أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-6-2016
3913
التاريخ: 3/10/2022
2101
التاريخ: 21-7-2022
6668
التاريخ: 23-6-2016
8021
|
العلة هي المدار في استنباط حكم المسألة أو الواقعة التي لم تتناولها ألفاظ النص التشريعي ، إذ إن القاضي ينظر إلى علة الحكم الذي تناولته ألفاظ النص ، فإن وجد هذه العلة نفسها متوفرة في واقعة الدعوى المفتقرة إلى الحكم وهي لا تختلف عنها في قوتها ، أي متحققة بالقوة نفسها في الواقعة موضوع النزاع ، يكون القاضي قد أستنبط الحكم من فحوى النص لكون العلة واحدة في الواقعتين حينئذ .
فقد نص المشرع العراقي على أنه (يجوز للمحكمة أن تنقص مقدار التعويض أو ألا تحكم بتعويض ما إذا كان المتضرر قد اشترك بخطئه في أحداث الضرر أو زاد فيه أو كان قد سوأ مركز المدين) (1) ولدى المشرع المصري نظير هذا النص مع اختلاف الصياغة، إذ نص أنه (يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أو ألا يحكم بتعويض ما ، إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في أحداث الضرر أو زاد فيه)(2).
فلو عرضت على القاضي مسألة أو واقعة فيها إن سببا أجنبيا -آخر غير الدائن- اشترك مع المدين في أحداث الضرر، وهذه الواقعة لم تتناول حكمها ألفاظ النصين أعلاه ، بل تناولنا فقط إذا اشترك الدائن مع خطأ المدين في أحداث الضرر ، وقررتا حكما قانونيا ، فللقاضي في هذه الحالة أن ينقص التعويض أو أن لا يحكم به . وعلة هذا الحكم إن خطأ المدين لم يستغرق لوحده كل الضرر الذي حصل ، ومن العدل أن لا يحمله القاضي تعويضا لم يكن متأت من خطئه ، وفي وسع القاضي أن يعطي الحكم ذاته الذي تضمنه النصان التشريعيان المتقدمان إلى الواقعة أعلاه موضوع النزاع ؛ وذلك لأن مناط الواقعتين واحد ، أي لاتحاد العلة التي ذكرناها بين الواقعتين ، أي في حالة اشتراك سبب أجنبي مع خطأ المدين يكون أيضاً خطأ المدين لم يستغرق كل الضرر الذي حصل ، وبهذا يكون القاضي استنبط من فحوى النصين حكما قضائيا لواقعة النزاع المعروضة عليه.
وقد ذهبت محكمة التمييز بقرار لها حول اشتراك الدائن في أحداث الضرر مع المدين إلى مبدأ مفاده: ( إذا كان مالك السيارة المحجوزة لم يتابع ويراجع الشخص لاستلامها بعد رفع الحجز عنها واهمل في ذلك كما ان الشخص الثالث المودعة لديه السيارة قد قصر في واجبه في المحافظة عليها حيث وجدت متضررة عند التسليم فيتعين على المحكمة الاستعانة بالخبراء لتحديد نسبة تقصير كل منهما وتفصل في الدعوى في ضوء ذلك)(3).
ووقع الخلاف بين فقهاء القانون كما هو واقع بين الأصوليين، هل الحكم الذي يتوصل إليه القاضي من فحوى النص تكون الدلالة عليه دلالة لفظية أم دلالة قياسية ؟ ويريدون بذلك هل الدلالة من فحوى النص من قبيل القياس المعروف في المنطق بالتمثيل بوصفه أحد طرق الاستدلال المنطقي ، الذي قد يُعبر عنه (بقياس النظر) أو (قياس المماثلة) ، ويُعبر عنه بالفقه والأصول لدى بعضهم (بالقياس الخفي) ، وفيه يتوصل القاضي إلى الحكم عن طريق المماثلة والمشابهة بين واقعتين المقيس والمقيس عليها ، فذهن القاضي ينتقل من حكم أحدى الواقعتين إلى حكم الواقعة الأخرى للتشابه بينهما في العلة الموجبة للحكم ، فإذا وجد القاضي حالة نظمها المشرع تكون مشابه للحالة المعروضة عليه التي لم يجد لها نصا تشريعيا يحكمها ، فيطبق حكم الحالة الأولى على الثانية وأساسه في ذلك إن الحالات المتماثلة في الطبيعة يجب أن يكون حكمها واحد (4)
فهناك من فقهاء القانون من ذهب إلى أنه لا فرق بين فحوى الموافقة للنص والقياس الخفي ، سواء أدرك القاضي العلة من لغة النص أم من بذله الجهد وأبداء الرأي (5) ، وهناك من اظهر فرقا بينهما على اساس أن ادراك العلة في الفحوى بلغة النص بينما إدراك العلة في القياس الخفي تكون بالاجتهاد والرأي (6) ، فالمهم لدى الاتجاه الأول أن القاضي يستنبط حكما غير منصوص عليه بالقياس إلى حكم منصوص عليه لاتحادهما في العلة ، أيا كان الطريق لأدراك هذه العلة .
