المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28



جوهر النص القانوني وموضوعه  
  
1081   11:59 صباحاً   التاريخ: 2024-03-21
المؤلف : علي محمود حميد
الكتاب أو المصدر : ديمومة النص في القانون المدني
الجزء والصفحة : ص 48-58
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون المدني /

لا يستقيم النص التشريعي الا بموضوع يعالجه او جوهر يميزه عن غيره من النصوص القانونية ويعرف به ، ولذا فان لكل نص قانوني موضوع معين ، يكون جزءا من مجموع الموضوع العام الذي دعت الحاجة اليه الى تشريع قانون ما ، في سبيل تنظيمه ووضع القواعد والأسس العامة لبيان نطاقه والاطار العام الذي يستند اليه ، وسواء اكانت مادة هذا النص التشريعي تتعلق بموضوع شكلي وتحديد الإجراءات اللازمة لممارسة الحقوق ، ام تعلقت بوضعها حلا موضوعيا لمسألة ما او واقعة قانونية معينة ، فان هذا الموضوع يكون من الضروري التطرق اليه اذ لولاه لما اكتملت ابعاد هذا الموضوع الذي شرع القانون من اجله .
ان ( جوهر القانون ) يعني المادة الأولية التي تدخل في تكوين القاعدة القانونية وأيضا مجموعة العوامل التي تحيط بها ، أي انها وكما يعبر عنها فلاسفة القانون ( القوى الخلاقة للقانون ) (1) ، وجوهر القانون أيضا هو مضمون القاعدة القانونية والذي يعد بمثابة الغاية المرجوة والهدف المبتغى من وجودها ، بمعنى آخر فان جوهر القانون هو مجموع القيم الاجتماعية والمثل العليا التي يبتغي المشرع إقرارها وفرضها على الافراد بموجب مواد وقواعد قانونية يعبر عنها بصيغة معينة وتكون صالحة للتطبيق العملي (2) ، ولا ينبغي ان يذهب الذهن الى ان جوهر القانون يعني بالضرورة هو الموضوع الحرفي الذي جاءت به القاعدة القانونية ، وانما قد يكون هذا الجوهر في روح النص وفحواه إذ ان التعبير عن مضمون القاعدة القانونية يكون فضفاضا يسمح لموضوع هذه القاعدة القانونية ان يتسم بالمرونة التي تتطلبها معالجة مثل هكذا مواضيع قانونية ، ومن ثم فان السعي الى استقطاب المصالح البشرية ومحاولة درء وابعاد المفسدة عنها انما هي غاية سامية للقانون والتي يعبر عنها بروح القانون (3) .
ان القوانين الصادرة عن المشرع تستهدف تحقيق المصلحة العامة ، ولا ينبغي ان ينسب الى المشرع بانه اصدر قانونا لم يستهدف فيه تحقيق المصلحة العامة ، ولذلك فان انحراف السلطة التشريعية عن المقصد الحقيقي للتشريع واستهدافه لأغراض خاصة هو امر قد يكون من الصعب اثباته ، الا اذا اجتمعت عيوبا أخرى الى جانب هذا العيب تدل عليه وتبرزه ، اذ قد يهدف التشريع الى الاضرار بمصلحة جماعة معينة على غير ما تقتضيه المصلحة العامة او تحقيق مصلحة لفرد أو فئة معينة خلافا لمبدأ العدالة الاجتماعية (4) .
