المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6242 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الخرشوف Artichoke (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24

حياة الملكة السياسية ووزير ملكة فكتوريا (لورد ملبرن)
2023-09-23
Chemistry Is Everywhere: Radioactive Elements in the Body
8-12-2020
مفهوم الشخصية
31-8-2022
Coking Processes
9-5-2016
كوكب الزهرة
21-2-2017
معوقـــــات تطبيــــق الإدارة الإلكترونية
11-11-2021


اعتبار التّوثيقات الموجودة.  
  
1331   08:30 صباحاً   التاريخ: 2023-07-09
المؤلف : الشيخ محمد آصف محسني.
الكتاب أو المصدر : بحوث في علم الرجال.
الجزء والصفحة : ص 51 ـ 59.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / الجرح والتعديل /

إنّ أرباب الجرح والتعديل كالشّيخ والنجّاشي وغيرهما، لم يعاصروا أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن بعدهم من أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، حتّى تكون أقوالهم في حقّهم صادرة عن حسّ مباشر، وهذا ضروري، وعليه فإمّا أن تكون توثيقاتهم وتضعيفاتهم مبنية على أمارات اجتهادية وقرائن ظنية؛ أو هي منقولة عن واحد بعد واحد، حتّى تنتهي إلى الحسّ المباشر، أو بعضها اجتهاديّة، وبعضها الآخر منقولة، ولا شق رابع.

وعلى جميع التقدير لا حجيّة فيها أصلا، فإنّها على الأوّل حدسيّة، وهي غير حجّة في حقّنا؛ إذ بناء العقلاء القائم على اعتبار قول الثّقة، إنّما هو في الحسيّات أو ما يقرب منها دون الحدسيّات البعيدة، وعلى الثّاني يصبح معظم التّوثيقات مرسلة، لعدم ذكر ناقلي التّوثيق والجرح في كتب الرجال غالبا.

والمرسلات لا اعتبار بها، نعم، عدّة من التّوثيقات منقولة مسندة كما في رجال الكشي (رحمه الله)، وهذا ممّا لا شك في حجيّتها واعتبارها إذا كانت الأسناد معتبرة.

والحاصل: أنّ حال هذه التّوثيقات حال الرّوايات المرسلة، فكما إذا قال الشّيخ الطوسي (قدّس سرّه) قال الصّادق (عليه السلام) كذا وكذا، ولم ينقل سنده لا نقبله، كذا إذا قال: مسعدة بن صدقة من أصحاب الصّادق (عليه السلام) ثقة، فإنّ الحال فيهما واحد، فكيف يقبل الثّاني ولا يقبل الأوّل؟

وكنّا نسأل سيّدنا الأستاذ الخوئي (رحمه الله) أيّام تتلمذنا عليه في النّجف الأشرف عن هذا، ولم يكن عنده جواب مقنع، وكان يقول إذا طبع كتابي في الرجال تجد جوابك فيه، ولمّا لاحظناه بعد طبعه رأينا أنّه (رحمه الله) أجاب عن الشقّ الأوّل، أي: حدسيّة التّوثيقات دون الشقّ الثّاني الّذي هو العمدة عندي، وكنت أسأله عنه مرارا (1).

وأيضا هو لم يقدر على إثبات كون جميع التّوثيقات حسيّا، بل أثبت أنّ الكثير منها حسي والجميع ليس بحدسي، وهذا المقدار مقطوع به بملاحظة كتب الرجال لكنّه غير كافٍ كما علمت.

وقد عرضت هذا السّؤال على جماعة من علماء العصر كالسّيد الأستاذ الحكيم (رحمه الله) والشّيخ الحلّي (في المشهد العلوي) والسّيد الميلاني (في المشهد الرضوي) والسّيد الخميني في النجف وغيرهم (رحمهم الله جميعا)، وكجملة من علماء بلدة قم، فلم يأتِ أحد بشيء يقنعني.

ثمّ لا شكّ في عدم استناد التوثيقات الموجودة كلّها إلى الحدس، بل من المظنون القوي استناد أكثرها إلى النقل؛ ولذا قال الشّيخ الطوسي (قدّس سرّه) في أوّل فهرسته: فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الاصول، فلا بدّ أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح (2) وقال في كتاب العدّة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد: إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الإخبار، فوثّقت الثقات منهم وضعّفت الضعفاء، وفرقّت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم ... وصنّفوا في ذلك الكتب ... (3).

ظاهر هذه العبارة إنّ التّوثيقات والتجريحات كلّها منقولة عن سابق عن سابق.

