المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



أبو طالب "ع" يوحد بني هاشم لحماية النبي "ص"  
  
342   02:04 صباحاً   التاريخ: 2024-09-12
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص225-247
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / الولادة والنشأة /

1 . أبو طالب يقف في وجه قريش بقوة

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي 1 / 449 » : « إن مَثَلَ أبي طالب مثلُ أصحاب الكهف ، أسرُّوا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرتين . قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً ؟ فقال : كذبوا كيف يكون كافراً وهو يقول :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتب » !

أقول : تواترت أحاديث أهل البيت « عليهم السلام » بإسلام أبي طالب رضي الله عنه ، وشعره صريح بإسلامه ، وقد صنف العلماء في إيمانه رسائل وكتباً مفردة . وتقدم أنه كان يؤمن بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل بعثته وينتظر ذلك ، وعندما بعثه الله تعالى آمن به ، وواجه عاصفة قريش ضده ، فقد جاء زعماء قريش اليه يطلبون منه أن يتراجع محمد ( صلى الله عليه وآله ) عن نبوته ، أو يسلمه إليهم ليقتلوه !

فردهم أبو طالب وهددهم ، وأقنع بني هاشم بحماية النبي ( صلى الله عليه وآله ) من قريش ، مستفيداً من نفوذه وشجاعة بني هاشم ومجدهم ، وقد استخدم شاعريته في بعث حميتهم ، ولعل أول شعر قاله في ذلك :

« حتى متى نحن على فترةٍ * يا هاشماً والقومُ في جَحْفَلِ

تدعونَ بالخيل على رقبة * منَّا لدى خوفٍ وفي معزل

كالحرة السوداء تغلو بها * سرعانها في سبسبٍ مَجهل

عليهم الترك على رعلةٍ * مثل القطا الساري للمنهل

يا قوم ذودوا عن جماهيركم * بكل مفضال على مسبل

حديد خمس لهزٌ خده * مآرثُ الأفضل فالأفضل

عريض ستٍّ لهبٌ خصرُهُ * يصان بالتذليق في مجدل

فكم قد شهدت الحرب في فتية * عند الوغى في عَثْيَر القسطل

لا متنحينَ إذا جئتهم * وفي هياج الحرب كالأشبل

فلما استجاب لأبي طالب بنو هاشم وبنو المطلب ، وثق بأمره في نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجهر في مقاومة بطون قريش ، وقال :

منعنا الرسول رسول المليكْ * ببيض تلألا كلمع البروقْ

بضرب يذيب بدون النهاب * حذار الوتائر والخنفقيق

أذب وأحمي رسول المليك * حماية عم عليه شفيق

وما إن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق

ولكن أزير لهم سامياً * كما زار ليث بغيل مضيق

ولما رأى من قومه ما سره من حدبهم معه ، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم ، ويذكر فضل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيهم ليشتد لهم رأيهم فيه ، فقال :

إذا اجتمعت يوماً قريشٌ لمفخر * فعبد منافٍ سِرُّها وصَمِيمُها

وإن حصلت أشرافُ عبد منافها * ففي هاشمٍ أشرافُها وقديمُها

وإن فخرت يوماً فإن محمداً * هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثُّها وسمينُها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها

وكنّا قديماً لا نقرّ ظلامة * إذا ما ثنوا صَعر الخدود نقيمها

ونحمي حماها كل يومِ كريهة * ونضرب عن أحجارها من يرومها

المناقب والمثالب للقاضي النعمان المغربي / 86 ، سيرة ابن إسحاق : 2 / 129 وغيره .

2 . وشذ أبو لهب فحاول أبو طالب تحريك شهامته فقال :

« عجبت لحلمٍ يا ابن شيبة حادثٍ * وأحلام أقوامٍ لديك سخافِ

يقولون شايعْ من أراد محمداً * بسوء وقم في أمره بخلاف

أصاميم إمَّا حاسدٌ ذو خيانة * وإمّا قريب منك غير مُصاف

فلا تتركن الدهر منه ذمامه * وأنت امرؤٌ من خير عبد مناف

ولا تتركنه ما حييت وأطعمن * وكن رجلاً ذا نجدة وعفاف

تذود العدى من ذروة هاشمية * ألا فهمُ في الناس خير إلاف

فإن له قربى لديك قريبة * وليس بذي حلف ولا بمضاف

ولكنه من هاشم من صميمها * إلى أبحر فوق البحور طواف

وزاحم جميع الناس عنه وكن له * وزيراً على الأعداء غير مخاف

فإن غضبت منه قريش فقل لها * بني عمنا هل قومكم بضعاف

فما بالنا تعشون منا ظلامة * وما بال أرحام هناك جوافي

وما قومنا بالقوم يخشون ظلمنا * ولا نحن فيما ساءهم بخفاف

ولكننا أهل الحفائظ والنهى * وعز ببطحاء الحطائم واف »

ابن إسحاق : 4 / 189 .

لكن أبا لهب ساء توفيقه فانضم إلى أعداء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فذمه أبو طالب !

قال ابن إسحاق : 2 / 131 : « أقبل أبو طالب على أبي لهب حين ظافر عليه قومه ونصب العداوة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع من نصب له ، وكان أبو لهب للخزاعية ، وكان أبو طالب وعبد الله أبو رسول الله والزبير لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، فغمزه أبو طالب بأم له يقال لها سماحيج ، وأغلظ له في القول :

مستعرضُ الأقوام يخبرْهم * عذري وما أن جئت من عذر

فاجعل فلانة وابنها عوضاً * لكرائم الأكفاء والصهر

واسمع نوادر من حديث صادق * تهوين مثل جنادل الصخر

إنا بنو أم الزبير وفحلها * حملت بنا للطيب والطُّهر

حرَّمت منا صاحباً ومؤازراً * وأخاً على السراء والضر »

« ثم قال أبو طالب في شعر قاله حين أجمع لذلك من نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والدفاع عنه ، على ما كان من عداوة قومه وفراقهم له :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوَسَّدَ في التراب دفينا

فاجهد لأمرك ما عليك غضاضة * أبشر وقرَّ بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصح * فلقد صدقت وكنت ثمَّ أمينا

وعرضت ديناً قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا

لولا الملامةَ أو حذاري سبةً * لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

فلما قالت قريش لقد سفه أحلامنا وعاب ديننا وسب آباءنا ، فوالله لا نُقِرُّ بهذا أبداً ! وقام أبو طالب دون رسول الله وكان أحب الناس إليه ، فشمر في شأنه ونادى قومه قال قصيدة يعوِّر فيها منهم . ويقصد لاميته . ابن إسحاق : 2 / 136 .

أبو لهب يحاول اغتيال النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

« قالت قريش لأبي لهب : إن أبا طالب هو الحائل بيننا وبين محمد ، ولو قتلته لم ينكر أبو طالب ، وأنت برئ من دمه ونحن نؤدي الدية وتسود قومك ، قال : فإني أكفيكموه ، فنزل أبو لهب إليه وتسلقت امرأته الحائط حتى وقفت على رسول الله فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه وكانا لا ينقلان قدماً ولا يقدران على شئ حتى انفجر الصبح وفرغ النبي من الصلاة ! فقال أبو لهب : يا محمد أطلقنا ، قال : لا أطلق عنكما أو تضمنا لي أنكما لا تؤذياني ، قالا : قد فعلنا ، فدعا ربه فرجعا » . المناقب لابن شهر آشوب : 1 / 115 .