والباحث مع الاتجاه الأول ؛ لأن فحوى النص التشريعي والقياس الخفي (قياس التمثيل) كلاهما يفترضان وجود واقعة نص عليها المشرع وبين حكمها ، وواقعة أخرى لم ينص عليها ولكنها تتفق مع الأولى في العلة ، فعن طريق القياس يسري حكم الواقعة الأولى إلى الواقعة الثانية .
وهناك من يرجح ما ذهب إليه الرأي الآخر ويرى لكل من فحوى الموافقة للنص الذي أطلق عليه مفهوم الموافقة وهي تسمية أخرى لها لدى الأصوليين وللقياس الخفي مجاله فمجال الأول حال وجود نص بينما مجال الثاني في حال عدم وجود النص ، وهذا تحديد واضح للقاضي ، فيما إذا عُرضت عليه مسألة أو واقعة فيها نص تشريعي يسري عليها أو عُرضت عليه مسألة أخرى لم يرد فيها نص (7) .
وهناك من لا يوافقهم على ما ذهبوا إليه من أن القياس الخفي مجاله في حالة عدم وجود النص ؛ لأنه كيف لنا أن نتصور ان تطبيق القياس في هذه الحالة إذ من أركانه (الأصل) وهو الحالة المقيس عليها التي ورد فيها نص قد تضمن حكمها ، إلا إذا أرادوا بذلك التفرقة بين القياس التشريعي ليعدوه موردا لفحوى الموافقة ، والقياس القانوني ليعدوه موردا للقياس الخفي ، والأول يتكون من تطبيق نص ينظم حالة معينة على أخرى غير منصوص عليها لوجود تشابه في العلة بين الحالتين ، وأما القياس القانوني هو قياس حالة لم يرد بشأنها نص ، فيلجأ القاضي إلى قياسها على مبدأ قانوني وروح النظام القانوني ، أي في حالة عدم النص يتعين على القاضي أن يستخلص المبدأ القانوني من مجموع النصوص التشريعية ليكون هو المقيس عليه ، فيُعدُّ هذا المبدأ مصدرا للقياس، ومن ثم يستنبط القاضي منه حكم القضية المنظورة من قبله بدلا من النص التشريعي المنفرد. ومثال ذلك ما نص عليه المشرع العراقي من انه إذا) عقد الإيجار دون اتفاق على مدة أو عقد لمدة غير محددة أو إذا تعذر إثبات المدة المدعى بها فيعتبر الإيجار منعقداً للمدة المحددة لدفع الأجرة وينتهي بانقضاء هذه المدة بناء على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبه المتعاقد الآخر بالإخلاء في المواعيد الآتي بيانها...) (8) فنلاحظ في هذا النص طبيعة التنبيه بالإخلاء فهو تصرف قانوني يتم بالإرادة المنفردة لمن صدر عنه ، ولا يعد أرادة منفردة بالمعنى الوارد في المادتين 184 و 185 من القانون المدني العراقي ؛ لأن الإرادة المنفردة في هاتين المادتين تعتبر مصدرا من مصادر الالتزام ، في حين أن دور التنبيه بالإخلاء - المذكور في النص المتقدم إنهاء عقد الإيجار الذي لم تكن مدته محددة ، أي إنهاء مصدر الالتزام، ويترتب على ذلك عدم وجود نص تشريعي ينظم هذا التصرف وأحكامه لذا يتعين على القاضي الحكم لمعالجة هذه المسألة بطريق القياس من النصوص التشريعية النافذة ، وهذا الاستنباط يؤدي إلى القول بإن تسري على هذا التصرف الأحكام القانونية التي تسري على العقد إلا ما يتعلق منها بضرورة تطابق الإرادتين ؛ وذلك لاقتصاره على إرادة واحدة هي إرادة من صدر التنبيه بالإخلاء منه (9).
