يعيش البشر على الأرض منذ 200 ألف سنة. إننا نعيش هنا، وباعتبارنا أحياء، نشارك في كثير من السيرورات والدورات الطبيعية. فرئاتنا تأخذ الأكسجين وتطرد ثاني أكسيد الكربون. وتحتاج أجسادنا إلى كتلة حيوية ومغذِّيات لتعيش، وتطرح الفضلات التي يجري تدويرها بعدئذ عبر الماء والتربة والنباتات والحيوانات الأخرى. إلا أننا نفعل أكثر من مجرد التنفس والأكل. فقد كان لكل حضارة أقامها البشر عبر العصور مفعولها في المحيط، وفي هذه المرحلة من تاريخ البشر ، أصبح ذلك المفعول عظيماً حقاً.

وثمة سببان لذلك، هما عدد أفراد البشر والأثر البيئي الذي يولده كل فرد ويتركه بوصفه تركة لعالم المستقبل وكلا العاملين هام. وفي بعض أنحاء العالم، وخاصة في كثير من بلدان جنوب وشرق آسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، عدد السكان هو العامل الهام. وفي مناطق أخرى من قبيل أمريكا الشمالية وأستراليا، مثلاً، بصمة الأفراد البيئية هي التي أكثر أهمية. لقد رأينا في الجدول 6.8 أن استهلاك الفرد السنوي من الطاقة بلغ في عام 1996 في أمريكا الشمالية 325GJ، في حين أنه بلغ GJ 13 في أفريقيا. فإذا اعتبرنا الطاقة العُملة المشتركة في التطور المادي، فإن ذينك المقدارين يعنيان أن الفرد المتوسط في شمال أمريكا يترك أثراً في محيطه أكبر من ذاك الذي يتركه الفرد المتوسط في أفريقيا. وهذه العبارة صحيحة عموما، وهي تتضمن بالتأكيد أن كثيراً من التطورات في الصناعة والزراعة تترك بصمة كبيرة على البيئة العامة. فالغازات تنطلق من المصانع والمركبات، وتلقى الفضلات السائلة والصلبة في الماء وعلى اليابسة، معالجة جزئياً أحياناً، وغير معالجة أحياناً أخرى. وفي كل سنة، تُطوَّر مركّبات صنعية جديدة، ويذهب بعضها، عمداً أو من دون قصد، إلى الهواء أو الماء أو التربة حيث تتبادل التأثيرات مع السيرورات الطبيعية القائمة. وتمثل جميع هذه الآثار مجتمعة مصدراً للبصمة البيئية المتنامية المقترنة بالحياة البشرية الحديثة في بداية القرن الحادي والعشرين. اضرب هذا بعدد الناس المتزايد تجد أن النتيجة أكبر بخمس مرات مما كانت عليه قبل مئة سنة، ويتضح أن تأثير البشر في البيئة هائل جداً.