ولا يقتصر موضوع التشريع وجوهره بالغاية منه فقط وانما بالإضافة الى ركن الغاية فانه يتضمن ركني المحل والسبب ، ويتمثل المحل بالأثر المترتب على وجود القانون والذي يتحقق من خلاله والذي يجب ان يكون منسجما مع النصوص الدستورية ويعد هذا الركن الموضوعي من الأهمية بمكان اذ انه بتخلفه يُقضى بعدم دستورية التشريع كمبدأ المساواة امام القانون وحظر التمايز فيما بين المواطنين ، ومع ذلك فانه لا يُقصد بهذه المساواة هي المساواة العددية او الفعلية وانما مساواة الافراد امام القانون عندما تتماثل المراكز القانونية فيما بينهم ، اما بالنسبة لسبب اصدار التشريع فأنه يتمثل بالحاجة الفعلية والمصلحة المعتمدة التي دعت الى اصدار القانون ، والمشرع له سلطة تقديرية في اصدار القوانين في أحيان كثيرة الا انها قد تكون مقيدة في أحيان اخرى ، ومهما كانت سلطة المشرع التقديرية واسعة فإنها يجب ان لا تتجاوز الحدود الدستورية في انتزاع الحقوق او التقليل منها الا على وفق ما يسمح به الدستور ووفق الضوابط المرسومة من قبله ؛ لان مخالفته تعد من الخطورة بمكان (5) .
ومن المعايير والمبادئ الموضوعية العامة التي تسهم في ديمومة النص القانوني ، مبدأ استقرار التشريع ومبدأ توقعية التشريع ومبدأ فاعلية التشريع ، إذ ان لكل من هذه المبادئ اثره البالغ في مقبولية التشريع لدى الافراد ومن ثم ديمومته ، ويعد مبدأ الاستقرار التشريعي (6) من المبادئ التي تدخل في تدعيم الامن القانوني ، ولا نقصد بالاستقرار التشريعي هنا ان تعطل عجلة التطور القانوني بإيجاد تشريعات تواكب التطور الإنساني وتلامس طموح الافراد في إيجاد التشريعات التي تحقق مصالحهم وتنميها ، وان الضعف الذي يشوب هذا المبدأ يخلق لنا تشريعات متعاقبة التي من شأنها تجعلنا امام النصوص القانونية المباغتة التي تسبب نفور الافراد منها وذلك بسبب انها قد تؤدي الى الاضرار بمراكزهم القانونية والحقوق المكتسبة المتولدة عنها الامر الذي يزعزع ثقة الفرد بكفاءة التشريع (7)
ويعد مبدأ التوقع المشروع من الأمور المهمة في ارساء اركان ديمومة النص القانوني ، ويكون ذلك من خلال الاطمئنان الذي يشعر به الفرد تجاه ما يود القيام به من تصرفات قانونية قائمة على حد ادنى من المعقولية القانونية ، اذ انه من العدالة حماية الثقة والتوقعات المشروعة التي نشأت بين الأفراد واضحت متداولة فيما بينهم ، وعدم جواز حصول تغييرات مفاجئة في التشريعات والتي من شأنها ان تحطم تلك التوقعات المشروعة (8) ، وقد تمت الإشارة الى هذا المعنى في احد التعريفات التي سيقت للتوقع المشروع وتم تعريفه على انه ( عدم مفاجأة الافراد بتصرفات مباغته تصدرها السلطات العامة على نحو لم يتوقعه الافراد من شأنها زعزعة الطمأنينة والعصف بها ) (9) ، ويفهم مما تقدم ان على السلطة التشريعية ان تلتزم بان لا تصدر تشريعات مباغتة والتي من شأنها أن تصطدم مع التوقعات المشروعة التي تولدت لدى الافراد من خلال الثقة في النظام القانوني القائم ، ولا شك ان هذا الامر يسري أيضا على نية السلطة التشريعية في تعديل القوانين والتشريعات القائمة بهدف مسايرة ومواكبة التطور على الصعيد القانوني والتكنلوجي والاقتصادي وحتى الاجتماعي ، اذ يجب ان تكون هذه التعديلات على وفق برنامج معد ومدروس ووفق توقيتات زمنية معلنة تعطي للأفراد إمكانية تعديل وترتيب أمورهم وتصرفاتهم القانونية وحماية للثقة المتداولة في الأوساط الاجتماعية من نظام قانوني ما ، وبذلك فان لفكرة التوقع المشروع للتشريعات وحماية هذه الفكرة تعد قيمة قانونية كبيرة تسهم في استقرار وثبات موضوع وجوهر التشريع الذي هو من مقومات ديمومة النص القانوني .
