المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

مقاومة الأكاروسات لفعل المبيدات
7-7-2021
فضل سورة التكوير وخواصها
1-05-2015
تلاشي الشعور بالمسؤولية إزاء مهام وواجبات الحياة
8-12-2021
نزول منى
2023-11-18
Emanuel Lasker
2-4-2017
ما هي الكلمات التي تلقاها ادم من ربه حتى تاب عليه ؟
5-05-2015


وأشرقت الأرض بنور الإمام المهدي عليه السلام  
  
382   12:30 صباحاً   التاريخ: 2024-07-30
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص556-570
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الولادة والنشأة /

إن قضيتنا الأساسية هي قضية هذه الليلة ومولودها الحجة بن الحسن صلوات الله عليه . لكنا نشير إلى هذه الضائقة الاقتصادية التي تمر بطلبة العلوم الدينية ، وما ينتج عنها من مشكلات معيشته ، تجعل بعض الطلبة تفتر هممهم عن طلب العلم .

ينبغي لهؤلاء أن يعرفوا أي نعمة خصهم بها الله تعالى ، وأي ألطاف أولاهم ؟ ! فإن أعظم النعم هو إحياء النفوس التي قال الله تعالى عنها : وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً . ( سورة المائدة : 32 )

جاء رجل إلى الإمام الحسن عليه السلام بهدية فقال له : أيما أحب إليك ، أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفاً ، عشرين ألف درهم ، أو أفتح لك باباً من العلم تقهر فلاناً الناصبي في قريتك ، تنقذ به ضعفاء أهل قريتك ؟ إن أحسنت الاختيار جمعت لك الأمرين ، وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت ؟ !

فقال : يا ابن رسول الله فثوابي في قهري ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده ، قدره عشرون ألف درهم ؟

قال : بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة .

قال : يا بن رسول الله فكيف أختار الأدْوَن ؟ ! بل أختار الأفضل ، الكلمة التي أقهر بها عدو الله وأذوده عن أوليائه .

فقال الحسن بن علي صلى الله عليه وآله : قد أحسنت الاختيار ، وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم ، فذهب فأفحم الرجل ، فاتصل خبره به فقال له حين حضر معه : يا عبد الله ما ربح أحد مثل ربحك ، ولا اكتسب أحد من الأوداء مثل ما اكتسبت : مودة الله أولاً ، ومودة محمد وعلي ثانياً ، ومودة الطيبين من آلهما ثالثاً ، ومودة ملائكة الله تعالى المقربين رابعاً ، ومودة إخوانك المؤمنين خامساً . واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرة ، فهنيئاً لك هنيئاً ) . ( الإحتجاج : 1 / 11 والبحار : 2 / 8 وتفسير العسكري ص 347 )

هذه هي قيمة إحياء النفس بالمفهوم القرآني .

والمهم أن نعرف بماذا يتم إحياء النفوس حتى نحيي أنفسنا وأنفس غيرنا ؟

هذا شهر رمضان يقبل علينا ، ونفوس الناس تتهيأ فيه لتلقي الفيض والعطاء الإلهي ، لمجاهدتهم نوازع الشهوات . وأهم واجباتكم أنتم طبقة العلماء والفضلاء ، أن تستفيدوا من هذه الفرصة في إحياء نفوس الناس : وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ! وإن من أهم مصاديق إحياء الأنفس تعريفها بعقائد الإسلام خاصة إمام زمانها عليه السلام ، وذلك للحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) .[1]

فإحياء النفوس في عصرنا معرفته وتعريف الناس به ، وإيجاد الارتباط بين أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله وبين هذا الأب المحجوب الغائب عن الأنظار عليه السلام فإن الارتباط بالله تعالى لا يتحقق إلا عن طريق الارتباط بهم عليهم السلام . الارتباط بمن منه الوجود لا يتحقق إلا بالإرتباط بمن به الوجود !

وعندما نريد التعرف على شخصيته عليه السلام وما تحتويه وما يحيط بها ، تقف محركات عقولنا عن العمل ، وكيف لا ، والإمام الرضا عليه السلام يقول في وصفه :

( بأبي وأمي سميُّ جدي ، شبيهي وشبيه موسى بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس ! ) . ( العيون : 1 / 9 ، وقد تقدم في الموضوع رقم : 34 ) .

