أقرأ أيضاً
التاريخ: 26/11/2022
2633
التاريخ: 4-4-2016
3493
التاريخ: 12-2-2022
2805
التاريخ: 25-3-2017
8607
|
إن حق الفرد في الجنسية حق دستوري أكدّت عليه أغلب الدساتير صراحة (1) ، ويستمد الفرد هذا الحق اضافة إلى نص الدستور من أحكام القانون الدولي المنظمة للعلاقات الدولية (2) حيث تم وضع مبادئ مثالية في مادة الجنسية وعلى جميع الدول احترامها والإلتزام بها ، فنجد المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948م تحمل بين طياتها التزاما أدبيا يقع على عاتق الدول في أن تعترف للفرد في حقه في التمتع بالجنسية وحقه في الاحتفاظ بها وتغييرها (3) ناهيك عن الإلتزام القانوني الذي تفرضه الإتفاقيات الدولية بشأن الجنسية والتي تعد مصدرا أساسيا لهذا الحق (4) ؛ وسواء أكان التزام الدول التزاما قانونيا أم أدبيا فهو ضمانة فعالة لأهم حقوق الانسان إلا وهو الحق في جنسية دولة ما .
فضلا عن أن المبادئ المثالية في مادة الجنسية تقضي على أن يكون للفرد الحق في الحصول على جنسية واحدة وأنّ هذه المبادئ ما هي إلّا أحكام مثالية تستهدف تحقيق التوازن بين متطلبات سيادات الدول والقانون والاعتبارات الإنسانية ومبادئ العدالة لذلك حرصت الدول على احترامها عند تنظيمها لقواعد الجنسية (5).
فالمادة 15 من الإعلان المذكور والتي نصت على أنّه (1- لكل فرد حق التمتع بجنسية ما 2 - لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا او انكار حقه في تغييرها) تعني الاعتراف للإنسان بحقه في التمتع بجنسية دولة ما، فإذا كانت الجنسية تنظم داخليا بمقتضى السلطة المختصة في كل دولة والتي تنفرد بوضع الشروط الموضوعية والشكلية لتقرير حق التمتع بها، فإنّ الاعتراف بهذا الحق يستمده الشخص من القانون الدولي قبل القانون الداخلي ، إضافة إلى ذلك أن وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الانسان لم تقف عند حد الإعتراف للفرد بحقه في التمتع بالجنسية، وإنما أشارت إلى ضمان هذا الحق بالنص على عدم جواز حرمان اي فرد حرمانا تعسفيا من حقه في التمتع بالجنسية أو حقه في تغييرها وهذا ما يقضي به مبدأ العدالة، فمن العدالة أن يتقرر للفرد الحق في الدفاع عن جنسيته والحق في تغييرها كما تقرر له الحق في التمتع بها .
إلا أن النص النظري قد يصطدم بالواقع العملي في هذا الشأن فحقيقة الأمر عدم قدرة الأفراد حاملي الجنسية بالدفاع عنها وحرمانهم من حق الدفاع عن الجنسية ما هو إلا نتيجة طبيعية تترتب بسبب انفراد الدولة بتنظيم أحكام الجنسية ، فهي التي تقرر ما تراه مناسبا من المسائل المتعلقة بجنسيتها وفقا لسلطتها في ذلك ، وخير مثال على ذلك في مسائل تنازع القوانين إذا ما حدث نزاع دولي بين أكثر من دولتين وقامت الدولة رافعة الدعوى بالتنازل عن دعواها إلى إحدى الدول المتنازعة وقبلت الدولة المتنازل لها أن يكون الشخص الذي حدث النزاع الدولي حول جنسيته من رعاياها ، ففي هذه الحالة يتجرد الفرد من حقه في التمسك بجنسيته تجاه الدولة المتنازلة(6).
وهذا يعني أن الالتزام الأخلاقي للدول المنصاعة للإعلان العالمي لحقوق الأنسان ينحصر في الإعتراف للفرد بحقه في التمتع بجنسية دولة ما وحقه في تغييرها دون الإعتراف له بحق الإحتفاظ بها والدفاع عنها في الأحوال المشار اليها أعلاه، بينما يذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى عكس ذلك تماما ، فكما يحق للفرد التمتع بحق الجنسية يحق له الإحتفاظ بها والدفاع عنها حتى في حالة حدوث التنازع الدولي حول جنسيته وذلك عن طريق رفع دعواه أمام قضاء دولة لا تعنيها جنسية هذا الفرد الا بقدر اتصاله بإحدى الدول وفي حدود الاحترام الدولي الذي يتطلبه التعاون الدولي بين الدول اطراف الاتفاق الدولي ، حتى وإن وصلنا إلى نتيجة مفادها إحترام إرادة الدولة المتنازلة من قبل الدولة المرفوع أمامها النزاع فإنّ الفرد استطاع الدفاع عن حقه في جنسية الدولة المتنازلة والتمسك بها (7).
