أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-8-2017
1299
التاريخ: 24-12-2015
1763
التاريخ: 24-12-2015
2716
التاريخ: 2023-10-21
658
|
جمع علي (عليه السلام) الناس فخطبهم خطبةً بليغة وقال:
أيهّا الناس! إنّي قد ناشدت هؤلاء القوم كيما يرجعوا ويرتدعوا، فلم يفعلوا ولم يستجيبوا، وقد بعثوا إليّ أن أبرز إلى الطعان وأثبت للجلاد، وقد كنت وما أهدد بالحروب ولا أدعى إليها، وقد انصف القارة من راماها، ولعمري لئن أبرقوا وأرعدوا فقد عرفوني ورأوني، ألا وانّ الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب، ومن لم يمت يقتل، وإنّ أفضل الموت القتل، والذي نفس عليّ بيده لألف ضربةٍ بالسيف أهون علي من موتةٍ على الفراش ثم رفع يده إلى السماء وهو يقول: اللهم ان طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقةً بيمينه طائعاً، ثم نكث بيعته، اللهمّ فعاجله ولا تميّطه .
اللهمّ إنّ الزبير بن العوام قطع قرابتي، ونكث عهدي، وظاهر عدوي ونصب الحرب لي وهو يعلم أنّه ظالم، فاكفنيه كيف شئت وأنّى شئت.
وخرج علي (عليه السلام)، فوقف بين الصفّين، عليه قميص ورداء، وعلى رأسه عمامة سوداء، وهو يومئذٍ على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الشهباء التي يقال لها «دُلدُل» ثم نادى بأعلى صوته: أين الزبير بن العوام، فليخرج إليّ! فقال الناس: يا أمير المؤمنين، أتخرج إلى الزبير وأنت حاسر! وهو مدجج في الحديد؟! فقال علي (عليه السلام): ليس عليّ منه بأس، فأمسكوا.
ثم نادى الثانية: أين الزبير بن العوام؟ فليخرج إليّ. فخرج إليه الزبير، ونظرت عائشة فقالت: واثكل أسماء! فقيل لها يا أم المؤمنين! ليس على الزبير بأس، فإنّ علياً بلا سلاح. ودنا الزبير من علي حتى واقفه، فقال له علي (عليه السلام): يا أبا عبد الله ما حملَكَ على ما صنعت؟ فقال الزبير: حملني على ذلك الطلبُ بدم عثمان فقال له علي: أنت وأصحابك قتلتموه، فيجب عليك أن تُقيدَ من نفسك! ولكن أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو، أما تذكر يوماً قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا زبير أتحب علياً! فقلت: يا رسول الله، وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي؟ فقال لك: أما إنّك ستخرج عليه يوماً وأنت ظالم؟ فقال الزبير: اللهم بلى، قد كان ذلك. قال علي: فأنشدك بالله الذي أنزل الفرقان أما تذكر يوماً جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عند بني عمرو بن عوف وأنت معه وهو آخذٌ بيدك فاستقبلته أنا فسلّم عليَّ وضحكَ في وجهي، وضحكتُ أنا إليه، فقلتَ أنتَ: لا يدعُ ابن أبي طالب زهوه أبداً! فقال لك النبي (صلى الله عليه وآله): مهلاً يا زبير! فليس به زهوٌ، ولتخرُجَنَّ عليه يوماً وأنت ظالمٌ له؟ فقال الزبير: اللهم بلى! ولكن أُنْسِيت، فأمّا إذ ذكّرتني ذلك فوالله لأنصرفنّ عنك! ولو ذكرتُ هذا لما خرجتُ عليك ثم رجع الزبير إلى عائشة وهي واقفة في هودجها، فقالت: ما وراءك يا أبا عبد الله؟ فقال الزبير: ورائي؛ والله ما وقفتُ موقفاً قط، ولا شهدت مشهداً من شِركٍ ولا إسلام إلا ولي فيه بصيرة؛ وإنّي لعلى شكٍ من أمرك، وما أكاد أبصر موضع قدمي! فقالت عائشة: لا والله! ولكنّك خفتَ سيوف أبي طالب، أما إنّها طوال حِداد تحملها سواعد أنجاد، ولئن خفتها، لقد خافها الرجال من قبلك! وأقبل عليه ابنه عبد الله فقال: لا والله! ولكنّك رأيت الموت الأحمر تحت رايات ابن أبي طالب! فقال له الزبير: والله يا بني إنّك لمشؤوم مذ عرفتك. فقال عبد الله: ما أنا بمشؤوم، ولكنّك فضحتنا في العرب فضيحةً لا تغسل منها رؤوسنا أبداً. فغضب الزبير من ذلك، ثم صاح بفرسه، وحمل على أصحاب علي حملةً منكرة. فقال علي (عليه السلام): أفرجوا له فإنّه محرج، فأوسعوا له حتى شق الصفوف وخرج منها، ثم رجع فشقها ثانية ولم يطعن أحداً ولم يضرب، ثم رجع إلى ابنه فقال: يا بني؛ هذه حملة جبان؟! فقال له ابنه عبد الله: فلم تنصرف عنّا وقد التقتْ حلقتا البطان؟ فقال الزبير: يا بني أرجع ـ والله ـ لأخبار قد كان النبي (صلى الله عليه وآله) عهدها إليّ فنسيتُها حتى أذكرنيها علي بن أبي طالب، فعرفتها. ثم خرج الزبير من معسكرهم تائباً ممّا كان منه وهو يقول ابياتاً مطلعها:
ترك الأمور التي تُخشى عواقُبها ** لله أجمل في الدنيا وفي الدين
ثم مضى الزبير وتبعه خمسة فرسان فحمل عليهم وفرّق جمعهم حتى صار إلى وادي السباع فنزل على قوم من بني تميم، فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعيّ فقال: أبا عبد الله، كيف تركت الناس؟ فقال الزبير: تركتهم قد عزموا على القتال، ولا شك قد التقوا. فسكت عنه عمرو بن جرموز، وأمر له بطعام وشيءٍ من لبن، فأكل الزبير وشرب، ثم قام فصلّى وأخذ مضجعه، فلمّا علم ابن جرموز أنّ الزبير قد نام وثب إليه وضربه بسيفه ضربةً على أم رأسه فقتله (1).
وجعل علي (عليه السلام) يعبّىء أصحابه ويوصيهم وهو يقول: أيّها الناس، غُضّوا أبصاركم، وأكثروا من ذِكِر ربكم، وإيّاكم وكثرة الكلام فإنّه فشل.
ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفوف فقالت: انظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر، أما واللهِ ما ينتظرُ بكم إلا زوالَ الشمس.
فقال علي (عليه السلام): يا عائشة! عما قليل ليصبحنَّ نادمين.
وقام عليٌّ (عليه السلام) في الناس خطيباً رافعاً صوته فقال: أيّها الناس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيراً، ولا تتبعوا مولياً، ولا تطلبوا مدبراً، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تقربوا شيئاً من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبدٍ أو أمَةٍ، وما سِوى ذلك فهو ميراثٌ لورثتهم على كتاب الله. وجعل أهل البصرة يرمون أصحاب عليٍّ بالنبل حتى عقروا منهم جماعة، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، إنّهم قد عقرتنا نبالهم فما انتظارك؟
فقال علي (عليه السلام): اللهم إنّي قد أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من المساعدين ثم دعا علي (عليه السلام) بالدرع فأفرغه عليه، وتقلّد بسيفه، واعتجر بعمامته، واستوى على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم دعا بالمصحف الشريف، فأخذه بيده ثم قال: أيّها الناس، من يأخذ هذا المصحف فيدعوا هؤلاء القوم إلى ما فيه!؟ فوثب غلام من مجاشع يقال له: مسلم، عليه قباءُ أبيض، فقال: أنا آخذ يا أمير المؤمنين!
فقال له علي: يا فتى إنّ يدك اليمنى تُقطع، فتأخذه باليسرى فتُقطع، ثم تضرب عليه بالسيف حتى تقتل؟ فقال الفتى لا صبر لي على ذلك. فنادى علي ثانيةً والمصحف في يده، فقام إليه ذلك الفتى وقال: أنا آخذه يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات الله.
ثم أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم، فقال: يا هؤلاء! هذا كتاب الله عزَّ وجلّ بيننا وبينكم. فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها، فأخذ المصحف بشماله، فقطعها، فاحتضن المصحف بصدره، فضرب على صدره حتى قُتل رحمه الله. فنظرت إليه أمه وقد قتل، فأنشأت تقول أبياتاً مطلعها:
يا ربِ إنّ مسلماً أتاهم ** بمحكم التنزيل إذ دعاهمُ
فخضّبوا من دمه لِحاهم ** وأمّه واقفة تراهمُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفتوح 2 / 312.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|