أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-07
837
التاريخ: 2024-02-19
884
التاريخ: 2024-06-06
740
التاريخ: 2024-06-22
670
|
هذا من جهة مصر، أما عن «سينا» و«نجب» فلسطين وهي الأماكن التي مرَّ بها بنو إسرائيل في طريقهم إلى الأرض الموعودة، فقد ألقت الكشوف الحديثة بعض الضوء على جغرافيتها، والواقع أنه لم يكن يوجد حتى ذلك العهد مدن ومعسكرات ثابتة إلا في «إيتام» على ما يظن، فقد كشف «نلسن جلوك» موطنًا ثابتًا يرجع عهده إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وكذلك في المكان القديم المسمى «إزيون جبر» الآن — وهو القريب من «العقبة» — دلت الحفائر التي قام بها الأثري (1939-1940) على أن أول مبانٍ كانت قد أُقيمت على أرض بكر في هذه الجهة يرجع عهدها إلى القرن العاشر ق.م. وفي «قادش برنيا» (عين القديرات) ظهر أن أقدم حصن فيها يرجع تاريخه إلى القرن العاشر أيضًا. أما في «سينا» نفسها فقد وُجدت مناجم من النحاس مشغولة في جهات متفرقة في «وادي مغارة» وفي «سرابة الخادم»، غير أن الأولى كانت — على ما يظهر — قد هُجرت بعد الدولة الوسطى في حين أن الأخرى كانت قد ثمرت بدرجة عظيمة في عهد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين حتى عهد «رعمسيس الخامس» حوالي عام 1140ق.م، وقد وُجدت للفرعون «رعمسيس الثاني» بوجه خاص نقوش كثيرة هناك، وقد كشف عنه «بتري» عام 1905م، و«استار» عام 1930. ونعلم من الفخار الذي جمعه «جلوك» من حول مناجم النحاس في «عرابة» الواقعة جنوبي «إيتام» أنه كانت تقوم هناك أعمال عظيمة في عصر الحديد المبكر، بيد أنه لا يمكن تحديد تاريخ بعينه لذلك. ولما كان إقليم «مدين» الواقع في الجنوب، والجنوب الشرقي من «العقبة» أغنى بكثير في النحاس الغفل من كل من «سينا» و«إيتام» فإنه لا يبعد أن يكون أهل «موسى» قد بدئوا تثميرها وبخاصة أنه كان بالقرب منهم عملاء ممتازون لشراء هذا المعدن، وأعني بذلك مصر وكنعان، وقد أصبح من المعروف على حسب التقاليد الإسرائيلية المعروفة أن «موسى» قد تزوج من ابنة كاهن مديني يُدعى «جنترو» أو «روئيل» على وجه التأكيد؛ إذ قد جاء ذكره في مناسبات مختلفة؛ هذا إلى أن أسرة «هوبان» بن «روئيل» وصديق «موسى» قد اعتنقا الديانة الإسرائيلية (راجع سفر العدد فصل 10 سطر 29، وسفر القضاة 4: 11) وكانت عشيرة مدين فضلًا عن ذلك تُنعت كثيرًا بلفظ «القينيين» (أي النحاسين) جاء في سفر التكوين 4–22:
و«صلة» أيضًا ولدت «توبل قاين».
وهو أول صيقل لجميع المصنوعات النحاسية والحديدية.
وبالاختصار نفهم من كل ما سبق أن بلاد «سينا» وبلاد «مدين» كانتا في ذلك الوقت بعيدتين عن رعاة الجمال المتوحشين، وكان يسكنهما قبائل شبه متوطنة تربطهم بمصر وكنعان روابط صناعية وتجارية.
