أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-25
81
التاريخ: 14-7-2016
1592
التاريخ: 18-5-2016
9043
التاريخ: 22-7-2016
1863
|
ورغم أنّ القرآن الكريم جاء دستوراً للبشرية، ووظيفته تزكية الإنسان وارساء الاُسس العقلية، بحيث عمل بنجاح لأن يتربّع العقل على عرش التفكير الإنساني، ويبعده عن الخرافات والأساطير، ورغم أنّ المحور الحقيقي الذي يهدف إليه القرآن هو السعادة الاخروية، ورغم أنّه نزل في عصر يجهل فيه الإنسان كثيراً عن الطبيعة وعلومها، رغم ذلك فإنّه تكلم بلغة العلم في أوج تطورها وفي قمة مراحلها، قبل الكشف عن كثير من العلوم والفنون.
ومن اعجاز القرآن في تحدثه بلغة العلم أنّه يستعمل كلمات وأساليب لم تعد غريبة لأذواق معاصريه عند نزوله ولا مستنكرة نسبة لمعارفهم، وفي نفس الوقت فهمها جيل عصر الكشوفات العلمية، كل جيل بما يتلاءم والشوط العلمي الذي ارتقى إليه.
هذا اللون من الاعجاز القرآني يواكب الآيات العلمية التي تتحدث عن الطبيعة وأسرارها، وقد تأتي أحياناً وكأنّها من الآيات المتشابهة، كالذي يريد أن يعبّر عن الطائرة الحديثة لإنسان عاش في عصر التنزيل فإنّه سوف يقول لـه مثلاً: قربة كبيرة منفوخة يركب بها الناس ولها جناحان.
وحينما يعبّر عن التلفزيون فإنّه يقول صندوق مقفل تظهر فيه صور الناس والمناظر القريبة والبعيدة، إلاّ أنّ هذا التعبير عن الطائرة والتلفزيون رغم أنّه مقبول لجيل عصر النزول ورغم أنّه من عندنا نحن الذين نعرف حقيقة الطائرة والتلفزيون إلاّ أنّ هذا التعبير لا ينطبق على حقيقة هذين المخترعين لأنّ الأجهزة التي في الطائرات والدوائر الكهربية التي في التلفزيون لم يشر إليها التعبير من قريب ولا من بعيد.
هذا المثال البسيط يقرب لنا معنى المتشابه والمحكم من جهة، كما أنّه يقرّب لنا كيف أنّ القرآن الكريم استعمل كلمات وتعابير علمية ألفها الناس في ذلك الوقت وانطبقت تمام الانطباق على ما اكتشفته البشرية من نظريات وقوانين الطبيعة في هذا العصر، ونفس هذا الاستعمال لتلك الكلمات هو لون من ألوان الاعجاز، ولنأخذ مثلاً على ذلك قاله الله تعالى:
{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}([1])
وفي آية أُخرى يقول الباري تعالى:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ...}([2])
فذهن الإنسان في ذلك العصر يدرك أنّ الشيء المرتفع عن الأرض لا بدّ أنّه يستند على قوائم «أعمدة» يرتفع عليها.
فالسموات بنجومها وشمسها وقمرها مرتفعة، ولكن بأي شيء ترتفع وأين الأعمدة التي تثبّتها في هذا الفضاء، هناك أعمدة إلاّ أنّها غير مرئية، وكأنّ الآية تريد أن تقول أنّ السموات مرتفعة بعمد غير مرئية.
فالآية الكريمة تشير إلى الجاذبية التي اكتشفها نيوتن «1642-1727م» وتشير أيضاً إلى القوة الطاردة التي تحفظ للنجوم والكواكب والأجرام السماوية مواقعها وأبعادها عن بعضها، لأنّ الجاذبية لو عملت لوحدها لانجذب كل جسم نحو الآخر وأصبح الكون كله كتلة واحدة، إلاّ أنّ الكون ليس كذلك فكل جسم فيه لـه موقعه وكل نجم لـه بعده وفلكه.
{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}([3])
لذلك فإنّ القوة الطاردة عن المركز بتعادلها مع القوة الجاذبية تحفظ للأجسام توازنها وأبعادها ومواقعها، وهاتان القوتان تحكمان كل الأجسام من الذرة إلى المجرة، فالإلكترون مثلاً يدور حول نواة الذرة تجذبه النواة إليها وفي نفس الوقت فهو يبتعد عن النواة نتيجة للقوة الطاردة التي تطرده عن مركز النواة.
فلو انفردت القوة الجاذبية في التأثير عليه لالتصق بالنواة وأصبح كتلة واحدة، ولو انفردت القوة الطاردة في التأثير عليه لانفلت منطلقاً بعيداً عن النواة، إلاّ أنّه بتعادل هاتين القوتين بقي محافظاً على بعده عن النواة فسبحان من حفظ الكون كلّه بهاتين القوتين غير المرئيتين.
فالقوة الجاذبة عمود غير مرئي يشد الجسم، والقوة الطاردة عمود غير مرئي آخر يبعد الجسم، وهذا في كل النجوم والكواكب والأجرام والأجسام صغيرها وكبيرها فالسماء مرفوعة بعمد لا ترى.
ولعلّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) يشير إلى هاتين القوتين في حديثه الشريف عن النجوم حيث يقول: «هذه النجوم التي في السماء مدائن، مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كل مدينة إلى عمودين من نور»، وفي رواية «إلى عمود من نور»([4]).
وما أروع هذا التعبير الذي لا يستوحشه إنسان ذلك العصر وينطبق تماماً مع مكتشفات العصر الحديث فالجاذبية نوع من أنواع الطاقة والنور أيضاً نوع من أنواع الطاقة، ثم إنّ الامام الرضا (عليه السّلام) يكشف حقيقة هذه الأعمدة غير المرئية لما لا يدع مجالاً للشك أنّها هي المقصودة في قولـه تعالى:
{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}
فقد أخرج الصدوق في البرهان: ج2، ص278 عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت لـه: «أخبرني عن قول الله تعالى: {... رفع السموات بغير عمد ترونها} فقال: «سبحان الله، أليس يقول: {بغير عمد ترونها}؟ فقلت: بلى، فقال: ثمَّ عَمَد، ولكن لا تُرى» و«ثمَّ» معناها: هناك.
وأخرج الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية من سورة الرعد عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة أنّهم قالوا: «لها عمد ولكن لا ترى» فهل أدلّ وأصدق من هذا يشهد على اعجاز القرآن الكريم سواء بسبقه للكشف العلمي وحديث عن هذين القانونين أم بطريقته المعجزة في التعبير لإيصال المعنى لكل الأجيال رغم البعد الزمني بينها.
([1] ) سورة الرعد: 2.
([2] ) سورة لقمان: 10.
([3] ) سورة الواقعة: 75-76.
([4] ) سفينة البحار: ج2, ص547، مجمع البحرين مادة كوكب.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|