أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-6-2016
16267
التاريخ: 6-3-2017
7572
التاريخ: 27-2-2017
7954
التاريخ: 7-3-2017
1776
|
الاصل المتعارف عليه في اطار العلاقات التي تحكم الروابط القانونية العقدية، ان تكون كل من ارادة الاطراف المتعاقدة سليمة، غير مشوبة بعيب من العيوب التي تؤثر في صحة التراضي، وهذه العيوب كما ذكرها القانون المدني العراقي هي: الاكراه - الغلط- الغبن مع التغرير – الاستغلال.
أ- عبء اثبات الاكراه:
عرفت المادة (112 فق1) من القانون المدني العراقي، الاكراه بانه: (الاكراه هو اجبار الشخص بغير حق على ان يعمل عملا دون رضاه). كما عرفت المادة (46) من قانون الالتزامات والعقود المغربي الاكراه بانه: (اجبار مباشر من غير ان يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا اخر على ان يعمل عملا من دون رضاه). اما الفقه القانوني، فقد عرف الاكراه بانه: (ضغط تتأثر به ارادة الشخص فيندفع الى التعاقد) (1).او هو (ضغط مادي او ادبي يقع على الشخص فيولد لديه رهبة او خوفا تحمله على التعاقد) (2). (الاكراه ضغط مادي او ادبي يقع على شخص فيبعث في نفسه رهبة تحمله على التعاقد، فتكون سبباً في جعل رضاه غير سليم) (3).
ومن خلال التمعن في فحوى النص العراقي والمغربي وغيرهما، من النصوص القانونية العربية، يتضح ان الاصل في العقود المبرمة بين الاطراف المتعاقدة، هو خلو ارادة كل منهما من العيوب، التي تعيب ارادة كل منهما، والاكراه يعيب الارادة فيجعل رضا الشخص غير سليم حيث يفقده الحرية والاختيار الاصح، فالمكره بالمنظور الطبيعي لا يريد ان يتعاقد، ولكن قوة تأثير المكره، تخلق له الخوف والرهبة، تجبره على ابرام العقد(4). فان الذي يدعي انه وقع تحت تأثير اكراه افسد ارادته، ومن ثم يتمتع بقوة القانون بأبطال العقد، لكن في هذه الحالة يتطلب الامر منه، عبء اثبات وجود الاكراه، وتوافر شروطه التي جعلته سببا مباشرا لأبرام العقد، فعليه ان يثبت ان المتعاقد الاخر استخدم وسيلة ضغط غير مشروعة مما تمخض عنها حصول رهبة في نفسه دفعته للتعاقد، ومصدر هذا الاكراه المتعاقد الاخر، او كان على علم مسبق به(5).
ان اثبات واقعة الاكراه يعني اثبات واقعة مادية، يجوز لمن يقع عليه عبء الاثبات، ان يثبتها بوسائل الاثبات كافة، وحصول الواقعة او الوقائع المكونة لفعل الاكراه مسالة موضوعية خاضعة لتقدير قاضي الموضوع، من دون رقابة عليه من محكمة التمييز، كسلطة قاضي الموضوع التقديرية في معرفة ما اذا كان الاكراه مؤثرا ام غير مؤثر، وما اذا كانت الوسائل المادية او النفسية المستخدمة كان لها الدور الفعال في خلق الرهبة الناشئة عنها، هي الدافعة لأبرام التعاقد ام لا. اما عن الوصف القانوني لواقعة الاكراه، كتقدير كون الوسائل التي وقع بها الاكراه مشروعة او غير مشروعة، فتعتبر من المسائل القانونية التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة التمييز(6).
وللطرف الذي وقع عليه عبء اثبات الاكراه، ويطالب عند رفعه الدعوى امام المحكمة المختصة بأبطال العقد ان يطالب الى جانب ذلك بالتعويض عما اصابه من ضرر ان كان له مقتضى، واساس المطالبة القضائية بالتعويض هو كون الاكراه عمل غير مشروع يوجب المسؤولية(7).
وتحيط مسألة تقدير قيام الاكراه جنس من وقع عليه، وسنة، وحالته الصحية والاجتماعية، وكل الظروف الاخرى التي تؤثر في تحديد جسامة الاكراه(8).