ان القاعدة القانونية وجدت لتؤدي اغراضا معينة وتحقق أهدافا محددة وحسب الفلسفة التي يؤمن بها واضعها وهي تمثل الرؤية التي يجب ان يسير عليها المجتمع ، وهي لا تكون كذلك الا اذا كانت صحيحة من جهة المصدر ومؤثرة في المخاطبين بها ، اذ ان القاعدة القانونية تمثل وجهة نظر وإرادة السلطة التي تضعها الا انها ومن جهة أخرى تتعلق بإرادة الخاضعين لها من جهة استمراريتها وديمومتها ، وذلك لان النص التشريعي بما يتضمنه من قاعدة قانونية تحدد ما يجب ان يكون عليه سلوك الافراد لا بد ان يكون قادرا على ان يقوم بوظيفته بما يقدمه من اقناع ذاتي لدى الافراد بضرورة خضوعهم للقانون ، عن طريق استيفائها لكافة شروط صحتها وكذلك توفيرها واحتوائها على شروط نجاعتها وفاعليتها من خلالها تحقيقها لمصالح الافراد ومن ثم مقبوليتها لديهم (10) .
وفيما يتعلق بصحة التشريع ، فإنه يجب ان يصدر عن السلطة المختصة والمتمثلة بـ( مجلس النواب ) (11) وان يستوفي الشروط والمحددات والتوقيتات الدستورية والأصول العامة اللازمة لذلك ، والتشريع الذي يخالف الأطر والإجراءات التي رسمها الدستور يكون محكوما عليه بالإلغاء ، مثل ان يتطلب الدستور اغلبية معينة لإصدار بعض القوانين او ما اشترطه الدستور من توقيتات وإجراءات لإصدار تلك القوانين (12) ، كما ويجب أيضا مراعاة هرمية التشريع ، أي انه يجب ان يحترم القانون الأدنى مرتبة القانون الأعلى منه مرتبة في هذا الهرم التشريعي ، إذ لا يجوز ان يأتي القانون او التشريع العادي بأحكام تخالف المبادئ الواردة في الدستور ، ولا يجوز أيضا أن تصدر هذه القوانين خلافا للشروط والمحددات التي استوجبها الدستور بوصفه القانون الأعلى قيمة والاسمى مكانة في الدولة (13) ، اذ انه من المعروف والمستقر عليه ان التشريع العادي يصدر عن البرلمان (14) والتشريع الفرعي يصدر عن السلطة التنفيذية لتسهيل العمل بالقانون وبموجب الصلاحيات المخولة لها دستوريا (15) ، والتشريع الفرعي لا يختلف عن التشريع العادي من جهة هو قواعد عامة مجردة الا انه يختلف من الجهة المصدرة له ومن جهة المواضيع التي يتناولها فضلا عن أنه ادنى مرتبة من التشريع العادي (16) .
وهذا المعنى يعبر عنه بالفقه القانوني بـ ( المشروعية ) التي تعني وجود قانون اسمى في البلاد ( الدستور ) يضفي المشروعية على كافة القوانين والتشريعات مهما كانت قيمتها القانونية التي تصدر بناءً عليه واستنادا اليه ويحدد السلطة المختصة بإصداره ، ولذا فان أي تشريع يصدر عن سلطة غير مختصة او يخالف ما جاء به الدستور من احكام ومبادى عليا فانه يكون غير مشروع ، وعلى العكس من ذلك فان كل تشريع يصدر عن سلطة مختصة دستوريا ولا يخالف ما جاء بالدستور من احكام ومبادئ فانه يكون مشروعا (17) .