وهذا كله في إطار التنازع الإيجابي للجنسيات إذا ما تمتع الفرد بالجنسية الأصلية لأكثر من دولة كولادته من أب يأخذ قانونه بحق الدم على اقليم دولة يأخذ قانونها بحق الإقليم، أما في إطار الجنسية المكتسبة فإنّ القضاء الدولي الحديث يؤكد على حق الفرد في الإحتفاظ بجنسيته المكتسبة والتمسك بها والدفاع عنها من خلال أحد القضايا التي رفعت أمام محكمة التحكيم الأمريكية الإيرانية والمعروفة بقضية ( ناصر الاصفهاني) (8) .
مما اتضح أن حق الفرد في التمتع بالجنسية لا يتعارض مع القوانين الداخلية لكل دولة فهو حق مقرر وثابت داخليا ودوليا ، أما حق الفرد في الدفاع عن جنسيته والمقرر في نص المادة 15 من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948م قد يتعارض مع القوانين الوضعية للدول . إلا في حالة واحدة يحق فيها للفرد الدفاع عن جنسيته والتمسك بها في أحوال تنازع القوانين وذلك إذا كانت المنازعة بمناسبة عقد موضوعه حقوق شخصية أو معاملات مالية (ديون ، حوالات، وكالات) ففي هذه الحالة فإنّ النزاع يحكمه قانون الإرادة (9) وليس القوانين الوضعية للدول وبالتالي التمسك بجنسيته والدفاع عنها سواء اكانت الجنسية اصلية أم مكتسبة.
ومن نتائج تطور الفكر القانوني لدى الدول إعطاء الفرد الحق في تغيير جنسية دولته الأصلية متى شاء ذلك على خلاف ما كان سائدا في القرون المنصرمة حيث كان الولاء والخضوع للدولة بشكل دائم ولم يكن للفرد الحق في ترك جنسيته والحاقه بجنسية دولة أجنبية (10) كما تضمنت المادة الأولى من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948م حق الفرد في التمتع بالجنسية فإنّ المادة الثانية منه أكدت على حق الفرد في تغيير جنسيته (11) .
ونرى أن رغبة الفرد في تغيير جنسيته وطلب اكتساب جنسية دولة أجنبية تعد قرينة على إنتمائه ماديا بالدولة الجديدة عن طريق توثيق صلاته ومصالحه بها ، ناهيك عن إنتمائه الروحي كنتيجة تترتب على ذلك، فغريزة الإنسان الفطرية تميل نحو كل ما يحقق لها ما تطمح اليه ، وهذا ما يقابل تلاشي إنتمائه المادي والمعنوي بدولته الأم .
___________
1- نصت المادة 18 من دستور العراق 2005 على " اولا : الجنسية العراقية حق لكل عراقي وهي اساس واطنته.
2 - لقد نصت العديد من المواثيق الدولية على حق الفرد في الجنسية نذكر منها على سبيل المثال اتفاقية لاهاي لعام 1930 فنصت هذه الاتفاقية في الديباجة على " من المصلحة العامة للجماعة الدولية العمل على تسليم جميع اعضائها بان كل فرد يجب ان تكون له جنسية وان المثل الأعلى يجب ان تتجه اليه الانسانية في هذا الخصوص هو القضاء على كل حالات انعدام الجنسية " ، وكذلك نصت المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحقوق الانسان المدنية والسياسية لسنة 1966 بأنه " لكل طفل الحق بأن يحصل على جنسية" ، وصادق العراق على هذه الوثيقة بالقانون رقم 192 سنة 1970.
3- شاکر ناصر حيدر، مبادئ اساسية في الجنسية ، شركة الاوقاف للطباعة والنشر، بغداد ، 1965، ص 25.
4- من الاتفاقيات الدولية المنظمة لجنسية الافراد الاتفاقية الامريكية لعام 1978 ، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 ، واتفاقية الامم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية جامعة الدول العربية لعام 1994 ، والاتفاقية الأوربية لعام 1997 . وكذلك اتفاقية الطفل في الاسلام لعام 2004.
5- د. عباس العبودي ، شرح احكام قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006، مكتبة السنهوري، بيروت، 2015 ، ص 49.
6- د. هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الاجانب ، الكتاب الأول (في الجنسية والموطن ) ، مطبعة اطلس ، القاهرة ، 1977 ، ص 66.
7- يونس محمود كريم النعيمي احكام التجنس في قانون الجنسية العراقية "دراسة مقارنة" رسالة مقدمة الى مجلس كلية القانون جامعة الموصل 2002 ص 29 نقلا عن
Int. (par la paradelle et Niboyet) Maury (J), rep. De Droit Paris, sirey,1931, Tomelx(Notionditp),P.207.
