المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

مـعايـرة التـكالـيف الصـناعـيـة غيـر المـباشـرة
2024-02-20
Grammaticalization.
2024-01-08
التعدين والصناعة في شبه الجزيرة العربية
17-8-2018
تصادم من النوع الثاني collision of the second kind
21-5-2018
الوعيد والإنذار
23-03-2015
دور التعليم في التنمية البشرية
14/9/2022


قاعدة الميتة وعدم التذكية  
  
373   02:50 صباحاً   التاريخ: 2024-08-28
المؤلف : الشيخ محمد السند
الكتاب أو المصدر : بحوث في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص 269
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / قواعد فقهية متفرقة /

الأقوال في المسألة:

المعروف المشهور في كلمات الأصحاب (1) أن الميتة اعم مما مات حتف انفه او قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي، والقول الآخر هو أنها مطلق ما زهقت روحه بسبب شرعي أم لا أي بمعنى الموتان المقابل للحيّ، وقد حكاه في العوائد عن بعض المشايخ في شرحه على النافع (2) ، والقول الثالث أنه خصوص ما مات حتف أنفه في قبال الحيّ والمذبوح بسبب شرعي أو غير شرعي (3).

وقد حكاه شارح نجاة العباد (قدس سره) عن بعض المشايخ المتأخرين، كما حكى السيد البروجردي عن بعض اختياره، ومال إليه موضوعا لا حكما في المذبوح بسبب غير شرعي هذا ولاصحاب القول الأول ثلاثة تفاصيل يأتي ذكرها.

ثمرة الأقوال:

ولا يخفى ظهور الثمرة بين الأقوال في الحكم الواقعي والظاهري عند الشك.

فعلى الأول الحرمة والنجاسة تشمل الميت حتف أنفه والمذبوح بسبب غير شرعي دون المذكى بالسبب الشرعي، وعند الشك في وقوع التذكية لا يمكن التمسك بعموم نجاسة الميتة، كما أن الاصل العدمي ناف لموضوع النجاسة فتجري قاعدة الطهارة.

وأما على الثاني فالحرمة والنجاسة كالاول إلا أن خروج المذكى حكميّ لا موضوعي، أي بالتخصيص لا بالتخصص، وحينئذ يفترق عن الأول عند الشك في امكان التمسك بعموم نجاسة الميتة باستصحاب عدم المخصص أي أصالة عدم التذكية، كما أن مقتضى الأصل العملي هو النجاسة حيث أن الموضوع مركب من الميت الذي زهقت روحه وليس بمذكى أولم تقع عليه التذكية.

وأما على الثالث فالحرمة كالاولين، وأما النجاسة فخاصة بما مات حتف أنفه وأما المذبوح بسبب شرعي أو غير شرعي كذلك الصيد بسبب شرعي أو غير شرعي فطاهر واقعا، وأما عند الشك في الموت حتف الأنف فأصالة عدم الموت حتف الأنف الذي هو عنوان وجودي- سواء قلنا بأن الموت حركة الروح الى الخارج أو انعدام وانفصال الروح عن البدن- نافية لموضوع النجاسة فتجري قاعدة الطهارة.

هذا فضلا عن الشك في وقوع التذكية الشرعية مع العلم بأصل الذبح أو الصيد فانه طاهر واقعا، ثم انه لا يخفى افتراق الأقوال في المانعية للصلاة من جهة عنوان الميتة سواء كان وجه المانعية فيها هو النجاسة أم هو نفس العنوان وذات الموتان مطلقا، وسواء عند العلم أو الشك. هذا محصّل الفرق بين الأقوال.

في المسألة مقامان:

الأول: تحديد الميتة التي هي الموضوع من بين الاقوال الثلاثة.

الثاني: تحديد ماهية عنوان الميتة بحسب الحكم الظاهري.

