أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-10
1073
التاريخ: 9-11-2014
1866
التاريخ: 2024-10-28
154
التاريخ: 14-12-2015
2144
|
حقيقة الدعاء وآثاره التربويّة والوجوديّة على الإنسان[1]
قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[2].[3]
1- حقيقة استجابة الدعاء:
الدعاء والدعوة، توجيه نظر المدعوّ نحو الداعي. والسؤال، جلب فائدة أو درٍّ من المسؤول، يرفع به حاجة السائل بعد توجيه نظره، فالسؤال بمنزلة الغاية من الدعاء، وهو المعنى الجامع لجميع موارد السؤال، كالسؤال لرفع الجهل، والسؤال بمعنى الحساب، والسؤال بمعنى الاستدرار وغيره.
ثمّ إنّ العبوديّة، هي المملوكيّة، ولا كلّ مملوكيّة، بل مملوكيّة الإنسان، فالعبد، هو من الإنسان أو كلّ ذي عقل وشعور، كما في الملك المنسوب إليه تعالى.
وملكه تعالى يغاير ملك غيره مغايرة الجدّ مع الدعوى، والحقيقة مع المجاز، فإنّه تعالى يملك عباده ملكاً طلقاً محيطاً بهم، لا يستقلّون دونه في أنفسهم، ولا ما يتبع أنفسهم من الصفات والأفعال وسائر ما ينسب إليهم من الأزواج والأولاد والمال والجاه وغيرها، فكلّ ما يملكونه من جهة إضافته إليهم بنحو من الأنحاء، كما في قولنا: نفسه، وبدنه، وسمعه، وبصره، وفعله، وأثره، وهي أقسام الملك بالطبع والحقيقة، وقولنا: زوجه، وماله، وجاهه، وحقّه، وهي أقسام الملك بالوضع والاعتبار - إنّما يملكونه بإذنه تعالى، في استقرار النسبة بينهم وبين ما يملكون - أيّاً ما كان - وتمليكه، فالله عزّ اسمه، هو الذي أضاف نفوسهم وأعيانهم إليهم، ولو لم يشاء، لم يضف، فلم يكونوا من رأس، وهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهو الذي خلق كلّ شيء وقدّره تقديراً.
فهو سبحانه الحائل بين الشيء ونفسه، وهو الحائل بين الشيء وبين كلّ ما يُقارنه، من ولد، أو زوج، أو صديق، أو مال، أو جاه، أو حقّ، فهو أقرب إلى خلقه من كلّ شيء مفروض، فهو سبحانه قريب على الإطلاق، كما قال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾[4]، وقال تعالى: ﴿أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾[5]، وقال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[6].
والقلب هو النفس المُدرِكَة. وبالجملة، فملكه سبحانه لعباده ملكاً حقيقياً، وكونهم عباداً له، هو المُوجِب لكونه تعالى قريباً منهم على الإطلاق، وأقرب إليهم من كلّ شيء، عند القياس، وهذا الملك الموجب لجواز كلّ تصرّف شاء، كيفما شاء، من غير دافع، ولا مانع، يقضي أنّ لله سبحانه أن يُجيب أيّ دعاء دعى به أحد من خلقه، ويرفع بالإعطاء والتصرّف حاجته التي سأله فيها، فإنّ الملك عامّ، والسلطان والإحاطة واقعتان على جميع التقادير من غير تقيّد بتقدير دون تقدير. فالملك لله سبحانه على الإطلاق، ولا يملك شيء شيئاً إلا بتمليك منه سبحانه وإذن، فما شاءه وملكه وأذن في وقوعه، يقع، وما لم يشأ ولم يملّك ولم يأذن فيه، لا يقع، وإنْ بذل في طريق وقوعه كلّ جهد وعناية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[7].
2- شروط استجابة الدعاء:
إنّ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾، كما يشتمل على الحكم، أي إجابة الدعاء، كذلك يشتمل على عِلَلِه، فكون الدّاعين عباداً لله تعالى، هو المُوجِب لقربه منهم، وقربه منهم، هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم، وإطلاق الإجابة، يستلزم إطلاق الدعاء، فكلّ دعاء دُعِيَ به تعالى، فإنّه مجيبه.
ولكن، ههنا أمر، وهو أنّه تعالى قيّد قوله: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾، بقوله: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾، وهذا القيد غير الزائد على نفس المقيّد بشيء، يدلّ على اشتراط الحقيقة دون التجوّز والشبه، فقوله تعالى: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾، يدلّ على أنّ وعد الإجابة المطلقة، إنّما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة، مريداً بحسب العلم الفطري والغريزي، مواطئاً لسانه قلبه، فإنّ حقيقة الدعاء والسؤال، هو الذي يحمله القلب، ويدعو به لسان الفطرة، دون ما يأتي به اللسان الذي يدور كيفما أدير، صدقاً أم كذباً، جدّاً أم هزلاً، حقيقةً أم مجازاً، ولذلك ترى أنّه تعالى عدّ ما لا عمل للسان فيه، سؤالاً، قال تعالى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[8]، فهم، في ما لا يحصونها من النعم، داعون سائلون، ولم يسألوها بلسانهم الظاهر، بل بلسان فقرهم واستحقاقهم، لساناً فطريّاً وجوديّاً، وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[9]، ودلالته على ما ذكرنا أظهر وأوضح.
