المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



طلب الشهادة في عاشوراء  
  
454   02:16 صباحاً   التاريخ: 2024-08-11
المؤلف : معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني
الكتاب أو المصدر : دروس عاشوراء
الجزء والصفحة : ص169-182
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

الإمام الحسين عليه السلام ملهم طلّاب الشهادة

إنّه لسرور مضاعف لشعب إيران, لأنّ الإمام الحسين عليه السلام إضافة إلى أنّه ابن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإمامنا, هو ملهم حركتنا الثوريّة, ملهم التضحية لشبابنا وأبنائنا ومعلّمهم الشهادة أيضاً، وهذه الشهادة هي الضامنة لانتصار الإسلام.

الشهادة في خطبة الإمام عليه السلام مقابل جيش الحرّ

عندما قطع الحرّ الطريق على الإمام الحسين عليه السلام وقال له: لن أدعك تمضي, أصرَّ الإمام, لكن الحرّ استمرّ أيضاً على موقفه. فقال عليه السلام: إذاً أَرْجِع. لكنّه لم يسمح له بالعودة[1]. وفي ذلك الموقف خطب الإمام إحدى خطبه الثوريّة, المفعمة بالحماس. توجّه الإمام عليه السلام إلى أصحابه, وهنا بالتأكيد كان أهل الكوفة يسمعون كلامه هذا. قال - بعد الحمد والثناء على الله تعالى -: "إنّه نزل بنا من الأمر ما قد ترون, وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها", "ولم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء", لقد أدبر جمال الدنيا وحسنُها، وتغيّر حالها. ويظهر من الحديث، أنّ المتكلّم يشعر بأنّه لم يبق من عمره الكثير. لم يبق من الدنيا إلّا بقدر بقيّة ماء في كأس، أقلّ من قطرات سائلة في قعر كأس. ثمّ يقول عليه السلام: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟!", هذا هو بيت القصيد ولبّ المرام لدى الإمام الحسين عليه السلام, بمعنى أنّكم ألا ترون أنّ المجتمع الإسلاميّ قد ابتعد عن ونهجه الصحيح والحقيقيّ وترون الحقّ لا يُعمل به وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟ وهنا ما العمل؟ عندما يرى الإنسان أنّ الحقّ لا يُعمل به وأنّه يُعمل بالباطل, عندما يرى الإنسان أنّ الدنيا قد امتلأت ظلماً وجوراً، فماذا يعمل؟

"ليرغب المؤمن في لقاء ربّه, فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"[2].

هذا هو الاستعداد, أي أنّ الإمام عليه السلام بعد أن تحرّك، كتب رسالة وأعلن استعداده, وقال لأهل الكوفة عبر مسلم بن عقيل: أنا حاضر ومستعدّ, فهل تقاتلون؟[3]. وها قد وُجد أمامه مانعٌ حال دون حركته وتوجّهه إلى الكوفة, وأنّه سيصل إلى النتيجة الثانية, شعر بأنّ النتيجة الأولى وهي الحكومة لن تتحقّق, وأنّ ما سيقع هو الشهادة ولقاء الله في هذا السبيل، وحالة المؤمن فيه أن يرغب بلقاء ربّه.

عندما يرى الإنسان أنّ دنيا الظلم في مواجهته, وأنّ الظالمين قد تسلّطوا على أغلب قضايا العالم, فعلى الإنسان أن يظهر استعداده لمواجهة ذلك.

فالشهادة لائقة بالإنسان في وضع كهذا.

انتظار الإمام للشهادة منذ بداية حركته

كان الإمام الحسين عليه السلام منذ بداية التحرّك ينتظر هذه الحادثة. منذ أن خطى أولى خطواته، لم يتحرّك كشخص كان يتجنّب القتل والموت, بل كان يتحرّك كمن يذهب بنفسه إلى الموت, أنّه لم يرد إقامة الحكومة ولا أنّه لم يُرد أن يتسلّم الكوفة، ولا أنّه كان يقوم بنحوٍ من التمثيل. من المقطوع به أنّه عليه السلام كان يتّجه نحو استلام حكومة الكوفة، لكنّه كان أيضاً يترقّب شهادته مثلما كان يقول لمن معه: "من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا"[4].. من كان موطّناً نفسه، لأن يلاقي الله في هذا السبيل فليرحل معنا, كان الإمام الحسين عليه السلام موطّناً نفسه على لقاء الله في هذا السبيل, كان حاضراً ومستعدّاً ويعلم أنّه سيستشهد وكان لديه أمل أيضاً أن يحقّق قبل شهادته ذلك الانتصار الكبير.

