أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-03
212
التاريخ: 2024-09-03
281
التاريخ: 17-3-2022
2985
التاريخ: 2023-08-22
1929
|
تشير الروايات والأحاديث الشريفة إلى أن بداية الظهور ، وخروج الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يكون من مكة بعد أن يتوجّه إليها قادما من المدينة التي يرسل إليها السفياني جيشه لقتال الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بعد سماعه بنبأ خروجه .
ومن مكة يعود الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى المدينة فالعراق فالقدس وترافق هذه المسيرة أحداث وحروب ومعارك يخوضها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ضد كل رموز الباطل ، وتظهر له فيها الكثير من المعجزات والكرامات الباهرة .
ومن الأحداث الهامة والبارزة التي يريدها اللّه سبحانه وتعالى أن تكون إشارة للناس وتنبيها لهم على بدء وقرب عملية الظهور ، وبالتالي لإعدادهم وتهيئتهم ، أمران :
الأول : وقوع انقلاب في منطقة بلاد الشام بقيادة السفياني .
الثاني : النداء الموجّه من السماء إلى جميع شعوب العالم ويسمعونه جميعا .
كل قوم بلغتهم فلا يبقى نائم إلا استيقظ ، ولا قاعد إلا نهض .
وبعد وقوع هذين الحدثين يبقى لظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف نحو ستة أشهر ، باعتبار ما تقدّم معنا أن النداء السماوي يكون في شهر رمضان والظهور العلني في شهر محرم .
وتأتي أيضا عملية خروج السفياني في شهر رجب في طليعة الأحداث الهامة التي تحصل في الشام وتسبق الظهور المبارك للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
ولنا أن نتساءل عن تحركات الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في هذه الستّة أشهر التي تفصله عن خروج السفياني ؟
تشير المصادر التاريخية إلى أن هذه الأشهر الفاصلة بين خروج السفياني وظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف تعتبر مرحلة الظهور الخفيّ بعد الغيبة الكبرى ، ولعل هذا هو ما أشارت إليه بعض الأخبار التي تحدّثت عن ظهور الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ثم اختفائه بعد خروج السفياني .
فعن حذلم بن بشير عن الإمام علي بن الحسين عليه السّلام أنه قال :
« فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يظهر بعد ذلك »[1].
وهذا إشارة واضحة إلى أنه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يظهر للناس بعد خروج السفياني في شهر رجب ، ثم يعود للاختفاء إلى وقت الظهور ومثله ما ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام حيث قال :
« لا يقوم القائم حتى يقوم إثنا عشر رجلا كلّهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذّبونهم »[2].
أي أن الناس تكذّب هؤلاء المدّعين للرؤية باعتبار أنهم لم يروا ولم يسمعوا بالظهور العلني المبارك . وهؤلاء الرجال - كما يفهم من الروايات - من الصادقين ، ويدل على ذلك تعبير الإمام الصادق عليه السّلام عن إجماعهم على رؤيته ، وتعجبه عليه السّلام من تكذيب الناس لهم .
وأيضا من المرجحات لما نقوله ما ورد عن الإمام علي عليه السّلام :
« يظهر في شبهة ليستبين ، فيعلو ذكره ، ويظهر أمره »[3].
والظاهر أن معنى ذلك هو ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بالتدريج أولا ، ثم بعد ذلك يتّضح أمره للناس ويستبين ، ولعل ذلك يكون من أجل اختبار أمر الناس ومدى استجابتهم له .
وأيا كان ، فالذي يفهم من الروايات الشريفة أن فترة الستّة أشهر ، أي من خروج السفياني والنداء إلى ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في محرم تكون حافلة بنشاطه ونشاط أصحابه . وتظهر للناس الكرامات والآيات على أيديهم وأيدي من يتصل بهم ، وأن ذلك سيكون حدثا عالميا يشغل الناس والدول على السواء . . . أما الشعوب الإسلامية والمستضعفة فتعمّها موجة الحديث عن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وكراماته واقتراب ظهوره . وتكون هذه الموجة تمهيدا شعبيا مناسبا لظهوره . ولكنها تكون في نفس الوقت أرضية خصبة للكذابين والمشعوذين لادّعاء المهدوية ومحاولة تضليل الناس . . . فقد ورد أن اثنتي عشرة راية تدّعي المهدية ترفع قبل ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وأن اثني عشر شخصا من آل أبي طالب يرفع كل منهم راية ويدعو إلى نفسه ، وجميعها رايات ضلال ، ومحاولات دنيوية لاستغلال موجة تطلّع المسلمين وشعوب العالم إلى ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
فعن المفضّل بن عمرو الجعفي عن الإمام الصادق عليه السّلام قال سمعته يقول :
« إياكم والتنويه ، أما واللّه ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحّصن حتى يقال مات أو هلك ، بأي واد سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر ، فلا ينجو إلّا من أخذ اللّه ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه ، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي ! . . .