وفي رجال النجّاشي في أوّل الجزء الثّاني (4): من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: وما أدركنا من مصنّفاتهم، وذكر طرف من كنّاهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم، وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذمّ ممّا جمعه الشّيخ الجليل أبو الحسين أحمد بن علي بن العبّاس النجّاشي الأسدي، أطال الله بقاه وأدام علوه ونعماه، انتهى (5).

وقيل: إنّ النجّاشي يعتمد في توثيق شخص أو تضعيفه على مشايخه، كما يظهر من كتابه في خلال تراجمه كابن الغضائري، والكشي، وابن عقدة وابن نوح، وابن بابويه وأبي المفضل وغيرهم، وكذلك عن كتب جمّة، وقد أحصيناها فبلغت أكثر من عشرين كتابا، كرجال أبي العبّاس، وابن فضّال والعقيقي، والطبقات لسعد بن عبد الله، والفهرست لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه، ومحمّد بن زياد، ولابن النديم، ولابن بطّة، ولابن الوليد، ولغيرهم (6).

ثمّ إنّك عرفت أنّ بناء العقلاء إنّما هو على اعتبار الإخبار الحسيّ أو الحدسي المدلول عليه بالآثار الظّاهرة الواضحة القطعية الحسيّة، وشيء منهما غير حاصل في المقام فإنّ الصدق وآثاره الحسيّة، وكذا آثار العدالة الحسيّة غير قريبة من إحساس هؤلاء الأعاظم، لما بين الرّاوي والمخبر من الفصل البعيد الزماني؛ ولذا يختلف آراء الرجاليّين في حقّ جملة من الرّواة. وقد مرّ أنّ جملة كثيرة من تلك الأمارات مزيفة باطلة، وهذا فليكن واضحا، ولذا لا بدّ من معرفة الوسائط ووثاقتهم. وقد رأيت فيما قيل من مدارك النجّاشي أنّ بعضهم مجهول، كالعقيقيي وابن النديم مثلا، وأمّا استناد السّيد الأستاذ (قدّس سرّه) إلى أصالة الحسّ، فيما يدور الإخبار بينه وبين الحدس في كلّ توثيق، فهو صحيح، لكنّها أجنبيّة عن المقام، فإنّها تثبت حسّية الإخبار لا وثاقة المخبر. فإذا علمنا ولو تعبدا وثاقة نقلة التّوثيق وشككنا في صدور التّوثيقات عن حسّ أو حدس فالإصالة المذكورة تنفعنا كما في المسندات.

وأمّا إذا جهل وثاقة النقلة المحذوفة أسمائها، كما في المقام أو ذكرت اسماءهم، فلا أصل يثبت وثاقتهم إلّا بناء على أصالة العدالة، أو أصالة الأمانة القوليّة في كلّ مسلم، أو مؤمن ولا نقول بها.

لا يقال: النقلة الوسائط بين الموثّق والموثّق إن كانوا ثقات، فقد ثبت المطلوب وإن كانوا مجهولين أو ضعفاء، فاعتماد الموثق عليه يرجع إلى إعمال نوع من الحدس، والأصل المذكور يدفعه، فأصالة البناء على الحسّ تنفعنا في المقام.

قلت أصالة البناء المذكورة لم تثبت ببرهان عقلي ولا بدليل لفظي من آية أو رواية، حتّى يتمسك بها في كلّ مورد، بل هي دليل لبّي غير ثابت في المقام، فارجع إلى العقلاء، فانظر إلى بنائهم فهل يثبتون وثاقة مئات من المجهولين والمحتملون كذبا بهذا الأصل، وبهذا البيان؟ ولا أقلّ من الشّك في مثل هذا البناء، واللبّي يؤخذ بالقدر المسلّم والمتيقّن، على أنّه منقوض بالرّوايات المرسلة، إذ لا قائل باعتبارها مطلقا وبلا استثناء، مع أنّ البيان المذكور جارٍ فيها حرفا بحرف.

وهنا طريق آخر ذكره بعض الأعلام السّادة من المعاصرين حين المذاكرة معه في الحضرة العلويّة (7)، وهو: إنّ احتمال التواتر في الرّوايات المرسلة غير متحقّق؛ إذ طريق المصنّفين إلى أرباب الكتب أو الأصول أو الرّواة معلومة معيّنة محدودة غالبا (8)، فلا تكون المرسلات حجّة. وهذا بخلاف التّوثيقات الصادرة من علماء الرجال للرواة، فإنّ احتمال وصول وثاقة الرّواة إلى الشّيخ والنجّاشي وأمثالهما بنحو التواتر، بلا مانع.