الشهادة, أوّل شروط الدفاع عن القيم والأهداف الإلهيّة

يحيا الإسلام اليوم بدماء الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام, وإلّا فلو أنّه عليه السلام كان قد تصرّف كبعض أولئك الذين تصرّفوا آنذاك انطلاقاً من تفكيرهم النفعيّ، وقال: لماذا يُقضى علينا؟! بل نبقى على قيد الحياة وندافع عن الإسلام.

كان لبعضهم مثل هذا المنطق, ولم يدركوا أنّه متى ما ركن أيّ إنسان وأيّ شعب وأيّة أمّة إلى البقاء حيًّا, فلن يعود باستطاعتهم الدفاع عن الإسلام والقيم والله. إنّ أوّل شرط للدفاع عن الأهداف والقيم الإلهيّة هو أن لا يحرص الإنسان على البقاء على قيد الحياة. وإنّ أفضل القتل هو في هذا الطريق. كان الإمام الحسين عليه السلام يفكّر بهذا الأمر, ونحن اليوم نذرف الدموع على الإمام الحسين عليه السلام وعلى كلّ أعزّائنا, ونبكي على كلّ الشهداء وعلى شهدائنا أيضاً, لكن لا نشعر بالأسف أو الندم أو بالخسارة, فهل خسر الإمام الحسين عليه السلام برحيله عن هذا العالم؟ صحيح أنّ الإمام الحسين عليه السلام رحل عن دنيا الإسلام، لكن الإسلام الذي هو إسلام الحسين عليه السلام تحقّق على يده، هل الإسلام أعزّ أم الحسين عليه السلام؟ إنّه الإسلام.

بذل النفس والمال والاستعداد للقاء الله, لوازم الثورة الاصلاحيّة

لقد كانت نهضة الإمام الحسين عليه السلام حركة ملهمة تقدّم الدروس وتجسّد التكليف الإسلاميّ. وكانت هذه الحركة لأجل بيان تلك المقاصد وفي سبيلها أيضاً تلك الكلمات التي قالها في الجملة الثانية: "من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه"[5].

بمعنى أنّه لا يُتصورنّ أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون عمليّاً بالمعنى الحقيقيّ للكلمة من دون هذه الأمور, فبذل المهجة أمر لازم في سبيل الله, وكذا توطين النفس على لقاء الله. فلو خلت القلوب من هذه النيّة فليس ممكناً الوصول إلى شيء. ولو أخذت أهدافٌ أخرى مكانَ هذه الأهداف الإلهيّة فمن غير الممكن أن يصل من يسير في هذا السبيل وفي هذه الحركة والنهضة إلى مبتغاه ومقصده. وهذا درس لنا.

قيمة الشهادة

الشهيد العالم هو أفضل - بسبب علمه - من الشهيد الجاهل, إلّا أنّ الأصل هو الشهادة, فأن يُستشهد العالم والجاهل، المرأة والرجل، الكبير، والصغير حتّى الطّفل, من أجل نهضة لهو فخر. ومن بين شهداء كربلاء، كان هناك مضحّون ذهبوا إلى ساحة المعركة بكلّ عزم وإرادة، ذهبوا من تلقاء أنفسهم، وقاتلوا، وكانت عاقبة أمرهم هي الشهادة, فهل هناك تفاوت بينهم وبين ذلك الطفل الصغير ذي الستّة أشهر الذي لم يذهب بإرادته إلى المعركة؟ هل إنّ عليّ الأصغر بن الإمام الحسين الذي قُتل على يد العدوّ بنحو مفجع[6] هو أقلّ من عليّ الأكبر الذي أذلّ العدوّ وفضحه؟ هذا هو الشهيد يؤثّر في كلّ أقربائه، ويتّصل بأمّه وأبيه وأبنائه وأخواته وأرحامه وأهل مدينته وكلّ الأمّة والشعب، والجميع له نصيب من الفخر والاعتزاز به.

