا أبا طالب قد آن لك أن تصالح قومك . قال : قد جئتكم بخبر ، إبعثوا إلى صحيفتكم لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح .
قال : فبعثوا إليها وهي عند أم أبي جهل ، وكانت قبلُ في الكعبة فخافوا عليها السرق ، فوضعت بين أيديهم وخواتيمهم عليها . فقال أبو طالب : هل تنكرون منها شيئاً ؟ قالوا : لا . قال : إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط ، أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرَضة ، فأكلت كل قطيعة وإثم وتركت كل اسم هو لله ، فإن كان صادقاً أقلعتم عن ظلمنا ، وإن يكن كاذباً ندفعه إليكم فقتلتموه . فصاح الناس : نعم يا أبا طالب ، ففتحت ثم أخرجت فإذا هي مُشَرَّبَة كما قال ، فكبَّر المسلمون ، وامتقعت وجوه المشركين . فقال أبو طالب : أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة ؟ فأسلم يومئذ عالمٌ من الناس » .
وفي إعلام الورى : 1 / 127 : « فتفرق القوم ولم يتكلم أحد . وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم مطعم بن عدي بن عامر بن لؤي ، وكان شيخاً كبيراً كثير المال له أولاد ،
وأبو البختري بن هشام ، وزهير بن أمية المخزومي ، في رجال من أشرافهم : نحن بَراء مما في هذه الصحيفة ! وقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل !
وخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الشعب ورهطه وخالطوا الناس ! ومات أبو طالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة بعد ذلك » .
2 . أبو طالب يُوَدِّع حبيبه ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ويوصيه بالهجرة إلى المدينة
انتصر أبو طالب « رحمه الله » في كسر الحصار ، وحلَّت الفرحة قلب حامي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفاديه بنفسه وبنيه ، وعاد إلى بيته في مدخل الشعب ، شجرة باسقة أظلت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر من أربعين سنة ، وأظلت دعوته أكثر من عشر سنين !
كان أبو طالب قرير العين بما أنعم الله على ابن أخيه وعليه ، وأخذ يدير عملياته في ظروف جديدة ، مليئة بالأمل ، حتى مع المرض . وفي هذه المدة ، نظم بقية قصائده في نصرة الإسلام ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وراسل ابنه جعفراً في الحبشة بإحداها ، يخبره بالمعجزة الربانية وفشل الحصار !
وكان يعقد الجلسات مع حبيبه الغالي ( صلى الله عليه وآله ) ويتداول معه أخبار قريش ، ومستقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) والإسلام ، والخطر الذي سيواجهه بعد وفاته .
كان يعرف أن فراعنة قريش عنيدون حاقدون ، وأنه بمجرد أن يغمض عينيه سيقولون مات الذي وحَّد بني هاشم لحمايته ، وجاءت الفرصة لقتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! وسينفلتون كالذئاب الجائعة لدم محمد ( صلى الله عليه وآله ) !
كان يعرف أن قبائل العرب تخاف من قريش فلا تحمي محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ، أو تريد الثمن من محمد ( صلى الله عليه وآله ) لحمايته بأن تكون لها خلافته ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) يجيبهم بأن للأمر أهلاً ، ويطلب منهم أن يبايعوه على أن لا ينازعوا الأمر أهله !
لهذا لم يكن عند أبي طالب أمل إلا في المدينة وبني النجار خاصة ، وقد روت المصادر : « لما حضرت أبو طالب الوفاة دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : ابنَ أخي : إذا أنا متُّ فائت أخوالك من بني النجار ، فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم » . تاريخ دمشق : 66 / 338 ، الطبقات : 3 / 543 وتاريخ الذهبي : 1 / 233 .
كما روت المصادر أن أبا طالب ( عليه السلام ) سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم : « هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : يريدون أن يسجروني أو يقتلوني أو يخرجوني ! قال : من خبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك استوص به خيراً ، قال : أنا أستوصي به ؟ بل هو يستوصي بي . فنزلت : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا . الآية » . عمدة القاري : 18 / 246 ، وتفاسير : الطبري : 9 / 299 ، ابن أبي حاتم : 5 / 1688 ، الثعلبي : 4 / 350 وابن كثير : 2 / 314 . وقال في الدر المنثور : 3 / 179 : وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ » .
وقال في لباب النقول / 110 : « قال ابن كثير : ذكر أبي طالب فيه غريب بل منكر ، لأن القصة ليلة الهجرة ، وذلك بعد موت أبي طالب بثلاث سنين » !
وسبب استغرابهم : بغضهم لأبي طالب ! وإلا فقد رووا أن المشركين كانوا يأتمرون بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) من أول بعثته وقرروا قتله أو سجنه أو نفيه عدة مرات ، وكان الله تعالى يخبره بذلك ، فيخبر عمه ويتداول الموقف ، ونزلت الآية بعد ذلك .
أما قولهم « فاستوص به خيراً » فهو للطعن بأبي طالب « رحمه الله » والصحيح ما رووه هم في قصة الصحيفة كما سيأتي : « فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبرني ربي هذا ! فقال له عمه : إن ربك لحق ، وأنا أشهد أنك صادق » . سيرة ابن إسحاق : 2 / 142 .
فتأمل في بغضهم لأبي طالب وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) !
3 . جَمَعَ بني هاشم قبل وفاته وأوصاهم بالنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
بلغه أن زعماء قريش : « تحالفوا وتقاعدوا لئن مات أبو طالب لتجمعن قبائل قريش كلها على قتله . فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش ، فوصاهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : إن ابن أخي نبيٌّ كما يقول . إن محمداً نبي صادق ، وأمين ناطق ، وإن شأنه أعظم شأن ، ومكان من ربه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، واجتمعوا على نصرته ، وارموا عدوه من وراء حوزته ، فإنه الشرف الباقي لكم مدى الدهر » . وأنشأ يقول :
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * علياً ابني وعمَّ الخير عباسا
وحمزة الأسد المخشي صولته * وجعفراً أن تذودوا دونه الباسا
وهاشماً كلها أوصي بنصرته * أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا
كونوا فداءً لكم نفسي وما ولدت * من دون أحمد عند الروع أتراسا
بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا »
المناقب : 1 / 55 وروضة الواعظين / 54 .
