أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-3-2016
9307
التاريخ: 15-4-2017
3192
التاريخ: 26-9-2021
2858
التاريخ: 4-10-2021
4999
|
أولاً: قانون الانضباط لغةً
إن كلمة (قانون) ليست عربية الأصل بل يرجع أصلها إلى اللغة اليونانية، بمعنى: العصا المستقيمة(1)، كما تأتي بمعنى أوسع مثل: حق، عدل، الشريعة، مقياس كل شيء، مجموعة الشرائع التي تنظم أحوال المجتمع السياسية والتجارية والمدنية والجزائية وغيرها، والاستقرار والانتظام على نهج محدد (2).
وهنالك من يرى بأنها قد أُخذت من كلمة (Kanon) اللاتينية بمعنى: التنظيم والقاعدة، ومنها (Canon) الفرنسية، إذ كانت تُطلق على القرارات الصادرة عن المجاميع الكنسية بأوربا في العصر المسيحي، فاستخدمها الفرنسيون( للدلالة على القانون بوجه عام)، وكذلك على القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية (3).
ويعود دخول مصطلح (القانون) إلى الوطن العربي إلى سيطرة الحكم العثماني عليه، وتطبيق القوانين التي أصدرها الحكم المذكور، والتي تأثرت ببعض قوانين الغرب كمجلة الأحكام العدلية، وجرى تحديد معناه اللغوي في الكثير من موارد اللغة(4)، (فالقانون) لغة يرجع للفعل (قنن) و(القوانين الأصول، الواحد (قانون) بمعنى : تتبع الأخبار و مقياس كل شيء وطريقه (5).
أما كلمة (الانضباط) مصدر (انْضَبَطَ)، فأصلها الفعل الثلاثي (ضَبَطَ)، على وزن (انفعل)، انضَبَطَ، ينضبط، انضباطاً ، فهو مُنضبط، بمعنى خَضع للنظام، وكذلك تأتي كلمة (انضباط) بمعانٍ أخرى كالإصلاح والانتظام حين نقول انضبطت الساعة: انتظمت حركتها، تم إصلاح ما بها من خلل، وانضبط الطلاب خضعوا للنظام أي انتظموا (6).
وبناء على ما تقدم يمكننا تعريف قانون الانضباط) لغةً بأنه (مجموعة القواعد التي تهدف إلى إصلاح سلوك الموظف وانتظامه في أداء واجباته الوظيفية).
ثانياً: قانون الانضباط اصطلاحاً.
لم تتطرق أغلب التشريعات إلى وضع تعريف محدد لقانون الانضباط، وذلك لأن وضع التعاريف ليس من مهمة المشرع، إذ يكتفي الأخير غالباً بوضع الأحكام العامة تاركاً للفقه مهمة الخوض في هذه المسألة.
فعلى صعيد الفقه الإداري في العراق نجد أن تعاريف عدة قد وردت للقانون المذكور، إذ تباينت المفاهيم التي اعتمدها واضعوها في التعبير عن المقصود به تبعاً لاختلاف الفكرة التي تبناها كل منهم عند وضع تعريفه، كما أطلق بعض واضعوها عليه مصطلح القانون التأديبي ولاسيما في دراساتهم المقارنة كما وضح أنفاً، ومن أبرز تلك التعاريف ما يأتي:
عُرف قانون الانضباط بأنه (فرع من فروع القانون العام، مضمونه مساءلة الموظف العام وإيقاع العقوبة التأديبية التي تثبت في حقه لمخالفة واجباته الوظيفية، بهدف كفالة حسن سير المرافق العامة، بعد إجراء التحقيق أو الاستجواب من السلطة التأديبية وفقاً للقانون)(7)، إذ يُلاحظ على هذا التعريف بأنه قد أبرز خصيصة مهمة من خصائص قواعد القانون المذكور بكونها من (قواعد القانون العام) وذلك عندما أشار إلى كونه فرعاً من فروع القانون العام، وهذا أمر مؤكد نظراً لطبيعة العلاقة بين السلطة الإدارية وموظفيها التي تنظمها قواعده، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون ليس فرعاً مستقلاً وقائماً بذاته من فروع القانون العام بل أنه تشريع من تشريعات الوظيفة العامة" التي تشغل حيزاً مهماً من بين موضوعات القانون الإداري الذي يُعد فرعاً أساسياً من فروع القانون العام وتتبعه التشريعات كافة المنظمة لمواضيعه في مبادئها وأهدافها.
كما عُرف بأنه جملة القواعد القانونية التي تبين الواجبات التي يلتزم بها الموظف والمحظورات التي يتعين أن ينأى عنها، والجزاءات التي تفرض عليه في حالة إخلاله بواجب وظيفي أو مساسه بمقتضيات الوظيفة، وبيان السلطة المختصة قانوناً بمعاقبته والإجراءات الواجب استيفاؤها عند إصدار القرار التأديبي بالجزاء المناسب) (8)، ويلاحظ بأن هذا التعريف قد جاء شاملاً لأركان قانون الانضباط كافة التي نظمتها قواعده بما تكفله من ضمانات لا غنى عنها لتحقيق المصلحتين المذكورتين آنفاً وهو بذلك يتوافق مع تعريف آخر وصف القانون المذكور بأنه (القانون المتعلق بمحاسبة الموظف عن مخالفة واجباته الوظيفية، وبيان العقوبات التي يمكن أن تفرض عليه، وإجراءات فرضها)(9). أما على صعيد الفقه الإداري في مصر الذي أصطلح على تسميته (بالقانون التأديبي) فنجد أيضاً تعاريف كثيرة قد وضعت للقانون المذكور ومن أبرزها ما عرفه بأنه (مجموعة من القواعد القانونية المنظمة لتوقيع الجزاء المقرر للأخطاء التأديبية المرتكبة أثناء ممارسة العمل الوظيفي، التي تحمل انعكاساً ضاراً بحسن سير وانتظام المرافق العامة) (10)، ويؤخذ على هذا التعريف بأنه قد أغفل الإشارة إلى الإجراءات الخاصة بتقرير مسؤولية الموظف التي يستوجب مراعاتها من السلطة المختصة والتي تشكل ضمانه لا غنى عنها، إذ تتيح للموظف الذود عن نفسه في التهمة الموجهة إليه، مؤكداً في الوقت نفسه على الجزاء التأديبي كوسيلة مهمة لضمان انتظام سير المرافق العامة، وبذلك يكون قد أبتعد عن جانب الموازنة بين الحقوق والمصالح المتقابلة لطرفي العلاقة التي تحتم عدم المغالاة بحق أحد الطرفين على حساب الآخر.
وأيضاً عُرف بأنه (مجموعة من القواعد القانونية الموضوعية والإجرائية، التي تشكل جزء لا يتجزأ من النظام القانوني لجماعة أو لطائفة معينة من المجتمع، وهذه القواعد وضعت للعقاب على المخالفات التأديبية التي ترتكب انتهاكاً لواجبات العمل أو للالتزامات التي يفرضها الانتماء إلى الجماعة) (11)، ويلاحظ على هذا التعريف بأنه قد تضمن تحديد صفة أُخرى من صفات أو خصائص قواعد القانون المذكور المتعلقة بطبيعتها وذلك بكونها ذات طبيعة (موضوعية وإجرائية)، إذ ترسم القواعد الإجرائية أبرز الإجراءات التي تُعدّ في حقيقتها من أهم الضمانات السابقة لتقرير المسؤولية الانضباطية للموظف وتلك اللاحقة لها، بينما تتضمن القواعد الموضوعية الأسس التي يتوجب على الموظف الالتزام بها عند أداء واجباته الوظيفية والعقوبات التي يجوز فرضها بحقه عن مخالفتها والخروج على مقتضاها.
وبناءً على ذلك يمكننا تعريف قانون الانضباط( بأنه فرع من فروع القانون الإداري، يضم مجموعة من القواعد الموضوعية والإجرائية المكتوبة الصادرة عن السلطة التشريعية والتي يتأسس على أحكامها النظام الانضباطي لموظفي الدولة، فتنظم بموجبها أهم الواجبات الوظيفية للموظف العام والمحظورات التي يستلزم تجنبها لدى ممارسته لأعمال وظيفته، والإجراءات الواجب مراعاتها عند تقرير مسؤوليته الانضباطية، فضلا عن تحديد العقوبات الانضباطية التي يجوز فرضها بحقه والسلطة المختصة بفرضها وما يتبع صدورها من ضمانات).
وقد أتضح لنا استخلاصاً مما ذكر آنفاً من تعاريف للقانون المذكور أبرز خصائص قواعده التي تتميز بكونها من قواعد القانون العام ذات الطبيعة الموضوعية والإجرائية لذلك لابد من تسليط الضوء على الخصائص الأخرى، إذ تُعدّ (الصفة الآمرة )من أهم السمات التي تتمتع بها تلك القواعد(12) ، فلا يتوقف تنفيذها على إرادة المخاطبين بها لما تتضمنه من بيان أبرز الواجبات الأساسية للموظف العام والأعمال التي يحظر عليه القيام بها، وتحديد الجزاءات المقررة عند مخالفة الأولى وارتكاب الأخيرة، مع الإشارة إلى أن النص الانضباطي لا يتضمن التكليف (الحكم) و(الجزاء) في القاعدة نفسها، وإنما يجري تحديد التكليف في قاعدة معينة ومثال ذلك ما ورد في المادة (4) (أولاً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل التي نصت على أداء) اعمال وظيفته بنفسه بأمانه وشعور بالمسؤولية ) (13) ، في حين وردت الجزاءات في قاعدة أُخرى من القانون نفسه تمثلت بنص المادة (8) منه.