إنها لأوصافٌ تحير العقل . وقد ورد في صفة المسيح عليه السلام أن عليه جلابيب النور ، ففي مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع علماء النصارى : ( ثم قال للجاثليق : يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا عليه السلام ؟ قال : أعرفه حرفاً حرفاً . قال لهما : أتعرفان هذا من كلامه : يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر ؟

فقالا : قد قال ذلك شعيا عليه السلام . قال الرضا عليه السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى عليه السلام : إني ذاهب إلى ربكم وربي والبارقليطا جاءٍ ، هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت . . . ) . ( عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 145 )

لكن وصف الإمام المهدي عليه السلام أبلغ من ذلك : ( عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس ! ) ، ومع ذلك فلا نستطيع أن نعرف حقيقة جلابيب النور على نبي الله عيسى ، وجيوب النور على الإمام المهدي صلى الله عليه وآله !

إن أحاديث أهل البيت عليه السلام جواهر مكنونة ، لم نعرف إلى الآن كنوزها في معرفة الله تعالى ، ومعرفة وسائط فيضه وعطائه عليهم السلام ! ونيل هذه الكنوز أمر صعب ، لا يحصل بالبحث والتعمق الفكري كما هو الحال في بقية العلوم ، بل هو عطاء يختص به الله من يشاء من عباده .

إن معرفة ولي الله الأعظم عليه السلام تحتاج إلى أن يشمر خواص العلماء الأتقياء الذين اشتغلوا سنين طويلة في معالجة المسائل الفكرية ، ويدرسوا تعابير المعصومين عليهم السلام الواردة في الأدعية والزيارات ، ويستخرجوا من كنوزها !

كم قرأنا هذه العبارة في دعاء الندبة : بنفسي أنتَ من عقيدِ عزَ لا يُسَامَى ، لكن مهما فكرنا فيها لوعي معناها لكان قليلاً ! فما معنى ( عقيد العز ) ومن أي دوحة تفرع ، والى أين بلغت رفعة هذا الفرع بحيث ( لا يُسَامى ) ، هكذا بصيغة المطلق المبني للمجهول ! فلا يمكن لفضل ولا شرف ولا منقبة ، أن تسامي مقامه الشريف عليه السلام !

إن للإمام المهدي صلوات الله عليه صفات مشتركة مع بقية المعصومين عليهم السلام وصفات خاصة به ، ويكفي أن نقرأ قوله تعالى : وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِئَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( سورة الزمر : 69 ) .

فظاهر الآية عن مشهد من يوم القيامة ، لكن هل تشرق الأرض قبل ذلك بهذا النور الرباني ، وهل للآية معنى آخر ؟ بلى ، فقد ذكر المفيد في الإرشاد ، والشيخ الطوسي ، والشيخ الصدوق ، وعظيم الطائفة الفضل بن شاذان النيشابوري ، وعلي بن إبراهيم القمي أعلى الله مقامهم ، روايات في تفسيرها . قال القمي رحمه الله : 2 / 253 ( حدثنا محمد بن أبي عبد الله عليه السلام قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثني القاسم بن الربيع قال : حدثني صباح المدائني قال : حدثنا المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله : وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا : رب الأرض يعني إمام الأرض ، فقلت : فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال : إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام ) ! ![2]

الآن تشرق الأرض بنور الشمس ، لكن سيأتي يوم قبل يوم القيامة تشرق بنور الله عز وجل من نور وليه وحجته عليه السلام !

وقوله عليه السلام : إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام ، سواء تعبيراً حقيقياً أو رمزياً ، فهو يكشف عن حقيقة عظيمة هي أن الإمام المهدي عليه السلام سرٌّ رباني كبير ، وأنه عندما يحضر من عالم الغيب إلى عالم الشهود تقوم أشعة بدنه وجيوب النور التي خصه الله بها ، مقام نور الشمس والقمر ! كما أن أشعة نفسه المباركة تشرق على البشر فتخرج معادن الإنسانية من القوة إلى الفعل ، والناس كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله معادن كمعادن الذهب والفضة ! فكيف نستطيع معرفة شخصية من هذا النوع ؟

كان لرسول الله صلى الله عليه وآله درعان ، وهما من جملة مواريث النبوة عند الأئمة عليهم السلام ، وأحد الدرعين علامة الإمامة العامة ، وقد كان الأئمة عليهم السلام يلبسونها فتستوي عليهم ، لأن من علامات الإمام أن تستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله ! ( وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ) . ( الكافي : 1 / 388 )[3]

هذه هي الدرع الأولى ، أما الثانية فهي خاصة للمهدي القائم عليه السلام ولا تستوي إلا عليه ! قال الإمام الصادق عليه السلام : ( ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله فخطت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله ) . ( بصائر الدرجات ص 195 ) فهي درع جعلها الله آيةً خاصةً لخاتم الأنبياء رسول الله صلى الله عليه وآله وخاتم الأوصياء الإمام المهدي عليه السلام ! ولا تستوي على غيرهما حتى على أمير المؤمنين عليه السلام أفضل الأولين والآخرين بعد النبي صلى الله عليه وآله !