4 . وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يا عَمّ وجزاك الله عني خيراً
قال ابن واضح اليعقوبي وهو مؤرخ ثبت إن خديجة توفيت قبل أبي طالب « عليهما السلام » بعد كسر الحصار بقليل ، فحزن عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) حزناً عميقاً ، وكان يمضي وقته في بيته ، أو يزور عمه أبا طالب . وذات يوم جاءه الخبر : مات ناصرك أبو طالب وهوت الشجرة الظليلة الحانية !
قال اليعقوبي : 2 / 35 : « توفي أبو طالب بعد خديجة « عليهما السلام » بثلاثة أيام وله ست وثمانون سنة وقيل بل تسعون سنة . ولما قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن أبا طالب قد مات ، عظم ذلك في قلبه ، واشتد له جزعه ، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات ثم قال : يا عم ، ربيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عني خيراً . ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول : وصلتك رحم ، وجزيت خيراً . وقال ( صلى الله عليه وآله ) : اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان ، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً ، يعني مصيبة خديجة وأبي طالب » .
إن فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بليغ ، وكلامه بليغ ، ورحم الله ابن واضح اليعقوبي على أمانته وهو أقدم من الطبري ، فقد توفي سنة 284 .
وكان موت خديجة وأبي طالب « عليهما السلام » مصيبتان على أمة الإسلام على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأنهما مجاهدان في تأسيس هذه الأمة وحمايتها ، ونصرة نبيها ومؤسسها .
وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما مات أبو طالب وقف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على قبره فقال : جزاك الله من عم خيراً ، فقد ربيتني يتيماً ، ونصرتني كبيراً » .
وروى ابن أبي حاتم في الدر النظيم / 221 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « أخبرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بموت أبي طالب فبكى ثم قال : إذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه ، ففعلت ثم أمرني فاغتسلت ونزلت في قبره ، وجعل يستغفر له ، وبقي أياماً لا يخرج من بيته » .
أقول : كانت قريش تتأهب لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمجرد وفاة أبي طالب « رحمه الله » ! ومع ذلك شارك في مراسم تشييعه في بيته القريب ، وحمله معهم على سريره ، وشيع جنازته إلى قبره في الحجون رغم الخطر على حياته كماروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ثم اعتكف في بيته أياماً ، وهو يعالج نشاط قريش وتخطيطهم لقتله . ولعله أوكل دفنه إلى علي بسبب ظرفه الأمني ثم ذهب إلى قبره بعد ذلك .
وفي الجواهر السنية / 219 ، عن عبد الرحمن بن كثير قال : « قلت لأبي عبد الله « الإمام الصادق ( عليه السلام ) » : إن الناس يقولون إن أبا طالب في ضحضاح من النار ! فقال : « كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل ! قلت : وبماذا نزل جبرئيل ؟ فقال أتى جبرئيل في بعض ما كان ينزل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إن أهل الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرتين . ثم قال ( عليه السلام ) : كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال : يا محمد ، أخرج من مكة ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب » .
وفي الكافي : 1 / 439 و 8 / 341 عن الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما توفي أبو طالب أوحى الله إلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) : أخرج من القرية الظالم أهلها ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب » .
ثم روى عن الإمام العسكري ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إن الله أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني قد أيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سراً فسيدهم وأفضلهم أبو طالب ، وشيعة تنصرك علانية ، فسيدهم وأفضلهم علي بن أبي طالب » .
وفي كمال الدين / 174 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « والله ما عَبَدَ أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف ، صنماً قط . قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ( عليه السلام ) متمسكين به » .
وفي البحار : 35 / 116 ، عن الباقر ( عليه السلام ) : « مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً » .
وفي المناقب : 1 / 62 : « وقالوا : لو كان محمد نبياً لشغلته النبوة عن النساء ، ولأمكنه جميع الآيات ، ولأمكنه منع الموت عن أقاربه ، ولمَا مات أبو طالب وخديجة ، فنزل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ » . الرعد 38 .
5 . وفاة خديجة وأبي طالب « عليهما السلام » قبل الهجرة بسنتين وكسر
تفاوتت الرواية في كل المصادر عن سنة وفاة خديجة وأبي طالب « عليهما السلام » ، فروي أنها قبل الهجرة بسنة وروي أنها قبلها بثلاث سنوات ، والذي أطمئن إليه أنها كانت قبلها بسنتين وكسر ، لأن أبا طالب ( عليه السلام ) توفي في شوال وذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد وفاته مباشرة تقريباً إلى الطائف ، وفي موسم الحج بعد وفاة أبي طالب كان لقاؤه بستة من الأنصار ، وفي السنة الثانية التقى ببضعة عشر وبايعوه بيعة العقبة الأولى ، وفي السنة التالية جاءه السبعون وبايعوه بيعة العقبة الثانية ، وبعدها مباشرة كانت هجرته ( صلى الله عليه وآله ) في ربيع الأول من السنة التالية .
وكانت وفاة خديجة « عليها السلام » قريباً من وفاة أبي طالب ، وقد سمى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذلك العام : عام الحزن .
وفي الطبقات : 1 / 210 : « لما توفي أبو طالب وخديجة بنت خويلد وكان بينهما شهر وخمسة أيام ، اجتمعت على رسول الله مصيبتان فلزم بيته وأقلَّ الخروج ، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع به » .
وفي تفسير ابن كثير : 4 / 176 : « وخروجه ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف كان بعد موت عمه ، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين ، كما قرره ابن إسحاق وغيره » .