ولا بد لنا هنا من ان نبين الأساس الفلسفي لإلزام القانون ، إذ اختلف الفلاسفة حول ذلك تبعا لاختلافهم في تفسير طبيعة القانون فمنهم من يعتمد على الجانب الشكلي للقانون وقسم اخر يعتمد على الجانب الموضوعي منه ، وسنحاول هنا أن نبين المدارس التي تبنت الجانب الشكلي في تفسير أساس الزام القانون ، تاركين بيان المدارس التي اعتمدت الجانب الموضوعي في معرض بيان نجاعة القاعدة القانونية ، والجانب الشكلي تمثله مدرستان هما مدرسة الفيلسوف اوستن في إنجلترا ومدرسة تقديس النص في فرنسا ، سنقوم ببيان الأسس التي تقوم عليها هاتان النظريتان او المدرستان وكما يلي :-
1- إرادة الحاكم . تركز هذه النظرية على إرادة الحاكم في تفسير أساس الالزام للقانون، ومن ثم فانه يجب ان يكون هناك حكاما ومحكومين أو جماعة حاكمة وجماعة محكومة ، اذ يقوم الحكام بإصدار القوانين وعلى المحكومين طاعة هذه القوانين لأنها صادرة عن الحاكم وهناك عقوبة لمن لا يمتثل لتلك القوانين كجزاء على مخالفته إياها ، ومن القائلين بهذه النظرية هو الفيلسوف الإنجليزي ( أُستن ) ودعمها في آرائه وكتاباته ، ولكنه لم يكن من أوائل القائلين بها اذ ان لهذه النظرية جذورا عند الفلاسفة اليونانيين ، وانكر أستن فكرة وجود قانون دولي عام لعدم وجود الحكام الذين تجب لهم الطاعة على المحكومين كما لا يوجد عقاب وجزاء مباشر جراء مخالفة احكام هذا القانون ، وهذه المدرسة لم تستطع ان تعطي تفسيرا شافيا لأساس الزام القانون الا ما قالت به من وجود العقاب كجزاء لمخالفة القانون
2- إرادة المشرع .
وتقوم هذه المدرسة على أساس تقديس النص ، إذ تتفق هذه المدرسة مع ما قال به أستن اذ جعلت إرادة المشرع هي المصدر الرئيس للقانون ، ويتم الكشف عن إرادة هذا المشرع من خلال الفاظ النص التشريعي عند وضع القانون استنادا الى قواعد اللغة والمنطق ، وعند عدم القدرة على الوصول الى هذه الإرادة لعدم وجود نص تشريعي فانهم يقولون بان إرادة المشرع هذه تفترض على أساس ما متوفر من نصوص المشرع الأخرى ، وقد تبلور ظهور هذه المدرسة في بداية القرن التاسع عشر في اعقاب القيام بتجميع نصوص وقواعد القانون المدني الفرنسي في مدونة واحدة تم تسميتها ( تقنين نابليون ) (18) .
وهناك من فلاسفة القانون من يؤمنون بان الجانب الموضوعي هو أساس الالزام في القانون ، ويرون ان الجوهر ومضمون التشريع هما الأساس في الالزام القانوني ، ومن انصار هذا الرأي والمؤيدين له هم المدرسة الطبيعية ومدرسة الفقيه جيني في فرنسا (19) ، وسنقوم بإيجاز ببيان ما تقوم عليه هاتان المدرستان وكما يلي :-
1- مدرسة القانون الطبيعي .