الإيمان الراسخ, من لوازم الشهادة

أين هو المسلم الذي نفذَت آيات القرآن الكريم إلى عمق ذرّات روحه آية آية؟ فأينما نجد مسلماً كهذا فهو مقاوم بهذا النحو. ونموذجه الأعلى والتامّ نجده في كربلاء، أولئك الـ 72 شخصاً استشهاديّاً كبيراً, أولئك الفولاذيّون الذين ترشَح منهم المعنويّات.

ونموذجه أيضاً هذا الشعب, وإذا لم نكن مثلهم، فإنّنا على طريقهم, وفي صدد التكامل معهم والتماثل بهم. فـالمثل الأعلى لشبابنا هو عليّ الأكبر, وأحداثنا قدوتهم ومظهرهم وأمثولتهم هو القاسم بن الحسن عليه السلام، وشيوخنا يملكون مسلك حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة. وأمّهاتنا أسوتهنّ والدة ذلك الشاب - الحديث الإسلام - التي دفعت بابنها إلى ساحة المعركة, "وهب" ذلك الشاب الذي أسلم حديثاً وعلى الأرجح كان نصرانيّاً, وقد جاء بنفسه إلى المعركة, وجاءت أمّه وزوجته أيضاً. ما هذا الإسلام الثوريّ الذي صار كأنّه ماء الحياة بالنسبة إليهم! أيّ كيمياء هي!

في يوم عاشوراء, كان صعباً على الإمام الحسين عليه السلام أن يذهب وهب إلى ميدان المعركة ليقاتل ويُقتل, إلّا أنّه طلب الإذن وذهب واستُشهد. كانت أمّه تنظر, عندما رأت أن ابنها استُشهد, ظنّ الجميع أنّها ستغضب وستقع أسيرة الحزن والبلوى. وقام شخص بقطع رأسه أمام عينيها وقذفه باتجاه الخيام. تلقّفت هذه المرأة المسنّة رأس ابنها، قبّلته، مسحت التراب عن وجهه ورمت به باتجاه الأعداء[7]. أي إنّ هذه الهدية التي قدّمناها في سبيل الله لا نسترجعها. نحن لدينا مثل هؤلاء. أمّهاتنا سلكن هذا الطريق وقد أظهرن هذا النحو من العطاء وعبّرن عن أنفسهنّ بمثل هذا المشهد.

طلب الشهادة, أساس الاستقلال وانتصار الشعوب

إنّ الارتباط بالإمام الحسين عليه السلام واستيعاب معنى الشهادة ومفهومها ينفعان في حياة الإنسان الماديّة وحياته المعنويّة. وإذا ما فهم شعب معنى الشهادة وأدرك كيفيّة التضحية بالأرواح في سبيل الأهداف, عندها سيتمكّن من العيش باستقلال ولا ينتابه قلق, لأنَّ الموت لم يعد عقبة أمامه, وإلّا فإنّ العدوّ سيعمد إلى تخويفه بالموت, وسيغدو مصيره كمصير بعض الدول والشعوب التي تتخاذل أمام الأعداء.

الأمّة التي لديها شهر المحرّم, لديها الجهاد والشهادة, والأمّة المجهّزة والمعدّة بأسباب الجهاد والمعتمدة على الله, لن تُغلب أبداً.

الشهادة رمز صمود الشعوب

الأمّة التي تقدّم الشهداء هي دائماً أكثر استقامة وقوّة. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "بقيّة السيف أبقى عدداً وأكثر ولداً"[8], أي إنّ الذين ينهضون من بين النّاس ويشربون كأس الشهادة في سبيل الله فأولئك ذكراهم باقية في التاريخ وأكثر دواماً. فـالشعب الذي يقدّم الشهداء باقٍ وحيّ. أمّا الشعب الذي لا ينهض من بين أفراده شخصٌ ليبذل دمه في سبيل الأهداف المقدّسة فهو محكوم بالزوال والذلّ. فالثورة التي بذل النّاس في سبيلها أرواحهم هي باقية: "بقيّة السيف أبقى عدداً وأكثر ولداً", أي ولادة أمثالهم أكثر وهو هكذا.