والسؤال الذي يفرض نفسه في مورد البحث ، هل أن المشرع العراقي أقر حجية القياس الخفي في العمل القضائي؟ بعد الفراغ من كون فحوى النص أحد قنوات الاستنباط القضائي في التوصل إلى الأحكام والفصل في الدعوى .
إذا رجعنا إلى نصوص القانون المدني فلن نجد نصا صريحا في هذه المسألة غير أن المشرّع نص في المادة (3) منه على أن ما ثبت على خلاف القياس فغيرة لا يُقاس عليه) ، وبناءً على هذا النص أن هناك رأياً في الفقه يفترض أن المشرع أقر حجية القياس الخفي ناهيك عن أخذه بفحوى النص ، واستند في ذلك إلى فحوى المخالفة أو على حد تعبيرهم طبقا لمفهوم المخالفة للنص المذكور أعلاه ، على اساس من أن المشرع منع القياس ، وكان شرط هذا المنع إذا كان المقيس عليه نصا استثنائيا من القواعد العامة فلا يجوز التوسع في تطبيقه على الحالات المشابه ، فهو خلاف القياس لذا لا يقاس عليه ، ولو انتفى هذا الشرط يفهم من النص ان القياس يعمل به حينئذ إذا لم يكن النص المقيس عليه استثنائية (10) .
وليس لدى المشرع المصري نص نظير نص المشرع العراقي أعلاه (11) ، وكذلك ليس لدى المشرع الفرنسي نظيره ، لذا وقع الخلاف فيه ، إذ أعده الفقه الفرنسي التقليدي وسيلة من وسائل تفسير إرادة المشرع بأعماله على الحالات الأخرى بينما عده الفقيه جيني أنه مُكمّل للتشريع لا مفسر له بما يتطلب من مقتضيات العدالة والصالح العام ، فهو عنده وسيلة من وسائل البحث العلمي(12).
____________
1- المادة ( 210 ) القانون المدني العراقي .
2- المادة (216) القانون المدني المصري.
3- قرار محكمة التمييز 705 / مدنية أولى/ 1992 في 1992/7/28 ، نقلا من: عواد حسين ياسين ، تفسير النصوص القانونية بأتباع الحكمة التشريعية من النصوص، المركز العربي للنشر والتوزيع، مصر، 2019 ص 222
4- د. محمد أديب صالح ، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ، مج 1 ، ط5، المكتب الإسلامي ، بیروت ، 2008 ، ص 590 .
5- د. عبد الرزاق السنهوري ، علم أصول القانون، مطبعة فتح الله الياس نوري وأولاده، مصر، 1936، ص 115 . عبد المنعم فرج الصده ، أصول القانون، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر ، 1965، ص 265 . د. محمد حسن قاسم ، المدخل لدراسة القانون ، مصدر سابق ، 2006، ص 405 .
6- د. فايز محمد حسين ، دور المنطق القانوني في تكوين القانون وتطبيقه ، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 2011 ، ص 269. عواد حسين ياسين ، تفسير النصوص القانونية بأتباع الحكمة التشريعية من النصوص، المركز العربي للنشر والتوزيع، مصر، 2019 ، ص 245-246.
7- د. محمد أديب صالح ، مصدر سابق ، ص592
8- المادة (741) القانون المدني العراقي .
9- عواد حسین یاسین ، مصدر سابق، ص 247-248. د. محمود السقا ، المنطق القانوني والمنطق القضائي ، دار الثقافة العربية ، القاهرة ، 2001، ص219. د. محمد شريف أحمد ، مصدر سابق، ص 305 و ص 314. ويلاحظ أن المادة 184 من القانون المدني العراقي قد نصت على انه (1- لا تلزم الإرادة المنفردة صاحبها إلا في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك ويسري عليها ما يسري على العقد من الأحكام إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء الالتزام) . ونصت المادة 185 على أن (1) من وعد بجعل يعطيه لمن يقوم بعمل معين التزم بإعطاء الجعل لمن قام بهذا العمل حتى لو قام به دون نظر إلى وعد 2 واذا لم يحدد الواعد اجلا للقيام بالعمل جاز له الرجوع في وعده على ألا يؤثر ذلك في حق من قام بالعمل قبل الرجوع في الوعد وتسقط دعوى المطالبة بالجعل اذا لم ترفع خلال ستة اشهر من تاريخ إعلان العدول ) .