ذلك أن أعظم مدارين وتسلسلين في دائرة الوجود هما النبوة والإمامة ، وختم مدار النبوة برسول الله صلى الله عليه وآله ، وختم الإمامة بالإمام المهدي عليه السلام ، فلا تعجب إذا كانت بعض الصفات تختص به عليه السلام ويشترك فيها مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله . وهناك نقطة هي أن النبي صلى الله عليه وآله هو ( الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل )[4] فالنبي صلى الله عليه وآله خاتم لكل المراحل السابقة ، وفاتح لمرحلة جديدة مستقبلة ، أما صاحب الزمان عليه السلام فهو الخاتم المطلق !

ومن هنا كان من صفاته عليه السلام أنه ( المنتهى إليه مواريث الأنبياء ، ولديه آثار الأصفياء ) . المزار للشهيد الأول عليهم السلام ص 203 ، فهو نقطة نهاية المطاف في دائرة النبوة والإمامة ، وعلى يده يحقق الله ثمراتها ، وفيه يجمع الله ما شاء من ألطافه الخاصة التي وزعها في أنبيائه وأوليائه ، ما كان أعطاه إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، فيجمعها في خاتم الحجج ومحقق أهداف الأنبياء عليهم السلام !

هذا هو الإمام صاحب الزمان صلوات الله عليه ! الذي تحار فيه العقول كلما اقتربت فراشاتها من وهج سراجه !

إن معرفته تحتاج إلى إذن رباني خاص : وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( سورة التكوير : 29 ) ، ولذا كان علينا أن نطلب من الله تعالى أن يعرفنا إياه عليه السلام : اللهم عرفني نفسك ، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك ، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني . الكافي ج 1 ص 337 فلو كانت معرفته مسألة بسيطة لما احتاجت إلى هذا التضرع ! بل هي من النعم التي تحتاج إلى رحمة وإذن رباني خاص !

إن الذي نملكه أن نداوم ليلاً نهاراً على ذكر الله تعالى ثم ذكره عليه السلام ، وذكره من ذكر الله تعالى ، فافتتحوا أيامكم واختموها بذكر اسمه الشريف ، واذكروه في مجالسكم ومحافلكم حيثما كنتم ، لعله يتعطف علينا بنظرة مما أعطاه الله ، وإن النظرة منه لتغير عالماً بأكمله !

سيدي يا حجة الله في أرضه . . أيُّ شخصية ربانية أنت ؟ وما الذي ضمته جوانحك من أسرار الله تعالى ؟ أيها الكتاب المستور ، يا صاحب الدين المأثور ! ( سلام الله وتحياته وصلواته على مولاي صاحب الزمان ، صاحب الضياء والنور والدين المأثور ، واللواء المشهور ، والكتاب المنشور ، وصاحب الدهور والعصور )[5]

أنت الكتاب المسطور فِي رَق مَنشُور ، والنور على النور ، وحامل سر الله المستور في قلبك الطاهر ، المستسر عن قلوب الجميع !

إقرؤوا هذه الأدعية والزيارات لتعرفوا سعة سلطان الله الذي أعطاه لوليه وحجته صاحب الزمان أرواحنا له الفداء ، في أحدها : ( السلام عليك يا حجة على من في الأرض والسماء ) ! ( تقدم من البحار : 99 / 116 ) وفي أحدها : ( أشهد أنك الحجة على من مضى وعلى من بقي ) ! ( تقدم بكامله من المزار للشهيد الأول رحمه الله ص 203 ) ولا يتسع الوقت لشرح معنى كونه عليه السلام حجة على من مضى ومن بقي !