المقام الأول:

فيمكن الاستدلال للقول الثالث بتنصيص بعض اللغويين كالفيومي في المصباح (4) على اختصاص وضعه اللغوي بذلك، ولم يثبت تصرف من الشرع في معناه بل توجد شواهد نقلية عديدة على ابقاء المعنى اللغوي على حاله في الاستعمالات الشرعية:

منها: قوله تعالى (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (5)، حيث أنه قابل بينها وبين بقية العناوين المحرمة وبين المذبوح على النصب أيضا فما أهل لغير الله به والمذبوح على النصب يغاير الميتة، وكذا قوله تعالى إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ... وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (6)، وقوله تعالى إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ... وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )) (7).

 ومنها: مصحح عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا (ع) أنه قال: سألته عما أهل لغير الله به فقال: ما ذبح لصنم أو وثن أو شجر، حرّم الله ذلك كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان يأكل الميتة (8) حيث يظهر جليا تغاير عنوان المذبوح بسبب غير شرعي والميتة.

ونظيرها رواية العلل (وذكر اسمه على الذبائح المحللة ولئلا يسوى بين ما يتقرب به اليه وبين ما جعل عبادة الشياطين ... ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله وبين ما حرم الله) (9).

ومنها: رواية الاحتجاج عن أبي عبد الله (ع) في سبب تحريم الميتة قال: فالميتة لم حرّمها؟ قال: (فرقا بينها وبين ما ذكر اسم الله عليه والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع الى بدنها فلحمها ثقيل غير مريء لأنها يؤكل لحمها بدمها) (10)، وهي ناصّة على تغاير المذبوح مطلقا مع الميت حتف أنفه من غير اخراج لدمه.

ومنها: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع من اخوانه فيتعمد الشراء من النصاب فقال: أي شيء تسألني أن أقول؟ ما يأكل الا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير قلت: سبحان الله مثل الدم والميتة ولحم الخنزير؟ فقال: نعم وأعظم عند الله من ذلك ثم قال: ان هذا في قلبه على المؤمنين مرض (11)، فإن التمثيل بالميتة دال على المغايرة بين عنوانها وعنوان المذكى بغير شرائط التذكية.

ومنها: مصحح أبان عن أبي جعفر (ع) أنه قال في قول الله تعالى ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ)) الآية قال: الميتة والدم ولحم الخنزير معروف، وما أهل به لغير الله، يعني ما ذبح للأصنام، وأما المنخنقة فان المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح ويأكلون الميتة وكانوا يخنقون ... والنطيحة كانوا ... (12)، الى آخر العناوين ما أكل السبع وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالأزلام.

ومنها: ما في التفسير المنسوب الى العسكري (ع) في قوله عزّ وجلّ ((إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ

الْمَيْتَةَ )) التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث اذن الله فيها .... (( و ما أهل به لغير الله ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح... )) (13).

وكذا ما ورد من أن ذبيحة اليهود ذبيحة لا تؤكل (14)، وغير ذلك مما هو مضاد لعنوان الميتة، وغيرها من الروايات الشاهدة على اختصاص عنوان الميتة في الاستعمال الشرعي بما مات حتف.

 والصحيح:

أن غاية ما تقدم يشهد على ورود الاستعمال لعنوان الميتة في المعنى الخاص، وأما كون موضوع الحكم في أدلة النجاسة هو خصوص ذلك المعنى فممنوع، كما هو الحال في موضوع الحرمة في الآية حيث أنه أوسع من المعنى الخاص.

كما يأتي نقل ما ورد في الأجزاء المبانة من الحيّ انها ميتة، وان ما قطعته الحبالة من الصيد فهو ميتة حرام، وغير ذلك مما يدل على أقل تقدير على الالحاق الحكمي لكل غير مذكى بالشرائط الشرعية، ويأتي أيضا ما يدل على عدم الواسطة في الواقع بين العنوانين كموثقة سماعة ورواية الصيقل وغيرهما، وان قلنا باختصاص الموضوع.