هلك أبو لهب بعد هزيمة قريش في بدر

قال أبو رافع : « أقبل أبو لهب بعد بدر يجر رجليه ، فقال الناس هذا أبو سفيان بن حرب قد قدم ، فاجتمع عليه الناس فقال له أبو لهب : هلم إلي يا ابن أخي فعندك لعمري الخبر ، فجاء حتى جلس بين يديه فقال له : يا ابن أخي خبرني خبر الناس قال : نعم والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يضعون السلاح فينا حيث شاؤوا ! ووالله مع ذلك ما لمت الناس لقيَنا رجالٌ بيضٌ على خيل بلق لا والله ما تليق شيئاً يقول ما تبقي شيئاً . .

فو الله ما مكث إلا سبعاً حتى مات ، ولقد تركه إبناه في بيته ثلاثاً ما كيد فناؤه حتى أنتن ، وكانت قريش تتقي هذه القرحة يعني العدسة كما تتقي الطاعون ، حتى قال لهما رجل من قريش : ويحكما ألا تستحيان إن أباكما في بيته قد أنتن لا تدفنانه ! فقالا : إنا نخشى عدوى هذه القرحة ! فقال انطلقا فأنا أعينكما عليه ، فو الله ما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه ، ثم إنهم احتملوه إلى أعلى مكة فأسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه الحجارة » ! تاريخ دمشق : 67 / 171 .

3 - عرضوا على أبي طالب أن يأخذ شاباً بدل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) !

قال ابن إسحاق : 2 / 133 : « ثم إن قريشاً حين عرفت أن أبا طالب أبى خذلان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإسلامه ، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعدواتهم ، مشوا اليه ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له فيما بلغنا : يا أبا طالب قد جئناك بفتى قريش عمارة بن الوليد ، جمالاً وشباباً ونهادة ، فهو لك نصره وعقله ، فاتخذه ولداً لا تنازع فيه ، وخل بيننا وبين ابن أخيك ، هذا الذي فارق دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومه وسفه أحلامهم ، فإنما رجل كرجل ، لنقتله ، فإن ذلك أجمع للعشيرة وأفضل في عواقب الأمور مغبة . فقال لهم أبو طالب : والله ما أنصفتموني ! تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه ! هذا والله لا يكون أبداً ، أفلا تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لم تحن إلى غيره !

فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : لقد أنصفك قومك يا أبا طالب ، وما أراك تريد أن تقبل ذلك منهم ! فقال أبو طالب للمطعم بن عدي : والله ما أنصفتموني ، ولكنك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ ، فاصنع ما بدا لك ، أو كما قال أبو طالب !

فحقب الأمر عند ذلك وجمعت للحرب ، وتنادى القوم ونادى بعضهم بعضاً فقال أبو طالب عند ذلك ، وإنه يعرض بالمطعم ويعم من خذله من بني عبد مناف ، ومن عاداه من قبائل قريش ، ويذكر ما سألوه فيما طلبوا منه :

ألا قل لعمرو والوليد ومطعم * ألا ليت حظي من حياطتكم بكر

من الخور حبحابٌ كثير رغاؤه * يرش على الساقين من بوله قطر

تخلف خلف الورد ليس بلاحقٍ * إذا ما على الفيفاء تحسبه وبر

أرى أخوينا من أبينا وأمنا * إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر

يلي لهما أمر ولكن تجرجما * كما جرجمت من رأس ذي العلق الصخر

هما أغمزا للقوم في أخويهما * وقد أصبحا منهم أكفهما صفر

أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلاً * هما نبذانا مثلما نبذ الجمر

فأقسمت لا ينفك منهم مجاور * يجاورنا ما دام من نسلنا شفر

هما اشتركا في المجد من لا أخاله * من الناس إلا أن يرس له ذكر

وليداً أبوه كان عبداً لجدنا * إلى علجة زرقاء جاش بها البحر

وتيمٌ ومخزومٌ وزهرةُ منهمُ * وكانوا لنا مولى إذا ابتغيَ النصر

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * وكانوا كجفر شرما جهلت جفر » .

ورواها ابن هشام : 1 / 173 وقال : « تركنا منها بيتين أقذع فيهما » . والمناقب والمثالب للقاضي المغربي / 87 . وذكر في الغدير : 7 / 361 الأبيات الثلاثة التي حذفها ابن هشام :

وما ذاك إلا سؤدد خصنا به

إلهُ العباد واصطفانا له الفخر

رجال تمالوا حاسدين وبغضةً

لأهل العلى فبينهم أبداً وتر

وليد أبوه كان عبداً لجدنا

إلى علجة زرقاء جاش بها البحر

يقصد أن الوليد بن المغيرة كان عبداً لهاشم ، وأمه رومية وأبوه ليس المغيرة ! وقد صدقه القرآن فقال عن الوليد : وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ .

وقد اتفق المفسرون على أنها نزلت في الوليد ، ففي تفسير الجلالين / 758 ، وابن إسحاق : 2 / 140 : « دعيٌّ في قريش وهو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة » . وفي رواية أنه أكبر من أبيه بثمانية عشرة سنة .

وفي المناقب : 1 / 52 : روى ابن بابويه في كتاب النبوة عن زين العابدين ( عليه السلام ) : « أنه اجتمعت قريش إلى أبي طالب ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنده فقالوا : نسألك من ابن أخيك النَّصَف ، قال : وما النصف منه ؟ قالوا : يكف عنا ونكف عنه فلا يكلمنا ولا نكلمه ، ولا يقاتلنا ولا نقاتله . ألا إن هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب وزرعت الشحناء وأنبتت البغضاء ! فقال : يا ابن أخي ، أسمعت ؟ قال : يا عم لو أنصفني بنو عمي لأجابوا دعوتي وقبلوا نصيحتي ! إن الله تعالى أمرني أن أدعو إلى دينه الحنيفية ملة إبراهيم ، فمن أجابني فله عند الله الرضوان والخلود في الجنان ، ومن عصاني قاتلته حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .

فقالوا : قل له يكف عن شتم آلهتنا فلا يذكرها بسوء . فنزل « فيما بعد » : قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الجَاهِلُونَ . فقالوا : قل له أرسله الله إلينا خاصة أم إلى الناس كافة ؟ قال : بل أرسلت إلى الناس كافة إلى الأبيض والأسود ، ومن على رؤس الجبال ، ومن في لجج البحار ولأدعون فارس والروم : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا . فتجبرت قريش واستكبرت وقالت : والله لو سمعت بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ، ولقلعت الكعبة حجراً حجراً ! فنزل « فيما بعد » وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَئْ . وقوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيل » .

4 . من هو عمارة الذي أرادوا أن يعطوه بدل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) ؟

هو عمارة بن الوليد بن المغيرة ، فأبوه الوليد رئيس المستهزئين بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ورئيس قبيلة مخزوم ، والوحيد الذي وصفه الله تعالى في القرآن بالزنيم !