8- تتلخص وقائع القضية بولادة ناصر الاصفهاني في ايران من اب يتمتع بالجنسية الايرانية فثبت له حق الجنسية الايرانية الاصلية المبنية على حق الدم المنحدر من الاب الا انه غادر ايران في سن السابعة عشرة لغرض اكمال دراسته الاكاديمية في الولايات المتحدة الامريكية وحصل على شهادة الدبلوم من احدى جامعات ولاية أوكلاهوما، وبعد طلب الاقامة في امريكا وحصوله على الموافقة في عام 1954، تقدم بطلب اكتساب الجنسية الامريكية وتجنس بها فعلا في عام 1958 ، وبعد ذلك تزوج من فتاة امريكية واصبح اب لطفلين منها وفي عام 1970 تم توظيفه مدير عام في شركة هوستن للمقاولات في منطقة الشرق الاوسط ، الا انه مع كل ذلك لم يقطع حبال الوصال مع ايران وبقي يتردد عليها من حين لآخر ونتيجة لتردده فتح في احدى البنوك الايرانية حساب بالريال وبمقتضى بطاقته الشخصية الممنوحة له من قبل السلطات الايرانية قبل سفره واقامته في امريكا قام بشراء سندات الخزانة من البنك الايراني، وفي عام 1978 استبدل امواله الريالات والسندات بالدولار الأمريكي لدى بنك ايران بمقتضى شيكا حرره البنك لأمره بالمبلغ المستحق له والمسحوب عليه مصرف ستي بنك الامريكي، وعندما اقبل لصرف الشيك من البنك الامريكي تفاجئ بعدم وجود رصيد، ونتيجة لذلك لم يقم البنك الايراني بالدفع للمسحوب عليه وبقي الأمر هكذا حتى تأميم بنك ايران بموجب قوانين التأميم الصادرة عام 1979 في ايران وبناء على ذلك تم تأميم بنك التجارة الذي انتقلت اليه جميع حقوق والتزامات البنك الأول، وقام المدعو ناصر الاصفهاني برفع دعوى امام المحكمة الفيدرالية في الولايات المتحدة الامريكية ليطالب بقيمة الشيك الا ان المحكمة الأمريكية اتخذت اجراءات تتعلق بتجميد الارصدة الايرانية المستودعه في بنوكها وحال هذا الامر دون تحقيق الدعوى غايتها الا ان ناصر الاصفهاني لم يستسلم لذلك وقام برفع ذات الدعوى امام محكمة التحكيم الايرانية الامريكية مطالبا بالوفاء بقيمة الشيك مستندا على أنه من الرعايا الامريكيين وبالتالي فتشملهم ولاية المحكمة الاخيرة فيما يتعلق بدعواه ضد ،ایران الا ان ایران صرحت بعدم اختصاص المحكمة بتلك الدعوى فلا يمكنها الفصل في دعوى بین ایران واحد رعاياها على اعتبار ان المدعو ناصر الاصفهاني يتمتع بالجنسية الايرانية ثم ان ايران لا تعترف بازدواج الجنسية وبالتالي فأنها لا تعترف بجنسيته المكتسبة (الجنسية الامريكية)، وكان على القضاء الايراني الوصول الى حقيقة الانتماء للمدعو ناصر فيما اذا كان ينتمي الى قضائها فعليا ام ينتمي الى الولايات المتحدة الأمريكية للوصول الى حكم عادل في الدعوى قبل ردها بهذا الادعاء، الا انها مؤخرا ارتأت الفصل في النزاع بأعمال نظرية الجنسية الفعلية وتوصلت في حكمها الصادر في 29 مارس 1983 الى ان المدعو ناصر يرتبط بصلات محدودة جدا بدولة ايران على خلاف صلاته المستمرة بالولايات المتحدة التي تعتبر دولة اقامته ومركز اعماله وبناء على ذلك ان الجنسية الفعلية له في المدة ما بين 1970 الى عام 1978 هي الجنسية الامريكية، وان المبالغ المدعو بها في هذه القضية ترجع لجنسيته الامريكية لا لجنسيته الايرانية، ينظر: د. عكاشة محمد عبد العال ، احكام الجنسية اللبنانية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2007 ، ص 191 195 .
9- نصت المادة 25 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على انه يسري" على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين اذا اتحدا موطنا ، فإذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد ، هذا ما لم يتفق المتعاقدان او تبين من الظروف ان قانونا اخر يراد تطبيقه".
10- يونس محمود كريم النعيمي احكام التجنس في قانون الجنسية العراقية "دراسة مقارنة" رسالة مقدمة الى مجلس كلية القانون جامعة الموصل 2002 ، ص54.
11- نصت المادة الثانية من وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948م على "2- لا يجوز حرمان الشخص من جنسيته تعسفا او انكار حقه في تغييرها"
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|