دم الشهيد الضامن لعزّة الإسلام

إنّ دماء الشهيد هي الحافظة لاستقلال الشعب وعزّة الإسلام, لذا نحن جميعاً مدينون لشهدائكم (يا عوائل الشهداء), لقد قدّمتم الشهداء, ونلتم هذه القيمة الرفيعة وهذا هو الشيء نفسه الذي استُشهد من أجله الإمام الحسين عليه السلام, فهل يمكننا مقارنة شهدائنا بـ عليّ الأكبر أو بالوجود المقدّس والعظيم للحسين بن عليّ عليهما السلام؟ فهؤلاء العظام استشهدوا لأجل هذا، وشبابكم استشهدوا أيضاً لأجل ذلك. لذا فأنتم لم تخسروا.

شهادة الإمام الحسين عليه السلام, الضمانة لحياة الإسلام الأبديّة

عندما تستشهد شخصيّة رفيعة لامعة في سبيل قيم وأهداف, فمع أنّ الحركة والثورة والمجتمع تخسر بفقدانها وجوداً فاعلاً وذا قيمة، إلّا أنّه بتضحيتها ودمائها وشهادتها تهب القوّة لتلك الحركة. وهذا ما حصل بالدّقة لجميع شهدائنا الكبار على طول التاريخ, ونموذجها البارز عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام. فرجل كالحسين بن عليّ عليهما السلام مع ما له من قيمة لا يمكن تصوّرها عندما يفقده المجتمع البشريّ، ففقدانه خسارة لا تعوّض, لكنّ التضحية التي أدّت إلى هذا الفقدان هي عظيمة إلى حدّ أنّه أضفى على الحركة التي ينتمي إليها الحسين بن عليّ حياة أبديّة. هذه هي سمة التضحية, وسمة بذل الدماء, عندما يوقّع الإنسان على شعاراته بدمائه، فإنّه بذلك يُثبت صحّتها للجميع. وقد أحدثت واقعة عاشوراء تأثيرات كبيرة لدى النّاس في مشاعرهم وعواطفهم خلال سنوات طويلة. ولعلّه يمكن الادّعاء بقوّة وجرأة أنّ كلّ الثورات التي حدثت بعد واقعة عاشوراء على مدى قرون عديدة, كانت مستندة إلى واقعة عاشوراء, ومنها استلهمت وإليها استندت. لقد أحدثت ذلك التأثير العظيم في مسار الثورات الإسلاميّة لذلك العصر في المراحل الأولى.

(عندما) بذل الإمام الحسين عليه السلام دمه, فهل رأى بعينيه اشتعال تلك الشعلة وحياة ذلك الجسد الميّت؟ لا لم يرَ ذلك. كلّ ما ينبغي أن يبذله الإمام في سبيل الله فقد بذله ومضى. لكن الذي حدث, أنّه أحيى الإسلام. هذا الاسترخاص للدماء وترجيح الإسلام على حياته وعمره هو ما أحيى الإسلام.

فـفي الوقت الذي كانت السماء والأرض تبكيان كان التاريخ يبتسم لبقاء الإسلام واستمراره, ومثلما كانت السماء والأرض تبكيان على قتل الأنبياء والصالحين والأبرار, كانت السنن الإلهيّة تبتسم لبقاء دين الله في التاريخ.

نظريّتان خاطئتان حول استشهاد الإمام الحسين عليه السلام

ظنّ بعضهم أنّه لو كان الإمام الحسينعليه السلام يعلم باستشهاده، لما أقدم, كما أنّ البعض الآخر قال إنّ الإمام الحسين عليه السلام ثار ليستشهد. وكلا الرأيين خطأ.

الحكومة أم الشهادة, نتيجتان للثورة

إنّ القائلين إنّ "الهدف هو الحكومة" أو إنّ "الهدف هو الشهادة" قد خلطوا بين الهدف والنتيجة. أبداً, لم يكن هذا هو الهدف, بل كان للإمام الحسين عليه السلام هدف آخر، كان الوصول إليه يتطلّب طريقاً وحركة تنتهي بإحدى النتيجتين: فإمّا "الحكومة" وإمّا "الشهادة"، وكان الإمام مستعدّاً لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدّمات الحكم وكان يعمل لها, وكذا مقدّمات الشهادة وكان يعمل لها، فإذا ما تحقّق أيّ منهما كان صحيحاً, لكن لم يكن أيّ منهما هو الهدف، بل كانا نتيجتين.

