أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-15
1303
التاريخ: 2023-06-03
1138
التاريخ: 2023-06-24
1617
التاريخ: 2024-11-11
207
|
يعد القرن السابع عشر الميلادي فترة استقرار نسبي وثبات في نظم الحكم لم تشهده البلاد من قبل، إلا أن الضعف الشديد الذي كانت تعانيه السلطة المركزية العثمانية في العراق، وغياب حكومات محلية قوية في مدنه الرئيسية، لم يغير من اوضاع المدينة العراقية كثيراً. بل يمكن القول إن هذا القرن كان استمرارا للفترات السابقة فيما يتعلق بعمارة مدن العراق ونموها، ما عدا العثمانيين أهتموا في هذا القرن بتحصين المدن والعناية بمرافقها العسكرية من أبراج وخنادق تحسباً من غزو أيراني مرتقب. ولعبت عوامل عديدة اجتماعية واقتصادية وعسكرية دورا في نمو مدن العراق وتطورها في هذا العهد، فكان منها ما يتعلق بتشجيع الحكام، ومنها ما جاء نتيجة لحوافز خارج سيطرة السلطة الحاكمة، وربما اجتمع أكثر من سبب في نشوء المدينة العراقية ونموها وهو ما حدث بوجه خاص لمدينة بغداد والموصل والبصرة، ومدن اخرى اقل أهمية مثل السليمانية والعمادية وراوندوز في شمالي العراق، والحلة والنجف والديوانية على شاطئ الفرات الأوسط. ويمكن تحديد عوامل نمو المدن بما يلي:
أ. العامل الإداري:
إن ازدياد أهمية الحكومات المحلية ومحاولاتها الدائبة لفرض سيادتها الإدارية على الريف أظهرت لدى السكان ميولا واضحة للتجمع حول المراكز الحكومية، لما تتمتع به تلك المراكز من نفوذ متزايد على مجريات الأحداث حولها. فبالنسبة لبغداد مثلا، ترتب على تأسيس حسن باشا وابنه احمد باشا لنظام المماليك فيها (القرن الثامن عشر الميلادي) وقيام أول حكومة مركزية عراقية تأخذ على عاتقها توحيد العراق في العصر الحديث ازدياد أهمية بغداد، باعتبارها مركزا إداريا رئيسا، ومقرا لأكبر سلطة سياسية في المنطقة، تستعيد أهميتها الإدارية السابقة ومن ابرز الأمثلة على أهمية العوامل الإدارية في نشأة المدن في هذا العهد تأسيس مدينة السليمانية في منطقة سهل شهرزور شمال العراق حين اقام البابانيون سرايا للإدارة والحكم عام 1782م، سرعان ما نمت حوله المرافق الحضارية الأخرى من دور وأسواق وخانات ومدارس علمية، فتكونت بذلك مدينة السليمانية الحديثة، وانتقل إليها الناس تدريجيا حتى صارت من أهم المدن العراقية في شمالي البلاد. وتعتبر مدينة (الديوانية على الفرات من المدن التي نشأت - في هذه الفترة - بدافع إداري حكومي، حقيقة إنها قامت أول الأمر كدار ضيافة (ديوان) لرؤساء الخزاعل وليقيم بها وكيلهم لجباية الضرائب، إلا أن حكومة المماليك في بغداد اتخذتها مركزا إداريا لها، يقيم فيه نائب الوالي ويشرف على جمع الضرائب في منطقة واسعة تمتد من الحلة حتى البصرة، وليكون رقيبا قويا إزاء مشيخة الخزاعل القائمة هناك، ولقد تحول هذا المركز الإداري المحض ليكون مدينة وعاصمة لحكومة الحسكة.