وعليه فنقول: الظاهر هو البناء على التواتر، لما ثبت عند العقلاء أنّه لو دار الأمر بين كون خبر المخبر عن حسّه أو حدسه، يبنى على أنّه عن الحسّ، وفي المقام إذا قلنا بالتواتر المزبور يكون التّوثيق حسيّا، بخلاف ما إذا أنكرنا التواتر فإنّ الشّيخ مثلا قبل توثيقه لأحد لا بدّ له من تطبيق صدق العادل على جميع نقلة هذا التّوثيق، وهذا التطبيق ـ أي: تطبيق الكبرى على المفيد وغيره من نقلة الثقات ـ حدسي ليس بحسّي.

أقول: هذا كلامه وكان يصّر عليه، ولكن يفسده امور:

أوّلا: إنّ لازمه حجيّة التّوثيق المرسل دون المسند بذكر الرّواة الثّقات بتقريب أنّ الوثاقة حينئذ حدسيّة ناشئة من تطبيق صدق العادل على النقلة، وهو كما ترى.

وثانيا: عدم احتمال التواتر في جميع التّوثيقات كما يظهر من التّوثيقات المسندة في كلام النجّاشي والكشّي وغيرهما، بل لم أجد موردا ثبتت الوثاقة بالتواتر المصطلح فيه، بل لا أذكر عاجلا موردا ادّعي المعدل فيه القطع بوثاقة أحد. فتأمّل.

كيف، ولو كانت التّوثيقات متواترة لما وقع الخلاف بين الشّيخ والنجّاشي وغيرهما من أرباب الرجال في التّوثيق والتضعيف، بل ربّما كان للشيخ مثلا قولان في راوٍ واحد على ما مرّ.

ثمّ إنّ الكشّي (وهو أقدم رجاليّ وصل إلينا كتابه) بيّن حال بعض الرّواة مسندا وليست أسانيده متواترة فمن أين ينشأ احتمال التواتر، بل القلب يطمئن بعدم التواتر في كثير من التّوثيقات.

وثالثا: إنّ تطبيق الكبرى ليست من الحدسي الّذي لا يثبت بخبر الواحد، بل هو قريب من الحسّ واضح السبيل يثبت بخبر الواحد، كما مرّ، وبالجملة تصديق الثّقة أمر ظاهر ارتكازيّ للعقلاء معدود عندهم من الحسيّات في الاعتبار. ولو كان مطلق الحدسيّ ـ وإن كان ضعيفا ـ مانعا عن معاملة الحسّيّ معه لكان التواتر أيضا حدسيّا لاحتياجه إلى قياس خفي، كما قرّر في المنطق، فلاحظ.

ورابعا: إنّ إثبات تواتر نقل، بدعوى بناء العقلاء على معاملة الحسي مع الخبر المردّد بين كونه حسّيا أو حدسيّا مقطوع الفساد عند العرف، بل ولعلّه لم يخطر ببال أحد من العقلاء سوى هذا السّيد الجليل المتصدّي لحجيّة أقوال علماء الرجال (9).

نعم هنا شيء آخر يمكن به الفرق بين التّوثيق المرسل والرّواية المرسلة، فيقال بحجيّة الأوّل دون الثّاني.

وحاصل هذا الوجه: أنّ نقل الرّواية من الضّعيف ممكن ولا مانع منه. وأمّا نقل التّوثيق عن الضعيف فغير صحيح، ولا ينبغي صدوره عن الفضلاء، فضلا عن الأكابر؛ وذلك فإنّ الغرض الوحيد من التّوثيق هو إثبات وثاقة الرّاوي وعدم كذبه في قوله ونقله، حتّى تصبح رواياته عند العلماء والمجتهدين الذين هم غير عالمين بحاله حجّة، وعليه فيكون توثيق الرّاوي بنقل ضعيف نقض للغرض، فإنّ كلّ عاقل يفهم أنّ وثاقة مجهول لا تثبت بتوثيق كاذب، أو مجهول مثله.

ولا ينبغي لأحد أنّ ينسب هذا الاحتمال إلى أمثال هؤلاء الأكابر مثل الشّيخ وأمثاله من أقطاب العلوم الشّرعيّة.

فإذا حكم الشّيخ ـ مثلا ـ بوثاقة أحد، لا بدّ من إحرازه وثاقة جميع نقلة الوثاقة.