إن الإمام المهدي وجه الله تعالى ، لكن أي وجه لله هو عليه السلام ؟ نقرأ في دعاء الندبة : أين وجه الله الذي يتوجه اليه الأولياء ، ولفهم هذه الكلمة العميقة ينبغي أن نعرف هؤلاء الأولياء الذين يتوسلون إلى الله تعالى بوجهه الذي هو الإمام المهدي عليه السلام فلنقرأ من صفتهم في القرآن : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . ( سورة يونس : 62 - 64 ) ، فلا بد أن يبلغوا هذه الدرجة العالية حتى يكونوا أهلاً لشرف التوسل إلى الله بحجته الإمام المهدي عليه السلام ! روحي وأرواح العالمين لك الفداء من جوهرة مخزونة بالأسرار . . طالما جهلناك وانشغلنا بغيرك عنك ، وابتعدنا بأفكارنا عنك ! وسنبقى بعيدين ما لم تعطف علينا بنظرة ، كما عطفت على ذلك الرجل الحلي ، فعَمَرَ الله قلبه بحبكم أهل البيت ، فهل تكون قلوبنا كقلبه ونفوز منك بنظرة تكون إكسيراً لقلوبنا !

ذلك المؤمن لم يكن يطيق أن يسمع أو يتذكر ظلامة الصديقة الكبرى الزهراء عليها السلام حتى يندفع في ذكر مثالب ظالميها . كان لا يستطيع أن يتصور كيف هاجموا بيت الزهراء عليها السلام وضربوها وكسروا ضلعها .

كان يفقد صبره كلما تصور أن الظلامة وصلت إلى أن الزهراء عليها السلام عاشت بقية عمرها بعد أبيها صلى الله عليه وآله تعاني من ذلك اليوم ، حتى نحلت وصار جسمها كالخيال ، هيكلاً من جلد وعظام ، وأوصت أن يواروها في قبرها ليلاً حتى لا يشارك ظالموها في تشييعها ! فكان ينطلق لسانه في مثالب قاتليها !

وصل خبره إلى الوالي ، فأمر بالقبض عليه وتعذيبه ، فضربوه حتى كسروا جميع أسنانه وقطعوا لسانه ، فقال بعضهم لبعض كفى ! فثقبوا أنفه وربطوا فيه خيطاً ، وطافوا به في الأسواق ليكون عبرة لغيره ! ثم أخذوه إلى بيته جنازة وألقوه في داره ، وانصرفوا !

وفي اليوم الثاني تفاجأ الجميع عندما رأوه يصلي سليماً معافىً لا أثر فيه لشئ مما حدث له ! بل كان حيوياً مشرق الوجه كأنه شاب رغم شيخوخته !

سألوه عما حدث له فقال : عندما رموا بي هنا عرفت أني في آخر ساعة من عمري ، فقد شاهدت الموت بأم عيني ! أردت أن أنادي مولاي الحجة بن الحسن عليه السلام فلم أستطع ، فناديته بقلبي ( يا صاحب الزمان ) وإذا به جالسٌ إلى جنبي ، فنظر اليَّ نظرةً ووضع يده على جسمي وقال لي : إنهض واسع في تحصيل قوت عيالك ! فنهضت كما تروني أحسن مما كنت !

ما الذي حدث ، وكيف التأمت جراحه ، وصار له لسان بدل لسانه ، وعادت اليه أسنانه ، والتأمت جروحه ؟ ! وصار وجهه العادي المتجعد وجهاً جميلاً مشرقاً ؟ ! أي إكسير هذا الذي صنع كل ذلك بمسحة واحدة ، على مكان واحد من بدن ذلك المؤمن ؟ !

إن الإكسير من خواصه على ما يذكرون أنه يحدث انقلاباً في ماهية الأشياء ، لكنه انقلاب محدود ! لا يصل إلى هذا الانقلاب الجذري !

نعم لقد حصل ذلك ، وهذا ما يمكن أن يحصل لك إذا خطوت إلى المولى خطوة واستحقيت منه نظرة ، تحدث انقلاباً في عالم ملكك وملكوتك !

قال ذلك المؤمن : نظر اليَّ نظرة ، ثم وضع يده على بدني وقال : قُمْ ، واسْعَ إلى رزقك ، وكِدَّ على عيالك ! فلم يكن من الضروري أن يمسح بيده على بقية جراح بدنه ، فتلك اليد : يد ولي الله ، يد الله تعالى .

صلى الله عليك . صلى الله عليك ، صلى الله عليك عدد ما في علم الله ،

صلاة دائمة بدوام ملك الله تعالى . اللهم صل على محمد وآل محمد .