فقد بلغ من كيده أنه أخذ ابنه عمارة إلى أبي طالب ليعطيه إياه بدل محمد ، ويعطيهم محمداً ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلونه ! وكان عمارة يومها متزوجاً وله أولاد !

وتصور ابن عبد البر أنه ابن الوليد بن الوليد فيكون ابن أخ خالد « الإستيعاب : 4 / 1557 » لكنه ابن الوليد الأب ، وأخ خالد ، كما نص عليه في شرح النهج : 6 / 304 . وكان عمارة جميلاً فاتكاً ماجناً ، وذكر ابن حبيب في المنمق / 130 ، أن عمر بن الخطاب كان يخدمه في سفره فأراد أن يقتله فهرب عمر منه . وكان عمارة يشبه عمرو بن العاص في دهائه ومجونه ، وقد أرسلتهما قريش إلى النجاشي يطلبان منه إرجاع المسلمين المهاجرين إليهم !

قال ابن أبي شيبة : 8 / 465 : « وكان عمرو بن العاص رجلاً قصيراً ، وكان عمارة بن الوليد رجلاً جميلاً » . وذكر قصتهما لما سافرا في البحر فشربا خمراً ، وأراد عمارة زوجة عمرو وألقاه في البحر ليغرقه ، فنجا عمرو وعاد إلى السفينة ، وأخذ يخطط لقتل عمارة ، فأرسل إلى أبيه العاص : « أن اخلعني وتبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة وسائر بني مخزوم ، وخشي على أبيه أن يتبع بجريرته ، فلما قدم الكتاب على العاص بن وائل ، مشى إلى رجال بني المغيرة وبني مخزوم فقال : إن هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم ، وكلاهما فاتك صاحب شر ، غير مأمونين على أنفسهما ، ولا أدري ما يكون منهما ، وإني أبرأ إليكم من عمرو وجريرته ، فقد خلعته .

فقال عند ذلك بنو المغيرة وبنو مخزوم : وأنت تخاف عمراً على عمارة ! ونحن فقد خلعنا عمارة وتبرأنا إليك من جريرته فخل بين الرجلين ، قال قد فعلت ! فخلعوهما وبرئ كل قوم من صاحبهم وما يجرى منه » . شرح النهج : 6 / 304 .

ثم أوقع ابن العاص بعمارة عند النجاشي ، وأثبت للنجاشي أنه يخونه في جاريته فعاقبوه وقيل سحروه ، فهام على وجهه مع الوحوش حتى مات !

قال العلامة في تحرير الأحكام : 5 / 397 : « والسحر الذي يجب به القتل هو ما يعدُّ في العرف سحراً ، كما نقل الأموي في مغازيه أن النجاشي دعا السواحر فنفخن في إحليل عمارة بن الوليد ، فهام مع الوحش فلم يزل معها إلى إمارة عمر بن الخطاب فأمسكه إنسان فقال : خَلِّنِي وإلا مِتُّ ! فلم يُخله فمات من ساعته » !

والأموي : المؤرخ صاحب الأوزاعي الوليد بن مسلم مولى الأمويين توفي سنة 195 ، له مصنفات في الحديث والتاريخ والمغازي . الديباج : 1 / 34

وهدية العارفين : 2 / 500 .

5 - سورة المدثر تَفضح رئيس المستهزئين الوليد بن المغيرة !

أبرز من تصدى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) من قريش خمسة فراعنة سماهم الله تعالى « المستهزئين » رئيسهم وعقلهم الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان يجمعهم ويضع لهم الخطط ، وقد ناقشواالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فأقام لهم الأدلة على نبوته وأراهم المعجزات التي طلبوها ، فلم يزدهم ذلك إلا كفراً وعتواً ! وكثر مجيؤهم إلى أبي طالب ليسلمهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليقتلوه ! فرفض كلامهم بشدة ، وحشَد بني هاشم لحماية النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

وتوالى نزول القرآن فاعتبروه تحدياً لهم وسبّاً لآلهتهم . ولما قرب موسم الحج للسنة الثانية من البعثة قام الوليد بتوحيد موقفهم أمام العرب الوافدين !

« ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً . قالوا فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول فيه . قال : بل أنتم فقولوا ، أسمع . قالوا : نقول كاهن . قال : والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه . قالوا : فنقول مجنون . قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تَخَالجه ولا وسوسته . قالوا : فنقول شاعر . قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر .

قالوا : فنقول ساحر . قال : ما هو بساحر ، قد رأينا السُّحَّار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده . قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لَعَذِقٌ وإن فرعه لجُناه ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وعشيرته .

فلما أقبلت العرب خرجوا يجلسون على طرقها يحذرون منه كل من قدم ويقولون : حدث عندنا ساحر ، فإياكم أن يهلككم بسحره ! وأنزل الله عز وجل في ذلك في الوليد بن المغيرة : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا . وَبَنِينَ شُهُودًا . وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا . سَأُرْهِقْهُ صَعُودًا . إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ . فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ نَظَرَ . ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ . ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ . فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ . إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ البَشَرِ . سَأُصْلِيهِ سَقَرَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ . لاتُبْقي وَلاتَذَرُ . لَوَاحَةٌ لِلْبَشَرِ . عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ . « المدثر 11 - 30 » . فلم يزالوا يقولون ذلك لكل من جاء من ناحية من نواحي بلاد العرب ، حتى صدروا عن الحج وأغروهم به واستنصروهم عليه ، فوعدهم كثير منهم النصرة ، وانتشر ذلك من أمرهم في العرب . وخاف أبو طالب دهماءها واجتماعها على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للحمية في دينها ، وتحريض قريش عليه واستنفارهم إليه ، وأشفق من ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إشفاقاً شديداً ، فلم يرَ في دفع ذلك عنه إلا إصلاح جانب العرب له .

وكان إظهار أبي طالب ما يظهره من التمسك بدين العرب تقيّة عليه وذباً عنه ، لأنه لو أظهر الإسلام كما أظهره حمزة لرفضته العرب ولم تلتفت إليه . . . وكان أبو طالب سيداً من سادات العرب ، تعرف له حقه ولا تكاد تدخل فيما يسوءه ، ولا تظاهره إلاّ بالمعروف وهو على دينها ، فقال شعره الذي استعطف العرب به وتودد إلى أشرافها فيه ، ليصرفهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبرهم أنه على دينهم لم يبدّله » . المناقب والمثالب / 92 ، لأبي حنيفة النعمان المغربي المتوفى : 363 ، الاكتفاء : 1 / 218 ، للكلاعي الأندلسي المتوفى : 634 . وابن إسحاق : 2 / 131 وكلها تصرح بأن أبا طالب كان مسلماً .

6 - أبو طالب يطلق لاميته في بلاد العرب

قال ابن كثير في النهاية : 3 / 70 : « قال ابن إسحاق : ولما خشي أبو طالب دهم العرب أن يركبوه مع قومه ، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في شعره أنه غير مسلم لرسول الله ، ولا تاركه لشئ أبداً ، حتى يهلك دونه » .