بل ان الرواية الأخيرة (رواية التفسير) شاهدة على استعمال الميتة بالمعنى الأول أي مطلق غير المذكى بالشرائط كما يفيده (بلا ذباحة من حيث اذن الله فيها)، وكذا الحال في رواية الاحتجاج المتقدمة حيث جعل فيها كل ما لم يذكر اسم الله عليه أي لم يستوف الشرائط ميتة.

غاية الأمر أحد أفرادها ما مات حتف أنفه، وأما استعمال الميتة في قبال بقية العناوين المحرمة فقد يكون من باب ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على مصداقيته وخطأ حساباتهم المغايرة، وسيأتي تتمة الكلام في الآية، مما يشهد على ذلك في مفادها..

كما أنه وردت استعمالات في المعنى الأول كما في مصحح محمد بن سنان عن الرضا (ع) فيما كتب اليه من جواب مسائله: وحرمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة ولما أراد الله عزّ وجلّ أن يجعل تسميته سببا أنفه.

للتعليل وفرقا بين الحلال والحرام (15)، وهي صريحة في أن كل ما فقد الشرائط ميتة.

هذا مع تنصيص العديد من اللغويين على المعنى الأول، وهوان لم يثبت كونه حقيقة لغوية فلا ريب في اثباته للحقيقة الشرعية أو المتشرعية في عهد صدور النص، بل من ما تقدم تقريبه في مسألة الشك في التذكية من كون التذكية حقيقة عرفية ممضاة، يتضح أن المعنى الأول حقيقة لغوية وان كان المعنيان الآخران أيضا من معاني اللفظة لغة، كل ذلك مع تنصيص الشارع على ميتية الموارد العديدة من الذبيحة أو الصيد غير المستوفي لشرائط التذكية بقوله انها ميتة كما يأتي.

القول الثاني: فقد يقرّب بكون مادة العنوان هي التي في لفظة الموتان المصدرية مقابل الحياة وقد استعملت في المعنى الثاني، كما في الروايات الواردة في السمك الذكي حيّه وميّته وفي ماء البحر الحلّ ميتته وفي ما لا نفس له ميتته طاهرة، وغيرها من الموارد.

إلا أنه بعد ثبوت الاستعمال اللغوي السابق على الشرع المقابل لعنوان المذكى - غاية الأمر قد قيّد الشارع كيفية التذكية كما هو الحال في كل الممضيات- وبعد ترتب الحرمة على كل ما لم يذك، يظهر بوضوح أن الاستعمال الوارد في باب الطهارة والاطعمة هو بالمعنى الأول لا الآخرين وان كانا من معاني اللفظة.

وحينئذ يظهر الحال في كون عنوان الميتة- سواء كان منشأه حركة الروح الى خارج البدن أي ما هو مضاد الحياة أو انفصال الروح عن البدن أي عدم وملكة مع الحياة- عنوانا وجوديا، وان كان من قبيل الفوت، فبحسب الحكم الواقعي لا مغايرة مع القول الأول.

المقام الثاني: تحديد الميتة في الظاهر:

تحديد ماهية عنوان الميتة على القول الأول ليتضح الحال بحسب الحكم الظاهري عند الشك، ولا يخفى أنه انما يتم الافتراق بين الأقوال الثلاثة السابقة بحسب الحكم الظاهري أيضا، بناء على أخذ عنوان الميتة موضوعا للنجاسة والحرمة والمانعية للصلاة.

إلا أنه ادعي تارة أن النجاسة موضوعها بحسب الادلة عنوان الميتة وأما الحكمان الآخران فموضوعهما غير المذكى وعدم التذكية.

ادعي تارة اخرى أن موضوع الأحكام الثلاثة هو غير المذكى وعدم التذكية حيث انهما مرادفات في الشرع للميتة.