ومما يستحق الملاحظة هنا أن الجمال لم تُذكر في أسفار «موسى» الخمسة إلا مرة واحدة، هذا إذا ضربنا صفحًا عن ذكرها في بعض فقرات قليلة في غير موضعها التاريخي في سفر التكوين أو عند ذكرها مع الحيوانات النجسة، ومن ثم نعلم أن الإسرائيليين الذين شُردوا في الصحراء كانوا على وجه التأكيد يستعملون الحمير في أسفارهم، وعلى ذلك كانوا مقيدين بالسير في طريق مثل التي حددت لهم في سفر العدد 33، حيث نجد أنهم لم يسيروا قط بعيدًا عن الواحات أو عن مراعي أرض «نجب» وشرق الأردن.
والآن بعد كل هذه الإيضاحات التي كان لا بد منها عن الأماكن التي مر بها هؤلاء القوم يمكننا أن نتتبع طريق خروجهم واقتفاء أثرهم يومًا فيومًا (انظر المصور الجغرافي Bull. Soc. Geog. XXi P. 27-6).
(أ) اليوم الأول
ثم ارتحل بنو إسرائيل من «رعمسيس» إلى «سكوت» بنحو ستمائة ألف ماشٍ من الرجال خلا الأطفال.
(سفر الخروج 12: 37)
ويقول السير «فلندرزبتري» في كتابه عن إسرائيل:
والكلمة المترجمة هنا بلفظة ألف لها أحد المعنيين: ألف، أو أسرة.
وعلى ذلك يُخفض العدد إلى خمسين وخمسمائة وخمسة آلاف نسمة؛ وذلك لأن عيون الماء التي كانت في طريقهم لا تكاد تمون عددًا أكبر من ذلك، ويعضد هذا الرأي حادثة القابلتين اليهوديتين اللتين طلبتا أمام الفرعون:
وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما «شفرة» والأخرى «فوعه» وقال: إذا استولدتما العبرانيات فانظرا عند الكراسي فإن كان ذكرًا فاقتلاه، وإن كانت أنثى فاستبقياها.
(راجع سفر الخروج 1: 15-16)
وإذا فرضنا أن عددهم ستمائة ألف بغض النظر عن النساء والأطفال فإن عددهم في مجموعه لا بد أنه كان يبلغ حوالي ثلاثة ملايين نسمة، ونحن نعلم من جانبنا أن متوسط عدد سكان القرية المصرية على وجهٍ عام هو ألفا نسمة، فكيف يتسنى لقابلتين أن تقوما بخدمة مجتمع يبلغ ثلاثة ملايين نسمة، ولكن من المعقول أن هاتين القابلتين يمكنهما أن يرعيا شئون ستة آلاف أسرة، يُضاف إلى ذلك أن عيون الماء لم تكن كافية لمثل هذا العدد، بل إنه لم يكن في الصحراء من خشب الوقود للطهي ما يقوم بحاجة هؤلاء القوم.
وقد كان لزامًا على الإسرائيليين في أول مرحلة من سفرهم أن يعبروا مجاري مياه، ولذلك فإنهم لو بدءوا خروجهم وقت الفيضان لكان من الصعب عليهم أن يحصلوا على القوارب اللازمة لعبورهم، وقد كانت طريقة ري الحياض مستعملة وقتئذ، وعندما تكون الحياض ممتلئة يضطر الأهلون أن يسافروا على شواطئ الحياض إذا أرادوا ألا يلفتوا الأنظار إليهم كثيرًا، ولهذا السبب يظهر أنهم بدءوا خروجهم في شهر «أبريل».
رحوا من «رعمسيس» في الشهر الأول في اليوم الخامس عشر منه، في غد الفصح خرج بنو إسرائيل بيدٍ سامية على مشهد جميع المصريين.
(سفر العدد 33: 2)
(ب) اليوم الأول
وارتحلوا من «سكوت» ونزلوا «بإيتام» في طرف البرية.
(راجع الخروج 13–20)
(ﺟ) اليوم الثالث
وفي اليوم الثالث كان محرمًا عليهم المسير نحو المشرق:
وكلم الرب «موسى» قائلًا: مُرْ بني إسرائيل أن يراجعوا وينزلوا أمام «فم الحيروث» بين «مجدل» والبحر، أمام «بعل زيفون» تنزلون تجاهه على البحر (راجع الخروج 14: 1-2).