(يختلف الاكراه باختلاف احوال الاشخاص وسنهم وضعفهم ومناصبهم ومراكزهم الاجتماعية ودرجة تأثرهم وتألمهم من الحبس والضرب كثرة وقلة وشدة وضعفا) نص المادة 114 من القانون المدني العراقي. (يختلف الاكراه باختلاف الاشخاص وسنهم وضعفهم ومناصبهم ودرجة تأثرهم وتألمهم من الاكراه شدة وضعفاً) نص المادة 129 من القانون المدني الاردني. وكذلك نص المادة (127) فق (2) من القانون المدني المصري بهذا الخصوصية. (ويراعى في تقدير الاكراه جنس من وقع عليه هذا الاكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف من شأنه ان يؤثر في جسامة الاكراه).
ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص:
(اذا دفعت الزوجة (المدعي عليها) بانها بصمت ورقتي الكمبيال بإبهامها نتيجة للاكراه الذي وقع عليها من زوجها (المدعي) بالضرب، فعلى المحكمة ان تسمع هذا الدفع وتكلفها اثباته بالوسائل المتاحة كافة، وسبب هذا التكليف هو انتقال عبء الاثبات اليها بعد ان ابدت دفعاً بخصوص ذلك) (9).
(اذا لم يثبت فعل الاكراه في توقيع السند كان هذا السند حجة بما هو مدون فيه على المقر) . (ان الاكراه الذي يصيب الرضا ويعدمه هو اجبار الشخص بغير حق على ان يعمل عملا دون رضاه عملا بالمادة (135) من القانون المدني العراقي ومن المتفق عليه فقها وقضاءا ان الاكراه يختلف اثره من شخص الى اخر وانه يشترط فيه التناسب بين العمل المطلوب ووسيلة الاكراه، بحيث يكون اثر الوسيلة كافيا لإفساد الرضا وشل ارادة الرفض لدى المكره المتعاقد). (بما ان وكيل المدعي اظهر استعداده لأثبات الاكراه بالبينة الشخصية، وبما ان المحكمة لم تتعرض في حكمها الى ذلك، وبما ان الادعاء لوقوع الاكراه في الايجار مما يجوز اثباته بالبينة الشخصية، لذلك كان على المحكمة تكليف الجهة المدعية لاقامة البينة وبما انها لم تفعل ذلك فقد عرضت حكمها للنقض). ( ان تقدير درجة الاكراه، وهل هو شديد ومؤثر على الشخص الواقع عليه متروك لتقدير قاضي الموضوع بلا سلطان عليه من محكمة النقض. اما كون الاعمال التي يقع بها الاكراه مشروعة او غير مشروعة متى تعينت في الحكم فيما يدخل تحت رقابة محكمة النقض لانه وصف قانوني لواقعة معينة يترتب على الخطأ فيها خطأ في تطبيق القانون) (10).
ب- عبء اثبات الغلط:
اذا كان الاصل هو سلامة ارادة الطرفين المتعاقدين من كل عيب يؤثر في سلامة ارادة كل منهما عند ابرام العقد، ومن بين العيوب التي تؤثر في سلامة الارادة، هو عيب الغلط. ويعرف الغلط بانه: (وهم يقوم بذهن الشخص فيصور له الامر على غير حقيقته، بمعنى انه يجعله يعتقد بوجود واقعة او صفة غير موجودة او العكس) (11). او هو: (حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع) (12).
ومن خلال هذه الرؤية الفكرية الفقهية، فان من ادعى ان ارادته معيبة بغلط كان له الاثر المباشر في ابرامه العقد هو الذي يقع عليه عبء اثبات وقوعه في الغلط، وعليه ان يتمكن من اثبات ان الطرف الاخر في العقد وقع مثله في هذا الغلط، او كان على علم به، او كان من السهل عليه ان يتبينه (13). وهذا ما اشارت اليه م (119) القانون المدني العراقي: (لا يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط ان يتمسك به الا اذا كان المتعاقد الاخر قد وقع في الغلط نفسه او كان على علم به او كان من السهل عليه ان يتبين وجوده). تقابلها المادة (120) من القانون المدني المصري بالنص على انه (اذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له ان يطلب ابطال العقد، ان كان المتعاقد الاخر قد وقع مثله في هذا الغلط، او كان على علم به، او كان من السهل عليه ان يتبينه).
ان المادة (118) من القانون العراقي اشارت الى الغلط المعيب للرضا بالنص على انه: (لا عبره بالظن البين خطؤه. فلا ينفذ العقد: 1- اذا وقع غلط في صفة للشيء تكون جوهرية في نظر المتعاقدين او يجب اعتبارها كذلك للظروف التي تم فيها العقد، ولما ينبغي في التعامل من حسن النية. 2- اذا وقع غلط في ذات المتعاقد او في صفة من صفاته وكانت تلك الذات او هذه الصفة السبب الوحيد او السبب الرئيسي في التعاقد. 3- اذا وقع غلط في امور تبيح نزاهة المعاملات للمتعاقد الذي يتمسك بالغلط ان يعتبرها عناصر ضرورية للتعاقد.) تقابلها كل من المادة (152) من القانون المدني الاردني والمادة (120) من القانون المدني المصري بالاتجاه نفسه.