أقول : ما تراه في بعض الروايات من أن وفاة خديجة « عليها السلام » كان قبل الهجرة بثلاث سنين أو سنتين ، فوجهه أنها بسنتين وكسر السنة .
أما رواية السنة كما في مستدرك الحاكم : 3 / 182 ، فلا تصح .
6 . سماه رسول الله ( ( صلى الله عليه وآله ) ) : عام الحزن !
في الكافي : 1 / 440 : « فلما فقدهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شنئ المقام بمكة ، ودخله حزن شديد ، وشكا ذلك إلى جبرئيل ( عليه السلام ) فأوحى الله تعالى إليه : أخرج من القرية الظالم أهلها ، فليس لك بمكة ناصر بعد أبي طالب ، وأمره بالهجرة » .
وفي عمدة القاري : 8 / 180 ، ومناقب آل أبي طالب : 1 / 150 : فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسمي ذلك العام عام الحزن . وفي شرح الأخبار : 3 / 17 : « وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ما اغتممت بغم أيام حياة أبي طالب وخديجة ، لمِا كان أبو طالب يدفعه عنه ، وخديجة تعزيه وتصبره وتهون عليه ما يلقاه في ذات الله عز وجل » .
وفي أمالي الطوسي / 463 : « كان الله عز وجل يمنع نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بعمه أبي طالب ، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته ، فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بغيتها ، وأصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لِقىً ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم ! وصلتك رحم ، فجزيت خيراً يا عم .
ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر فاجتمع بذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حزنان حتى عرف ذلك فيه . قال هند : ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ، ليأتمروا في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأسروا ذلك بينهم . . إلى آخر الحديث » .
7 . هاجمت قريش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) مرات لتقتله فخابت !
كانت الفترة بعد وفاة أبي طالب إلى الهجرة الأخطر على حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : « ما زالت قريش كاعَّة عني حتى مات أبو طالب » . أي منكمشة عن أذاه خوفاً من أبي طالب . إعلام الورى : 1 / 53 والحاكم : 2 / 622 .
وكثفت محاولاتها لقتله ( صلى الله عليه وآله ) فكانت تتجسس عن مكانه وتضع الخطط لقتله ، وكان جبرئيل ( عليه السلام ) يخبره ، وذات مرة أمره أن يفر ويختبئ مع علي ( عليه السلام ) في الحجون لأن بيته ( صلى الله عليه وآله ) كان قرب المسجد .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 1 / 449 » : « لما توفي أبو طالب نزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد أخرج من مكة فليس لك فيها ناصر ، وثارت قريش بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فخرج هارباً حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون ، فصار إليه » .
ومعنى ثاروا به : أنهم هاجموا بيته ليقتلوه !
وفي مجمع الزوائد : 6 / 15 : « وعن أبي هريرة قال : لما مات أبو طالب تحينوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ما أسرع ما وجدتُ فقدك يا عم » .
وقال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 36 : « واجترأت قريش على رسول الله بعد موت أبي طالب وطمعت فيه ، وهموا به مرة بعد أخرى » .
وفي تفسير القمي : 2 / 431 : « لما مات أبو طالب ( عليه السلام ) فنادى أبو جهل والوليد عليهما لعائن الله : هلموا فاقتلوا محمداً فقد مات الذي كان ناصره ! فقال الله تعالى : فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُو الزَّبَانية . قال : كما دعا إلى قتل محمد رسول الله نحن أيضاً ندع الزبانية » .
أقول : هذا يدل على نزول هذه الآيات مرتين ، وهو كثير في القرآن .
وفي الطبري : 2 / 80 : « وصلوا من أذاه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته منه ، حتى نثر بعضهم على رأسه التراب » .
ولم يذكر لنا رواة السلطة أين كان عمر ومن ادعوا لهم البطولة في تلك الفترة ! ولماذا ذابوا وقت الشدة كما يذوب الملح ؟
8 . دفنها النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مقبرة المعلا بالحجون
في الخصال / 225 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله تبارك وتعالى اختار من كل شئ أربعة : اختار من الملائكة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت « عليهم السلام » ، واختار من الأنبياء أربعة للسيف : إبراهيم وداود وموسى وأنا ، واختار من البيوتات أربعة ، فقال : إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . واختار من البلدان أربعة فقال عز وجل : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ . فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس وطور سينين الكوفة وهذا البلد الأمين مكة . واختار من النساء أربعاً : مريم وآسية وخديجة وفاطمة » . وفي تاريخ اليعقوبي : 2 / 35 وأمالي الطوسي / 175 : « توفيت خديجة بنت خويلد في شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين ، ولها خمس وستون سنة ، ودخل عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهي تجود بنفسها فقال : بالكُرْهِ مني ما أرى ، ولعل الله أن يجعل في الكره خيراً كثيراً . إذا لقيت ضُرَّاتك في الجنة يا خديجة فاقرئيهن السلام . قالت : ومن هنَّ يا رسول الله ؟ قال : إن الله زوجنيك في الجنة ، وزوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثوم أخت موسى . فقالت : بالرفاء والبنين !
ولما توفيت خديجة ، جعلت فاطمة تتعلق برسول الله وهي تبكي وتقول : أين أمي أين أمي ؟ فنزل عليه جبريل ( عليه السلام ) فقال قل لفاطمة : إن الله تعالى بنى لأمك بيتاً في الجنة [ من قصب ] لانصب فيه ولا صخب . فقالت فاطمة « عليها السلام » : إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام » .
« ودفنت خديجة بالحجون ، ونزل في قبرها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . الحاكم : 3 / 182 .
« ويستحب أن يزور خديجة « عليها السلام » بالحجون ، وقبرها معروف هناك ، قريب من سفح الجبل » . الدروس الشرعية : 1 / 468 .
