أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-05
![]()
التاريخ: 2024-07-04
![]()
التاريخ: 2024-03-17
![]()
التاريخ: 2024-05-18
![]() |
على أن قيام مثل هذا النظام الإداري والحربي وحسن سيره كان لا يتأتى إلا بالطريقة الفعَّالة والأنظمة الحكيمة التي يُقرِّرها الفرعون بنفسه، ولما كان الفرعون وبلاطه هو المصدر الوحيد الذي منه يَستَمِدُّ كلُّ الشعب حياته وسعادته، فإن كأنه لزامًا عليه أن يكون قادرًا على صرف العطايا لكل هؤلاء الموظفين بطريقة منظمة لا يعتريها تقصير أو خلل، وبذلك يمكنه أن يضمن حسن سير رعيته ورغبتهم في خدمته. والواقع أن هذه كانت هي الحالة المتَّبعة في عهد الدولة الحديثة، وقد استمرت هكذا بصورة تدعو إلى الإعجاب والدهشة مدة تُربِي على قرن من الزمن، على الرغم مما كان ينتاب البلاد من وقت لآخر من اضطرابات أو ثورات داخلية. ولا شك في أن الدخل الذي كان ينفق منه الفرعون على مبانيه الضخمة وتماثيله الثمينة والآلات وأدوات الزينة، وكذلك على بلاطه وعلى المعابد لا ينفد معينُه، وكان الفرعون يعتمد على جزء هام من هذا الدخل من خراج أملاكه ومصانعه، ولكن الجزء الأعظم، كان يأتي إليه عن طريق نظام الجزية الدقيق الذي كانت تسير بمقتضاه البلاد، وأول أبواب هذه الجزية كان خراج الأطيان المنزرعة عدا أملاك الكهنة أو أملاك المعبد فقد كانت مُعفاة من الضرائب، والظاهر أنه كان يُجبَى من الأراضي عشرون في المائة من محصولها، كما ذُكر ذلك في تقارير بني إسرائيل عن الحالة المالية في عهد يوسف — عليه السلام — فقد أدخل يوسف — عليه السلام — قانون جباية الخُمْس بمثابة خراج على الأرض المنزرعة وهو ما كان يُعطاه الفرعون، وكانت أراضي الكهنة وحدهم هي التي لا تُعَدُّ من أملاكه (راجع Gen. 27, 26 ). وهذه الجزية الفاحشة لا يمكن الإنسان أن يتصوَّر فرضها إلا على أرض خصبة مثل الأراضي المصرية الغنية التربة، وعلى هذا النمط كانت تُضرب الضرائب على كل فرع من المحاصيل وعلى ما تُنتجه الصناعات، هذا فضلًا عن الضريبة التي كانت تُفرض على الماشية والأشجار، ولتنفيذ مشاريع المرافق العامة كحَفْر التُّرَع والمحافظة على صلاحيتها وغير ذلك من مرافق الحياة، والظاهر أنه كانت تُفرض ضريبة على الرؤوس. أما الحالة المدنية في البلاد وثروة كل أسرة فكانت تُوضع لها قوائم يُدوَّن فيها عدد أفرادها وحالتهم. ثم تأتي بعد ذلك أعمال السُّخْرة التي كانت تقتضيها الأحوال، وبخاصة لإقامة المباني العظيمة التي كانت تُقام في طول البلاد وعرضها، وقد كانت أعمال السخرة من الأعمال الأساسية. وعندما كانت تشتد الحاجة إلى الأيدي العاملة كان أولو الشأن يستخدمون أسرى الحرب والأفراد الذين كانوا يُجلَبون إلى البلاد بصفة جزية لإنجاز هذه الأعمال. ولقد كان من الضروري لحفظ كيان الحكومة المصرية فضلًا عن سياسة الحروب والفتح في الأقاليم المجاورة أن تُستَورَدَ منتجات البلاد الأجنبية، وبخاصة أخشاب بلاد «لبنان» اللازمة للبناء وصنع السفن المقدسة والأسطول، ومصنوعات بلاد «سوريا»، ومحاصيل مناجم بلاد «النوبة» «وشبه جزيرة سينا». أما أهم هذه المحاصيل وأعظمها لتسيير أمور الدولة فكان ما تُخرجه مناجم جبال