أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-12-2014
3904
التاريخ: 6-4-2017
4021
التاريخ: 10-12-2014
4507
التاريخ:
3567
|
كانت سُحُبُ الجاهلية الداكنة تُغطّي سماء الجزيرة العربية وتمحي الاعمالُ القبيحةُ والممارساتُ الظالمة والحروبُ الداميةُ والنهبُ والسلبُ ووأدُ البنات وقتلُ الاولاد كلَ فضيلة أخلاقية في البيئة العربية وكان المجتمع العربيّ قد اصبح في منحدر عجيب من الشقاء ليس بينهم وبين الموت الاّ غشاء رقيق ومسافة قصيرة!!
في هذا الوقت بالذات طلع عليهم شمس السعادة والحياة فأضاءت محيط الجزيرة الغارق في الظلام الدامس وذلك عندما اشرقت بيئة الحجاز بمولد النبيّ المبارك محمَّد (صـلى الله علـيه وآله) وبهذا تهيأَت المقدمات اللازمة لنهضة قوم متخلف طال رزوحُه تحت ظلام الجهل والتخلف وطالت معاناته لمرارة الشقاء فانه لم يمض زمن طويل الاّ وملأ نور هذا الوليد المبارك ارجاء العالم واسس حضارة انسانية عظمى في كل المعمورة.
ان جميع الفصول في حياة العظماء جديرةٌ بالتأمل وقمينة بالمطالعة فربما تبلغ العظمة في شخصية احدهم من السعة والسموّ بحيث تشمل جميعُ فصول حياته بدء من الطفولة بل وفترة الرضاع فتكون حياته وشخصيته برمتها سلسلة متواصلة من حلقات العظمة.
إن جميع الأدوار والفترات في حياة العظماء والنوابغ وقادة المجتمعات البشرية وروّاد الحضارات الإنسانية وبُناتها تنطوي في الأغلب على نقاط مثيرة وحساسة وعلى مواطن توجب الاعجاب.
إن صفحات تاريخهم وحياتهم منذ اللحظة الّتي تنعقد فيها نطفهم في أرحام الاُمهات وحتّى آخر لحظة من أعمارهم مليئة بالأسرار زاخرة بالعجائب.
فنحن كثيراً ما نقرأ عن اُولئك العظماء في أدوار طفولتهم أنهما كانت تقارن سلسلة من الامور العجيبة والمعجزة.
ولو سهل علينا التصديق بهذا الامر في شأن الرجال العاديين من عظماء العالم لكان تصديقنا بأمثالها في شأن الانبياء والرسل اسهل من ذلك بكثير وكثير.
إن القرآن الكريم ذكر فترة الطفولة في حياة النبيّ موسى (عليه السلام) في صورة محفوفة بكثير من الأسرار فهو يقول ما خلاصته : ان مئات من الاطفال قُتِلوا وذُبحوا بامرْ من فرعون ذلك العصر منعاً من ولادة موسى ونشوئه.
ولكن ارادة اللّه شاءت ان يُولد الكليم وظلت هذه المشيئة تحفظه من كيد الكائدين ولهذا لم يعجز اعداؤه عن القضاء عليه أو الحاق الاذى به فحسب بل تربى في بيت فرعون أعدى اعدائه.
يقول القرآن الكريم في هذا الصدد : { وَلَقد مَننّا عَلَيْكَ مَرّة اُخرى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 38، 39] .
ثمّ يقول : {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ..} [طه: 40] .
ثمّ إن القرآن الكريم يذكر قصة ولادة المسيح ويصور طفولته ونشأته بشكل أعجب إذ يقول : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } [مريم: 16 - 31].
فإذا كان أتباع القرآن والتوراة والانجيل يشهدون بصحة هذه المطالب حول ولادة هذين النبيين العظيمين من اولي العزم لموسى وعيسى (عليهما السلام) ويقرون بصدقها فلا يصحّ في هذه الصورة أن نستغرب وقوع أمثالها في شأن رسول الإسلام ونتعجب من الحوادث العجيبة الّتي سبقت أو رافقت ميلاده المبارك ونعتبرها اُموراً سطحية لا تدل على شيء.