تجسدت نظرية القانون الطبيعي لدى الفلاسفة اليونانيين الذين اعتقدوا بوجود قواعد واحكام قانونية يكون منبعها العقل السليم ، تكون بمجموعها ( قواعد القانون الطبيعي ) وهذه القواعد تسمو على بقية القواعد القانونية ، ويقاس مدى عدالة بقية القوانين بمدى اتفاقها مع قواعد القانون الطبيعي ، ولهذه النظرية جذور يونانية إذ قام الفيلسوف اليوناني ( سوفوكل ) (20) بنسبة نظرية القانون الطبيعي الى القواعد الإلهية غير المدونة على ورق ، وقد عد ارسطو ان القانون الطبيعي ما هو الا العدالة التي من الممكن ان نلجأ اليها عند قصور القوانين الأخرى ، وان القوانين والقواعد القانونية الوضعية يجب ان لا تخالف قواعد القانون الطبيعي لكي تحوز على صفة الالزام ، ومن المأخذ على هذه النظرية هو عدم وضوح مرتكزاتها والاسس التي تستند عليها ، وعدم قدرتها على تبرير الحجة في الالزام للقواعد القانونية (21) .
2- المدرسة التاريخية .
تكونت معالم هذا المذهب وبدأت بالظهور في القرن الثامن عشر في الكتابات والاقوال لبعض المفكرين في فرنسا . ، ومنهم مونتسكيو وما ذهب اليه في كتابه روح الشرائع من انه ( ينبغي ان تكون القوانين خاصة بالشعب الذي تُخلق له ، حتى انه ليكون محض صدفة ان توافق قوانين أمةٍ أمةً أخرى ) فبرأيه ان القوانين لا بد لها ان تتناسب مع طبيعة البلدان والحياة التي تعيشها شعوبها وديانتهم التي يدينون بها والعادات والأخلاق التي هم عليها ، ويعتقد انصار هذه المدرسة بان القوانين لا تُصنع وانما هي تتكون وتتبلور من خلال الاستمرار عليها والثبات عليها مع الزمن ، وتقوم هذه المدرسة على ان القانون لا ينشأ عن طريق التفكير والاستدلال كما نادى بذلك انصار مدرسة القانون الطبيعي ، وانما ينشأ من حاجة المجتمع ويتأثر بالظروف ويمكن ان يختلف من زمان الى اخر ومن مكان الى اخر حسب تلك الظروف والمحددات المجتمعية ، ولم تسلم هذه المدرسة من المأخذ أيضا إذ انها تغفل عن دور إرادة الانسان الواعية في وضع الأهداف والمعايير السامية التي ينبغي ان تتحقق من خلال اصدار التشريعات والقوانين ، كما ان التسليم بقضية وجود الضمير للجماعة وافتراضه دائما لا يمت للحقيقة بصلة اذ قد لا يتحقق وجود ضمير الجماعة في بعض التشريعات والقوانين ، وأيضا فهي لم تأت بمرتكزات راسخة ورصينة لتكون أساسا لتفسير أساس الالزام للقوانين (22) . ولابد لكل ذلك ان يكون متلائما ومتوافقا مع السياسة التشريعية للبلد ، اذ ان لكل دولة سياستها التشريعية المستوحاة من طبيعة الظروف الخاصة بها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا وهي تختلف باختلاف الدول ، وقد تختلف هذه السياسة في البلد الواحد بين مدة وأخرى تبعا لتغير هذه الظروف ومدا استقرارها وثباتها ، وعليه فان هذه التشريعات الصادرة عن السلطات المختصة يجب ان تلتزم بهذه السياسة ولا تخرج عنها بل على العكس من ذلك أي انها يجب ان تسير معها جنبا الى جنب لكي لا تنتج تشريعات غريبة عن الوسط الذي ستطبق فيه (23 ) ، وتعرف السياسة التشريعية على انها ( مسلك الجهة المختصة بالتشريع او خطتها نحو تطبيق السياسة العامة العليا بمجالاتها المتنوعة كالسياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التشريعات التي تضعها ( لذا فان هذه السياسة يتم تنفيذها بموجب نصوص قانونية ملزمة تضمن وحدة تطبيقها ، ومن اهم العوامل التي تؤثر على هذه السياسة هي وجود دستور يتضمن المبادئ العامة لهذه السياسة وتقاس به مدى استجابة التشريعات للدستور ( 24) .