 

 

[1] قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين : 2 / 409 : ( حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثني أبو علي بن همام قال : سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول : سمعت أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام : إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، فقال : إن هذا حق كما أن النهار حق ، فقيل له : يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمد هو الامام والحجة بعدي ، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة ) .

وروى البرقي في المحاسن : 1 / 153 : ( عنه ( أحمد بن أبي عبد الله البرقي ) عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بشير الدهان قال قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، ثم قال : فعليكم بالطاعة ، قد رأيتم أصحاب علي ، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته ، لنا كرائم القرآن ، ونحن أقوام افترض الله طاعتنا ، ولنا الأنفال ولنا صفو المال ) .

وروى في ص 154 : عنه ( أحمد بن عبد الله البرقي ) عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن حسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات ليس له إمام مات ميتة جاهلية ، فقال : نعم ، لو أن الناس تبعوا علي بن الحسين عليه السلام وتركوا عبد الملك بن مروان اهتدوا . فقلنا : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ميتة كفر ؟ فقال : لا ، ميتة ضلال ) .

أما المصادر السنية فروت الحديث بتغييرات عديدة ، فبعضهم أبقى فيه لفظ الإمام لكن حذف معرفة الإمام وجعلها بيعة الإمام ، كما في مسند الطيالسي ص 1259 ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ، ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له ) .

وبهذا التعديل في الحديث النبوي استطاع معاوية ابن أبي سفيان أن يستغل الحديث ويجعله دعوة إلى بيعته ، كما في صحيح ابن حبان : 7 / 49 : عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ) .

وبعضهم جعله حديثاً موجهاً ضد من يخرج على الحاكم حتى لو كان جائراً ! كما في معجم الطبراني الكبير : 10 / 350 ( عن ابن عباس قال قال رسول الله ( ص ) : من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه ، ومن مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية ، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتلته جاهلية ) .

أما إمام هؤلاء الرواة فهو البخاري ، فقال في صحيحه : 8 / 87 : ( عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية . ورواه أيضاً في نفس الصفحة بعدة روايات . ورواه أيضاً في : 8 / 105 ، ورواه مسلم : 6 / 21 ، والبيهقي في سننه : 8 / 156 و : 10 / 234 ، وأحمد في مسنده : 1 / 297 و 310 ، ونحوه في : 2 / 70 و 93 و 123 و / 445 وفي : 3 / 446 . . الخ .

[2] في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 145 : ( ثم قال للجاثليق : يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا عليه السلام ؟ قال : أعرفه حرفاً حرفاً . قال لهما : أتعرفان هذا من كلامه : يا قوم أني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر ؟ فقالا : قد قال ذلك شعيا عليه السلام . قال الرضا عليه السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى عليه السلام : إني ذاهب إلى ربكم وربي ، والبار قليطا جاءٍ ، هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدتموه ، والذي يفسر لكم كل شئ ، وهو الذي يبدأ فضائح الأمم ، وهو الذي يكسر عمود الكفر . فقال الجاثليق : ما ذكرت شيئاً من الإنجيل إلا ونحن مقرون به ! ) . ورواه الصدوق رحمه الله في التوحيد / 424

[3] في من لا يحضره الفقيه للصدوق رحمه الله : 4 / 418 : ( وروى أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال : حدثنا علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلى الله عليه وآله قال : للإمام علامات :

يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس وأسخى الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ، ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يكون له ظل ، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ويكون محدثاً ، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا يرى له بول ولا غائط ، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه ، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك ، ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم ، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ، ويكون أشد الناس تواضعاً لله جل ذكره ، ويكون آخذ الناس بما يأمر به ، وأكف الناس عما ينهى عنه ، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين ، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ، وسيفه ذو الفقار ، ويكون عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة ، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر : إهاب ماعز وإهاب كبش ، فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ، ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام ) . ورواه في معاني الأخبار ص 102

وفي الكافي للكليني رحمه الله : 1 / 388 : ( علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : للإمام عشر علامات : يولد مطهراً ، مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ولا يتمطى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ، وهو مُحَدَّثٌ إلى أن تنقضي أيامه ) .

وفي الكافي : 1 / 232 من حديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( وإن عندي لسيف رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإن عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه ولامته ومغفره ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وإن عندي لراية رسول الله صلى الله عليه وآله المغلبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصاه ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب به القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة .

ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله صلى الله عليه وآله فخطت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله ) . وروا في بصائر الدرجات ص 195 بنحوه .