9 . الوهابيون انتقموا من خديجة !
تقع مقبرة الحجون في مكة على يسار الذاهب إلى منى ، وفيها قبور أجداد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والمشهور منها قبر جده عبد المطلب ، وعمه أبي طالب ، وزوجته خديجة سلام الله عليهم ، وكان المسلمون منذ الجيل الأول يزورونها ويصلون ويدعون الله تعالى عندها ، ويستشفعون إلى الله بأصحابها ، وبنوا عليها قباباً .
إلى أن جاء الوهابيون النجديون صنيعة الإنكليز فهدموها بحجة أن زيارتها شرك !
قال الحائري في شجرة طوبى : 2 / 175 ، يصف هدمهم لقبرها : « وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنون بالقوافي ، ويستهزؤن بالقبور التي هدموها ! هدموا قبة مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا هذا الموضع الذي ولدت فيه تلك المرأة ذلك المولود ! وقالوا عندما هدموا قبر خديجة : طالما عبدك الناس فالآن قومي وامنعينا ! ونادى بعضهم هاك يا خديجة ! وقالوا : أطلعوا للقبب واهدموها واطرحوا الأصنام وارموها ، حتى لا يكون لكم معبود غير الله ! وهدموا مولد سيدتنا فاطمة « عليها السلام » . ودخلوا حرم النبي ( صلى الله عليه وآله ) . فأقدمت جماعة من الأعراب على تخريب قبور أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ثم منعوا الناس عن قول يا رسول الله ، ويضربونهم ! وجعلوا ينادون غيرهم بلفظ : يامشرك وياكافر ! » .
10 . وانتقم القرشيون من أبي طالب ( ( رحمه الله ) ) بعد موته !
بمجرد أن استولى الطلقاء على دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ورفعوا شعار نبوته ، صار عتاة قريش الذين كذبوه وأبغضوه وعملوا لقتله . مؤمنين دعا لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخير ، وشهد في حقهم بأنهم أبرارٌ أخيارٌ من أهل الجنة !
أما عمه أبو طالب ، ناصره وفاديه بنفسه وبأولاده وعشيرته ، فأنكروا إسلامه ، وغيبوا شعره الصريح بإسلامه ، وغيبوا شهادات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حقه ! وافتروا عليه أنه كان كافراً لم يؤمن بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
ومع ذلك أفلتت أحاديث في مصادرهم تكذب افتراءهم ! كالذي رواه ابن سعد في الطبقات : 1 / 123 عن علي ( عليه السلام ) قال : « أخبرت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بموت أبي طالب فبكى ثم قال : إذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه . قال ففعلت ما قال وجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستغفر له أياماً ، ولا يخرج من بيته » .
وعلق عليه في هامش الخصائص للنسائي / 38 : « قال البرزنجي كما في أسنى المطالب / 35 : أخرجه أبو داود وابن الجارود وابن خزيمة . وإنما ترك النبي المشي في جنازته اتقاء شر سفهاء قريش ، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ » .
لكن المبغضين تجاهلوا هذا الحديث وأمثاله ، ورووا بدله أن الله نهى نبيه عن الاستغفار لأبي طالب ، وأنزل آية في ذمه آية : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ . . الخ . ! مع أنها نزلت بعد أكثر من عشر سنين من وفاة أبي طالب ( عليه السلام ) !
ثم كذبوا على لسان علي ( عليه السلام ) بأنه قال : « لما مات أبو طالب أتيت رسول الله فقلت إن أبا طالب عمك الكافر قد مات ! فقال رسول الله : إذهب فواره . فقلت : والله لا أواريه ! فقال : فمن يواريه إن لم تواره فانطلق فواره ، ثم لاتحدث شيئاً حتى تأتيني . فانطلقت فواريته ثم رجعت إلى رسول الله فقال : انطلق فاغتسل ثم أئتني ففعلت ، ثم أتيته فلما أن أتيته دعا لي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما على الأرض من شئ » . وفي رواية كرروها : « إن عمك الضال قد مات » ! ابن إسحاق : 4 / 223 ، أم الشافعي : 7 / 173 الإصابة : 7 / 200 وتلخيص الحبير : 5 / 148 ، عن أحمد ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن شيبة ، وأبي يعلى ، والبزار ، والبيهقي . . عن ناجية بن كعب عن علي . . وقال : « مدار كلام البيهقي على أنه ضعيف ، ولا يتبين وجه ضعفه ، وقد قال الرافعي إنه حديث ثابت مشهور » !
أقول : ذكروا أن البيهقي ضعف ناجية لأن شُعبة وجده يلعب بالشطرنج ، فلم يكتب عنه ! الثقات لعمر بن شاهين / 243 .
وتحمس الألباني في أحكام الجنائز / 134 ، لتصحيح حديث ناجية محتجاً بتوثيق ابن حبان له ، لكن ابن حبان جرحه فقال في المجروحين : 3 / 57 : « في حديثه تخليط . قال النسائي ليس بثقة ، وقال ابن عدي : يسرق الحديث . وقال الجوزجاني مذموم » .
ومن عجيب أمرهم أنهم نسبوا القسوة والجلافة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) ليطعنوا بأبي طالب ! ثم نقضوا كلامهم ورووا رثاء علي لأبيه ( عليه السلام ) !