فضلاً عما توصف به قواعده من كونها (قواعد) مقننة)، إذ إنها لم تتخلف عن ركب التقنين إلا فيما يتعلق بالواجبات الوظيفية التي لم تجد السبيل لتقنينها بشكل تام، وذلك لإرادة تشريعية أصبحت محلاً المناقشات فقهية وقد تشهد تغييراً في المستقبل (14).
وأخيراً ما تتسم به من صفة العمومية والتجريد فهي تخاطب طائفة معينة من المجتمع ممن تتوافر فيهم الشروط اللازمة لاكتساب صفة الموظف العام من المشمولين بسريان أحكامها، ومن ثم فهي لا تخاطب شخص أو اشخاص معينين بذواتهم (15).
كما اتضح لنا أيضاً الفرق بين هذا القانون و (النظام الانضباطي) الذي عُرِّف بأنه (مجموعة من القواعد التي تحكم مساءلة الموظف العام، وذلك بردعه وزجره بسبب مخالفته لواجباته التي ينص عليها القانون، أو بسبب خروجه على مقتضى الواجب في أداء أعمال وظيفته أو ظهوره بمظهر مخل بشرف الوظيفة العامة) (16) ، فالنظام المذكور بوصفه نظاماً قانونياً يحكم روابط قانونية من نوع واحد أي يتعلق بنوع معين من سلوك الأفراد (17) ، فأنه يشمل القواعد القانونية كافة المنظمة للجانب الانضباطي لموظفي الدولة على اختلاف مصادرها وبضمنها قواعد قانون الانضباط التي تحتل مكانة مهمة جعلتها تتصدر قواعده الأخرى وهذا ما أكده التعريف الآخر لذلك النظام والذي عُرف بموجبه بأنه (تمتع الإدارة بموجب قواعد تشريعية معدة سالفاً بسلطة مساءلة الموظف المخالف لواجباته الوظيفية، وذلك لضمان سير . المنظمة وتحقيق الغرض من انشائها) (18).
___________
1- أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، معجم مصطلحات الفلسفة النقدية التقنية، المجلد الأول، عويدات للنشر والطباعة بيروت لبنان، 2012، ص 751
2- جبران مسعود المعجم الرائد ،طه، دار العلم، بیروت لبنان، 1995، ص 617 .
3- د. منير محمود الوتري ،القانون، ط2، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1989، ص 5.
4- د. سهيل حسين الفتلاوي، المدخل لدراسة علم القانون (دراسة مقارنة) في نظريتي القانون والحق، ط 2، دار الذاكرة، بغداد، 2009، ص 17
5- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ص 763.
6- أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، المجلد الاول ط1 عالم الكتب القاهرة 2008 ، ص 1345
7- د. مازن ليلو ،راضي، النظام التأديبي، ط1، دار المسلة، بيروت، 2020، ص 11.
8- د. عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي القانون التأديبي وعلاقته بالقانونين الإداري والجنائي، ط 1، دار الفرقان، عمان، 1983، ص 6.
9- د. ماهر صالح علاوي الجبوري، مبادئ القانون الاداري دراسة مقارنة، ط2 بغداد 2009 ، ص 122.
10- م.م.سری صاحب محسن و .م.م. أزهار صبر كاظم العرف الاداري ومدى اعتماده في القانون التأديبي للوظيفة العامة، بحث منشور في مجلة كلية التربية جامعة واسط العدد السابع، 2010، ص 101 نقلا عن د. مصطفى عفيفي، فلسفة العقوبة التأديبية وأهدافها، دراسة مقارنة، مطبعة الهيئة العامة المصرية للكتاب، الاسكندرية، 1976، ص 11.
11- محمد ماجد ياقوت شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة، ط1 دار الجامعة الجديدة الإسكندرية 2009 ، ص 13.
12- محمد ماجد ياقوت أصول التحقيق الاداري في المخالفات التأديبية، دراسة مقارنة ط1 دار الجامعة الجديدة الاسكندرية 2015، ص 32.
13- نص المادة (4) أولاً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل.
14- د. عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي، القانون التأديبي وعلاقته بالقانونين الإداري والجنائي، مرجع سابق، ص 15.
15- د. حيدر أدهم عبد الهادي، دروس في الصياغة القانونية، ط1، مركز العراق للأبحاث، بغداد، 2008 ، ص 20
16- د. علي محمد بدير، د. عصام عبد الوهاب البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي، مبادئ وأحكام القانون الإداري، العائك لصناعة الكتاب، القاهرة، 2007، ص 350
17- د. رياض القيسي، علم أصول القانون، ط 1 ، بيت الحكمة، 2002، ص 275
18- م.م. لؤي كريم عبد النظام الانضباطي في الوظيفة العامة، بحث منشور في مجلة الجامعة العراقية ( العدد 24/1) 2010 ، ص 44
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|