وهذا التحول عن الطريق المستقيم جعل المصريين يظنون أن الإسرائيليين قد احتبلوا في طريقهم، واستولى عليهم الخوف من أن يضلوا في البيداء، وعلى ذلك نزلوا عن فكرتهم؛ لأنه في اليوم الثالث كان سيرهم في دلتا النيل، وقد كان أثر ذلك هو:
وقسى الرب قلب فرعون ملك مصر فتبع بني إسرائيل، وبنو إسرائيل خارجون بيد سامية.
(راجع الخروج 14: 8)
(د) اليوم الرابع
وكان «موسى» حذرًا؛ لأنه على الرغم من أنه قد حصل على إذن من فرعون بالخروج من البلاد مع أتباعه كان يخاف أن يغير رأيه، ولذلك سلك طريقًا غير الطريق المعتادة، فلم يأخذ طريق الفلسطينيين على الرغم من أنها كانت قريبة كما شرحنا ذلك من قبل.
وعلى الرغم من حذره فإن الفرعون غير رأيه فعلًا وتبع موسى وقومه في ستمائة عربة من خيرة عرباته يسوقها نخبة من فرسانه، وقد لحق المصريون بالإسرائيليين في معسكرهم بالقرب من «يام سوف» ومعناها العبري حرفيًّا «بحيرة البوص». واليم بالعربية: (البحر)، وخُص بنيل مصر كما جاء في لسان العرب ج5، (ويمكن الإنسان أن يراها على المصور)، وتشغل منخفضًا قد بقي حتى الآن تحت مستوى البحر، وقد كُتب عليه في مصور المساحة المصرية «يمكن ملؤه بالماء إذا احتاج الأمر» أي إنه إذا عمل قطع في الشاطئ الشرقي من قناة السويس فإن ماء البحر يملؤه. وقد منعت قناة السويس مياه مصرف بحر البقر القديم من إمداده بمياه النيل مما منع نمو البوص فيه. ويمكن أن يؤخذ منه الملح كما كانت الحال أيام الكاتب «بيبسا»، وقد أصبح موسى بهذا الموقف في مأزق حرج، فقد كانت «بحيرة البوص» على يمينه، وحصن «مجدول» بما فيه من حامية أمامه، سادًّا الطريق من جهة الشمال، وعلى يساره مستنقعات فرع النيل البلوزي، وخلفه الفرعون وجنوده، فلم يكن لديه أية وسيلة غير طلب العون والرحمة من الله، وقد نالهما، وأشار بعصاه نحو البحيرة على يمينه، ثم أرسل الله ريحًا شرقية. وقد جاء في التوراة أنها ريح شرقية عاتية ظلت تهب طوال الليل، وهذه هي المعجزة، فكان الريح يهب في الاتجاه الصحيح في الوقت المناسب، وكان هبوبه شديدًا حتى جفف الأرض، وبذلك سار موسى وقومه على اليابس:
ومد «موسى» يده على البحر فأرسل الرب على البحر ريحًا شرقية طول الليل حتى جعل البحر جفافًا، وانشق الماء.
(راجع الخروج 14–21)
ولا يزال منسوب الماء حتى الآن متأثرًا بدرجة عظيمة بالريح في بحيرة «المنزلة» و«البرلس»، ويُلاحَظ أن الطريق من «بلطيم» حتى «برج البرلس» تُغطى بالمياه عندما يهب الهواء غربًا ثم تصبح جافة عندما يهب الهواء من الشرق، ويمكن الإنسان أن يسير عليها بالعربة.
أما موضوع غرق فرعون فهو أمر قد فُهم خطأ على حسب ما جاء في الكتب السماوية، والواقع أنه لا يمكن الإنسان أن يتصور غرق الفرعون وعربته ومن معه في ماء ضحضاح لا يزيد عمقه على قدمين أو ثلاث، بل المعقول أن خيل الفرعون وعرباته قد ساخت في الأوحال وسقط بعض ركابها مغشيًّا عليه، وهذا يفسر ما جاء في سفر الخروج 14–25:
وخلع دواليب المراكب فساقوها بمشقة.