ب. عامل التجمع القبلي:
مثلما كانت المدينة تمثل في حقيقة وجودها مظهر سيادة الدولة، فان القلاع الكثيرة المنتشرة في طول البلاد وعرضها، كانت تمثل في واقع الامر - مظهر سيادة القبيلة على الريف، ذلك أن القبيلة بتكوينها مجتمعا مستقلا يمارس سلطات متنوعة عسكرية واقتصادية، كانت تحتاج إلى شيء من مظاهر تلك السلطات، فكان للقبيلة قلعة أو قلاع يتحصن فيها شيخها وأتباعه عند الممات ودار ضيافة يستقبل فيها ضيوفه وضيوف قبيلته وفيها تنعقد المخالفات وتدبر الأمور، وسجن يلقى فيه بخصومه أو أسراه من القبائل الأخرى. ومن هنا فقد ظهرت القلعة كضرورة ملازمة لوجود القبيلة ذاتها، فمن تلك القلاع المشهورة، يمكن أن نذكر قلعة (لملوم) على الفرات، بالقرب من منطقة المستنقعات (البطائح)، وكان شيخ الخزاعل قد بناها في القرن الثامن عشر لتكون عاصمة له، وقد وصفها نيبور عام 1766م بأنها قرية كبيرة، وان بيتها ليست إلا أكواخا من الطين والقصب. وفي حوالي عام 1816م أسست مدينة الحي الحالية بالقرب من اثار واسط القديمة على أيدي آل علي خان، أحد زعمائها، وأهل النفوذ فيها، وفي عام 1848م شيد الشيخ مجيد الخليفة قلعته التي عرفت فيما بعد ببلدة سيعيدة. وتعد مدينة الكوت نموذجا للقلاع القبلية، فقد أسسها بنو لام في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لتكون عاصمة لحكمهم، وكان موقعها على شاطئ دجلة حصينا إلى درجة كافية للسيطرة على الطرق النهرية في دجلة. وكذلك تأسيس قرية السماوة على الفرات حيث كان شيوخ الخزاعل يجبون فيها الضرائب على السفن المارة، وكانت بيوت هذه البلدة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر مشيدة بالطين المجفف في الشمس وذات منظر مزري للغاية، وهي محاطة بسور من الطين. أما مدينة العمارة، فكانت قرية تسكنها الاعراب، وفيها قلعة ومثلها بلدة البغيلة (وتعرف اليوم بالنعمانية) التي نشأت حول قلعة الاجر شيدها شفلح شيخ قبيلة زبيد.
ج. العامل التجاري:
إن استقرار الحياة الحضرية في المدينة العراقية منذ مطلع القرن الثامن عشر وتعاظم أهمية انشطتها الاقتصادية والاجتماعية قد زاد من حدة التباين والاختلاف بين الانتاج الريفي البسيط المرتكز على الزراعة، وانتاج المدينة القائم على الصناعة والتجارة، وكلما ازداد هذا التباين ظهرت الحاجة إلى اسواق تباع فيها منتجات الريف إلى حد سواء، وتتوفر فيها ما تحتاجه القبائل الرعوية والمزارعة، وما يحتاجه التجار والصناع في المدينة ذاتها. وقد ساعدت هذه الحاجة الاقتصادية الناشئة على تشييد مخازن الحبوب والاصواف والمنشآت الدينية كالمساجد، فأدى ذلك إلى ظهور بعض المدن داخل المناطق الزراعية وعلى الحدود بينها وبين البادية وشجع استقرار بعض القبائل التدريجي على نمو هذه الاسواق وازدهار الحركة التجارية فيها، ومن الأمثلة على المدن التي نشأت بهذه الطريقة مدينة (سوق الشيوخ) التي مازال اسمها يدل على الوظيفة التي كانت اساس وجودها، وقد عرفت هذه المدينة أول الأمر بسوق النواشي، حيث كان افراد قبيلة النواشي وبعض القبائل الرعوية الأخرى يحصلون على ما يحتاجون من الطعام والبضائع من هذه السوق قبل رحيلهم إلى البادية. ويبدو أن هذه السوق كانت موسمية، فقد خلت كتابات الرحالة من أي ذكر لها وعندما استقر ال سعدون، وهم شيوخ المنتفك في المنطقة، واخذوا يترددون عليها اشتهرت هذه السوق باسم سوق الشيوخ نسبة إليهم. وقد اتخذها هؤلاء على عهد الشيخ ثويني في اواخر القرن الثامن عشر مركزا ثابتا، لهم ومخزنا لذخيرتهم ومكانا لتجمعهم. وبالإضافة إلى نمو الاسواق باعتبارها مراكز تبادل تجاري بين الريف والمدينة فان حركة التجارة هذه قد ادت أيضاً إلى احياء الطرق التجارية القديمة وتأمينها ضد اللصوص المعتدين، وتوفير الخانات اللازمة لنزول التجار، وخزن بضائعهم، وكانت حركة القوافل الدائبة تقتضي توفير اعداد من الادلاء والحراس والدواب لعدد كبير من التجار والمسافرين كما تتطلب توفير وسائل الراحة من ماء وطعام، فكان طبيعيا أن تنشأ بعض القرى والمدن حول عدد من خانات الطرق في اماكن مناسبة لتستطيع تقديم مثل هذه الخدمات الضرورية. هذا وان بعض المدن قد شهدت في العهد العثماني تطورا ونموا منها مدينة اربيل، فقد احتلت المدينة موقعا جغرافيا مهما في القسم الشمالي من العراق، مما جعلها محطة رئيسة على طرق المواصلات، ففيها تمر أقصر الطرق التي تربط المدن مع بعضها البعض. وقد ارتبطت اربيل مع مدن العراق بعدد من الطرق البرية الرئيسة المهمة، والتي كانت تتفرع منها طرق فرعية اقل اهمية. ومن المدن التي شهدت نموا في العصر العثماني الاخير نظرا لموقعها التجاري مدينة الكوت، فقد ظهرت هذه المدينة في منتصف القرن الثامن عشر، لتكون ميناء نهريا، لوقوعها على نهر دجلة عند تفرع نهر الغراف، فصارت مرفأ لاستراحة الملاحين وسوق للتزود بالطعام، ومكان لتبديل السفن. وقد استطاعت تلك المدينة الناشئة من تثبيت
وجودها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مما حدا بالحكومة العثمانية الى ان تجعلها قضاء تابع للواء بدرة وجصان عام 1895 وحتى الحرب العلمية الأولى عام 1914.