وادعي ثالثة أن موضوع الأحكام الثلاثة الميتة غاية الأمر قد تم إلحاق غير المذكى اجماعا ونصوصا بالميتة سواء كان الإلحاق حكميا أو موضوعيا.

والأول ذهب اليه المحقق النراقي وجماعة ونسب الى الشهيد في الذكرى إلا أنه بملاحظة الذكرى يظهر ذهابه الى الثالث، وأما الثاني فذهب اليه المحقق الهمداني وجماعة، ونسب الى شيخنا الانصاري التمايل إليه، والثالث ذهب اليه المشهور المحصل وهو الأقوى كما سيظهر.

ولا يخفى مقتضى الأصل العملي عند الشك في الأحكام الثلاثة للشك في الموضوع على الوجوه الثلاثة، حيث انه على الاول مقتضى الأصل العدمي الطهارة والحرمة والمانعية وعلى الاخيرين هو النجاسة والحرمة والمانعية.

وجه القول الأول:

أما وجه الاول: فلظاهر لسان أدلة النجاسة المتقدمة المأخوذ فيها عنوان الميتة وهو عنوان وجودي وان لازم عدم التذكية في الواقع، وأما أخذ غير المذكى في الحكمين الآخرين فهو مفاد (الآية إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) (16) حيث جعل موضوع الحرمة فيها أعم من الميتة بل مطلق ما لم يذك.

ومفاد موثق ابن بكير (فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكى قد ذكّاه الذبح) (17)، فإن مفهومها مانعية ما ليس بمذكى، وكذا رواية علي بن أبي حمزة (لا تصل فيها (الفراء) إلا في ما كان منه ذكيا) (18)، وكذا حسنة علي بن جعفر (لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكيا) (19).

وكذا صحيحة ابن الحجاج قال: سألته عن اللحاف (الخفاف) من الثعالب أو الجرز منه أيصلى فيها أم لا؟ قال: إن كان ذكيا فلا بأس به (20)، واشتماله على المأخوذ من الثعالب غير مضر بعد سلامة الكبرى والصغرى في المأخوذ من الجرز وهي الحواصل الخوارزمية.

وفيه: إن أخذ عنوان الميتة لا ينفي تنزيل عدم المذكى منزلة الميتة دلالة أو مدلولا وجعلا كما يأتي.

وأما مفاد الآية الكريمة فليس موضوعها عدم المذكى كما قد يستظهر بل الأقرب في مفادها هي أخذ عنوان الميتة وذكر بقية العناوين من باب التنبيه على الخاص بعد العام، والوجه فيه وفي الاستثناء بالمذكى هو أن بقية العناوين قابلة للانقسام الى كل من الميتة والمذكى، حيث أن المراد بها هو المشارف للموت من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، فإن ادركت ذكيت بالذكاة الشرعية فتكون مذكاة، وإلا فهي ميتة أولك أن تقول إن ماتت بتلك الأسباب فهي ميتة وإلا فان ادركت ذكاته فهو مذكى حلال.

ويشهد لذلك العديد من الروايات مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: (كل كلّ شيء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، وهو قول الله عزّ وجلّ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ فان ادركت شيئا منها وعين تطرف، أو قائمة تركض، أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله، قال: وان ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار وفي الماء أومن فوق بيتك أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل) (21).

حيث أن الصحيحة وان كانت في معرض نفي شرطية استقلال الذبح في الموت سواء تقدم عليه سبب آخر أو تأخر، إلا أنها مبيّنة لمفاد الآية وأن العناوين المذكورة فيها الحيوان الذي وقعت عليه تلك الأسباب ولكن حياته مستقرة، فان لم تقع عليه التذكية فهو ميتة حرام وإلا ان وقعت عليه فهو مذكى حلال، وكذا غيرها من الروايات (22) المصرح فيها بنفس المضمون.