ان حصول الغلط يتعبر من الوقائع المادية التي بالإمكان اثباتها بكافة وسائل الاثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن المستنبطة من وقائع كل دعوى. واسلوب عرض الغلط امام القضاء يكون من خلال بيان التصورات والاعتبارات الذهنية التي حملت مدعي الغلط على التعاقد، مما يعطي ذلك مجالا لقاضي الموضوع من التحقق بطريقة استعراض ظروف التعاقد والوضع الذي كان عليه اطراف العقد، لتكون له السلطة التقديرية في نهاية الامر في وزن الوقائع من اجل الوصول الى الحل المناسب المقنع(14). فاذا ثبت لقاضي الموضوع اتفاق شخص مع طبيب على اجراء عملية جراحية معقدة، معتقدا انه الجراح الشهير لأجراء العملية، ثم تبين بعد ذلك انه ليس ذلك الجراح بل طبيب اخر يحمل الاسم نفسه، فانه يكون قد وقع في غلط جوهري في شخص المتعاقد، (15) او ان سبب دفع المشتري مبلغا كبيرا لحساب البائع عن قيمة البقرة الحلوب، هو لاعتقاده وتصوره النفسي والعقلي من انها بقرة حلوب، فهذه الوقائع تعتبر محل استنتاج واستنباط لقاضي الموضوع على ان هذا الاعتبار هو الاساس في العقد، فاذا ظهر عكس التصور يعني ذلك، ان الارادة اصبحت معيبة، وقبول البائع هذا المبلغ الكبير في هذه البقرة انه له اكثر من احتمال ينحصر في كونه وقع في الغلط نفسه، او علم به، او كان من المتيسر عليه ان يتبينه. ان قاضي الموضوع بسلطته التقديرية يتمتع بتقدير وقوع الغلط او عدمه لكونه مسألة من مسائل الواقع، دون ان تكون لمحكمة التمييز رقابة عليه. وخلاصة القول ان الذي يدعي الغلط هو الذي يتحمل عبء اثبات وقوعه في الغلط، وغلط الطرف الاخر او علمه بالغلط او استطاعته هذا العلم. وهذه كلها وقائع مادية تثبت بجمع طرق الاثبات، لان معنى الغلط في الرضا، ان الارادة تصبح معيبة يتخلف عنها شرط التنور والبصيرة الواضحة الذي استلزمه القانون، وتخلف هذا الشرط يؤدي الى ان يسقط اعتبار الارادة في نظره، اي انعدامه من الناحية القانونية وهذا هو مصير كل رضاء مشوب باي عيب من عيوب الرضا.
من التطبيقات القضائية لهذا الخصوص:
(اختلاف وصف السيارة المبينة وظهور كونها موديل 1948 لا سنة 1954، يفوت وصفا مرغوبا فيه، ويعتبر غلط في صفة جوهرية في نظر المتعاقدين، مما ينطبق عليه حكم المادتين (117) و (118) مدني عراقي، ويترتب على ذلك عدم نفاد العقد ويكون طلب فسخ العقد باسترداد الثمن من قبل المشتري صحيحا قانونا) (16).
(اذا وقع غلط في القسمة فيجوز ان تقام الدعوى لبطلان القسمة) (17).
(اذا باع شخص ارضاً على انها تحد من الجهة البحرية بشارع عرضه خمسة امتار وتبين بعد ذلك ان هذا الشارع لا وجود له مما يجعل الارض محصورة من جهاتها الاربع، ولا منفذ لها يؤدي الى الطريق العام، فان البيع يجوز ابطاله بسبب الغلط الواقع في صفة جوهرية في الشيء المبيع)(18).