الخانات:
رافق المدن تزايد الخدمات المرتبطة بها، فانتشرت الخانات والمحطات على مختلف الطرق، ولاسيما في الاماكن التي تتباعد فيها المدن والقرى، ويصف الرحالة فيدريجي خان ضخم للتجار في بغداد فيه غرف المبيت التجار، اذ يعرض فيه القسم الاكبر من اولئك التجار الاجانب بضائعهم لغرض بيعها. ويتحدث الرحالة تخيرا عن كثرة الخانات في بغداد التي يقيم فيها التجار، وهي كثيرة الارتياد وتغلق كل الشوارع والخانات في كل ليلة بسلاسل حديدة غليظة. وكانت على طريق النجف - وهو طريق الحجاج أيضاً- مجموعة متصلة من الخانات الكبيرة، مثل خان الكهيا في الجنوب من بغداد، وربما كان في بغداد أكثر 34 خانا. وخان ازاد، الذي انشئ ليتسع لنحو خمسمائة شخص، وقد احاطت بالخان قرية صغيرة سكانها الاعراب من اهل الناحية، وما تزال هذه القرية عامرة. ومن تلك الخانات المهمة أيضاً، خان الاسكندرية المشيد في حدود عام 1800م، وهو يتسع لألف شخص مرة واحدة، وتتوفر فيه كل وسائل الراحة في ذلك العهد، أما خان المحمودية، فيرتقي إلى القرن السابع عشر الميلادي) ويماثل خان الاسكندرية من حيث الفخامة والاتساع، ومثله خان المحاويل، وفي اوائل القرن التاسع عشر كانت هذه الخانات قد تحولت جميعها إلى قرى تجارية مهمة يسكنها العرب ويديرون فيها امورهم دون تدخل يذكر من جانب الحكومة المركزية. وعلى طريق بغداد - كرمنشاه التجاري، شيدت مجموعة من الخانات والمحطات ومن أهمها خان بني سعد الذي انشأه والي بغداد عمر باشا عام 1688م ليتوسط المسافة بين مدينتي بغداد وبعقوبة، وهو شبيه بالخانات السابقة، وقد احاطت به، فيما بعد، بلدة صغيرة يعمل أهلها على توفير الراحة للمسافرين. وقد اشتهرت مدينة اربيل في العهد العثماني بخاناتها، فقد صمم كل جزء من الخان هناك لكي يؤدي وظيفة معينة لها علاقة بتسهيل مهمة التجارة ومن يقوم بها، اذ تمارس عملية الخزن وتبادل البضائع وايواء التجار والمسافرين وحيواناتهم وكل ما هو شأنه ان يخدم هذه الاغراض، ويمكن ان نميز نوعين من الخانات في اربيل هي:
1. الخانات الواقعة في مركز المدينة ضمن منطقة السوق.
2. الخانات الواقعة في أطراف المدينة.
فبالنسبة لخانات النوع الاول الكبيرة منها والصغيرة، فقد تركزت في سوق المدينة أو بالقرب منها، وتعددت اختصاصات هذا النوع من الخانات فكانت للتجارة الداخلية والخارجية مأوى للتجار الغرباء والمسافرين، ومخازن لبضائعهم. وبعض هذه الخانات مكونة من طابقين، وتكون عادة مزدحمة بالتجار، والقوافل التجارية. اما النوع الثاني من الخانات الموجودة في أطراف المدينة فهي لا تختلف عن النوع الاول، الا من حيث الوظيفة، والحجم، وطراز عمارته وموقعه. وقد ذكر الرحالة نيبور أحد هذه الخانات التي تقع جنوبي قرية قوش تبه ويسمى خان عادلة نسبة الى ابنة والي بغداد احمد باشا، الذي امر بحفر بئر واقامة الخان في المنطقة لتسهيل سفر القوافل وسعاة البريد، وقامت ابنته عادلة خاتون بتوسيع هذا الخان لتأمين راحة المسافرين، ولتطوير المكان سمحت السلطات بزراعة الاراضي المحيطة بالخان لكل من يرغب من سكان المنطقة.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|