ويشهد لذلك أيضا عطف وما ذبح على النصب والذي هو حرام أيضا على ما سبق بعد ذكر الاستثناء في الآية، إذ ان المفروض فيه وقوع الذبح للنصب أي لا يمكن ادراك ذكاته كي يتأتى التفصيل فيه بالاستثناء كما في العناوين السابقة.

وبذلك يتم ما ذكره غير واحد من كون مفاد الآية الحكم على غير المذكى بأنه ميتة من باب الإلحاق الموضوعي وهو الوجه الثالث، لا التصرف في المعنى الذي هو مدعى الوجه الثاني وهو وجه الحصر في قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ (23)، لا أن الآية الثانية المكية منسوخة بالأولى المدنية أو مخصصة بل من باب التوسعة في الموضوع والإلحاق، والحكومة في الموضوع.

نعم قد يقال أنه ليس من باب الحكم بأنه ميتة والحكومة في الموضوع، بل من باب التنزيل في الدلالة في الجملة بلحاظ الحرمة لا بالجملة بلحاظ كل الآثار وسيأتي دفعه.

وأما المانعية وأن مفاد الروايات هو أخذ عدم المذكى لا الميتة.

ففيه: إن ما ذكر من الروايات لو أريد الجمود على ظاهره فمفادها شرطية التذكية لا مانعية العدم، غاية الأمر في المأكول مما تحلّه الحياة وإن لم يضرّ ذلك بأصالة عدم التذكية، حيث انها تحرز عدم الشرط الموجب لعدم الاكتفاء بالعمل في مقام الامتثال.

لكن يمنع عن الوقوف على ظاهره أمور:

الأول: كثرة ما ورد (24) مما اعتبر مانعية الميتة للصلاة في لباس أو معية المصلي، بألسنة متعدد بنمط المفهوم أو المنطوق.

الثاني: التكلّف في مفاد شرطية التذكية حيث أنها ترجع الى الشرطية المعلقة المقدرة على كون اللباس أو ما مع المصلي حيوانيا بخلاف المانعية فانها مطلقة.

الثالث: أن ما ورد مما ظاهره الاشتراط ليس مفادا أصليا في الكلام، حيث أن عمدته موثقة ابن بكير وبالتدبر فيها يظهر أن صدر الرواية هو المدلول الأصلي المجعول وما بعده تفريع على الخلل بما اعتبر في الصدر الذي جعلت فيه المانعية لما لا يؤكل لحمه، فليس مأكولية لحم الحيوان شرطا كي يكون ما ظاهره الاشتراط فيه وهو التذكية شرطا أيضا.

الرابع: أن الميتة حيث أن الأقوى ان جهة مانعيتها هي النجاسة لا الوجوه الأخرى، كان ما ظاهره اشتراط التذكية هو لرفع مانعية النجاسة، حيث أن بعض انواع النجاسة قد اعتبر مانعا حتى في ما مع المصلي كالميتة وكما دون الدرهم من الدماء الثلاثة، إذ ليس ذلك من اعتبار الطهارة الخبثية.

وجه القول الثاني:

وأما وجه الثاني: فقد يستدل عليه بعدّة روايات مضافا الى ما تقدم في تقريب الآية.

الأولى: موثقة سماعة الواردة في جلود السباع (إذا رميت وسميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا) (25)، حيث أن الذيل المذكور فيه عنوان الميتة تفريع على انتفاء التذكية بالشرائط فالعنوان في الذيل هو بيان لمفهوم الشرطية في الصدر.

الثانية: مكاتبة الصيقل قال: كتبت الى الرضا (ع): اني أعمل اغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي فيها؟ فكتب (ع) إلي: اتخذ ثوبا لصلاتك، فكتبت الى أبي جعفر الثاني (ع): اني كتبت الى أبيك (ع) بكذا وكذا، فصعب عليّ ذلك، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية، فكتب (ع) إليّ: كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله، فإن كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس (26) فإن المفهوم هو ثبوت البأس وهو النجاسة إذا لم يكن ذكيا.