الا ان هناك من يرى بان القاعدة القانونية لا تكتمل ما لم تستنفذ شروط صحتها ونجاعتها في نفس الوقت (25) ، فلكي تكون هذه القاعدة القانونية جزءا من المنظومة القانونية المتكاملة للدولة لابد لها ان تكون صحيحة أولا وناجعة ثانيا وفي نفس الوقت ، أي انها قد وضعت استنادا للشروط التي حددت من قبل القاعدة الأعلى قيمة قانونية وتكون سابقة في الوجود عليها ، كما ويجب ان تتصف هذه القاعدة القانونية بالنجاعة إذ تكون نافذة في من وجهت اليهم من الافراد (26) .
وبرأينا فان صحة القاعدة القانونية يجب ان تكون صحة حقيقية وليست صحة مصطنعة تقتصر على تطبيق إرادة الحكام واستيفاء الشكل القانوني دون المضمون (27 ) ، اذ ان من شأن ذلك ان يجعل الافراد يتجاهلون القانون دون ان يمسوه او يمسون صحته فهو قانون ساري المفعول من الناحية الشكلية ولكنه غير مطبق من الناحية العملية بما يخلق من مقاومة لدى الافراد في تطبيقه ، اذ ان الايمان بالقواعد القانونية التي تضعها السلطة من قبل الافراد المخاطبين بها يتحقق من خلال الاطمئنان الذي ينبعث في نفوسهم والذي يجعلهم متأكدين من ان المشرع والسلطة لم تضع هذه القوانين الا مراعاة للمصالح والحقوق العامة وان تطبيق هذه القواعد القانونية سيعوف بالمنفعة عليهم (28) ، ومن ثم تتحقق ديمومة النص القانوني من خلال الصحة الحقيقية للقاعدة القانونية ونجاعتها ونفاذها بين الجمهور وعلى اية حال فانه لابد للتشريع المراد تحقيق ديمومته وفعاليته ان يؤمن المشرع بان استقرار اي تشريع يجب ينبع من ايمان الافراد والمجتمع به بما يجلبه لهم من منافع ويحقق لهم من مصالح ، وان تترسخ القناعة لدى الجماعة بان تطبيق القانون والتشريعات واللجوء اليها هو السبيل الأمثل لضمان استقرار مصالحهم وافشاء العدالة فيما بينهم، إذ ان القناعة الذاتية لدى الفرد هي السبيل الأمثل لتطبيق القانون تطبيقا ذاتيا وعلى العكس من ذلك فان عدم الاقتناع من جانب المجتمع بضرورة هذا القانون او قناعتهم بان التشريع يضر بمصالحهم فان التنكر للتشريع وتجاهله سيكون هو المصير الحتمي لقواعد القانون مهما تضمنت قواعده من عقوبات وجزاءات قاسية (29) ، ولكن ذلك لا يجب ان يكون على حساب قيمة القاعدة القانونية وموضوعها ، إذ انه من غير الصحيح ان تأتي النصوص التشريعية متفقة دائما مع ما هو سائد في المجتمع من سلوكيات وتعاملات ، وانما قد تأتي هذه النصوص التشريعية متضمنة قواعد قانونية تشكل منعا لبعض التصرفات التي قد اعتاد الافراد عليها فيما سبق في تعاملاتهم، أو قد تأتي النصوص التشريعية ببعض السلوكيات التي يجب على الافراد الالتزام والتقيد بها وقد تكون هذه السلوكيات الجديدة بعيدة عن واقع المجتمع ولكن قد تملي المصلحة العامة تلك التصرفات وتحتمها طبيعة المرحلة التي يعيشها المجتمع (30) ، وهذه المهمة الصعبة والحساسة تقع على عاتق المشرع بما يمتلكه من سلطة وإمكانات مادية وبشرية وقانونية ، إذ يتم تبصير جميع المخاطبين بقواعد التشريع واحكامه والجهات التي ستتولى تطبيقه بأهداف التشريع وعدالة قواعده من اجل تحقيق الاقتناع الداخلي به مما يؤمن الفاعلية في احكامه وتطبيقها على نحو سليم وذاتي وهذا هو جوهر التشريع (31) .