ثم أورد ابن كثير القصيدة برواية ابن هشام ، ورد على تشكيك بعضهم في نسبة بعض أبياتها إلى أبي طالب ، قال : « قال ابن هشام : هذا ما صح لي من هذه القصيدة ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها . قلتُ : هذه قصيدة عظيمة بليغة جداً ، لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعاً ، وقد أوردها الأموي في مغازيه مطولة بزيادات أخر » .

أقول : يظهر أن أبا طالب « رحمه الله » أطلق لاميته في السنة الثانية للهجرة قبل موسم الحج رداً على إعلام قريش الكاذب وتحريضهم العرب على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد جعل بعض كتَّاب السيرة وقتها بعد محاصرة قريش لبني هاشم في الشعب ، أو عندما عرضت قريش عليه شاباً بدل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا يصح ذلك .

قال ابن حجر في فتح الباري : 3 / 442 : « وأبيض يستسقى الغمام بوجهه . . . وهذا البيت من قصيدة لأبي طالب ، ذكرها ابن إسحاق بطولها ، وهي أكثر من ثمانين بيتاً ، قالها لما تمالأت على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونفَّروا عنه من يريد الإسلام » .

وقال العصامي في سمط النجوم / 231 : « قلت : لم أظفر من هذه القصيدة إلا بنحو السبعة والثمانية الأبيات في غالب كتب السير ، ولم أزل أطلبها حتى ظفرت بغالبها من تاريخ العلامة الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المسمى دول الإسلام ، فنقلتها منه ولله الحمد » .

وقوله عجيب ، لأن الذهبي أورد منها في تاريخه : 1 / 162 تسعة عشر بيتاً فقط ! فلا بد أنهم حذفوا بقيتها من نسخته المطبوعة !

وقال ابن أبي الحديد : 2 / 315 بعد أن أورد جملة من شعر أبي طالب : « فكل هذه الأشعار قد جاءت مجئ التواتر ، لأنه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك ، وهو تصديق محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ومجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي ( عليه السلام ) الفرسان منقولة آحاداً ، ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته ، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف . قالوا : واتركوا هذا كله جانباً : ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قِفَا نَبْكِ . فإن جاز الشك فيها أو في شئ من أبياتها ، جاز الشك في : قفا نبك » .

وقال الأميني في الغدير : 7 / 340 : « هذه القصيدة ذكر منها ابن هشام في سيرته : 1 / 286 أربعة وتسعين بيتاً وقال : هذا ما صح لي من هذه القصيدة . وذكر ابن كثير اثنين وتسعين بيتاً في تاريخه : 3 / 53 وفي رواية ابن هشام ثلاثة أبيات لم توجد في تاريخ ابن كثير . وأضاف الأميني : وذكرها أبو هفان العبدي في ديوان أبي طالب ، في مائة وأحد عشر بيتاً ، ولعلها تمام القصيدة » .

وفي إرشاد الساري : 2 / 227 : « قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل ، وعدة أبياتها مائة وعشرة أبيات ، قالها لما تمالأ قريش على النبي ونفروا عنه من يريد الإسلام » .

وفي عمدة القاري : 3 / 434 : « قصيدة طنانة ، وهي مائة بيت وعشرة أبيات أولها :

خليلي ما أُذْني لأول عاذلِ بصغواءَ في حق ولا عند باطل

وذكر منها البغدادي في خزانة الأدب : 1 / 252 اثنين وأربعين بيتاً مع شرحها . . . وذكر الآلوسي بعضها في بلوغ الإرب في أحوال العرب : 1 / 237 وذكر كلمة ابن كثير المتقدمة ، وقال : هي مذكورة مع شرحها في كتاب : لب لباب لسان العرب .

وذكر منها السيد زيني دحلان أبياتاً في السيرة النبوية « هامش الحلبية : 1 / 88 » وقال : قال الإمام عبد الواحد السفاقسي في شرح البخاري : إن في شعر أبي طالب هذا دليلاً على أنه كان يعرف نبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يبعث لما أخبره به بحيرا الراهب وغيره من شأنه ، مع ما شاهده من أحواله ، ومنها الاستسقاء به في صغره ومعرفة أبي طالب بنبوته ( صلى الله عليه وآله ) جاءت في كثير من الأخبار ، زيادة على أخذها من شعره .

قال الأميني : أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة ، إن لم يكن منها هذه الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ! ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره ، لأصفق الكل على إسلامه ، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب ! فاعجب واعتبر » . انتهى .

وقال العسكري في كتابه : أبو طالب حامي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) / 108 : « وخرجها أبو هفان العبدي توفي : 257 فيما جمعه من شعر أبي طالب ، وهو معروف بديوان أبي طالب ( عليه السلام ) من / 2 إلى / 12 ، طبع النجف الأشرف في مائة واحد عشر بيتاً ، وخرجناها في كتابنا : الشهاب الثاقب لرجم مكفر أبي طالب ( عليه السلام ) ، نقلاً من كتب عديدة وفيها زيادة على جميع من ذكر القصيدة ، وما ذكرناه مائة وستة عشرة بيتاً » .

وقال صاحب الصحيح من السيرة : 15 / 52 : « وما دام أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحب لهذه القصيدة أن تذكر في محافل أهل الإيمان ، فإنني أحب أن أثبتها هنا ليرغم بها أنف الشانئ والناصب ، ولتقر بها عين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعين أبي طالب ، وعين ابنه أسد الله الغالب ، وعين من هو لشفاعته طالب » . وأوردها بمئة وثمانية عشر بيتاً .

ونحن نوردها برواية ابن هشام : 1 / 176 : لأنها الرواية الرسمية ، ونثبت أهم ما لم يورده من نسخة الصحيح بين معقوفين .

قال : « فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه ، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مُسَلِّمٍ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تاركه لشئ أبداً ، حتى يهلك دونه ، فقال :

[ خليليَّ ما أُذني لأول عاذلِ * بصغواء في حقٍ ولا عند باطلِ ]

[ خليليَّ إن الرأيَ ليس بشركة * ولا نهنهٍ عند الأمور التلاتل ]

وَلَمّا رَأَيْت القَوْمَ لا وُدّ فِيهِمْ * وَقَدْ قَطَعُوا كُلّ العُرَى وَالوَسَائِلِ

وَقَدْ صَارَحُونَا بِالعَدَاوَةِ وَالأَذَى * وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوّ المُزَايِلِ

وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنّةً * يَعَضّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالأَنَامِلِ

صَبَرْت لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ * وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ المَقَاوِلِ

وَأَحْضَرْت عِنْدَ البَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي * وَأَمْسَكْت مِنْ أَثْوَابِهِ بِالوَصَائِل

قِيَامًا مَعًا مُسْتَقْبِلِينَ رِتَاجَهُ * لَدَى حَيْثُ يَقْضِي حَلْفَهُ كُلّ نَافِلِ

وَحَيْثُ يُنِيخُ الأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ * بِمُفْضَى السّيُولِ مِنْ إسَافَ وَنَائِلِ

مُوَسّمَةُ الأَعْضَادِ أَوْ قَصِرَاتِهَا * مُخَيّسَةٌ بَيْنَ السّدِيسِ وَبَازِل

تَرَى الوَدْعَ فِيهَا ، وَالرّخَامَ وَزَبْنَةً * بِأَعْنَاقِهَا مَعْقُودَةً كَالعَثَاكِلِ

أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ مِنْ كُلّ طَاعِنٍ * عَلَيْنَا بِسُوءِ أَوْ مُلِحّ بِبَاطِلِ

وَمِنْ كَاشِحٍ يَسْعَى لَنَا بِمَعِيبَةِجج * وَمِنْ مُلْحِقٍ فِي الدّينِ مَا لَمْ نُحَاوِلْ

وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ * وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءَ وَنَازِلِ

وَبِالبَيْتِ حَقّ البَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكّةَ * وَبِاَللهِ إنّ اللهَ لَيْسَ بِغَافِلِ

وَبِالحَجَرِ المُسْوَدّ إذْ يَمْسَحُونَهُ * إذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضّحَى وَالأَصَائِلِ

وَمَوْطِئِ إبْرَاهِيمَ فِي الصّخْرِ رَطْبَةً * عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ

وَأَشْوَاطِ بَيْنَ المَرْوَتَيْنِ إلَى الصّفَا * وَمَا فِيهِمَا مِنْ صُورَةٍ وَتَمَاثِلِ

وَمَنْ حَجّ بَيْتَ اللهِ مِنْ كُلّ رَاكِبٍ * وَمِنْ كُلّ ذِي نَذْرٍ وَمِنْ كُلّ رَاجِلِ

وَبِالمَشْعَرِ الأَقْصَى إذَا عَمَدُوا لَهُ * إلالٍ إلَى مُفْضَى الشّرَاجِ القَوَابِل

وَتَوْقَافِهِمْ فَوْقَ الجِبَالِ عَشِيّةً * يُقِيمُونَ بِالأَيْدِي صُدُورَ الرّوَاحِلِ

وَلَيْلَةِ جَمْعٍ وَالمَنَازِلِ مِنْ مِنًى * وَهَلْ فَوْقَهَا مِنْ حُرْمَةٍ وَمَنَازِلِ

وَجَمْعٍ إذَا مَا المُقْرَبَاتُ أَجَزْنه * سِرَاعًا كَمَا يَخْرُجْنَ مِنْ وَقْعِ وَابِلِ

وَبِالجَمْرَةِ الكُبْرَى إذَا صَمَدُوا لَهَا * يَؤُمّونَ قَذْفًا رَأْسَهَا بِالجَنَادِلِ

وَكِنْدَةَ إذْ هُمْ بِالحِصَابِ عَشِيّةً * تُجِيزُ بِهِمْ حُجّاجُ بَكْرِ بْنِ وَائل

حَلِيفَانِ شَدّا عَقْدَ مَا اخْتَلَفَا لَهُ * وَرَدّا عَلَيْهِ عَاطِفَاتِ الوَسَائِلِ

وَخَطْمِهِمُ سُمْرَ الرّمَاحِ وَشَرْحَهُ * وَشِبْرِقَهُ وَخْدَ النّعَامِ الحَوَامِلِ

فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ مَعَاذٍ لِعَائِذِ * وَهَلْ مِنْ مُعِيذٍ يَتّقِي اللهَ عَاذِلِ

يُطَاعُ بِنَا أَمْرُ العِدَا وَدّ أَنّنَا * تُسَدّ بِنَا أَبْوَابُ تُرْكٍ وَكَابُلِ

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نَتْرُكُ مَكّةَ * وَنَظْعَنُ إلا أَمْرُكُمْ فِي بَلابِلِ

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نُبْزَى مُحَمّدًا * وَلَمّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ

وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصرَّع حَوْلَهُ * وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالحَلائِلِ

وَيَنْهَضُ قَوْمٌ فِي الحَدِيدِ إلَيْكُمْ * نُهُوضَ الرّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصّلاصِلِ

وَحَتّى تَرَى ذَا الضّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ * مِنْ الطّعْنِ فِعْلَ الأَنْكَبِ المُتَحَامِلِ

[ أبيت بحمد الله ترك محمد * بمكة أسلمه لشر القبائل ]

[ وقال لي الأعداء قاتل عصابة * أطاعوه ، وابغه من جميع الغوائل ]

[ نقيم على نصر النبي محمد * نقاتل عنه بالظبى والعواسل ]

وَإِنّا لَعَمْرُ اللهِ إنْ جَدّ مَا أَرَى * لَتَلْتَبِسَن أَسْيَافُنَا بِالأَمَاثِلِ

بِكَفّيْ فَتًى مِثْلَ الشّهَابِ سَمَيْدَعٍ * أَخِي ثِقَةٍ حَامِي الحَقِيقَةِ بَاسِلِ

شُهُورًا وَأَيّامًا وَحَوْلاً مُجَرّماً * عَلَيْنَا وَتَأْتِي حِجّةٌ بَعْدَ قَابِلِ

وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لا أَبَا لَك سَيّدًا * يَحُوطُ الذّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ

[ وما ترك قوم لا أباً لك سيداً * يحوط الذمار غير ذرب مواكل ]

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ * ثِمَالَ اليَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ

يَلُوذُ بِهِ الهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ * فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أَسِيدٌ وَبِكْرُهُ * إلَى بُغْضِنَا إذ جَزّآنَا لآكِلِ

[ جزت رحم عنا أسيداً * وخالداً جزاء مسيء لا يؤخر عاجل ]

وَعُثْمَانُ لَمْ يَرْبَعْ عَلَيْنَا وَقُنْفُذٌ * وَلَكِنْ أَطَاعَا أَمْرَ تِلْكَ القَبَائِلِ

أَطَاعَا أُبَيّا ، وَابْنَ عَبْدِ يَغُوثِهُمْ * وَلَمْ يَرْقُبَا فِينَا مَقَالَةَ قَائِلِ

كَمَا قَدْ لَقِينَا مِنْ سُبَيْعٍ وَنَوْفَلٍ * وَكُلّ تَوَلّى مُعْرِضًا لَمْ يُجَامِلْ

فَإِنْ يُلْفَيَا ، أَوْ يُمْكِنُ اللهُ مِنْهُمَا * نَكِلْ لَهُمَا صَاعًا بِصَاعِ المُكَايِلِ

وَذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أبى غَيْرَ بُغْضِنَا * لِيُظْعِنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ

يُنَاجِي بِنَا فِي كُلّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ * فَنَاجِ أَبَا عَمْرٍ بِنَا ثُمّ خَاتِلِ

وَيُؤْلِي لَنَا بِاَللهِ مَا إنْ يَغُشّنَا * بَلَى قَدْ تَرَاهُ جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِ

أَضَاقَ عَلَيْهِ بُغْضُنَا كُلّ تَلْعَةٍ * مِنْ الأرض بَيْنَ أَخْشُبٍ فَمَجَادِلِ

وَسَائِلْ أَبَا الوَلِيدِ مَاذَا حَبَوْتنَا * بِسَعْيِك فِينَا مُعْرِضًا كَالمُخَاتِلِ

وَكُنْت امْرِئِ مِمّنْ يُعَاشُ بِرَأْيِهِ * وَرَحْمَتِهِ فِينَا وَلَسْت بِجَاهِلِ

[ فلست أباليه على ذات نفسه * فعش يا ابن عمي ناعماً غير ماحل ]