الثالثة: صحيح عبد الله بن جعفر المتقدم في الصلاة ومعه الفأرة؟ فكتب (ع): (لا بأس به إذا كان ذكيا) (27) بناء على تفسير التذكية بالمأخوذ من المذكى شرعا سواء رجع الضمير الى الظبي أو الفأرة، حيث أن المنع منها على التفسير المزبور لا يكون إلا للنجاسة كما تقدم.

الرابعة: رواية علي بن أبي حمزة (قال (ع): ما الكيمخت؟ فقال: جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه) (28) ونظيره صحيح (29) ابن أبي نصر عن جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية، أيصلي فيها؟ فقال (ع): نعم ليس عليكم المسألة)، وغيرها من الروايات المقابلة بين العنوانين بحيث يظهر منها أن الميتة هو ما ليس بمذكى.

وأشكل على دلالتها:

أولا: بأن الحصر في كثير منها اضافي بالنسبة الى ما كان السائل يبتلى به مما كان دائرا بين ما مات حتف أنفه وما كان مذكى، والشاهد على ذلك هو فرض السائل فيها ذلك خارجا من حيوانات الصيد التي يدور أمرها بين ذلك (30).

ثانيا: ان ما يستظهر منها أخذ عدم التذكية موضوعا للنجاسة انما هو بالمفهوم والدلالة الالتزامية، وهو يحتمل الارشاد الى ما هو موضوع النجاسة في الأدلة الاخرى وهو عنوان الميتة، هذا مع أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها في موضوعية عدم التذكية للنجاسة على فرض دلالتها نظرا الى كثرة ما دل على أخذ عنوان الميتة (31).

وهو محل نظر:

أما الاول: فلانه غير مستبعد عن محط فرض السائل ما اختلت فيه شرائط التذكية إذ مع فرض كل من الأولين يكون وقوع الثالث محتملا جدا، لاسيما في قوله (ع) (إذا رميت وسميت) مما هو ظاهر في اعتبار كل شرائط التذكية، وانه بنقص بعضها فهو من العنوان المضاد، وكذا ما فرض فيها اختلاط المذكى بالميت من جلود الحمر فان الميت قد يكون لاصطياده في بلاد الكفر واجتلابه منها.

مع أن دعوى استعمال الميتة عند السائل في خصوص ما مات حتف أنفه لازمه ذلك أيضا في أدلة نجاسة الميتة، فيدعى ندرة ما اختلت فيه شرائط التذكية وان المراد فيها ما مات حتف أنفه.

والغريب: ان القائل بأن الحصر في المقام اضافي، قد استدل بصحيحة عبد الله بن جعفر في فأرة المسك بمفهومها على نجاسة المأخوذة من غير المذكى الذي هو مفهوم المنطوق فيها، معللا ذلك أن وجه البأس في غير المذكى ليس إلا لنجاسته، هذا مع أنه (قدس سره) يجعل الميتة موضوع النجاسة فما ذكره في فأرة المسك نحو إذعان بالقول الثاني أو الثالث.

وأما الثاني: فلانه لا بد من المناسبة بين عدم التذكية وعنوان الميتة كي يمكن توسيط المفهوم في الروايات الذي في المنطوق- في الارشاد الى عنوان الميتة، وهذه المناسبة أو الملازمة عند القائل بالمسلك الثاني هي تدليل على المرادفة بين العنوانين، ومنه يظهر اندفاع التنافي بين أخذ عدم التذكية فيها وبين ظهور أكثر أدلة النجاسة في موضوعية الميتة.

هذا مع أن ما ذكر من الارشاد الى عنوان الميتة هو بعينه وارد في دليل الحرمة والمانعية فالتفكيك في الاستظهار تحكّم، لاسيما بعد ما تقدم من ضعف استظهار ذلك من الآية والروايات.

لكن الصحيح: أن هذا المقدار من مفاد الروايات المستدل بها على الوجه المزبور لا يستفاد منها أكثر من الملازمة بين عنوان عدم التذكية وعنوان الميتة.

وأما التعبد بالحكومة التفسيرية أو نحو جعل للحقيقة الشرعية في المعنى فلا، إذ ذلك يحتاج الى مؤونة لفظية مثل أعني أو توسيط (هو) ونحوها، نعم هذه الملازمة ستتضح فائدتها في الاستدلال على القول الثالث.

وجه القول الثالث:

أما وجه الثالث فأمور:

الاول: هو ما ورد من طوائف الروايات التي مفادها الحكم شرعا وتعبدا على عدم المذكى بأنه ميتة من باب الإلحاق الموضوعي والحكومة والتوسعة في الموضوع في الجعل لا في الدلالة، أو أن مفادها التنزيل والتشبيه بالميتة من باب الإلحاق الحكمي المحمولي، والحكومة في الدلالة، وان كان الصحيح هو الأول كما سيتضح وهي النكتة العمدة في هذا القول، وهي:

الطائفة الاولى: ما دل على أن ما يبان من أجزاء الحيوان الحيّ ميتة لا ينتفع بها (32).

كصحيح الكاهلي عن قطع أليات الغنم (ان في كتاب علي (ع): أن ما قطع منها ميّت، لا ينتفع به) (33)، وفي مصحح أبي بصير (إنها ميتة) (34).

فان الحكم بنجاستها في طول الحكم تعبدا بانها ميتة المترتب على عدم تذكية الحيوان، وإلا فالقطع يوجب إنهار الدم وعدم تخثره في الجزء المقطوع الذي هو حكمة القذارة كما في بعض الروايات وكذا في صحيح أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة (35).

الطائفة الثانية: ما دل على أن الأجزاء المقطوعة من الصيد بالحبالة هو ميتة (36).

كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: (قال أمير المؤمنين (ع) ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فانه ميت) (37)، وفي صحيح زرارة عن أحدهما (ع) (فهو ميتة أو ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه) (38) وغيرهما والتقريب ما سبق.

ونظيرها صحيح النضر بن سويد عن بعض أصحابه رفعه في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدان، قال: (لا بأس بكليهما ما لم يتحرك أحد النصفين، فاذا تحرّك أحدهما لم يؤكل الآخر لأنه ميتة) (39).

وبمضمونها عدة معتبرات تحرّم الجزء الذي لا يتحرك وهو في طول الاعتبار والحكم بكونه ميتة مع انه ليس من ما مات حتف انفه بل مما اختلت فيه شرائط الصيد والتذكية، فعدمها محكوم شرعا بكونه ميتة، فهو تعبد في الموضوع لا انه مصداق حقيقي بحسب ما للعنوان من معنى لغوي.

الطائفة الثالثة: ما دل على أن ما ذبحه المحرم من الصيد هو ميتة وكذا ما ذبح في الحرم.

مثل موثق إسحاق عن جعفر (ع) ان عليا (ع) كان يقول: (إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم) (40)، ومثله رواية وهب وغيرها مما دل على حرمة أكله في طول الحكم بأنه ميتة.

والغريب: أن السيد الخوئي (قدس سره) مع اختياره للقول الأول، اشكل على التردد في نجاسة الصيد المذبوح من المحرم- من جهة أن التنزيل في الرواية هل هو مطلق لكل آثار الميتة أو لبعضها خاصة وهي الحرمة- أشكل بأن اطلاق الميتة ليس من باب التنزيل والتشبيه بل من باب الحكم تعبدا بانه ميتة (41).

وجه الغرابة: أنه (قدس سره) يذعن أن ذلك من جهة اختلال بعض شرائط التذكية وهو كون الذابح محلا أي من جهة عدم التذكية فيكون عدم المذكى محكوما بانه ميتة، ولا خصوصية للمورد وانما هو مثال لإختلال بعض شرائط التذكية.