___________
1- الدكتور عيسى خليل خير الله ، روح القوانين ، الطبعة الأولى ، مطبعة شهاب ، أربيل ، 2010 ، ص 19 .
2- الدكتور خالد جمال احمد ، ماهية الصياغة التشريعية ومقومات جودتها ، مرجع سابق ، ص 119 – 120 .
3- الدكتور عيسى خليل خير الله ، مرجع سابق ، ص 13
4- الدكتور صبري محمد السنوسي ، اركان صحة التشريع، بحث منشور في المجلة القانونية البحرينية التابعة لهيئة التشريع والافتاء القانوني ، العدد الثاني ، 2014 ، ص 71
5- الدكتور صبري محمد السنوسي ، اركان صحة التشريع، بحث منشور في المجلة القانونية البحرينية التابعة لهيئة التشريع والافتاء القانوني ، العدد الثاني ، 2014 ، ص 67-69
6- تجدر الملاحظة الى انه يجب عدم الخلط بين الاستقرار التشريعي والثبات التشريعي وذلك للتقارب والتداخل فيما بين المصطلحين ، اذ ان الثبات التشريعي وما يشوب هذا المفهوم من الحدة والجفاء يجعل من التشريع كيانا غير مرحب به ، اي غیر محبذ من قبل الافراد كونه صارم وحازم، على عكس الاستقرار التشريعي الذي نقصده والذي عن طريقه تستمر الأوضاع والمراكز القانونية بالشكل الذي يناسب افراد المجتمع ، كونه يأتي عن طريق الدراسة المتعمقة للظروف والملابسات العامة للمجتمع ، ينظر سيف الدين احميطوش، مرجع سابق ، ص 22 – 23
7- الدكتور محمد المسلماني ، الامن القانوني والامن القضائي ، بحث منشور في مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية ، العدد الخاص بالمؤتمر العلمي الدولي العاشر ، بغداد ، 2022 ، ص 31 – 32
8- بواب بن عامر وهنان علي ، الحق في التوقع المشروع ( الثقة المشروعة ( كأحد ركائز الامن القانوني ، بحث منشور في مجلة الدراسات الحقوقية ، مجلد 7 ، عدد 1 ، الجزائر ، 2020 ، ص 66
9- صبرينة بوزيد ، الامن القانوني لأحكام قانون المنافسة ، ط 1 ، مكتبة الوفاء القانونية ، الإسكندرية ، 2018 ، ص 61
10- سه ردار مه لا عزيز و ره واك اكه رش سيدمينه ، وجود القانون بين الصحة والنجاعة، دراسة وصفية تحليلية ، بحث منشور على مجلة جامعة حلبجة ، مجلد 5 ، عدد ، 2020 ، 226 – 227
11- استنادا الى نص الفقرة أولا من المادة 61 من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 والتي نصت على ( يختص مجلس النواب بما يأتي : تشريع القوانين الاتحادية ) .
12- الدكتور صبري محمد السنوسي ، مرجع سابق ، ص 64 ـ 65
13- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 .
14- الدكتور همام محمد محمود ، المدخل الى القانون، نظرية القانون ، بدون طبعة ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2001 ،ص 193
15- إذ اشارت المادة 61 من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الى الصلاحيات التي يختص بها البرلمان الاتحادي ( مجلس النواب ) وبموجب الفقرة الأولى منها نصت على اختصاص ( تشريع القوانين الاتحادية ) الذي يعتبر اختصاص اصيل للسلطة التشريعية ، كما اشارت المادة 80 من الدستور الى الصلاحيات المخولة الى مجلس الوزراء وبضمنها " اصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات، بهدف تنفيذ القوانين " وهذا الاختصاص أيضا يعتبر اختصاص اصيل للحكومة اذ انه من غير المجدي ان يثقل القانون بالتفصيلات المملة والتي تسبب ترهل القانون وانما يترك هذا الامر الى الحكومة لإصدار التعليمات كونها على تماس ودراية تفصيلية بكيفية وما الحاجة التي تستدعي تنفيذ القانون على النحو السليم .