10- د. محمد شريف أحمد ، نظرية تفسير النصوص المدنية مطبعة وزارة الاوقاف والشؤون الدينية بلا مكان نشر 1982 ص 334-335 و ص339-340 .
11- يُلاحظ ان القانون التجاري المصري رقم 17 لسنة 1999 قد تضمن ما يشير صراحة اللجوء إلى القياس ، فنصت المادة (7) منه على ان ( يكون عملا تجاريا كل عمل يمكن قياسه على الأعمال المذكورة في المواد السابقة لتشابه في الصفات والغايات). فبمقتضي هذا النص إن المشرع المصري قد بين المنهج الواجب اتباعه لأجل عدثمة عمل لم يرد ذكره في التعداد التشريعي للأعمال التجارية من قبيل هذه الأعمال ، وإنه أفصح عن علة القياس تكمن في التشابه في الصفات والغايات . فلقانون التجاري المصري انتهج نهجا تشريعيا سمح بمقتضاه في اتساع نطاق اللجوء إلى القياس . وعليه لو عرض عمل معين في الدعوى المنظورة ، ولم يكن منصوصا عليه بكونه عملا تجاريا ، فالقاضي يقوم بأعمال الاستدلال القياسي لأجل تحديد طبيعة العمل المعروض عليه ، فتتكون صورة القياس من الكبرى التي تضم نصوص المواد 4-7 من القانون التجاري المصري، والمقدمة الصغرى وهي وجود عمل يتشابه في صفته وغايته مع الأعمال المنصوص عليها في المواد المذكورة في المقدمة الكبرى والنتيجة وهي ثبوت الصفة التجارية لهذا العمل .
أنظر : د. فايز محمد حسين ، دور المنطق القانوني في تكوين القانون وتطبيقه ، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 2011 ، ص10 و ص 280. ولكي لا يختلط الأمر بين الاستدلال القياسي وقياس التمثيل قياس (التشابه ، نشير إلى أن ما ذكره المشرع المصري في القانون التجاري هو قياس التمثيل والتشابه وهذا ما يوحي به نص م 7 أعلاه ، أذ ورد فيه لفظ التشابه ، فقياس التمثيل أو التشابه هو القياس الفقهي (القياس الخفي) ويكون الاستدلال فيه بالانتقال من جزئي إلى جزئي من واقعة إلى واقعة أخرى) بينما الاستدلال القياسي يكون الانتقال فيه من كبرى إلى صغرى أي من عام إلى خاص ، وفي ضوء نصوص القانون التجاري المصري الواردة في تحديد الأعمال التجارية ، فالقاضي في استدلاله لاستنباط حكم العمل غير المنصوص عليه ينتقل من عمل تجاري محكوم بنص إلى عمل آخر موضوع الدعوى وهو غير منصوص عليه يتشابه معه ، وعليه تكون صورة القياس متكونة من أربعة أركان : الأصل (المقيس عليه): وهو العمل التجاري الذي فيه نص ، والفرع ( المقيس): العمل الذي يبحث القاضي في حكمه هل هو تجاريا أم مدنيا ، العلة : الغاية والوصف الذي ابتنى عليه حكم الأصل ، الحكم (النتيجة) : عد العمل موضوع الدعوى تجاريا ؛ لانه صفته تشبه صفة العمل التجاري الذي نص عليه القانون التجاري المصري. ولم يرد في قانون التجارة العراقي رقم 30 لسنة 1984 النافذ مثل النص المتقدم، لذا وقع الخلاف بين شراح هذا القانون هل أن الأعمال التجارية التي عددها المشرع واردة فيه على سبيل الحصر أو على سبيل المثال.
12- د. محمد شريف أحمد ، مصدر سابق، ص 314313 و ص 338 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|