فنحن نقرأ في الكتب التاريخية وفي كتب الحديث عن وقوع حوادث عجيبة يوم ولادة النبيّ الكريم (صـلى الله علـيه وآله) مثل : ارتجاس أيوان كسرى وسقوط اربع عشرة شرفة منه وانخماد نار فارس الّتي كانت تُعبد وانجفاف بحيرة ساوة وتساقط الاصنام المنصوبة في الكعبة على وجوهها وخروج نور معه (صـلى الله علـيه وآله) اضاء مساحة واسعة من الجزيرة والرؤيا المخيفة الّتي رآها انوشيروان ومؤبدوه وولادة النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) مختوناً مقطوع السُرّة وهو يقول : أللّه اكبر والحمدُ للّه كثيراً سُبحان اللّه بكرة وأصيلا .
وقد وردت جميع هذه الامور في المصادر التاريخية الأُولى والجوامع الحديثية المعتبرة .
ومع ملاحظة ما ورد في حق موسى وعيسى ونقلنا بعضه هنا لا يبقى أيّ مجال للشك في صحة هذه الحوادث.
نعم ينبغي أن نسأل هنا : ماذا كانت تهدف هذه الحوادث غير العادية؟
وفي الاجابة على هذا السؤال يجب ان نقول : إن هذه الحوادث الخارقة والعجيبة كانت تهدف إلى أمرين :
الأول : أن تدفع بالجبابرة والوثنيين وعَبدة الاصنام إلى التفكير فيما هم فيه فيسألوا أنفسهم : لماذا انطفأت نيرانُهم الّتي طالما بقيت مشتعلة تحرسها اعيان السَدنة والكهنة؟
لماذا سبّبت هزةٌ خفيفةٌ في ارتجاس ايوان كسرى العظيم المحكم البنيان ولم يحدث لبيت عجوز في نفس ذلك البلد شيء؟
لماذا تهاوت الاصنامُ المنصوبة في الكعبة وحولها وانكبَّت على وجوهها بينما بقيت غيرها من الاشياء على حالها لم يصبها شيء ابداً؟
لو كانوا يفكرون في تلك الحوادث لعرفوا أن تلك الحوادث كانت تبشّر بعصر جديد ... عصر انتهاء فترة الوثنية وزوال مظاهر السلطة الشيطانية
واندحارها؟
الثاني : ان هذه الحوادث جاءت لتبرهن على شأن الوليد العظيم وانه ليس وليداً عادياً فهو كغيره من الانبياء العظام الذين رافقت مواليدهم أمثال تلك الحوادث العجيبة والوقائع الغريبة كما يخبر بذلك القرآن الكريم فيما يحدثه عن حياة الانبياء ـ كما عرفت ـ وتخبر بها تواريخ الشعوب والملل المسيحية واليهودية.
واساساً لا يلزم ان تكون تلك الحوادث سبباً للعبرة ووسيلة للاتعاظ يوم وقوعها بل يكفي ان تقع حادثة في احدى السنين ثم يعتبرُ بها الناس بعد أعوام عديدة وقد كانت حوادثُ الميلاد النبويّ من هذه المقولة لأن الهدف منها كان هو ايجاد هزة في ضمائر اُولئك الناس الذين كانوا قد غرقوا في اوحال الوثنية والظلم والانحراف الاخلاقي حتّى قمة رؤوسهم وعشعشت الجهالة والغفلة في اعماقهم حتّى النخاع.
إن الذين عاشوا في عصر الرسالة أو من اتى من بعدهم عندما يسمعون نداء رجل نهض ـ بكل قواه ـ ضدّ الوثنية والظلم ثم يطالعون سوابقه ويلاحظون إلى جانب ذلك ما وقع ليلة ميلاده من الحوادث العظيمة الّتي تتلاءم مع دعوته فانهم ولا شك سيعتبرون تقارن هذين النوعين من الحوادث دليلا على صحة دعواه وصدق مقاله فيصدِّقونه وينضوون تحت لوائه.
إن وقوع أمثال هذه الحوادث الخوارق عند ميلاد الانبياء مثل إبراهيم و موسى و المسيح و محمَّد صلّى اللّه عليه وعليهم اجمعين لا يقل اهمية عن وقوعها في عصر رسالتهم ونبوتهم فهي جميعاً تنبع من اللُطف الالهي وتتحقق لهداية البشرية وجذبها إلى دعوة سفرائه ورسله.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|