16- الدكتور همام محمد محمود ، مرجع سابق ، 253
17- الدكتور محمد طه حسين ، ماهية مبدأي الشرعية والمشروعية ومصادرهما ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية ، جامعة بغداد ، العدد الأول ، 2019 ، ص 120 – 121
18- محمد مصطفوي ، الأصول العامة لنظام التشريع : دراسة مقارنة بين الإسلام والقانون الوضعي ، ط 1 ، مكتبة مؤمن قریش ، بیروت ، 2008 ، ص 46 - 48
19- محمد مصطفوي ، الأصول العامة لنظام التشريع : دراسة مقارنة بين الإسلام والقانون الوضعي ، ط 1 ، مكتبة مؤمن قریش ، بیروت ، 2008 ، ص 45 - 46
20- ويسمى ( سوفوكليس) ولد حوالي عام 496 ق.م. في اثينا وتوفي سنة 405 ق.م. وكان من اسرة ثرية وله اهتمامات شعرية لكنه أيضا كان نشيطا في الحياة العامة الاثينية ، وتولى العديد من المناصب المهمة في الدولة منها وزير خزانة ومستشارا عاما ، وكان من بين أصدقائه العديدين كل من سقراط و افلاطون وهيرودوت وارسطو ، نقلا عن موقع ويكيبيديا ، متاح على الرابط التالي :
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%88%D9%81%D9%88%D9%83%D9%84%D9%8A%D B ، تاريخ الزيارة 2023/5/14 ، وقت الزيارة 9:30 مساءا .
21- محمد مصطفوي ، الأصول العامة لنظام التشريع : دراسة مقارنة بين الإسلام والقانون الوضعي ، ط 1 ، مكتبة مؤمن قریش ، بیروت ، 2008 ، ص 48 - 52 .
22- محمد مصطفوي ، الأصول العامة لنظام التشريع : دراسة مقارنة بين الإسلام والقانون الوضعي ، ط 1 ، مكتبة مؤمن قریش ، بیروت ، 2008 ، ص 52 - 54
23- منشورات مجلس النواب العراقي، دليل الصياغة التشريعية ، طبع على نفقة مجلس النواب ، بغداد ، 2014 ، 23
24- الدكتور ليث كمال نصراوين ، مرجع سابق ، ص 413 - 414 .
25- هانز كلسن ، نقلا عن الدكتور منذر الشاوي، ص 166 – 167 .
26- الدكتور منذر الشاوي، مدخل في فلسفة القانون ، ط 1 ، الذاكرة للنشر والتوزيع، بغداد ، 2011 ، ص 167
27- سه ردار مه لا عزيز وره واك اكه رش سيدمينه، مرجع سابق ، ص 233
28- الدكتور منذر الشاوي، مرجع سابق ، ص 136 – 140
29- الدكتور سري محمود صيام، المعايير الحاكمة لجودة صناعة التشريع، بحث منشور في مجلة القانونية التابعة لهيأة التشريع والرأي القانوني، العدد الأول ، البحرين ، 2014 ، ص 33 .
30- هريش سهام ، البحث في نوعية النص التشريعي ، أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق ، جامعة الجزائر ، 2020، ص 96
31- الدكتور سري محمود صيام ، المعايير الحاكمة لجودة صناعة التشريع ، بحث منشور في مجلة القانونية التابعة لهيأة التشريع والرأي القانوني ، العدد الأول ، البحرين ، 2014 ، ص 34




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .