أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-5-2017
4670
التاريخ: 2-2-2016
3802
التاريخ: 20-3-2018
3441
التاريخ: 16-5-2017
8119
|
ذهب أنصار هذا الرأي الى القول، بأن الوساطة الجنائية لا تتلاءم مع طبيعة النظام الجنائي، مستندين في رأيهم ذلك، على إن الوساطة تسلب القانون الجنائي أهم خصائصه التي تميزه عن القوانين الأخرى، والمتمثلة بعنصر الجزاء أو فرض العقوبة على من يخالف نصوصه وأحكامه، إلا إن تطبيق هذا العنصر لا يتحقق طالما إن مخالفة النصوص وخرق القواعد القانونية، لا يؤدي الى فرض العقوبة بفضل نطاق الوساطة الجنائية، مما يؤدي الى عدم احترام الأفراد للقانون الجنائي لغياب عنصر الجزاء منه، حيث إن الأصل العام يقضي بإن الدعوى الجزائية ليست محلاً للتراضي، لكونها تمثل ملكاً للمجتمع بأجمعه، وهي الوسيلة الشرعية لاقتضاء حق الدولة في العقاب من الجاني، وبذلك فإن تطبيق الوساطة الجنائية من شأنه إهدار هذا الأصل حيث يجعل الدعوى الجزائية محلاً للتراضي والتفاوض، وهذا الأمر يترتب عليه، تجريد القانون الجزائي اغراضه الأساسية، المتمثلة فيما تحققه العقوبة من ردع عام وردع خاص (1).
كما يذهب أنصار هذا الاتجاه للقول، بإن نظام الوساطة يهدر مبدأ شخصية العقوبة(2)، ويفوت الأهداف المتوخاة منها وخاصة فيما يتعلق بقضايا الاحداث الجانحين، حيث يتحمل الآباء والأمهات في الغالب أخطاء أبنائهم، خصوصاً عندما يتم تسوية النزاع برد الشيء الى أصله، إذ يبادر ذويهم (الآباء والأمهات) بتحملها دون الحدث الجانح، مما يفوت عليه فرصة الإصلاح والتأهيل(3)، وهذا ما يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة من جانب، ويفوت الأهداف التي يتوخاها المشرع لعلاج جنوح الأحداث من جانب أخر (4).
ويرى أنصار هذا الاتجاه، إن الوساطة الجنائية لا تتلاءم كذلك مع طبيعة النظام القضائي الجنائي، وتمس بجوهر عمل السلطة القضائية، إذ إن الوساطة تعد نوعاً من أنواع خصخصة الدعوى الجزائية(5)، وهي بذلك تمثل تطاولاً على الوظيفة المعهودة للقضاة، إذ أنها تفسح المجال أمام جهات أخرى بإحالة النزاع للقضاء، للفصل والتصرف بالجرائم المحالة اليها، وهذا ما دفع البعض الى القول، بإن الوساطة وسيلة غير صالحة لفض النزاعات الجنائية، كما أنها تسمح بدخول أطراف جدد للنزاع (الوسطاء)، ويكونون غالباً غير مؤهلين لحل النزاع(6). وكذلك اتجه البعض الى القول، بإن الوساطة الجنائية نظام يتسم بالسرعة غير المحمودة في مجال القضاء، وذلك لأن السرعة غير المدروسة في الإجراءات القضائية تشكل مساساً خطير بالضمانات الأساسية التي يكفلها القانون للتقاضي (7).
وكما ذهب البعض بالقول، إن اللجوء لنظام الوساطة الجنائية في بعض الجرائم، يعد أمراً في غاية الصعوبة، بسبب صعوبة إيجاد أدلة الاثبات فيها، كما صعوبة تحديد المسؤولية الجنائية لمرتكب الجريمة، وبذلك لا تتناسب الوساطة مع ذلك النوع من الجرائم.
الرد على الانتقاد:
أ- بالنسبة للقول، بأن الوساطة الجنائية تسلب القانون الجنائي أهم خصائصه والمتمثلة باقترانه بعنصر الجزاء فهذا القول ينقصه الدقة، وإن كان الأصل يقضي بعمومية الدعوى الجزائية – من النظام العام – ومن ثم ليس لأحد سلطان في النزول عن أحد إجراءاتها(8)، إلا إن هذا الأمر لم يعد مستساغاً على أطلاقه، فأنه مع تطور الفكر الجنائي وظهور الازمة التي تعانيها إدارة العدالة الجنائية والمتمثلة في الكم الهائل من القضايا، وعجز هذه الإدارة عن حسم هذه القضايا في وقت معقول، أصبح من غير المقبول التمسك بالنتائج المترتبة على طبيعة الدعوى الجزائية بهذا الشكل الصارم، فأصبح الخروج عن الإجراءات العادية للدعوى واتباع الإجراءات الموجزة في جرائم معينة، أمراً مقبولاً ولا يخالف النظام العام، لما يقدمه هذا الخروج من مزايا(9). كما إن نظام الوساطة الجنائية لا يتعارض مع تحقيق الردع بنوعية العام والخاص، وذلك لأن هذا التعارض ظاهري وليس تعارض حقيقي، إذ أن تحقيق التسوية عن طريق نظام الوساطة في أغلب صورها يحوي معنى العقوبة، ويتمثل ذلك بالتعويض الذي يلتزم به الجاني ويدفعه للمجني عليه كمقابل للتسوية في عملية الوساطة، إذ إنه يمثل نوعاً من الايلام للجاني، فالتزام الجاني بدفع مبلغ التعويض أو القيام بعمل ما للمجني عليه أو المجتمع يعتبر ايلاماً، والايلام هو أحد الخصائص المميزة للعقوبة الجنائية (10).
ب- أما بالنسبة للقول، بإن نظام الوساطة الجنائية من شأنه إهدار مبدأ شخصية العقوبة ويفوت أهدافها، فهذا القول غير صحيح على إطلاقه، حيث إن مهمة الوساطة لفت نظر الآباء الى أخطاء أبناءهم سعياً لتلافيها مستقبلاً، فضلاً عن ذلك فإن للوسيط إن يقرر التدابير اللازمة، وإن يقدم النصح والإرشاد اللازمين لإصلاح الحدث، وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع(11)، كما إن القانون قد أعطى لولي الحدث الحق بالرجوع الى الحدث بما دفعه من أموال للمجني عليه على سبيل التعويض، وهذا ما أكدت عليه المادة (191/ف2) من القانون المدني (12).
ج- أما فيما يتعلق بالقول بإن نظام الوساطة الجنائية لا يتلاءم مع طبيعة النظام القضائي لأنه يمثل نوعاً من أنواع خصخصة الدعوى الجزائية، مما يشكل مساساً بجوهر عمل السلطة القضائية ويفضي الى التطاول على وظيفة القضاء، فهذا النقد لا يقوم على أساس قوي، ذلك لأن الوساطة الجنائية تتم بإشراف ورقابة السلطة القضائية، فهي التي تقرر إرسال القضية التي تصلح معالجتها بالوساطة الى الوسيط، ومن ثم ترتب التزاماً على الوسيط بإرسال تقرير بالنتائج التي انتهت بها الوساطة، وعلى ضوء هذا التقرير يكون تصرف السلطة القضائية أما بقبول الوساطة أو رفض ما انتهت اليه جهود الوساطة في حال عدم تحقيقها الأهداف التي تنشدها(13). كما إن القول بإن اناطة مهمة الوساطة لأشخاص جدد (الوسطاء) غير مؤهلين لحل النزاع، فهذا القول تنقصه الدقة، لأنه أغلب التشريعات الجنائية التي تبنت نظام الوساطة، قد أوكلت مهمة الوسيط لأصحاب المكانة العلمية والاجتماعية المرموقة ووفق شروط قانونية معينة، بل الأكثر من ذلك، أنها قامت بإعداد دورات تدريبية، لإعداد الوسطاء وتأهيلهم للقيام بهذه المهمة (14).
د- أما بالنسبة للقول بإن الوساطة الجنائية نظام يتميز بالسرعة غير المحمودة التي لا تتلاءم مع طبيعة النظام القضائي، قول مردود عليه، بإن الوساطة لا تعتبر إجراءً وقتياً يتم الاتفاق عليه وتنفيذه في الحال، بل بالعكس إن السلطة القضائية عندما قررت اللجوء لنظام الوساطة الجنائية، فأنها عملت على تنظيم القواعد والإجراءات التي تحكم عملية الوساطة ابتداءً من مرحلة اقتراحها ومروراً بمرحلة التفاوض وانتهاءً بمرحلة تنفيذ اتفاق الوساطة(15)، هذا يعني إن إجراءات الوساطة وإن كانت تتسم بالمرونة والسرعة، إلا أنها سرعة معقولة وضمن مدة محدودة، إضافة الى أنها تتناسب مع طبيعة الوساطة الجنائية والغاية منها، إذا أنها تعد من بدائل الدعوى الجزائية وتسعى بصورة أساسية الى تفادي إجراءات التقاضي المعقدة والطويلة، وتخفيف العبء عن كاهل القضاء، بغية التخلص من مشكلة أزمة العدالة الجنائية.
هـ- أما القول بإن، بعض القضايا قد يصعب علاجها عن طريق الوساطة، نظراً لصعوبة إثبات وتحديد المسؤولية الجنائية فيها، فهو قول غير صحيح، لأنه قد أغفل ما تملكه الجهة القضائية من سلطة تقديرية واسعة، تمكنها من اخراج هذا النوع من القضايا عن نطاق الوساطة(16).
____________
1- د. عبد الرحمن عاطف عبد الرحمن أحمد، الوساطة الجنائية ودورها في إنهاء وخصخصة الدعوى الجنائية – دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة أسيوط، 2018 ، ص552. وينظر كذلك: د. أشرف رمضان عبد الحميد، الوساطة الجنائية ودورها في إنهاء الدعوى العمومية – دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص110.
2- ويقصد بمبدأ شخصية العقوبة (عدم جواز تطبيق العقوبة إلا على مرتكب الجريمة فاعلاً أم شريكاً، فالمسؤولية الجنائية هي شخصية لا تضامن فيها، عكس المسؤولية المدنية، فلا يمتد أثر العقوبة الى أشخاص أخرين كأفراد الأسرة أو الورثة أو أي شخص تربطه بالجاني صلة، في حالة وفاة الجاني). ينظر: د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، ط3، دار النيل للطباعة، القاهرة، 1955، ص376 – 377. وينظر كذلك: حسين خنجر عجيل التميمي، مبدأ شخصية العقوبة – دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة بابل، 2012، ص23 وما بعدها. وقد أكد الدستور العراقي على هذا المبدأ في المادة (19/8) حيث نصت على (إن العقوبة شخصية).
3- عادل يوسف الشكري، مباحث معمقة في فقه الإجراءات الجزائية، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2014 ، ص226.
4- د. أشرف رمضان عبد الحميد، الوساطة الجنائية ودورها في إنهاء الدعوى العمومية – دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص142. وينظر كذلك: عادل يوسف الشكري، مباحث معمقة في فقه الإجراءات الجزائية، مرجع سابق، ص226.
5- ويقصد بمصطلح خصخصة الدعوى الجزائية (اختصار إجراءات الدعوى الجزائية، وذلك باللجوء الى طرق أو وسائل خاصة لإنهاء الدعوى الجزائية كالوساطة الجنائية والتسوية الجنائية والصلح الجنائي وغيرها من الوسائل البديلة لحل المنازعات). ينظر: 49) هناء جبوري محمد يوسف، خصخصة الدعوى الجزائية – دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة كربلاء، 2013 ، ص13. وينظر كذلك: د. أحمد محمد براك، خصخصة الدعوى الجزائية، بحث منشور على الموقع الالكتروني www.ahmadbarak.com تاريخ الزيارة 24/10/2019 الساعة 5:28م.
6- د. محمد سامي الشوا، الوساطة والعدالة الجنائية – اتجاهات حديثة في الدعوى الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، بلا سنة طبع ، ص5.
7- د. معتز السيد الزهري، الوساطة كبديل عن الدعوى الجنائية – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2017 ، ص87.
8- ينظر في طبيعة الدعوى الجزائية: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995 ، ص56 وما بعدها.
9- د. مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم، الصلح والتصالح في قانون الإجراءات الجنائية – دراسة تحليلية مقارنة بين التشريعين المصري والفرنسي طبقاً لأحدث التعديلات المدخلة بالقانون رقم (174) لسنة 1998، الطبعة الاولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص8.
10- يعد الإيلام عنصراً مميزاً من عناصر العقوبة وهو يعني (المساس بحق لمن تنزل به العقوبة – والمساس بالحق يعني الحرمان منه، كله أو جزءاً منه – أو فرض قيود على استعماله، وهو يؤدي الى تحقيق الدور التربوي للعقوبة). ولمزيد من التفصيل ينظر: د. محمود نجيب حسني، علم العقاب، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 1973، ص33 وما بعدها.
11- د. حمدي رجب عطية، دور المجني عليه في إنهاء الدعوى الجنائية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 1990 ، ص354.
12- قد أعطى القانون المدني الحق لولي الحدث بالرجوع الى من وقع منه الضرر (الحدث) بما دفعه من أموال بموجب ما جاءت به المادة (191/ف2) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل حيث نصت على (إذا تعذر الحصول على التعويض من أموال من وقع منه الضرر إن كان صبياً غير مميز أو مجنون جاز للمحكمة أن تلزم الولي أو الوصي بمبلغ التعويض على أن يكون لهذا الرجوع بما دفعه على من وقع منه الضرر).
13- د. أحمد محمد براك، العقوبة الرضائية في الشريعة الإسلامية والأنظمة الجنائية المعاصرة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010 ، ص530.
14- د. أشرف رمضان عبد الحميد، الوساطة الجنائية ودورها في إنهاء الدعوى العمومية – دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص150.
15- د. معتز السيد الزهري، الوساطة كبديل عن الدعوى الجنائية – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2017 ، ص87.
16- عادل يوسف الشكري، مباحث معمقة في فقه الإجراءات الجزائية، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2014 ، ص232.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|