بلاد النوبة من الذهب جزية سنوية تُدفع إلى مصر، إذ الواقع أن استيلاء الفرعون على هذا المعدن الثمين قد جعل له المنزلة الأولى التي لا تُجارَى بين كل ممالك العالم المتمدين وقتئذٍ، وبخاصة في العلاقات السياسية؛ إذ كان يُعَدُّ أمضى سلاح يَهزِم به أقوى أمة من البلاد المجاورة له، كما كان وسيلة حسنة لجمع القلوب حوله في مصر ذاتها. فقد كان الفرعون يبذل العطايا من الذهب على الدوام في هيئة حلقات وقلائد للشجعان من ضباطه وموظفيه المرة بعد المرة، ولا أدلَّ على ذلك من أمير البحر «أحمس بن أبانا» فقد نال ذهب الشجاعة سبع مرات. وكان الفرعون يكنز القناطير المقنطرة من هذا المعدن في خزائنه، وكانت محاصيل جبال بلاد النوبة لا ينضب معينُها في هذه الفترة من الزمن كما ذكرنا عند الكلام على غزوات ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وما كان يُدفع لهم من جزية من الذهب والفضة. ولا نزاع في أن مَن نظر نظرة سطحية إلى نظام الحكم تحت سلطان ملوك طيبة يجد أنه لا يختلف عنه في عهد الأسرة الرابعة؛ أي إن الفرعون كان يسيطر على البلاد سيطرة مطلقة بوصفه إلهًا، وأن جيش الموظفين الذين كانوا يديرون دفة البلاد لا يختلفون عن نظرائهم في عهد الأسرة الرابعة، غير أن مَن فحص الأمور في عهد الأسرة الثامنة عشرة بعَينٍ ثاقبة يَجِدْ هناك فرقًا أساسيًّا بينها وبين الأسرة الرابعة؛ وذلك لأن الثقافة والحالة العالمية وطرق المعيشة قد تطورت تطورًا عظيمًا؛ إذ الواقع أن الدولة القديمة بالنسبة للدولة الحديثة كبلد محكوم حكمًا استبداديًّا مطلقًا ودولة محكومة حكمًا استبداديًّا مستنيرًا حتَّمتْه نظرية الرقيِّ والنشوء التي استلزمها مرور ما لا يقل عن ألف وخمسمائة سنة من الزمن في بلاد كانت تسير مع الزمن في تقلباته، فنجد أن الحالة الاقتصادية التي انتهتْ بالدولة القديمة إلى جعل البلاد مقسمة إقطاعات لا نجدها في عهد الدولة الحديثة، وعلى ذلك كانت السُّبُل مهيَّأة للدولة لا يعوقها أي عائق في تنفيذ أغراضها في الداخل والخارج على السواء. ومن ثَمَّ جاءت فكرة الدولة والسيطرة العالمية (أي الإمبراطورية)، ولقد كانت الفرصة سانحة؛ لأن المصريين عندما قهروا الهكسوس وطردوهم إلى «آسيا» فُتحت أمامهم الطريق لتأسيس إمبراطورية عظيمة فيها. وقد وجدنا هذه الفكرة مختمرة في رأس «أحمس الأول» عندما نَطَقَ بتصريحه عن سلطة الملكية ومدى نفوذها إنه إلهٌ وابن الإله، وليس في مقدور أحد أن يقاومه، وكل الشعوب رعاياه، وإنه يضع حدوده في نهاية العالم، على أننا نرى في الوثائق التي تركها لنا أخلافُه أنهم كانوا يُبالِغون أكثر منه في التعبير عن مدى اتساع ملكهم وسلطانهم، وعندما احتلَّتْ مصر هذه المكانة أصبحتْ خلال مدة المائة سنة التي تَلَتْ تأسيس الأسرة الثامنة عشرة، الدولة العظمى التي تقود ثقافة العالم، هذا إلى أنها في داخليتها قد خرجت بذلك من نطاق التقاليد القديمة التي كانت تحيط بوادي النيل؛ ومن ثَمَّ نضجت ثقافتُها وآتتْ أُكُلَها في كل النواحي، ومع ذلك بقيت في عظمتها وعزلتها في أحوالها الداخلية مثلًا لم يُسمَع به عن أي دولة أخرى في العالم.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|