فَعُتْبَةُ لا تَسْمَعْ بِنَا قَوْلَ كَاشِحٍ * حَسُودٍ كَذُوبٍ مُبْغِضٍ ذِي دَغَاوِلِ

[ وقد خفت إن لم تزدجرهم وترعووا * تلاقي ونلقى منك إحدى البلابل ]

وَمَرّ أَبُو سُفْيَانَ عَنّي مُعْرِضًا * كَمَا مَرّ قَيْلٌ مِنْ عِظَامِ المَقَاوِلِ

يَفِرّ إلَى نَجْدٍ وَبَرْدِ مِيَاهِهِ * وَيَزْعُمُ أَنّي لَسْت عَنْكُمْ بِغَافِلِ

وَيُخْبِرُنَا فِعْلَ المُنَاصِحِ أَنّهُ * شَفِيقٌ وَيُخْفِي عَارِمَاتِ الدّوَاخِلِ

[ وأعلم أن لا غافل عن مساءة * كذاك العدو عند حق وباطل ]

[ فميلوا علينا كلكم إن ميلكم * سواء علينا والرياح بهاطل ]

أَمُطْعِمُ لَمْ أَخْذُلْك فِي يَوْمِ بَحْدَةٍ * وَلا مُعْظِمٌ عِنْدَ الأُمُورِ الجَلائِلِ

وَلا يَوْمَ خَصْمٍ إذْ أَتَوْك أَلِدّةً * أُولِي جَدَلٍ مِنْ الخُصُومِ المَسَاجِلِ

أَمُطْعِمُ إنّ القَوْمَ سَامُوك خُطّةً * وَإِنّي مَتَى أُوكَلْ فَلَسْت بِوَائِلِ

جَزَى اللهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلاً * عُقُوبَةَ شَرّ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلِ

بِمِيزَانِ قِسْطٍ لا يُخِيسُ شَعِيرَةً * لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ

لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلامُ قَوْمٍ تَبَدّلُوا * بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالغَيَاطِلِ

وَنَحْنُ الصّمِيمُ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ * وَآلِ قُصَيّ فِي الخُطُوبِ الأَوَائِلِ

[ وكان لنا حوض السقاية فيهم * ونحن الذرى منهم وفوق الكواهل ]

[ فما أدركوا زحلاً ولا سفكوا دماً * وما خالفوا إلا شرار القبائل ]

وَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلّبُوا * عَلَيْنَا العِدَا مِنْ كُلّ طِمْلٍ وَخَامِلِ

[ وحث بنو سهم علينا عديَّهم * عدي بن كعب فاحتبوا في المحافل ]

[ يعضُّون من غيظ علينا أكفهم * بلا ترةٍ بعد الحمى والتواصل ]

[ وشأيظ كانت في لؤي بن غالب * نفاهم إلينا كل صقر حلاحل ]

فَعَبْدَ مَنَافٍ أَنْتُمُ خَيْرُ قَوْمِكُمْ * فَلا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلّ وَاغِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ وَهَنْتُمُ وَعَجَزْتُم * وَجِئْتُمْ بِأَمْرِ مُخْطِئٍ لِلْمَفَاصِلِ

وَكُنْتُمْ حَدِيثاً حَطْبَ قِدْرٍ وَأَنْتُمْ * أَلانَ حِطَابٌ أَقْدُرٍ وَمَرَاجِلِ

لِيَهْنِئْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُقُوقُنَا * وَخِذْلانُنَا ، أوَ تَرْكُنَا فِي المَعَاقِلِ

فَإِنْ نَكُ قَوْماً نَتّئِرْ مَا صَنَعْتُمْ * وَتَحْتَلِبُوهَا لِقْحَةً غَيْرَ بَاهِلِ

وَسَائِطُ كَانَتْ فِي لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ * نَفَاهُمْ إلَيْنَا كُلّ صَقْرٍ حُلاحِلِ

وَرَهْطُ نُفَيْلٍ شَرّ مَنْ وَطِأَ الحَصَى * وَأَلأمَ حَافٍ مِنْ مَعَدٍّ وَنَاعِلِ

فَأَبْلِغْ قُصَيّا أَنْ سَيُنْشَرُ أَمْرُنَا * وَبَشّرْ قُصَيّا بَعْدَنَا بِالتّخَاذُلِ

وَلَوْ طَرَقَتْ لَيْلاً قُصَيّا عَظِيمَةٌ * إذَا مَا لَجَأْنَا دُونَهُمْ فِي المَدَاخِلِ

وَلَوْ صَدَقُوا ضَرْباً خِلالَ بُيُوتِهِمْ * لَكُنّا أُسًى عِنْدَ النّسَاءِ المَطَافِلِ

[ فإنْ تكُ كعبٌ من لؤيٍّ تجمعت * فلا بد يوماً مرة من تزايل ]

[ وإن تكُ كعبٌ من كعوبٍ كبيرة * فلابد يوماً أنها في مجاهل ]

[ وكنا بخير قبل تسويد معشر * هم ذبحونا بالمدى والمقاول ]

لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلامُ قَوْمٍ تَبَدّلُوا * بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالغَيَاطِلِ

فَكُلّ صَدِيقٍ وَابْنِ أُخْتٍ نَعُدّهُ * لَعَمْرِي وَجَدْنَا غِبّهُ غَيْرَ طَائِلِ

سِوَى أَنّ رَهْطًا مِنْ كِلابِ بْنِ مُرّةَ * بَرَاءٌ إلَيْنَا مِنْ مَعَقّةِ خَاذِلِ

[ بني أسد لا تُطْرِقَنَّ على القذى * إذا لم يقل بالحق مقول قائل ]

[ ونعم ابن أخت القوم غير مكذب * زهير حساماً مفرداً من حمائل ]

وَهَنّا لَهُمْ حَتّى تَبَدّدَ جَمْعُهُمْ * وَيَحْسُرَ عَنّا كُلّ بَاغٍ وَجَاهِلِ

وَكَانَ لَنَا حَوْضُ السّقَايَةِ فِيهُمُ * وَنَحْنُ الكُدَى مِنْ غَالِبٍ وَالكَوَاهِلِ

شَبَابٌ مِنْ المُطَّيّبِينَ وَهَاشِمِ * كَبِيضِ السّيُوفِ بَيْنَ أَيْدِي الصّيَاقِلِ

فَمَا أَدْرَكُوا ذَحْلاً وَلا سَفَكُوا دَمًا * وَلا حَالَفُوا إلا أشَرّ القَبَائِلِ

بِضَرْبِ تَرَى الفِتْيَانَ فِيهِ * كَأَنّهُمْ ضَوَارِي أُسُودٍ فَوْقَ لَحْمٍ خَرَادِلِ

بَنِي أُمّةٍ مَحْبُوبَةٍ هِنْدِكيّة * بَنِي جمَحَ عُبَيْدِ قَيْسِ بْنِ عَاقِلِ

وَلَكِنّنَا نَسْلٌ كِرَامٌ لِسَادَةِ * بِهِمْ نُعِيَ الأَقْوَامُ عِنْدَ البَوَاطِلِ

وَنِعْمَ ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ غَيْرَ مُكَذّبٍ * زُهَيْرٌ حُسَامًا مُفْرَدًا مِنْ حَمَائِلِ

أَشَمّ مِنْ الشّمّ البَهَالِيلِ يَنْتَمِي * إلَى حَسَبٍ فِي حَوْمَةِ المَجْدِ فَاضِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ كَلِفْت وَجْدًا بِأَحْمَدَ * وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ المُحِبّ المُوَاصِلِ

فَلا زَالَ فِي الدّنْيَا جَمَالاً لأهْلِهَا * وَزَيْنًا لِمَنْ وَالاهُ رَبّ المَشَاكِلِ

فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النّاسِ أَيّ مُؤَمّلٍ * إذَا قَاسَهُ الحُكّامُ عِنْدَ التّفَاضُلِ

حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشِ * يُوَالِي إلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ

فَوَاَللهِ لَوْلا أَنْ أَجِئَ بِسُبّةِ * تُجَرّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي المَحَافِلِ

لَكُنّا اتّبَعْنَاهُ عَلَى كُلّ حَالَةٍ * مِنْ الدّهْرِ جِدّاً غَيْرَ قَوْلِ التّهَازُلِ

[ وداستكم منا رجال أعزةٌ * إذا جردوا أيمانهم بالمناصل ]

[ رجال كرام غير مِيلٍ نماهمُ * إلى العز آباء كرام المخاصل ] »

[ وقفنا لهم حتى تبدد جمعهم * وحُسِرَ عنا كل باغ وجاهل ]

[ شباب من المطَّلِّبين وهاشم * كبيض السيوف بين أيدي الصياقل ]

[ بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم * ضواري أسود فوق لحم خرادل ]

[ ولكننا نسلٌ كرام لسادة بهم * يعتلي الأقوام عند التطاول ]

[ سيعلم أهل الضغن أيِّي وأيهم * يفوز ويعلو في ليال قلائل ]

[ وأيهم مني ومنهم بسيفه يلاقي * إذا ما حان وقت التنازل ]

[ ومن ذا يمل الحرب مني ومنهمُ * ويحمد في الآفاق في قول قائل ]

لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ ابْنَنَا لا مُكَذّبٌ * لَدَيْنَا ، وَلا يُعْنَى بِقَوْلِ الأَبَاطِلِ

فَأَصْبَحَ فِينَا أَحْمَدُ فِي أَرُومَةٍ * تُقَصّرُ عَنْهُ سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ ]

[ كأني به فوق الجياد يقودها * إلى معشر زاغوا إلى كل باطل ]

حَدِبْت بِنَفْسِي دُونَهُ وَحَمَيْته * وَدَافَعْت عَنْهُ بِالذّرَى وَالكَلاكِلِ

فَأَيّدَهُ رَبّ العِبَادِ بِنَصْرِهِ * وَأَظْهَرَ دِينًا حَقّهُ غَيْرُ بَاطِلِ

رِجَالٌ كِرَامٌ غَيْرُ مِيلٍ نَمَاهُمْ * إلَى الخَيْرِ آبَاءٌ كِرَامُ المَحَاصِلِ

فَإِنْ تَكُ كَعْبٌ مِنْ لُؤَيّ صُقَيْبةً * فَلا بُدّ يَوْماً مَرّةً مِنْ تَزَايُلِ »

[ وجُدْتُ بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذرى والكلاكل ] » ج

ورواها القاضي النعمان المغربي في المناقب والمثالب / 92 ، بمئة وسبعة أبيات ، وقال : « وفشا شعر أبي طالب هذا في العرب وأمْرُ رسول الله وقيام بني عبد شمس ومن أطاعها عليه ، وانتصاب بني هاشم ومن تولاها دونه ، وعلموا قديماً ما بين الفئتين من البغضاء وحسد بني عبد شمس بني هاشم . . . فتوقف من كانوا أغروه من قبائل العرب برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذب أكثرهم مقالهم فيه ، وذكر أهل يثرب ما كانت اليهود خبَّرتهم وحدَّثتهم به من ظهور نبي فيهم ، قد أزف وقت ظهوره وإخبارهم عن شأنه وأموره ، فلما بلغهم أمر رسول الله تطلعت أعينهم إليه » .

وقال في شرح الأخبار : 3 / 225 : « وكان إظهار أبي طالب ما أظهر من التمسك بدين العرب والرغبة فيه ، مع تصديقه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإقراره بنبوته ، مما أيد الله به أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) لأنه لو أظهر الإسلام لرفضته العرب ، ولم يعضده من عضده منهم على نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .

وقد شرح قصيدة أبي طالب بعض العلماء شرحاً موجزاً ، كالسهيلي في الروض الأنف : 2 / 16 ، وهو من حفاظ القرن السادس . تذكرة الحفاظ للذهبي : 4 / 1348 .

وشرحها صاحب خزانة الأدب : 2 / 53 ، عبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى سنة 1093 وأورد منها أربعين بيتاً ، وقال : « وقد أحببت أن أوردها هنا منتخبة مشروحة بشرح يوفي المعنى ، محبة في النبي صلى الله عليه » .

وشرح ابن إسحاق بعض مفرداتها كما نقل ابن هشام : 1 / 181 قال : « والغياطل : من بني سهم بن عمرو بن هصيص ، وأبو سفيان : ابن حرب بن أمية . ومطعم : ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف . وزهير : ابن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب . قال ابن إسحاق : وأسيد ، وبكره : عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي . وعثمان : ابن عبيد الله ، أخو طلحة بن عبيد الله التيمي . وقنفذ : ابن عمير بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . وأبو الوليد : عتبة بن ربيعة . وأبيّ : الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة بن كلاب . قال ابن هشام : وإنما سمى الأخنس لأنه خنس بالقوم يوم بدر ، وإنما اسمه أبيّ . وهو من بني علاج وهو علاج بن أبي سلمة بن عوف بن عقدة . والأسود : ابن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب . وسبيع : ابن خالد ، أخو بلحارث بن فهر . ونوفل : ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي وهو ابن العدوية ، وكان من شياطين قريش ، وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله في حبل حين أسلما ، فبذلك كانا يسميان القرينين ، قتله علي بن أبي طالب يوم بدر . وأبو عمرو : قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف . وقوله : وقوم علينا أظنة ، بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة . فهؤلاء الذين عدد أبو طالب في شعره من العرب » !

لكن أبا طالب « رحمه الله » ذكر غيرهم أشخاصاً وقبائل !

ثم روى ابن هشام قوله ( صلى الله عليه وآله ) عندما استسقى في المدينة : « لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره ، فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول الله أردت قوله :

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ . . . ثِمَالَ اليَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ ؟ قال أَجل » .

وفي عمدة القاري : 7 / 31 : « لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه » .

7 - ملاحظات حول لامية أبي طالب ( ( رحمه الله ) ) وشعره

أ . يبلغ شعر أبي طالب « رحمه الله » الذي وصل إلينا نحو ألف بيت ، وهو ثروة مهمة لم يعطه العلماء حقه في تدوين السيرة وتوثيقها ! وقد رأيت قول الناصبي ابن كثير : « هذه قصيدة عظيمة بليغة جداً ، لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعاً » !

فلماذا لم يدرسوها ويعتمدوها ؟ ! ولا يذكرون شعر أبي طالب ( عليه السلام ) إلا عند الضرورة وباختصار ، تقرباً وخوفاً من الحكومات ! ثم زعموا أنه مات كافراً لينفوا وراثته لعبد المطلب ، فنفيُ الوراثة وتكفير آباء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسرته أمرٌ مهم عندهم ، لأنها تنقض أساس خلافة السقيفة !

ب . يكشف شعر أبي طالب « رحمه الله » عن أمور وأحداث في السيرة النبوية لم يسجلها الرواة والمؤلفون ، أو عتَّموا عليها ، فمنها أن قريشاً قررت إجلاء بني هاشم من مكة إن لم يسلموهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليقتلوه ! وعملوا لتنفيذ ذلك فأحبطه أبو طالب :

كذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نُبْزَى مُحَمّدًا * وَلَمّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلٍ

وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ * وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالحَلائِلِ

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نَتْرُكُ مَكّةً * وَنَظْعَنُ إلا أَمْرُكُمْ فِي بَلابِل

وذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أبى غَيْرَ بُغْضِنَا * لِيُظْعِنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ

يُنَاجِي بِنَا فِي كُلّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ * فَنَاجَ أَبَا عَمْرٍ بِنَا ثُمّ خَاتِلِ

وَيُؤْلِي لَنَا بِاَللهِ مَا إنْ يَغُشّنَا * بَلَى قَدْ تَرَاهُ جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِ

وأبو عمرو المنافق هو : قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف ، وهذا يدل على أن حساد بني هاشم من أقربائهم كبني نوفل وأمية ، كانوا مع قرار نفيهم !

ج . ومن ذلك أن أبا طالب « رحمه الله » أشار في شعره إلى أعمال عدائية قامت بها قبائل أو شخصيات معينة ، لم يكشفها الرواة ! لاحظ قوله « رحمه الله » :

لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أَسِيدٌ وَبِكْرُهُ * إلَى بُغْضِنَا إذ جَزّآنَا لآكِلِ

[ جزت رحم عنا أسيداً وخالداً * جزاء مسئ لا يؤخرعاجل ]

وَعُثْمَانُ لَمْ يَرْبَعْ عَلَيْنَا وَقُنْفُذٌ * وَلَكِنْ أَطَاعَا أَمْرَ تِلْكَ القَبَائِلِ

أَطَاعَا أُبَيّا ، وَابْنَ عَبْدِ يَغُوثِهُمْ * وَلَمْ يَرْقُبَا فِينَا مَقَالَةَ قَائِلِ

كَمَا قَدْ لَقِينَا مِنْ سُبَيْعٍ وَنَوْفَلٍ * وَكُلّ تَوَلّى مُعْرِضًا لَمْ يُجَامِلْ

فَإِنْ يُلْفَيَا ، أَوْ يُمْكِنُ اللهُ مِنْهُمَا * نَكِلْ لَهُمَا صَاعًا بِصَاعِ المُكَايِلِ

وَمَرّ أَبُو سُفْيَانَ عَنّي مُعْرِضًا * كَمَا مَرّ قَيْلٌ مِنْ عِظَامِ المَقَاوِلِ

يَفِرّ إلَى نَجْدٍ وَبَرْدِ مِيَاهِهِ * وَيَزْعُمُ أَنّي لَسْت عَنْكُمْ بِغَافِلِ

وَيُخْبِرُنَا فِعْلَ المُنَاصِحِ أَنّهُ * شَفِيقٌ وَيُخْفِي عَارِمَاتِ الدّوَاخِلِ

[ وأعلم أن لا غافلٌ عن مساءة * كذاك العدو عند حق وباطل ]

[ فميلوا علينا كلكم إن ميلكم * سواء علينا والرياح بهاطل ]

أَمُطْعِمُ لَمْ أَخْذُلْك فِي يَوْمِ بَحْدَة * وَلا مُعْظِمٌ عِنْدَ الأُمُورِ الجَلائِلِ

أَمُطْعِمُ إنّ القَوْمَ سَامُوك خُطّةً * وَإِنّي مَتَى أُوكَلْ فَلَسْت بِوَائِلِ

جَزَى اللهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلاً * عُقُوبَةَ شَرّ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلِ

بِمِيزَانِ قِسْطٍ لا يُخِيسُ شَعِيرَةً * لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ

لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلامُ قَوْمٍ تَبَدّلُو * بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالغَيَاطِلِ

وَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلّبُوا * عَلَيْنَا العِدَا مِنْ كُلّ طِمْلٍ وَخَامِلِ

[ وحث بنو سهم علينا عديَّهم * عدي بن كعب فاحتبوا في المحافل ]

[ يعضُّون من غيظ علينا أكفهم * بلا ترةٍ بعد الحمى والتواصل ]

[ وشأيظ كانت في لؤي بن غالب * نفاهم إلينا كل صقر حلاحل ]

وَرَهْطُ نُفَيْلٍ شَرّ مَنْ وَطِأَ الحَصَى * وَأَلأمَ حَافٍ مِنْ مَعَدٍّ وَنَاعِلِ

ولم أجد تعبير « شر من وطأ الحصى » قبل وصف أبي طالب به لعدي ، وهم قبيلة عمر ، وكانوا قلة لكن لهم دور في عداء النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

ولاحظ قوله « رحمه الله » في قصيدة أخرى :

وليد أبوه كان عبداً لجدنا * إلى علجة زرقاء جاش بها البحر

وتيم ومخزوم وزهرة منهم * فكانوا لنا مولى إذا بغي النصر

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * فكانوا كجفر بئس ما صنعت جفر

والوليد هو أبو خالد بن الوليد ، أحد المستهزئين الخمسة سنن البيهقي 9 / 8 وقد أخبر أبو طالب أن أمه رومية ، كانت أمَةً لهاشم !

د . ولاحظ قوله « رحمه الله » في المعجزة التي ظهرت في أبي جهل : « لما جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد ، وبيده حجر يريد أن يرميه به ، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه » !

أفيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق

وإلا فإني إذن خائفٌ * بوائقَ في داركم تلتقي

تكون لغيركم عبرةً * ورب المغارب والمشرق

كما ذاق من كان من قبلكم * ثمودٌ وعادٌ فمن ذا بقي

غداة أتاهم بها صرصرٌ * وناقة ذي العرش قد تستقي

فحل عليهم بها سخطةٌ * من الله في ضربة الأزرق

غداة يعض بعرقوبها * حساماً من الهند ذا رونق

وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي

فأثبته الله في كفه * على رغمة الجائر الأحمق

أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغواة ولم يَصدق »

كنز الفوائد / 75 ، أبو طالب حامي الرسول / 21 ، ابن إسحاق : 4 / 192 ولم يجزم بنسبتها إلى أبي طالب !

فلا بد من تتبع الأحداث التي أرخها أبو طالب رضي الله عنه ، أو أشار إليها ، وفيها مفردات جديدة في السيرة ، أهملها الرواة أو جهلوها ، فينبغي بحث نصوصها ومؤيداتها ، أو ما يعارضها في السيرة الحكومية الرسمية .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.