فالسؤال الفطري من الله سبحانه لا يتخطّى الإجابة، فما لا يُستَجاب من الدعاء، ولا يُصادف الإجابة، فقد فَقَدَ أحد أمرين، وهما اللذان ذكرهما بقوله تعالى: ﴿دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾. فإمّا أن يكون لم يتحقّق هناك دعاء، وإنّما التبس الأمر على الداعي التباساً، كأن يدعو الإنسان، فيسأل ما لا يكون، وهو جاهل بذلك، أو ما لا يريده، لو انكشف عليه حقيقة الأمر، مثل أن يدعو ويسأل شفاء المريض، لا إحياء الميّت، ولو كان استمكنه ودعا بحياته، كما كان يسأله الأنبياء عليهم السلام، لأُعيدت حياته، ولكنّه على يأس من ذلك، أو يسأل ما لو علم بحقيقته، لم يسأله، فلا يُستجاب له فيه. وإمّا أنّ السؤال متحقّق، لكن لا من الله وحده، كمن يسأل الله حاجة من حوائجه، وقلبه متعلّق بالأسباب العادية، أو بأمور وهميّة توهّمها كافية في أمره، أو مؤثّرة في شأنه، فلم يُخلِص الدعاء لله سبحانه، فلم يسأل الله بالحقيقة، فإنّ الله الذي يُجيب الدعوات، هو الذي لا شريك له في أمره، لا من يعمل بشركة الأسباب والأوهام، فهاتان الطائفتان من الدعاة السائلين لم يُخلصوا الدعاء بالقلب، وإنْ أخلصوه بلسانهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي﴾، تفريع على ما تدلّ عليه الجملة السابقة عليه بالالتزام: أنّ الله تعالى قريب من عباده، لا يحول بينه وبين دعائهم شيء، وهو ذو عناية بهم، وبما يسألونه منه، فهو يدعوهم إلى دعائه، وصفته هذه الصفة، فليستجيبوا له في هذه الدعوة، وليُقبِلُوا إليه، وليؤمنوا به في هذا النعت، وليوقنوا بأنّه قريب مجيب، لعلّهم يرشدون في دعائه.
3- الدعاء عبادة:
قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[10].
الآية تدعو إلى الدعاء، وتَعِد بالإجابة، وتزيد على ذلك، حيث تُسمّي الدعاء عبادة، بقولها: "عن عبادتي"، أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء، حيث إنّها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار، والوعيد بالنار، إنّما هو على ترك العبادة رأساً، لا على ترك بعض أقسامه دون بعض، فأصل العبادة دعاء. وبذلك يظهر معنى آيات أخر من هذا الباب، كقوله تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[11]، ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[12]، ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[13]، ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[14]، ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾[15]، ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾[16].
[1] انظر: م.ن، ج2، ص30-35.
[2] سورة البقرة، الآية 186.
[3] تَدَبُّر: تشتمل هذه الآية على أحسن بيان, لما اشتُمِلَ عليه من المضمون، وأرقّ أسلوب وأجمله, فقد وُضِعَ أساسه على التكلّم وحده دون الغيبة ونحوها, وفيه دلالة على كمال العناية بالأمر، ثمّ قوله تعالى: ﴿عِبَادِي﴾، ولم يقل: "الناس" وما أشبهه, يزيد في هذه العناية، ثمّ حذف الواسطة في الجواب, حيث قال تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾، ولم يقل: "فقل إنّه قريب"، ثمّ التأكيد بـ"إن"، ثمّ الإتيان بالصفة دون الفعل, الدالّ على القرب, ليدلّ على ثبوت القرب ودوامه، ثمّ الدلالة على تجدّد الإجابة واستمرارها, حيث أتى بالفعل المضارع الدالّ عليهما، ثمّ تقييده الجواب, أي قوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾, بقوله تعالى: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾, وهذا القيد لا يزيد على قوله تعالى: ﴿دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾, المقيّد به شيئاً، بل هو عينه, وفيه دلالة على أنّ دعوة الداع مجابة من غير شرط وقيد, كقوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (سورة المؤمن، الآية 60), فهذه سبع نكات في الآية, تنبّئ بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء والعناية بها، مع كون الآية قد كرّر فيها - على إيجازها - ضمير المتكلّم سبع مرّات, وهي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف.
[4] سورة الواقعة، الآية 85.
[5] سورة ق، الآية 16.
[6] سورة الأنفال، الآية 24.
[7] سورة فاطر، الآية 15.
[8] سورة إبراهيم، الآية 34.
[9] سورة الرحمن، الآية 29.
[10] سورة المؤمن، الآية 60.
[11] سورة المؤمن، الآية 14.
[12] سورة الأعراف، الآية 56.
[13] سورة الأنبياء، الآية 90.
[14] سورة الأعراف، الآية 55.
[15] سورة مريم، الآيتان 3-4.
[16] سورة الشورى، الآية 26.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|