قال ابن إسحاق : 2 / 224 : « وقال علي بن أبي طالب يرثي أباه حين مات :
أرقت لنوح آخر الليل غردا * أبا طالب مثوى الصعاليك ذا الندى
وذا الحلم لا جلفاً ولم يك قعددا * لشيخي ينعي والرئيس المسودا
أخا الهلك خلى ثلمة سيشدها * بنو هاشم أو تستباح وتضهدا
فأمست قريش يفرحون لفقده * ولست أرى حياً لشيء مخلدا
أرادوا أموراً زينتها حلومهم * ستوردهم يوماً من الغي موردا
يرجون تكذيب النبي وقتله * وأن يفتروا بهتاً عليه وجحدا
كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم * صدور العوالي والصقيع المهندا
ويبدوَ منا منظر ذو كريهة * إذا ما تسربلنا الحديد المسردا
فإما تبيدونا وإما نبيدكم * وإما تروا سلم العشيرة أرشدا
وإلا فإن الحي دون محمد * بنو هاشم خير البرية مجندا
نبي أتاه الوحي في كل حطة * فسماه ربي في الكتاب محمدا
أغر كضوء الشمس صورة وجهه * جلا الغيم عنه ضوؤه فتعددا
أمين على ما استودع الله قلبه * وإن قال قولاً كان فيه مسددا
ثم لم يكتفوا بكذبة ناجية على أبي طالب ! فزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عرض عليه الإسلام في مرض وفاته فأبى أن يقول لا إله إلا الله وقال : أخاف أن يعيروني بها ! بل أنا على ملة أبي عبد المطلب » ! قال بخاري : 2 / 98 و 4 / 247 : « لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة . قال رسول الله لأبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله ! فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ! فلم يزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ! وأبى أن يقول لا إله إلا الله ! فقال رسول الله : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . فأنزل الله تعالى فيه : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . ونزلت : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ » .
لاحظ أن البخاري زعم أن هذه الآية من سورة براءة نزلت يومئذ ، وقد قال هو في صحيحه : 5 / 115 و 185 و 202 : « آخر سورة نزلت كاملة : براءة » !
لكنهم لبغضهم أبا طالب « رحمه الله » يتناقضون ولا يستحون ! راجع الغدير : 8 / 4 .
ثم لم يكتفوا بذلك ! فكذب لهم الزهري بأن علي بن الحسين ( عليه السلام ) : « أخبره أن أبا طالب توفي في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلم يَرِثْهُ جعفر ولا علي وورثه طالب وعقيل ، وذلك لأنه لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم » . الطبقات : 1 / 124 .
وغرضهم أن يلغوا وراثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من آبائه « عليهم السلام » وأعمامه لأنهم كفارٌ كغيرهم من زعماء قريش بل أسوأ ! وغرضهم أن يتساووا مع بني هاشم في النبي ( صلى الله عليه وآله ) فترث قريش سلطانه دون الأنصار لأنهم غرباء ، قال عمر في السقيفة : « من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدْلٍ بباطل أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة » . الطبري : 2 / 457 .
11 . معنى شفاعة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لأبي طالب ( ( رحمه الله ) )
ورد في حزن النبي ( صلى الله عليه وآله ) على عمه أبي طالب وتأبينه له قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « أما والله لأشفعن لعمي شفاعة يُعجب بها أهل الثقلين » . إيمان أبي طالب للمفيد / 25 ، إعلام الورى / 282 ، البحار : 22 / 261 و 35 / 125 والغدير : 7 / 386 .
لكنها ليست شفاعة لنجاته من النار كما زعم القرشيون ، لأنه كان مسلماً مؤمناً مجاهداً ، ويكفيه عمل صغير من أعماله العظيمة لدخول الجنة ، بل هي شفاعة لرفع درجته في الجنة ، بدليل قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « يعجب بها أهل الثقلين » .
وكذا معنى الحديث القدسي « الكافي : 1 / 446 » عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « نزل جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : إني قد حَرَّمْتُ النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحِجْر كفلك ، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب . وفي رواية : وفاطمة بنت أسد » .
وهذا تكريم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بتكريم من له علاقة بنشأته ونصرته « عليهم السلام » .
12 . سافر النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) إلى الطائف وطلب حماية ثقيف
في المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي / 11 : « توفيت خديجة رضي الله عنها بعد أبي طالب بثلاثة أيام . وخرج إلى الطائف بعد ذلك بثلاثة أشهر وثمانية أيام ، وأقام بالطائف شهراً ويومين » .
والأرجح عندنا ما ذكره البلاذري في أنساب الأشراف : 1 / 227 : « وكان خروج النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف لثلاث ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة ، وقدم مكة يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة » .
ولعله يفهم من قول ابن عبد البر في الدرر / 58 ، ويناسبه الاعتبار لأنهم آذوه في الطائف وطلبوا منه الخروج ، ومعناه أنه ( صلى الله عليه وآله ) بقي فيها بضعة أيام ، والطريق من مكة رواحاً ومجيئاً بضعة أيام ، وروي أنه بقي يومين في نخلة قبل دخوله إلى مكة ، فتكون مجموع سفرته دون الشهر .
ويناسبه أنه ( صلى الله عليه وآله ) كان حريصاً على لقاء وفود الحجاج في ذي القعدة
وذي الحجة .
وفي المناقب : 1 / 113 : « لما دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير فقالا : هو يقوم قبلنا « أي لا نقوم للسلام عليه » فلما قرب النبي منهما خر السرير ووقعا على الأرض ، فقالا : عجز سحرك عن أهل مكة ، فأتيت الطائف » !
وفي المناقب : 1 / 62 : « فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ودموا رجليه فخلص منهم واستظل في ظل حبلة « كرمة » منه وقال : اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي : وناصري وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .
فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب على يدي غلام يدعى عداساً وكان نصرانياً ، فلما مد يده وقال : بسم الله ، فقال : إن أهل هذا البلد لا يقولونها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من أين أنت ؟ قال : من بلدة نينوى ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى قال : وبما تعرفه ؟ قال : أنا رسول الله ، والله أخبرني خبر يونس ، فخر عداس ساجداً لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء ، فقال عتبة لأخيه : قد أفسد عليك غلامك ، فلما انصرف عنه سئل عن مقالته فقال : والله إنه نبي صادق ، فقالوا : إن هذا رجل خداع لايفتننك عن نصرانيتك ، وقالوا : لو كان محمد نبياً لشغلته النبوة عن النساء ولأمكنه جميع الآيات ولأمكنه منع الموت عن أقاربه . ولما مات أبو طالب وخديجة فنزل : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً » .
وقال اليعقوبي : 2 / 36 : « فعمد لثقيف بالطائف فوجد ثلاثة نفر إخوة هم يومئذ سادة ثقيف وهم : عبد يالْيَلْ بن عمرو ، وحبيب بن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، فعرض عليهم نفسه وشكى إليهم البلاء ، فقال أحدهم : ألا إنه يسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك ؟ وقال الآخر : أعجزَ الله أن يُرسل غيرك ؟ وقال الآخر : والله لا أكلمك أبداً ، لئن كنت رسولاً كما تقول ، لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك ! وتهزؤوا به وأفشوا في قومهم ما قالوه له وقعدوا له صفين ، فلما مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجموه بالحجارة حتى أدموا رجله ! فقال رسول الله : ما كنت أرفع قدماً ولا أضعها إلا على حجر ! ووافاه بالطائف عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومعهما غلام لهما نصراني ويقال له عداس ، فوجها به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما سمع كلامه أسلم » .
وفي الإصابة : 4 / 385 : « وذكر الواقدي في قصة بدر من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، عن حكيم بن حزام قال : فإذا عداس جالس على الثنية البيضاء والناس يمرون عليها فوثب لما رأى شيبة وعتبة وأخذ بأرجلهما يقول : بأبي وأمي أنتما ، والله إنه لرسول الله وما تساقان إلا إلى مصارعكما ! قال : ومر به العاص بن شيبة فوجده يبكي فقال مالك ؟ فقال : يبكيني سيداي وسيدا هذا الوادي فيخرجان ويقاتلان رسول الله ! فقال له العاص : إنه لرسول الله ؟ فانتفض عداس انتفاضة شديدة واقشعر جلده وبكى وقال : إي والله إنه لرسول الله إلى الناس كافة . وذكر الواقدي من وجه آخر أنه نهاهما عن الخروج وهما بمكة فخالفاه ، فخرج معهما فقتل ببدر ، قال ويقال إنه لم يقتل بها ، بل رجع فمات » .
13 . دعاء النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في الطائف
في حلية الأبرار : 1 / 129 و 131 : « فعمد لحائط من كرومهم ، وجلس مكروباً فقال : اللهم إني أشكو إليك غربتي وكربتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، أنت رب المكروبين . اللهم إن لم يكن لك عليَّ غضبٌ فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي . أعوذ بك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك . لاأحصي الثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، لك الحمد حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » . ونحوه المناقب : 1 / 61 ، إعلام الورى : 1 / 135 ، الدرر / 62 ، شرح النهج : 14 / 96 ، الدعاء للطبراني / 315 وابن هشام : 2 / 285 .
كان علي ( ( ع ) ) وزيد مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفره إلى الطائف
ذكرت أكثر مصادرهم على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان وحده في سفره إلى الطائف ، أو معه زيد فقط ! قال في الطبقات : 1 / 211 : « فخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة ، وذلك في ليال بقين من شوال . فأقام بالطائف عشرة أيام » .
لكن ابن أبي الحديد المعتزلي روى عن المدائني وهو إمام عندهم ، أن علياً ( عليه السلام ) كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفرته تلك ، قال في شرح النهج : 4 / 127 : « فكان معه علي وزيد بن حارثة في رواية أبي الحسن المدائني ، ولم يكن معهم أبو بكر . وقال ابن إسحاق كان معه زيد بن حارثة وحده . وكان غياب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سفرة الطائف أربعين يوماً » . راجع الصحيح من السيرة : 3 / 266 .
14 . طلب النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) الجوار من مطعم لكسر قرار قريش
كان مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف زعيم بني نوفل ، من الذين واجهوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مع أنه من بني عبد مناف ، وقد ورد ذكره في شعر أبي طالب .
وعاش مطعم سبعاً وتسعين سنة وتوفي قبل بدر . « فتح الباري 7 / 249 ، وأسد الغابة 1 / 271 » وشارك أخوه طعيمة في بدر وقتل ، وشارك فيها ابنه جبير وفاوض النبي باسم قريش على أسرى بدر ، وزعم رواة السلطة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له » ! بخاري : 5 / 20 .
وجبير هو صاحب وحشي الذي وعده أن يعتقه إن قتل محمداً أو علياً أو حمزة وشجعته هند آكلة الأكباد وجعلت له جائزة ، فقتل حمزة ! شرح الأخبار 1 / 268 ، المناقب 1 / 166 ، ابن إسحاق 3 / 302 ، تاريخ دمشق 62 / 411 وشرح النهج 15 / 11 .
وبقي جبير على كفره حتى أسلم مع الطلقاء في فتح مكة . أسد الغابة : 1 / 271 .
وكان يقول : « كنت آذى قريش لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) » . الخرائج : 1 / 130 .
وسكن المدينة وجاء مع عثمان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطلبا أن يجعل لهم سهماً في الخمس لأنهم من بني عبد مناف فقالا : يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً وقرابتنا مثل قرابتهم ! فقال لهما : « إنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد . ولم يقسم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئاً » . صحيح بخاري : 5 / 79 .
وكان مطعم بن عدي صديقاً لبني أمية ، وهذا سبب مدح رواة السلطة له بأنه عمل لنقض صحيفة المحاصرة ، وأنه أجار النبي ( صلى الله عليه وآله ) في رجوعه من الطائف ، وقولهم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقي سنتين في جواره إلى أن هاجر !