قال المفضّل : فبكيت ، فقال لي : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟ فقلت :
كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أي من أي ؟
قال ، فنظر إلى شمس داخلة في الصّفّة ، فقال : يا أبا عبد اللّه ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم . قال : واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس »[4].
أي لا تخشوا أن يشتبه عليكم أمر الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بأمر من يدّعي المهدية ، لأن أمره أوضح من الشمس ، بآياته التي تكون قبله ومعه ، وشخصيته التي لا تقاس بالمدعين والكذابين .
ومن ناحية أخرى ، ستأخذ الدولتان الممهدتان له عليه السّلام ، اليمانية والإيرانية ، موقعا سياسيا هاما في أحداث العالم وتطلعات شعوبه . . . وتكونان بحاجة أكبر إلى توجّهاته عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف[5].
أما الوضع العام فإنه يشهد حروبا وأحداثا وكذلك بروز اختلافات تجتاح العالم كله .
« أبشّركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلزال . . . » .
« . . . ويومئذ يكون اختلاف كثير في الأرض وفتن » .
وتشير بعض الروايات إلى أن نتيجة هذه الحروب تكون خسائر كبيرة جدا تبلغ في بعض الأحاديث الثلثين من سكّان الأرض وأكثر .
وتتلاحق الأحداث مع بداية الظهور الشريف والمبارك لصاحب العصر والزمان وتنتقل مع انتقال الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من بلد إلى بلد .
وهذه الأحداث منها ما يكون صدّى إيجابيا لتفاعل الأمة التي طالما انتظرت هذه اللحظات . ومنها ما يكون بفعل ردود فعل الأعداء والمناوئين للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
وبعبارة أخرى : إن من الأحداث ما يصنعها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وجماهيره الملبّية لندائه ولنصرته ، ومنها ما يصنعها أعداء الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذين يحشدون كل قواهم لمقاتلته وحربه .
ولمتابعة هذه الأحداث والوقوف على مجرياتها لا بد من متابعة حركة الظهور بدءا من المدينة ومكة ومرورا بالعراق والشام ثم القدس الشريف . وكل ذلك وفقا لما ورد في المصادر والكتب التي تضمنت الروايات والأحاديث والأخبار الواردة في هذا الشأن .
أحداث منطقة الحجاز :
تذكر الروايات أن انطلاقة الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف نحو مكة يكون من المدينة المنوّرة حاملا معه تراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .
عن يعقوب السراج قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : متى فرج شيعتكم ؟
فقال بعد أن ذكر جملة من العلامات :
« . . . وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقلت : ما تراث رسول اللّه عليه السّلام ؟ قال : سيف رسول اللّه ودرعه وعمامته وبرده وقضيبه ورايته ولامته وسرجه ، حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ويلبس الدرع وينشر الراية والبردة والعمامة ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن اللّه في ظهوره فيطّلع على ذلك بعض مواليه . . . »[6].
وعنه عليه السّلام :
« إن الذين تطلبون وترجون إنّما يخرج من مكة ، وما يخرج من مكة حتى يرى الذي يحب ولو صار أن يأكل الأغصان أغصان الشجر »[7].
وعند وصوله عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى مكة ، يأتي إلى المسجد الحرام ويصلي عند المقام أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، فيتابعه أصحابه بين الركن والمقام ، وقد أشرنا إلى بعض التفاصيل في فصل سابق في فقرة ( مكان الظهور ) فراجع .
وما يهمنا الإشارة إليه هو الحدث البارز والمهم الذي يقع في مكة وهو مقتل ملك خليفة اسمه عبد اللّه مما ينتج عنه حصول فراغ سياسي في منطقة الحجاز ، وصراع على السلطة بين أفراد القبيلة الحاكمة .
وعلى أثر هذا الحادث يكون الظهور المبارك والفرج لأنصار الإمام وشيعته . . .
وقد أخبر الإمام الصادق عليه السّلام عن وقوع هذا الحدث في حديث رواه أبو بصير يقول فيه :
« من يضمن لي موت عبد اللّه أضمن له القائم ، ثم قال : إذا مات عبد اللّه لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء اللّه ، ويذهب ملك السنين ، ويصير ملك الشهور والأيام ، فقلت يطول ذلك ؟ قال : كلا »[8] .