ج-عبء اثبات التغرير مع الغبن:
يعتبر القانون المدني الفرنسي، والقوانين المستمدة منه، التدليس، والغبن عيبين مستقلين من عيوب الرضا، وقد اعتبر القانون المدني المصري التدليس، عيب من عيوب الرضا، لكن القانون المدني العراقي خالف القوانين المدنية الغربية، والقانون المدني المصري متأثرا بالفقه الاسلامي، فلم يعتبر التغرير لوحده، ولا الغبن لوحده عيبا من عيوب الرضا، بل اعتبرهما اذا اجتمعا عيبا واحدا، فلم يعتبر التغرير عيبا مفسدا للرضا الا اذا نشا عنه غبن، ولا الغبن، في الاصل، عيباً الا اذا نشا عن تغرير، وقد اقتفى المشرع العراقي في ذلك اثر الفقه الاسلامي في بعض مذاهبه. وبهذا الخصوص اشارت م (164) من مجلة الاحكام العدلية الى ان التغرير هو ( توصيف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية) والمادة (165) الغبن الفاحش (غبن على قدر نصف العشر في العروض والعشر في الحيوانات والخمس في العقار او زيادة). ونص م (121) مدني عراقي على انه (1- اذا غرر احد المتعاقدين بالأخر وتحقق ان في العقد غبناً فاحشا كان العقد موقوفا على اجازة العاقد المغبون، فاذا مات من غرر بغبن فاحش تنتقل دعوى التغرير لوارثه). ويعرف التغرير بانه (يجعل العاقد في حالة يعتقد معها انه اخذ الشيء بقيمته الحقيقية والحقيقة غير ذلك)(19)، ( هو ذكر احد المتعاقدين للأخر امورا ترغبه في الاقدام على التعاقد معه، او يقوم بإجراءات فعلية تدفعه الى التعاقد معه)(20). ويعرف الغبن بانه (هو عدم التعادل عند تمام العقد بين ما يدفعه المتعاقد وما يأخذه)(21).
واوضحت المادة (142) من القانون المدني الاردني (التغرير هو ان يخدع احد العاقدين الاخر بوسائل احتيالية قولية او فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن ليرضى به بغيرها).
اما القانون المدني المصري فقد منح عيب التغرير مع الغبن المشار اليه في بعض القوانين المدنية كالقانون المدني العراقي والاردني تسميه عيب التدليس حيث نصت المادة (125) على انه:- (1- يجوز ابطال العقد للتدليس اذا كانت الحيل التي لجا اليها احد المتعاقدين او نائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما ابرم الطرف الثاني العقد). كما اوضحت المادة (126) على انه: (اذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه ان يطلب ابطال العقد ما لم يثبت ان المتعاقد الاخر كان يعلم او كان من المفروض حتما ان يعلم بهذا التدليس). وهاتان المادتان تطابقهما المادتان (125) و (126) من القانون المدني الليبي، والمادتان (126) و (127) من القانون المدني السوري، وبالرؤية التشريعية نفسها يتفق قانون الموجبات والعقود اللبناني في احكامه مع احكام نصوص القانون المصري. فقد نصت المادة (208) على (ان الخداع لا ينفي على الاطلاق وجود الرضا، ولكنه يعيبه ويؤدي الى ابطال العقد اذا كان هو العامل الدافع اليه والحامل للمخدوع على التعاقد. اما الخداع العارض الذي افضى الى تغيير بنود العقد ولم يكن هو العامل الدافع الى انشائه فيجعل للمخدوع سبيلا الى المطالبة ببدل العطل والضرر فقط).
ونصت المادة (209) على (ان الخداع الذي حمل على انشاء العقد لا يؤدي الى ابطاله الا اذا كان الفريق الذي ارتكبه قد اضر بمصلحة الفريق الاخر. أما الخداع الذي يرتكبه شخص ثالث فيكون هادما للعقد ايضا اذا كان الفريق الذي يستفيد منه عالما به عند انشاء العقد. اما اذا كان غير عالم به فلا يحق للمخدوع الا مداعاة المخادع ببدل العطل والضرر). لقد اعطى السنهوري لكلمة التدليس تعريفا (هو استعمال احد المتعاقدين طرقا احتيالية لتضليل المتعاقد الاخر تضليلا يحمله على التعاقد(22). ومن خلال هذه الرؤية الفقهية الموجزة، التي يتضح فيها ان التغرير مع الغبن يتحقق باستخدام الوسائل الاحتيالية غير المشروعة، معتمدا احد المتعاقدين فيها على ابرام العقد مع الطرف الاخر، مما يشكل عيبا يعيب الرضا، ويؤثر في سلامة العقد المبرم، ويقع اثباته على عاتق من يدعيه، ولهذا يسمح القانون لمدعي التغرير مع الغبن اثباته بطرف الاثبات كافة، لكونه من الوقائع المادية، ويعتبر حصول الوقائع المكونة له مسالة موضوعية خاضعة لسلطة القاضي التقديرية. اما عن الوصف القانوني لهذه الوقائع، فيما اذا كان التدليس الصادر من الغير يؤثر في صحة العقد، فيعتبر مسالة قانونية تخضع لرقابة محكمة التمييز(23).
ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص:
(اذا رافقت الدليل الكتابي غش وتدليس فيجوز للخصم ان يثبت خلاف هذا الدليل بكافة وسائل الاثبات بما فيها الشهادات والقرائن القضائية)(24).
(اذا طالب البائع بثمن المبيع ودفع المدعي عليه بان المبيع مخالف للعقد، وان عقد البيع فيه غبن كان على المحكمة ان تمهل المدعي لإقامة دعوى فسخ العقد للسببين المذكورين مع ملاحظة نص المادة (124) من القانون المدني العراقي (1- مجرد الغبن لا يمنع من نفاذ العقد ما دام لم يصحبه تغرير)(25)
(اذا اخفى العاقد اسم المالك المعقود عليه كعدم ذكر المالك في عقد الايجار، كان هذا الاخفاء تغريرا من العاقد المؤجر يتعين معه تعويض المستأجر عما لحقه من اضرار بسبب هذا العقد، لاحظ بهذا الخصوص نص المادة (123) مدني عراقي: يرجع العاقد المغرور بالتعويض اذا لم يصبه الا غبن يسير او اصابة غبن فاحش وكان التغرير لا يعلم به العاقد الاخر ولم يكن من السهل عليه ان يعلم به او كان الشيء قد استهلك قبل العلم بالغبن او هلك او حدث فيه عيب او تغيير جوهري ويكون العقد نافذا في جميع الاحوال)(26).
( يعتبر حصول الوقائع المكونة للتدليس مسالة موضوعية، يستقل بتقديرها قاضي الموضوع، ولا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض، اما الوصف القانوني لهذه الوقائع، كالفصل فيما اذا كان الكتمان يكفي لقيام التدليس، وفيما اذا كان التدليس الصادر من الغير يؤثر في صحة العقد، فانه يعتبر مسالة قانونية، يخضع فيها لرقابة محكمة النقض)(27).
( يجب ابطال العقد للتدليس اذا كانت الحيل التي لجا اليها المدلس من الجسامة بحيث لولاها لما ابرم الطرف الثاني العقد وثبت ذلك بالبينة الشخصية)(28).
د-عبء اثبات الاستغلال:
من العيوب التي تؤثر في سلامة الارادة، الصادرة من الطرفين، المتعاقدين هو عيب الاستغلال، الذي يتحقق عن طريق امرين او عنصرين هما، العنصر المادي او الموضوعي في الاستغلال وهو الاستغلال، والعنصر المعنوي او النفسي، وهو استغلال ضعف في نفس الشخص(29)، وهذا ما اشارت اليه المادة (125) من القانون المدني العراقي: (اذا كان احد المتعاقدين قد استغلت حاجته او طيشه او هواه او عدم خبرته او ضعف أدراكه فلحقه من تعاقده غبن فاحش، جاز له في خلال سنة من وقت العقد ان يطلب رفع الغبن عنه الى الحد المعقول. فاذا كان التصرف الذي صدر منه تبرعا له في هذه المدة ان ينقصه). اما في مصر فقد نصت الماد (129) من القانون المدني على ما يلي:-( 1- اذا كانت التزامات احد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد او مع التزامات المتعاقد الاخر، وتبين ان المتعاقد المغبون لم يبرم العقد الا لان المتعاقد الاخر قد استغل فيه طيشا بينا او هوى جامحا جاز للقاضي بناء على طلب المغبون ان يبطل العقد او ينقص التزامات هذا المتعاقد. 2- ويجب ان ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ولا كانت غير مقبولة.
3-ويجوز في عقود المعاوضة، ان يتوخى الطرف الاخر دعوى الابطال اذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن).
كما اخذ قانون الموجبات والعقود اللبناني بنظرية الاستغلال حيث اوضح بنص المادة (214) منه العقد قابلا لبطلان اذا غبن احد المتعاقدين وكان للغبن خاصية ان يكون المستفيد قد اراد استثمار ضيق ظرف او طيش او عدم خبره في المغبون.
ومن خلال التمعن في هذه النصوص التشريعية، يتضح ان واقعة الاستغلال تعتبر من الوقائع المادية، التي يجوز اثباتها بطرق الاثبات كافة التي يقع اثباتها على الطرف الذي يدعيها؛ لكونه هو من اثار تعرض ارادته لعيب الاستغلال، والوقائع القانونية المحيطة بعيب الاستغلال تعتبر من الوقائع الخاضعة لسلطة القاضي التقديرية، ولا رقابة لمحكمة التمييز في ذلك، عكس الوصف القانوني الخاضع لرقابة محكمة التمييز بكونها مسالة قانونية(30).