والحقيقة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يستطيع دخول مكة بحماية حمزة وعلي وحدهما ، فضلاً عن بقية بني هاشم ! بل يستطيع دخولها لأنه في شهر ذي القعدة الحرام ، الذي يأمن فيه كل الناس حتى الأعداء . لكنه أراد أن يخفف غلواء قريش بعد أن اشتدت محاولاتهم لقتله بعد وفاة حاميه أبي طالب ( عليه السلام ) ، فيدخل مكة علناً وهو معتمر فيطوف ويسعى بحماية أحد أعدائه من زعماء قريش ، فبعث إلى مطعم أن يحميه حتى يؤدي عمرته فقَبِلَ ، فدخل ( صلى الله عليه وآله ) واعتمر ، ثم رد عليه جواره !
وبذلك كسر قرار قريش وإجماعهم على قتله ، وخفض من خطرهم على حياته ، لأن قتله صار يعني الخلاف بين زعماء قريش أنفسهم !
وفي نفس الوقت خفف عن بني هاشم بعد أبي طالب « رحمه الله » ، فصار من السهل عليهم إعلان حمايته بعد أن حماه مطعم وهو من زعماء المشركين !
ففي تفسير القمي : 2 / 431 : « لما مات أبو طالب ( عليه السلام ) نادى أبو جهل . . هلموا فاقتلوا محمداً فقد مات الذي كان ناصره فقال الله : فَلْيَدعُ نَادِيَهْ سَنَدْعُو الزَّبَانِيَة . . لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أجاره مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ولم يجسر عليه أحد » .
وقال الطبرسي في إعلام الورى : 1 / 135 : « قال علي بن إبراهيم بن هاشم : ولما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الطائف وأشرف على مكة وهو معتمر ، كره أن يدخل مكة وليس له فيها مجير ، فنظر إلى رجل من قريش قد كان أسلم سراً فقال له : إئت الأخنس بن شريق فقل له : إن محمداً يسألك أن تجيره حتى يطوف ويسعى فإنه معتمر . فأتاه وأدى إليه ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال الأخنس : إني لست من قريش ، وإنما أنا حليف فيهم والحليف لا يجير على الصميم ، وأخاف أن يخفروا جواري فيكون ذلك مسبة . فرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، وكان رسول الله في شعب حراء مختفياً مع زيد فقال له : إئت سهيل بن عمرو فاسأله أن يجيرني حتى أطوف بالبيت وأسعى . فأتاه وأدى إليه قوله فقال له : لا أفعل . فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذهب إلى مطعم بن عدي فسله أن يجيرني حتى أطوف وأسعى . فجاء إليه وأخبره فقال : أين محمد ؟ فكره أن يخبره بموضعه فقال : هو قريب ، فقال : إئته فقل له : إني قد أجرتك فتعال وطف واسع ما شئت . فأقبل رسول الله وقال مطعم لولده وأختانه « أصهاره » وأخيه طعيمة بن عدي : خذوا سلاحكم فإني قد أجرت محمداً ، وكونوا حول الكعبة حتى يطوف ويسعى ، وكانوا عشرة فأخذوا السلاح ، وأقبل رسول الله حتى دخل المسجد ، ورآه أبو جهل فقال : يا معشر قريش هذا محمد وحده وقد مات ناصره فشأنكم به ! فقال له طعيمة بن عدي : يا عم لا تتكلم ، فإن أبا وهب قد أجار محمداً ! فوقف أبو جهل على مطعم بن عدي فقال : أبا وهب أمجير أم صابئ ؟ قال : بل مجير . قال : إذاً لا يُخفر جوارك ! فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم فقال : أبا وهب قد أجرت وأحسنت فرد عليَّ جواري . قال : وما عليك أن تقيم في جواري ؟ قال : أكره أن أقيم في جوار مشرك أكثر من يوم . قال مطعم : يا معشر قريش إن محمداً قد خرج من جواري » .
أقول : ردَّ صاحب الصحيح من السيرة : 3 / 269 رواية جوار مطعم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحجة أنه : « لم يكن يقبل أن يكون لمشرك عنده يد يستحق الشكر عليها وهذه يد ولا شك » . لكن لا دليل في سيرة نبينا ( صلى الله عليه وآله ) أو غيره من الأنبياء « عليهم السلام » على إبائهم ذلك ، فقد قال يوسف ( عليه السلام ) لرئيس وزراء مصر : اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ . يوسف : 55 وهذه يد على يوسف توجب الشكر دون شك .
وقال موسى ( عليه السلام ) لفرعون : وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ . « الشعراء : 22 » . ولو فعلها فرعون لكانت له يداً له على موسى ( عليه السلام ) وشكره عليها .
واحتج صاحب الصحيح أيضاً بأن طلب الجوار من مطعم ركونٌ للظالمين ، والله تعالى يقول : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ . سورة هود : 113 .
وجوابه : أنه ليس ركوناً ، ولو سلمنا ، فالضرورة والتقية أوسع من ذلك . ولم أرَ أحداً من فقهائنا أفتى بحرمة طلب الجوار من كافر ، أو إعطائه لكافر .
وقد حث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الوفاء بالجوار والذمام مطلقاً ، فقال في نهج البلاغة : 2 / 150 : « فتعصبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام . . » .
ويكفي لإثبات استجارته ( صلى الله عليه وآله ) بمطعم أن يرويه علي بن إبراهيم والطبرسي وابن شهرآشوب « المناقب : 1 / 15 » وقد أورده علماؤنا على أنه من مسلَّمات السيرة .
ونشير في الختام إلى أن حكيم بن جبير بن مُطعم ، كان من خاصة أصحاب الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، فهو على العكس من جده مطعم .
قال السيد الخوئي « رحمه الله » في معجم الرجال : 7 / 195 : « حكيم بن جبير بن مطعم بن عدي بن عبد مناف القرشي المدني ، من أصحاب السجاد ( عليه السلام ) » .
وفي الكشي : 1 / 44 و 338 : « ارتد الناس بعد الحسين ( عليه السلام ) إلا ثلاثة : أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ، ثم إن الناس لحقوا وكثروا » .