وعنه عليه السّلام :
« بينا الناس وقوفا بعرفات ، إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة[9] ، ويخبرهم بموت خليفة . عند موته فرج آل محمد وفرج الناس جميعا »[10].
ويروي الشيخ الصدوق حول سبب قتل الملك المذكور أنه يحصل بسبب قضية أخلاقية ، وأن الذي يقتله أحد خدمه .
فعن الإمام الباقر عليه السّلام قال :
« يكون سبب موته أنه ينكح خصيا له فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوما . فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم »[11].
والفتن والأحداث التي تقع في منطقة الحجاز كثيرة وعجيبة وغريبة حيث يقتل أناس كثيرون ، ويعم البلاء .
وهذه طائفة من الروايات التي تشير إلى هذه الأحداث :
عن عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام يقول :
« يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم ، فينادي مناد صادق من شدّة القتل فيم القتل والقتال ؟ صاحبكم فلان »[12].
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : كان أبو جعفر عليه السّلام يقول : لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى ، فقال :
« نعم ، ولا يكون حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ، ويشتدّ البلاء ، ويشمل الناس موت وقتل ، يلجأون فيه إلى حرم اللّه وحرم رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم »[13].
وهذه الأحداث كلها تقع بعد الصيحة والنداء السماوي ، وقبل خروج السفياني ، ويكون لها علاقة بالحرب العالمية واختلاف أهل الشرق والغرب في ذلك الزمان .
وتشهد هذه الفترة التي يظهر فيها الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في مكة عدة أمور منها :
أولا : تجمّع أصحابه حوله ، وهم الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وهم غير الجيش الذي يخرج به من مكة بعد إحكام سيطرته عليها . وكنّا قد أشرنا سابقا في بحث مطوّل كيفية تجمّع الأصحاب ووصولهم إليه .
ثانيا : قتل النفس الزكية .
حيث يرسل الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في الرابع والعشرين أو الثالث والعشرين من ذي الحجة ( قبل ظهوره بخمسة عشر ليلة ) شابا من أصحابه وأرحامه ليلقي بيانه على أهل مكة ، ولكنه ما أن يقف في الحرم بعد الصلاة ، ويقرأ عليهم رسالة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف حتى يثبوا إليه ويقتلوه بوحشية بين الركن والمقام ، ويكون لشهادته المفجعة أثر في الأرض والسماء .
ثالثا : سيطرة الإمام وأصحابه وبقية أنصاره ليلة التاسع من المحرّم على منطقة مكة بما فيها الحرم الشريف ، وتوجيه الإمام بيانه إلى جميع شعوب العالم في مكة في اليوم الثاني عشر من المحرم ، من دون أن تحدث أيّة معركة أو قتل في داخل المسجد الحرام ، ولا في مكة .
رابعا : دخول الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في يوم السبت المصادف للعاشر من المحرّم إلى المسجد الحرام لمخاطبة شعوب العالم المسلمة وشعوب العالم كله بلغاتهم ، ويطلب منهم النصرة على الأعداء الكافرين والظالمين .
« يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء ، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام »[14].
فتكون حينئذ سيطرته ليلة العاشر من المحرم على المسجد الحرام وخطابه فيه مقدّمة للإعلان عن ظهوره العام للعالم كله في اليوم العاشر من المحرم .
خامسا : إقامة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الحدّ على سرّاق الكعبة الشريفة ، والمستولين عليها ظلما وعدوانا .
سادسا : تحرك جيش السفياني إلى المدينة أثناء وجود الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في مكة التي يبقى فيها إلى ما بعد آية الخسف بجيش السفياني .
سابعا : تغيير الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لبناء الكعبة والمسجد الحرام والمسجد النبوي .
حيث تشير الروايات إلى أن الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يقوم بتغيير بناء الكعبة ، ويبنيها على النمط الذي بناها عليه إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما السّلام ، ويأمر بقطع أيدي بني شيبة أصحاب مفاتيح الكعبة وتعليقها على الكعبة وأن ينادي بأن هؤلاء هم سرّاق الكعبة .
روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال :
« القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه ومسجد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى أساسه ، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه وقطع أيدي بني شيبة السرّاق أيضا وعلّقها على الكعبة »[15].
وعنه عليه السّلام أنه قال :
« إذا قام القائم عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه ، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه ، وقطع أيدي بني شيبة وعلّقها بالكعبة وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة »[16].
الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في طريقه إلى المدينة :
لم تذكر الروايات مدة بقاء الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في مكة على وجه التحديد ، وغاية ما ورد رواية وفيها :
« فيقيم في مكة ما شاء اللّه أن يقيم »[17].
ومنها يتحرّك الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى المدينة المنوّرة بجيشه البالغ عشرة آلاف أو بضعة عشر ألفا .
فعن عبد العظيم الحسني رضوان اللّه عليه قال : قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم السّلام - ويقصد الإمام الجواد عليه السّلام - إنّي لأرجو أن تكون أنت القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .
فقال عليه السّلام :
« يا أبا القاسم ما منّا إلّا قائم بأمر اللّه ، وهاد إلى دين اللّه ، ولست القائم الذي يطهّر اللّه به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلا وقسطا . وهو الذي يخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سميّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وكنيّه ، وهو الذي تطوى له الأرض ، ويذل له كل صعب . . . يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض ، وذلك قول اللّه عزّ وجل أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الأرض أظهر أمره . فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بإذن اللّه ، فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه تبارك وتعالى . قال عبد العظيم ، قلت : يا سيدي ، وكيف يعلم أن اللّه قد رضي ؟ قال : يلقي اللّه في قلبه الرحمة »[18].
وفي أثناء طريقه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى المدينة يمرّ على مكان الخسف بجيش السفياني .
وقد أشرنا سابقا في الحديث عن علامات الظهور إلى أن الخسف في البيداء هو واحد من العلامات الخمس المحتومة .
وملخص القضية : إن السفياني عندما يعلم بنبأ الظهور يوجّه قواته إلى المدينة المنوّرة بحثا عن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وأنصاره ، ويرتكب فيها الجرائم ، وتذكر الروايات أن الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يكون في هذا الوقت في المدينة ثم يخرج منها إلى مكة على سنّة موسى عليه السّلام خائفا يترقّب ، ويبلغ الخبر بخروج الإمام إلى مكة إلى السفياني ، فيبعث جيشا على أثره .
ويحل الجيش الثاني في المدينة فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها ، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث اللّه جبرئيل عليه السّلام لإبادة جيش السفياني ، ولا يفلت من الجيش إلّا رجلان يذهب واحد منهم إلى السفياني ليخبره بمصير جيشه ، والآخر إلى الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ليبشّره بهلاك العدو .
وفي هذه الأثناء يكون الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف عائدا بجيشه إلى المدينة مرة أخرى ، ولما يصل إلى مكان الخسف بجيش السفياني يقف الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ويتلو قوله تعالى :
أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ[19].
ولدى وصول الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى المدينة تشير الروايات إلى وقوع معركتين يخوضهما الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ضد السفياني والنظام الحاكم فيها ، ويحقق عليه السّلام فيهما نصرا كاسحا .
ورد عن الإمام الباقر عليه السّلام في حديث طويل يقول فيه :
« . . . ثم يدخل المدينة فيغيب عنهم ( عنها ) عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السّلام : واللّه لودّت قريش ( أن لي ) عندها موقفا واحدا جزر جزور ، بكل ما ملكته وكل ما طلعت عليه الشمس ، ثم يحدث حدثا ، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش :
( اخرجوا إلى هذا الطاغية ، فو اللّه لو كان محمّديا ما فعل ، ولو كان علويا ما فعل ، ولو كان فاطميا ما فعل ) ، فيمنحه اللّه أكتافهم ، فيقتل المقاتلة ويسبي الذريّة ، ثم ينطلق حتى ينزل الشقرة فيبلغه أنهم قد قتلوا عامله ، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرّة إليها بشيء . . . ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه »[20].
ويعلّق الشيخ الكوراني على هذه الرواية فيقول : فهذه الرواية تذكر معركتين في المدينة :
الأولى : بعد الحدث الذي يحدثه المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف فيها فتنكره قريش وغيرها ، ويبدو أنه يتعلق بهدم مسجد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقبره الشريف وإعادة بنائهما كما تذكر روايات أخرى ، فيتّخذ أعداؤه ذلك ذريعة لتحريك الناس عليه وقتاله ، فيقاتلهم ويقتل منهم مئات كما في رواية أخرى . وعندها يتمنى القرشيون ، أي المنتسبون إلى قبائل قريش لو أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان حاضرا ولو بمقدار جزر جزور ، أي بمقدار ذبح ناقة ، لكي يخلصهم من انتقام المهدي ، لأن سياسة أمير المؤمنين فيهم كانت الحلم والعفو .