فالاستغلال ليس بالأمر النادر، بل هو شيء يقع في الحياة، واذا كان اتجاه المشرع هو اعتبار الاستغلال عيبا من عيوب الارادة، لكن وجهة النظر الفقهية ترى في الاستغلال، انه يقترب من الاكراه، وان لم يكن اكراها، كما هو حالة الهوى والحاجة، وهو يقترب في الغلط او التغرير مع الغبن، وان لم يكن واحد منهما، كما في حالة الطيش او عدم الخبرة او ضعف الادراك(31).
وخلاصة القول ان عبء الاثبات، يقع على عاتق من تمسك، باستغلال احدى تلك الحالات او الصفات المذكورة في المادة (125) من القانون المدني العراقي(32).
ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص: (وجد ان المميز يدعي بان المدعي عليهم غرروا به وصرف المبلغ المدعي به بناء على موافقتهم على عقد نكاحه من خطيبته، فكان على المحكمة ان تسير في الدعوى وتسمع البينة حول ذلك، واذا عجز عن الاثبات تمنحه حق تحليف خصمه اليمين، لذا يصبح الحكم المميز مخالفا للقانون قرر نقضه)(33).
(حصول الوقائع المكونة للاستغلال، وهي وجود الاختلال بين الاداءات المتقابلة في العقد، ووجود طيش بين او هوى جامح لدى المتعاقد المغبون، واستغلال هذا او ذاك، وكون هذا الاستغلال هو الذي دفع الى التعاقد يعد مسالة موضوعية يستقل بتقديرها قاضي الموضوع، من دون رقابة عليه من محكمة النقض)(34).
___________
1- د. السنهوري في نظرية العقد، ج1، ص3، ط دار الفكر ، ص419.
2- د. رمضان ابو السعود, دروس في مبادئ الالتزام, ط1, 1977، ص105.
3- د. سليمان مرقس، شرح القانون المدني (الالتزامات) ج2، المطبعة العالمية 16/17 شارع ضريح سعد بالقاهرة، 1964، ص167؛ م (948) مجلة الاحكام العدلية (اجبار واحد بالإضافة على ان يعمل عملا بغير ودون رضاه ويقال له المكره، ويقال لمن اجبر لذلك العمل مكره عليه، وللشيء الموجب للخوف مكره به).
4- د. رمضان ابو السعود، دروس في مبادئ الالتزام، ص125.
5- د. توفيق فرج الصده, قواعد الاثبات في المواد المدنية و التجارية, مؤسسه الثقافية الجامعية, الاسكندرية, مصر, 1982، ص204؛ د. عبد الفتاح عبد الباقي، نظرية العقد والارادة المنفردة، ط1، 1984، ص274؛ د. رمضان ابو السعود، دروس في مبادئ الالتزام ، ص129؛ ادريس العلوي العبدلاوي، رسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي، ج1، القواعد العامة لوسائل الاثبات- شهادة الشهود- القرائن- ط1، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، 1971، ص224؛ د.عدنان ابراهيم السرحان والدكتور نوري حمد خاطر، مصادر الحقوق الشخصية (الالتزامات)- دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الاردن 2000، ص120؛ د. عبد المجيد الحكيم, مصادر الالتزام, ط5, مطبعة نديم, بغداد ، ج1، ص120؛ د. حسن علي الذنون, النظرية العامة للالتزامات, طبع على نفقة الجامعة المستنصرية, بغداد, 1976م ص84-86؛ احسان ناجي الصوفي، الاكراه بين الشريعة الاسلامية والقانون المدني رسالة ماجستير، كلية القانون جامعة بغداد، 1972، ص206،ص217؛ د. نبيل ابراهيم سعد, الاثبات في المواد المدنية و التجارية, منشأة المعارف, الاسكندرية 2000م ، ص68.
6- د. أمجد محمد منصور- النظرية العامة للالتزامات (مصادر الالتزام)، ط1 دار الثقافة للنشر والتوزيع –عمان- الاردن2000، ص105؛ د. سليمان مرقس شرح القانون المدني والالتزامات، ج2، ص174؛ ادريس العبدلاوي, وسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي, القواعد العامة, ج1.ط1, 1971 ، ص224.