وفي بصائر الدرجات للصفار رحمه الله ص 206 : ( حدثنا إبراهيم بن محمد ، عن الحسين بن موسى الخشاب ، عن محسن بن محمد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لبس أبي درع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات الفضول ، فخطت ، ولبست أنا فكان وكان ) . ورواه في الكافي : 1 / 234 ، وفيه " ولبستها أنا ففضلت " .

وفي الكافي : 8 / 331 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( درع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات الفضول لها حلقتان من ورق في مقدمها وحلقتان من ورق في مؤخرها ، وقال : لبسها علي عليه السلام يوم الجمل ) .

وفي كامل الزيارات ص 233 ، قال : ( حدثني الحسين بن محمد بن عامر ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن سعدان بن مسلم ، عن عمر بن أبان ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله فينتفض هويها فتستدير عليه ، فيغشيها بخداجة من إستبرق ، ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ ، فينتفض به انتفاضة لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون إنه معهم في بلادهم ، فينشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي بها إلى شئ أبدا إلا هتكه الله . فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد ، ويعطي المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم ! فينحط عليه ثلاث عشر آلاف ملك وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً .

قلت : كل هؤلاء الملائكة ، قال : نعم الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، والذين كانوا مع موسى عليه السلام حين فلق البحر لبني إسرائيل ، والذين كانوا مع عيسى عليه السلام حين رفعه الله إليه ، وأربعة آلاف ملك مع النبي صلى الله عليه وآله مسومين ، وألف مردفين ، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين ، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السلام فلم يؤذن لهم في القتال . فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له : منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا يمرض مريض إلا عادوه ، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته ، واستغفروا له بعد موته ، وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السلام إلى وقت خروجه ! ) .

[4] في كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله ص 97 ، من زيارة النبي صلى الله عليه وآله : السلام من الله والسلام على محمد أمين الله على وحيه وعزائم أمره ، ومعدن الوحي والتنزيل ، والخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ، والشاهد على الخلق ، السراج المنير ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .

وفي الكافي : 4 / 572 : ( السلام على رسول الله ، السلام على أمين الله على وحيه وعزائم أمره ، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ) . وراجع مصباح المتهجد ص 741 .

[5] في مصباح الزائر : ص 312 ، ( في زيارة مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه وما يلحق بذلك ، إذا أردت زيارته صلوات الله عليه وسلامه فليكن ذلك بعد زيارة العسكريين صلى الله عليه وآله ، فإذا فرغت من العمل هناك ، وبلغت من زيارتهما هناك فامض إلى السرداب المقدس وقف على بابه ، وقل . . . ثم تنزل مقدماً رجلك اليمنى وتقول : بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وكبر الله واحمده وسبحه وهلله ، فإذا استقررت فيه فقف مستقبل القبلة وقل :

سلام الله وبركاته وتحياته وصلواته على مولاي صاحب الزمان ، صاحب الضياء والنور ، والدين المأثور ، واللواء المشهور ، والكتاب المنشور ، وصاحب الدهور والعصور ، وخلف الحسن ، الإمام المؤتمن ، والقائم المعتمد ، والمنصور المؤيد ، والكهف والعضد ، عماد الاسلام ، وركن الأنام ، ومفتاح الكلام ، وولي الأحكام ، وشمس الظلام ; وبدر التمام ، ونضرة الأيام ، وصاحب الصمصام ، وفلاق الهام ، والبحر القمقام ، والسيد الهمام ، وحجة الخصام ، وباب المقام ، ليوم القيام ، والسلام على مفرج الكربات ، وخواض الغمرات ، ومنفس الحسرات ، وبقية الله في أرضه ، وصاحب فرضه ، وحجته على خلقه ، وعيبة علمه ، وموضع صدقه ، والمنتهي إليه مواريث الأنبياء ، ولديه موجود آثار الأوصياء ، وحجة الله وابن رسوله ، والقيم مقامه ، وولي أمر الله ، ورحمة الله وبركاته . اللهم كما انتجبته لعلمك ، واصطفيته لحكمك ، وخصصته بمعرفتك ، وجللته بكرامتك ، وغشيته برحمتك ، وربيته بنعمتك ، وغذيته بحكمتك ، واخترته لنفسك ، واجتبيته لبأسك ، وارتضيته لقدسك ، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك ، وديان الدين بعدلك ، وفصل القضايا بين عبادك . . ) ورواه في البحار : 102 / 83




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.