ومثله صحيح مسمع عن أبي عبد الله في رجل حلّ رمي صيدا في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم؟ فقال: لحمه حرام مثل الميتة (42).

_____________________________________

(1) قال صاحب عوائد الايام، ص 600 (وهو الظاهر من كلام الاكثر والمستفاد من تتبع كلمات الفقهاء ..).

(2) عوائد الأيام، ص 600، ولعل مراده من بعض المشايخ السيد صاحب الرياض، رياض المسائل، ج 2، ص 279 .

(3) هذا القول ظاهر من شرح المفاتيح للشيخ البهبهاني (مخطوط) مفتاح 78 .

(4) نقل عنه الطريحي، في مجمع البحرين، ج 2، ص 221 .

(5) سورة المائدة، الآية: 3.

(6) سورة البقرة، الآية: 173 .

(7) سورة النحل، الآية: 115 .

(8) وسائل الشيعة، ج 24، ص 212، باب 55 من ابواب الاطعمة المحرمة، ح 1 .

(9) المصدر، ح 2، وعلل الشرائع، ج 2، ص 481 .

(10) وسائل الشيعة، ج 24، ص 103، باب 1 من ابواب الاطعمة المحرمة، ح 5. والاحتجاج، ج 2، ص 347 .

(11) المصدر، ج 24، ص 67، باب 28 من الذبائح، ح 4 .

(12) وسائل الشيعة، ج 24، ص 39، باب 19 من الذبائح، ح 7 .

(13) مستدرك الوسائل، ج 16، ص 141، باب 17 من ابواب الذبائح 1 .

(14) وسائل الشيعة، ج 24، ص 56، باب 27 من الذبائح 14 .

(15) وسائل الشيعة، ج 24، ص 102، باب 1 من ابواب الاطعمة المحرمة، ح 3 .

(16) سورة المائدة، الآية: 3 .

(17) وسائل الشيعة، ج 4، ص 345، باب 2 من ابواب لباس المصلي، ح 1 .

(18) المصدر، ح 2 .

(19) المصدر، باب 4، ح 6 .

(20) المصدر، باب 7، ح 11 .

(21) الوسائل، ج 24، ص 37، باب 19 من ابواب الذبائح، ح 1 .

(22) المصدر، باب 19 .

(23) سورة الانعام، الآية: 145 .

(24) الوسائل، ابواب النجاسات، باب 34، 33، 49، 50، 48. وابواب لباس المصلي، باب 1، وابواب الاطعمة المحرمة، باب 33، وابواب الذبائح، باب 30 .

(25) الوسائل، ج 3، ص 489، باب 49 من ابواب النجاسات، ح 2 .

(26) المصدر، باب 49، ح 1 .

(27) الوسائل، ج 4، ص 433، باب 41 من ابواب لباس المصلي، ح 2.

(28) المصدر، ج 3، ص 491، باب 50 من ابواب النجاسات، ح 4 .

(29) المصدر، ح 3 .

(30) التنقيح، ج 2، ص 535 .

(31) بحوث في شرح العروة، ج 3، ص 120 .

(32) الوسائل، ج 24، ص 71، ابواب الذبائح، باب 30 .

(33) المصدر، ح 1 .

(34) المصدر، ح 3 .

(35) المصدر، ج 3، ص 294، باب 2 من ابواب غسل المس، ح 1 .

(36) المصدر، ج 23، ص 376، باب 24 من ابواب الصيد.

(37) المصدر، ح 1 .

(38) المصدر، ح 4 .

(39) المصدر، باب 35، ح 3 .

(40) وسائل الشيعة، ج 12، ص 432، باب 10 من ابواب ترك الاحرام، ح 5 .

(41) المعتمد، ج 3، ص 388 .

(42) وسائل الشيعة، ج 13، ص 65، باب 29 من ابواب كفارات الصيد، ح 2 .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.