7- م (115) مدني عراقي (من اكره اكراها معتبرا باحد نوعي الاكراه على ابرام عقد لا ينفذ عقده)؛ د. عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ج1، ص120-121؛ د. محمد فتح الله النشار, احكام و قواعد عبء الاثبات, دار الجامعة الجديدة للنشر, مصر, 2000، ص214.
8- د. محمد وحيد الدين سوار، الاتجاهات العامة في القانون المدني، دار الثقافة للنشر والتوزيع الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، عمان الاردن، 2001، ص82؛ منير القاضي- ملتقى البحرين، مطبعة العاني بغداد 1951/1952 ص187؛ د. سليمان مرقس, شرح القانون المدني الالتزامات, ج2, المطبعة العالمية, القاهرة, 1964 ، ص171.
9- مجموعة قضاء محكمة تمييز العراق، المجلد الاول، القرارات الصادرة سنة 1963، ص23، رقم القرار 1548/ح/1963 في 1/12/1963.
10- قرار محكمة تمييز العراق رقم 1889/959 في 5/1/1960، مجلة القضاء العدد 1/2 لسنة 1960؛ قرار محكمة التمييز الاردنية رقم 1118/90 مجلة نقابة المحامين الاردنية ص1194 لسنة 1992؛ قرار محكمة التمييز السورية 446 في 30/5/1967 م284/1967، ممدوح العطري واسعد الكوراني، قانون البينات في الفقه والاجتهاد القسم الاول؛ المطبعة الحديثة سوريا، ص240؛ قرار محكمة النقض المصرية نقلا عن الاستاذ فريد فتيان، التعبير عن الارادة، بغداد 1965، ص43.
11- د. سليمان مرقس، شرح القانون المدني الالتزامات، ج2، ص152.
12- د. عبد الرزاق السنهوري, مصادر الحق في الفقه الاسلامي, معهد الدراسات العربية العالية, جامعة الدول العربية, 1953-1954 ، ج2، ص98.
13- د. عبد المجيد الحكيم, مصادر الالتزام, ط5, مطبعة نديم, بغداد ، ج1، ص142؛ الغلط عيب من عيوب الرضا من خلال نظرية سلطان الارادة (بحث) بقلم السيد الحبيب العش، مجلة القضاء والتشريع تصدر عن وزارة العدل التونسية العدد (5) لسنة (22) شوال 1411هـ، ماي 1991م. ص48؛ (الغلط هو وحالة تعرض للنفس تحملها على توهم غير الواقع) منير القاضي، ملتقى البحرين، ص188؛ (الغلط هو عدم توافق الارادة الحقيقية، اي الباطنة، مع الارادة المعير عنها، اي الظاهرة) د. عبد المجيد الحكيم. مصادر الالتزام ج1 ص126 عن الفقه الفرنسي سالي الاعلان عن الارادة ص11.
14- د. انور سلطان, النظرية العامة للالتزام, مصادر الالتزام, ج1, دار المعارف, الاسكندرية, 1965 ، ج1، ص150؛ د. محمد فتح الله النشار, احكام و قواعد عبء الاثبات, دار الجامعة الجديدة للنشر, مصر, 2000، ص211؛ د. نبيل ابراهيم سعد, الاثبات في المواد المدنية و التجارية, منشأة المعارف, الاسكندرية 2000م ، ص176؛ د. احمد حشمت ابو ستيت, نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد, مصادر الالتزام, ط3, مطبعة مصر, 1954 ، ص152.
15- د. عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ج1، ص141.
16- قرار محكمة تمييز العراق رقم 2065، حقوقية، 66 في 15/11/1966، قضاء محكمة التمييز المجلد الرابع ص102؛ الاستاذ ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، منشورات مركز البحوث القانونية، بغداد 1988، ص166.
17- قرار محكمة تمييز العراق رقم 576/ب/1948، العلام ، المبادئ القضائية، ص272.
18- استشناف مصري مجلة المحاماة 23 ص219 نقلا عن الاستاذ فريد فتيان، التعبير عن الارادة في الفقه الاسلامي والفقه المدني، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم معهد البحوث للدراسات العربية، بغداد 1965، ص49.
19- احمد الكبيسي، مصادر الغبن والتعزيز في عقد البيع في الفقه اسلامي، مجلة العلوم السياسية والقانونية جامعة المستنصرية، العدد (2) لسنة 1977، ص170.
20- منير القاضي, ملتقى البحرين, مطبعة العاني بغداد, 1951 ، ص196.
21- منير القاضي, ملتقى البحرين, مطبعة العاني بغداد, 1951 ، ص197.