ومما سبق نعلم أن خرافة غرق الفرعون في البحر الأحمر وموته لا أساس لها من الصحة، وقد جاء كل ذلك الخلط من ترجمة «يام سوف» بالبحر الأحمر أو بحر القلزم، هذا فضلًا عن أن ما جاء في القرآن الكريم لا يشعر بأن الفرعون الذي عاصر موسى قد غرق ومات، بل على العكس نجاه الله ببدنه ليكون آية للناس على قدرة الخالق. والتعبير فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يعادل التعبير العامي «خلص بجلده»، هذا ويُلاحظ أن كلمة «البحر» في اللغة العربية كما جاء في لسان العرب ج5: «تطلق على الماء المالح والعذب على السواء»، وقد سبق أن قلنا إن اليم يُطلَق على النيل، وعلى ذلك يمكن فهم الآية القرآنية التي جمعت القصة كلها في اختصار رائع على حسب ما ذكرنا من إيضاحات وبراهين سابقة:( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) (سورة يونس الآيات 90–92).
شكل 1: مومية مرنبتاح.
الأيام الخامسة والسادسة والسابعة
وبعد عبر هذه البحيرة بالكيفية السابقة سار بنو إسرائيل في صحراء «شور» مدة ثلاثة أيام، وهكذا أحضر «موسى» إسرائيل من البحر، وذهبوا في بيداء «شور» ومشوا ثلاثة أيام في الصحراء، ولم يجدوا ماء.
والبيداء التي على الضفة الأخرى من «يام سوف» تُسمَّى «بيداء شور»، ونحن نعلم من جانبنا أن «مياه حور» التي ذُكرت في خطاب «بيبس» وهي التي كان يُستخرج منها الملح تسمى بالمصرية «شيحور» أي بحيرة (حور)، فمن المحتمل أن البيداء التي تقع شرقي هذه البحيرة كانت تسمى بيداء بحيرة «حور» (شيحور). أما باقي الصحراء التي ضل فيها الإسرائيليون ثلاثة أيام فتسمى في فقرة أخرى من التوراة «بيداء إيتام» وهذه البيداء هي الأرض الصحراوية التي على حدود الدلتا الشرقية، وكانت تسمى قديمًا عند المصريين «إدوم»، وكان يسكنها «الشاسو» أي البدو، ويدل ما جاء في التوراة على أنه الموقع الذي حدده «علي بك شافعي». وكانت مساكنهم من «حويلة» إلى «شور» التي تجاه مصر (راجع سفر التكوين 5: 18). وكذلك جاء في سفر «صمويل الأوَّل» 15: 7:
وضرب «شاول» عماليق من «حويله» حتى مجيئك إلى «شور» التي تقابل مصر.
وبعد ذلك سار بنو إسرائيل في شبه جزيرة سينا و«مدين» حتى وصلوا إلى أرض «كنعان» وكانت كل هذه الجهات معمورة كما ذكرنا قبلًا.
هذه هي قصة خروج بني إسرائيل كما حدثتنا بها التوراة وكما تتبعناها على الآثار الباقية بقدر المستطاع، ونريد هنا أن نكرر القول بأن هذا الحادث كان ثانويًّا بالنسبة للمصريين، حيويًّا عند الإسرائيليين، ولذلك لم نجده في النقوش المصرية إلا عرضًا على حين فصلت آياته في التقاليد العبرية تفصيلًا تامًّا، وتدل الأحوال كلها على أن هذا الحادث قد وقع فعلًا، غير أن تفاصيله قد دُونت على حسب العقل والتفكير والتقاليد الإسرائيلية، ولذلك يصعب علينا نخله وتمحيصه من الوجهة التاريخية المحضة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|