عندما يقوم الإنسان بثورة كهذه فهو سيقدّم, سيعطي واحدة من نتيجتين, فإمّا أن يصل إلى الحكومة وإمّا أن ينال الشهادة, وكلاهما نتيجة قهريّة, أي إنّ واحدة منهما ستحصل حتماً, وليس كلاهما معاً! الهدف هو نفس الثورة والقيام في أحلك الظروف القاسية, وفي أكثر الأوضاع تعقيداً, التي من الممكن أن تواجه ثائراً. هذا ما حدث وفي الحقيقة، لقد كان الإمام الحسين عليه السلام هو من أكمل الإسلام.

وجوب الثورة وجدواها في صورتي: الحكومة والشهادة

كان الهدف هو إرجاع الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الصراط المستقيم والخطّ الصحيح, ولكن في أيّ زمان؟ بعد أن انحرف عن المسير وانحرف المسلمون نتيجة جهل وظلم واستبداد وخيانة بعضهم وكانت الظروف مؤاتية. وبالطبع، يشتمل التاريخ على مراحل مختلفة. فأحياناً تكون الظروف مؤاتية وأحياناً لا تكون كذلك. غاية الأمر عندما يسعى الإنسان إلى تحقيق الهدف وهو إرجاع الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى مكانته الصحيحة من خلال الثورة على السلطة الفاسدة فلا بدّ للثورة أن تصل إلى الحكم, وهي في عصرنا كانت مؤاتية مثلما كانت في زمن الإمام الحسين عليه السلام، فأقدم الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) على العمل نفسه، لكن مع فارق وهو أنّ الثورة ضدّ الحكم الباطل في عصرنا انتهت بإقامة الحكومة الإسلاميّة والحمد لله، لكنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت نتيجتها الشهادة، ففي هذه الصورة، هل ينتفي وجوب الثورة؟ وهل تزول فائدتها إن كانت نتيجتها هي الشهادة؟ أبداً، إنّ الثورة واجبة وإن انتهت بالشهادة، ولا فرق في ذلك بين أن تنتهي بالشهادة أو بالحكم، لكن لكلّ منهما نوع من الفائدة. يجب العمل والثورة. وهذا هو العمل الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام.

إذاً ما هو التكليف؟ التكليف هو أن "يغيّر عليه بفعل أو قول". فإن واجه الإنسان مثل هذا الأمر - وكان الظرف مؤاتياً - وجب عليه أن يقوم ويثور ضدّ هذا الأمر ولو بلغ ما بلغ، سواء قُتل أم بقي، نجح في الظاهر أم لم ينجح. يجب على كلّ مسلم أن ينهض ويثور أمام هذا الوضع، وهذا تكليف أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

معنى شهر محرّم بحسب المنطق الشيعيّ

إنّ أكثر معاني محرّم ثراءً وحيويّةً عندنا هي تلك التي عشناها خلال شهر المحرّم من العامين الماضيين. محرّمنا محرّم الرسالة ومحرّم الجهاد ومهد المقاومة. إنّ معنى محرّم في المنطق الشيعيّ والثقافة الإسلاميّة هو بذل الدماء, فداء الشهادة, الثورة في سبيل القيم والمقاصد الحقّة التي هي عظيمة وقيّمة لدى جميع الشعوب والبشريّة جمعاء.

 


[1] الأخبار الطوال، ص249-250, الإرشاد، ج2، ص78-81, بحار الأنوار، ج44، ص376-378.

[2] اللهوف، ص48, بحار الأنوار، ج44، ص192, مع اختلاف يسير, تاريخ الطبريّ، ج4، ص305.

[3] تاريخ الطبريّ، ج4، ص262, مناقب آل أبي طالب، ج3، ص261-262, بحار الأنوار، ج44، ص334-335.

[4] اللهوف، ص38, نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص86, بحار الأنوار، ج44، ص367.

[5] اللهوف، ص38, نزهة الناظر، بحار الأنوار، ج44, ص367.

[6] تاريخ الطبريّ، ج4، ص362, الإرشاد، ج2، ص108, بحار الأنوار، ج45، ص46-47.

[7] بحار الأنوار، ج45، ص16-17.

[8] نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 84.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.