22- السنهوري، نظرية العقد، ص391.
23- د. ادريس العبدلاوي, وسائل الاثبات في التشريع المدني المغربي, القواعد العامة, ج1.ط1, 1971 ، ص229؛ د. امجد محمود منصور, النظرية العامة للالتزامات, مصادر الالتزام, ط1, دار الثقافة للنشر و التوزيع, عمان, الاردن, 2001 ، ص111؛ د. عدنان ابراهيم السرحان, د. نوري حمد خاطر, مصادر الحقوق الشخصية, دار الثقافة النشر و التوزيع, عمان, الاردن, 2001 ص156؛ د. عبد المنعم فرج الصره, محاضرات في القانون المدني, نظرية العقد في قوانيين البلاد العربية, ج3, معهد الدراسات العربية, جامعة الدول العربية, 1959 ، ج1، (التراضي)، ص187؛ د. محمد جابر الدوري، عيوب الرضا ومدلولاتها الفلسفية في التشريعات المدنية، طبعت بمطبعة الشعب، بغداد، ص92؛ د. محمد فتح الله النشار, احكام و قواعد عبء الاثبات, دار الجامعة الجديدة للنشر, مصر, 2000 ، ص312.
24- قرار محكمة تمييز العراق رقم 196 /م2/972، النشرة القضائية، العدد2 السنة الثالثة، ص12، نقلا عن الاستاذ ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية لمحكمة التمييز. القسم المدني.
25- قرار محكمة تمييز العراق رقم 1507/ح/1956 في 7/11/1956، المبادئ القضائية، القسم المدني، لأحكام محكمة التمييز، عبد الرحمن العلام، مطبعة العاني، بغداد، 1957م ، ص129.
26- قرار محكمة التمييز رقم 556/ب/1948 في 18/11/1948 نقلا عن الاستاذ عبد الرحمن العلام، المبادئ القضائية لمحكمة التمييز، ص165.
27- قرار محكمة النقض المصرية رقم 20/2/1936، مجموعة القواعد القانونية ج1، ص1049 رقم 327.
28- نقض سوري 747 في 8/4/1958. ق239/1958 نقلا عن ممدوح العطري واسعد الكوراني، قانون البينات في الفقه والاجتهاد، القسم الاول، المطبعة الحديثة، حماة، ص232.
29- د. السنهوري، الوسيط ج1، ص286؛ د. توفيق حسن فرج، نظرية الاستغلال في القانون المدني، منشأة المعارف الاسكندرية، 1966، ص10؛ عبد المنعم فرج الصدة، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت سنة 1971، ص261؛ د.محمد جابر الدوري، عيوب الرضا ومدلولاتها الفلسفية في التشريعات المدنية، ص123؛ د. عبد المجيد الحكيم, مصادر الالتزام, ط5, مطبعة نديم, بغداد ، ج2 ص173.
30- د. حسن علي الذنون, النظرية العامة للالتزامات, طبع على نفقة الجامعة المستنصرية, بغداد, 1976م ، ص102 و 107؛ د. عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام ص176؛ د. عباس العبودي، نظرية الرجحان ودورها في الاثبات المدني، مجلة الرافدين، كلية القانون، جامعة الموصل، العدد (4) 1998م ، ص67؛ د. رمضان ابو السعود، الوجيز في مبادئ الالتزام، ص63؛ عبد المنعم فرج الصدة، مصادر الالتزام، ص226؛ د. محمد فتح الله النشار, احكام و قواعد عبء الاثبات, دار الجامعة الجديدة للنشر, مصر, 2000 ، ص313.
31- د. حسن علي الذنون، النظرية العامة للالتزامات، ص102؛ د. عبد المجيد الحكيم مصادر الالتزام، ص176.
32- منير القاضي, ملتقى البحرين, مطبعة العاني بغداد, 1951 ، ص204.
33- قرار محكمة التمييز رقم 2096/959 في 27/1/1960 نقلا عن احكام القضاء العراقي على مواد القانون المدني، عبد العزيز السهيل المحامي، مطبعة دار التضامن للطباعة والنشر، بغداد، 1963 ، ص138.
34- نقض مدني مصري في 2/1/1941، مجموعة عمر ج2، ص196 رقم 89؛ نقض مدني مصري في 19/4/1943، مجموعة عمر ج4 ص192 رقم 55، نقلا عن د. محمد فتح الله النشار, احكام و قواعد عبء الاثبات, دار الجامعة الجديدة للنشر, مصر, 2000، ص315.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|