والمعركة الثانية : بعد أن يقضي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف على هذه الحركة المضادة ، ويعيّن على المدينة حاكما من قبله ، ويخرج متوجّها إلى العراق أو إيران ، وينزل في منطقة الشقرة أو الشقرات وهي منطقة في الحجاز باتجاه العراق وإيران ، وقد تكون محل عسكر جيشه ، فيقوم أهل المدينة مرة أخرى بحركة مضادة ويقتلون الوالي الذي عيّنه عليهم ، فيرجع إليهم ويقتل منهم أكثر مما قتل منهم الجيش الأموي في وقعة الحرّة المشهورة ، ويخضع المدينة مجددا لسلطته . . وعدد قتلى الحرة كما تذكر مصادر التاريخ أكثر من سبعمائة شهيد ، وقد كانت ثورتهم على يزيد بن معاوية بعد ثورة الإمام الحسين عليه السّلام ، وهي ثورة مشروعة بعكس ثورة أهل المدينة هذه على الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . وتشبيه فعل جيشه عليه السّلام بأهل المدينة بفعل جيش يزيد إنما هو من حيث كثرة القتلى فقط[21].
وهاتان المعركتان وإن كانتا في مواجهة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف عند دخوله إلى المدينة ، إلّا أن هذا لا يعني أن الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لا يلاقي تأييدا من قبل أهلها ، أو عدم وجود المناصرين له فيها .
بل أكثر من ذلك فإن الروايات لم تتحدّث إلّا عن رضا أهل المدينة بالإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وعدم مقاومتهم له .
والأهم من ذلك أنهم يلاقون الشدة والعذاب والتنكيل من جيش السفياني ، ويمكن اعتبار ذلك دليلا على ولائهم للإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وعدم رضاهم بالسفياني والنزول عند إرادة جيشه .
وتظهر لنا بعض الروايات هروب الكثير من أهل المدينة فرارا من جيش السفياني . روى في عقد الدرر عن ابن حماد :
« فيبلغ أهل المدينة مخرج الجيش إليهم ، فيهرب منها من كان من آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى مكة يحمل الشديد الضعيف والكبير الصغير فيدركون نفسا من آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيذبحونه عند أحجار الزيت »[22].
وعلى كل الأحوال فإن الروايات تشير إلى السيطرة الكاملة للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف على جميع أرجاء منطقة الحجاز « يفتح اللّه له الحجاز » .
« فيفتح اللّه للمهدي أرض الحجاز » . وهروب واندحار جيش السفياني وانهيار النظام الحاكم فيها .
وبعدها يتوجه الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف إلى العراق وفي بعض الروايات إلى إيران ، فماذا يجري بعد ذلك ؟
[1] البحار ، ج 52 ، ص 213 .
[2] المصدر نفسه ، ص 244 .
[3] المصدر نفسه ، ص 3 .
[4] البحار ، ج 52 ، ص 281 .
[5] عصر الظهور ، الكوراني ، ص 259 - 260 .
[6] الكافي ، الكليني ، ج 8 ، ص 224 - 225 ، ح 285 .
[7] البحار ، ج 51 ، ص 28 ، باب 4 ، ح 12 .
[8] البحار ، ج 52 ، ص 210 ، باب 25 ، ح 54 .
[9] الناقة العلبة : أي الخفيفة السريعة ، وهذا كناية عن الإسراع في إيصال الخبر وتبشير الحجاج به .
[10] البحار ، ج 52 ، ص 240 .
[11] كمال الدين ، ص 655 .
[12] البحار ، ج 52 ، ص 296 ، باب 26 ، ح 53 .
[13] المصدر نفسه ، ج 52 ، ص 156 ، باب 23 ، ح 17 .
[14] البحار ، ج 52 ، ص 285 .
[15] البحار ، ج 52 ، ص 332 .
[16] الإرشاد المفيد ، فصل سيرته ، ح 129 .
[17] المصدر نفسه ، ص 334 .
[18] البحار ، ج 51 ، ص 157 .
[19] سورة النحل ، الآيتان : 45 - 46 .
[20] البحار ، ج 52 ، ص 342 .
[21] عصر الظهور ، ص 289 - 290 .
[22] عقد الدرر ، ص 66 ، باب 4 ، فصل 1 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم الهدايا والنذور يوضح آلية العثور على مفقودات الزائرين وطريقة استعادتها
|
|
|