وفي الإختصاص / 61 ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري رسول الله « عليهما السلام » الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر . . إلى أن قال : ثم ينادي أين حواري علي بن الحسين ؟ فيقوم [ حكيم بن ] جبير بن مطعم ، ويحيى بن أم الطويل ، وأبو خالد الكابلي ، وسعيد بن المسيب » .
15 . لم يتزوج النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) في مكة بعد خديجة ( عليها السلام )
لا يصح قولهم إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تزوج بعد وفاة خديجة « عليها السلام » قبل الهجرة ، لأنه لا يوجد نص صحيح بزواجه في تلك الفترة ، ولعل السبب أنها كانت أشد الفترات خطراً على حياته ( صلى الله عليه وآله ) . فلا تصح رواية أن خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون بأنها عرضت على النبي بعد وفاة خديجة « عليها السلام » أن تخطب له فقبل ، وخطبت له سودة بنت زمعة من أبيها وكان كافراً ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى بيته وزوجه ، وأن أخاها عبد بن زمعة لما عرف بزواج أخته من النبي ( صلى الله عليه وآله ) حثا التراب على رأسه !
ولا روايتهم بأن خولة اقترحت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يتزوج بعائشة وقالت له : بنت أبي بكر أحب خلق الله إليك ، فأرسلها لخطبتها فوافق أبو بكر وذهب رسول الله إلى بيته فعقد عليها ! وقالت عائشة إن عمرها كان يومها ست سنين ، وإنه تزوجها في المدينة وقد أكملت تسع سنين . مجمع الزوائد : 9 / 225 و 246 والطبقات : 8 / 57 .
لكنهم رووا أن عائشة كانت متزوجة قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « خطب رسول الله عائشة بنت أبي بكر فقال : إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير ، فدعني حتى أسُلَّها منهم فاستلها منهم ، فطلقها فتزوجها رسول الله » . الطبقات : 8 / 59 .
وروى الذهبي في تاريخه : 1 / 279 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقي سنتين لم يتزوج بعد خديجة .
وفي دلائل الإمامة / 81 ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : « خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) النساء وتزوج سودة أول دخوله المدينة ، فنقل فاطمة إليها ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية ، فقالت أم سلمة : تزوجني رسول الله وفوض أمر ابنته إليَّ فكنت أدلها وأؤدبها ، وكانت والله آدب مني وأعرف بالأشياء كلها » .
16 . أرسله الله تعالى إلى الإنس والجن
روى الجميع أن الله تعالى صرف إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عودته من الطائف عند منطقة نخلة ، نفراً من الجن ، وأمره أن يتلو عليهم القرآن فآمنوا .
ورويَ ذلك أيضاً في عودته من سوق عكاظ عند وادي مِجَنَّة ، بكسر الميم وهي قرب مكة . قال الله تعالى : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . الأحقاف : 29 .
وقال تعالى في سورة الجن : قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا .
وتدل هذه الآية وغيرها على أن الجن أصحاب مستوى ذهني عال ، وأن بعضهم قد استوعب بمجرد سماع القرآن من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتخرجوا منذرين لأقوامهم !
قال ابن هشام : 2 / 287 : « ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى ، وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولَّوْا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا ، فقص الله خبرهم عليه ( صلى الله عليه وآله ) قال الله عز وجل : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ » .
ونخلة : موضع بين الطائف ومكة على مسير ليلة من مكة . معجم البلدان : 5 / 278 .
وفي تفسير القمي : 2 / 299 : « تهجد بالقرآن في جوف الليل ، فمر به نفر من الجن فلما سمعوا قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استمعوا له ، فلما سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض : أنصتوا . فجاؤوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاسلموا وآمنوا وعلمهم رسول الله شرائع الإسلام . ومنهم كانوا يعودون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في كل وقت ، فأمر رسول الله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يعلمهم ويفقههم ، فمنهم مؤمنون ومنهم كافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس ، وهم ولد الجان .
وسئل العالم ( عليه السلام ) عن مؤمني الجن أيدخلون الجنة ؟ فقال لا ، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار ، يكون فيها مؤمنو الجن ، وفساق الشيعة » .
وروى في المحاسن : 2 / 379 : « عن عمر بن يزيد قال : ضللنا سنة من السنين ونحن في طريق مكة ، فأقمنا ثلاثة أيام نطلب الطريق فلم نجده ، فلما أن كان في اليوم الثالث وقد نفد ما كان معنا من الماء ، عمدنا إلى ما كان معنا من ثياب الإحرام ومن الحنوط ، فتحنطنا وتكفنا بإزار إحرامنا ، فقام رجل من أصحابنا فنادى : يا صالح يا أبا الحسن ، فأجابه مجيب من بُعد ! فقلنا له : من أنت يرحمك الله ؟ فقال : أنا من النفر الذي قال الله عز وجل في كتابه : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ . ولم يبق منهم غيري ، فأنا مرشد الضال إلى الطريق ! قال : فلم نزل نتبع الصوت حتى خرجنا إلى الطريق » .
وفي الإحتجاج : 1 / 330 ، من حديث يهودي مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ولقد سُخِّرَت لنبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) الشياطين بالإيمان ، فأقبل إليه من الجِنة تسعة من أشرافهم . وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ . وهم التسعة فأقبل إليه الجن والنبي ( صلى الله عليه وآله ) ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً . ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفاً منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ونصح المسلمين ، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططاً » . راجع أيضاً المناقب : 1 / 44 و 191 ، المحاسن : 2 / 380 ، الأمان / 123 ، الحاكم : 2 / 456 و 518 ، مجمع الزوائد : 7 / 106 . والبحار : 10 / 44 ، 18 / 76 و 90 ، 60 / 55 وفيه : « ولم يبعث الله نبياً إلى الإنس والجن قبله ( صلى الله عليه وآله ) وإنما سميا ثقلين لعظم خطرهما وجلالة شأنهما » .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|