أقول: هذا الّذي خطر ببالي مجرّد حسن ظنّ بهؤلاء العلماء (قدّس سرّه) م فإنّ أوجب الاطمئنان لأحد، فله الاعتماد على التّوثيقات الموجودة، وإلّا فلا.

والأصل في هذا الترديد إنّ إحراز وثاقة ناقلي التّوثيقات غير واضح السبيل؛ ولذا قد يختلف كلام الشّيخ (رحمه الله) في وثاقة أحد أو ضعفه، كما في حقّ سهل بن زياد. وترى الشّيخ يضعف سالم بن مكرم بن عبد الله أبا خديجة، في حين أن النجّاشي يقول في حقّه: ثقة، ثقة (10) فيعلم من هذا وأمثاله أنّ لكلّ معدل ورجالي أصولا خاصّة يبني عليها الجرح والتّوثيق (11).

وبعبارة أخرى: إنّ التّوثيقات والتحسينات على قسمين:

قسم منها: مستند إلى نقل سابق عن سابق حتّى ينتهي إلى الناقل المعاصر للراوي المقول فيه، والظّاهر إنّ هذا القسم هو الأكثر (12).

وقسم منها: مستند إلى الحدس والأمارات الاجتهاديّة على ما تقدّم أكثرها.

ثمّ إنّ وثاقة نقلة الوثاقة والصّدق أيضا قد تستند إلى النّقل، وقد تستند إلى الحدس وهكذا.

وهذا القسم ـ أي: حدسيّة التّوثيق والتّحسين ـ هو الأقل، وحيث إنّ حدس الموثّق والمحسّن ليس بحجّة لنا، بل ثبت بطلانه في أغلب موارده فيما مرّ، يسقط جميع التّوثيقات والتحسينات عن الاعتبار ضرورة عدم تمييز بين التّوثيقات الحسيّة والحدسية وخلط الحجّة باللاحجة.

فإن قلت: ظاهر كلام النجّاشي والشّيخ السّابق استناد جميع التّوثيقات إلى الحسّ، لا إلى الحدس.

قلت: أوّلا: نمنع ظهوره في العموم والاستيعاب، بل المتيقن منه أو المظنون قويا من الخارج استناد أكثرها إلى الحسّ كما قلنا، فيسقط الجميع عن الاعتبار لما عرفت. على أنّ بناء العقلاء على الحسّ فيما يدور الإخبار بينه وبين الحدس، في المقام، أي: ما يكون الفصل بين المخبر والمقول فيه بمائة سنة مثلا، ممنوع ولا دليل عليه، والدليل اللّبىّ يؤخذ بالمتيقّن منه.

وثانيا: إنّ قبلنا ذلك في توثيقات النجّاشي (رحمه الله)، فلا نقبله في توثيقات الشّيخ (قدّس سرّه)؛ إذ من أين نعلم خلوّ توثيقاته من أعمال الحدس، فمثلا: من أين نعلم أنّ الشّيخ لم يقبل قول النقلة المجهولين في بيان التّوثيقات اعتمادا على أصالة العدالة، كما نسبت إليه فيما سبق؟ ومن أين نفهم أنّه لم يوثّق الّذين روي عنهم ابن أبي عمير وصفوان والبيزنطي؟ وقد صرّح في محكي عدّته بأنّ هؤلاء الثّلاثة لا يرون ولا يرسلون إلّا عمّن يثقون به، فالشيخ يعامل مع من روي عنهم هؤلاء الثلاثة وغيرهم، معاملة الثقات اعتقادا منه بأنّ رواية أحد هؤلاء عن شخص بمنزلة قوله في حقّه أنّه ثقة، فلا منافاة بين توثيق الشّيخ لمثل هذا الرّاوي وبين قوله السّابق في الفهرست والعدّة أصلا.

ومن أين نعتقد أنّ الشّيخ لم يقبل قول المعدّلين والموثّقين المجهولين في توثيقاتهم، أو قول ناقلي التوثيقات المجهولين بواسطة القرائن الحدسية؟

فإن قلت: سلّمنا ذلك، لكن يدور الأمر في وثاقة كلّ راوٍ بين كونها حسيّة أو حدسيّة، وبناء العقلاء في ذلك على حملها على الأوّل.

قلت: نعم، لولا العلم الإجمالي بوجود توثيقات ناشئة عن الحدس استنادا إلى تصريح نفس الشّيخ، كما أشرنا إليه ويأتي مفصّلا.

على أنّ النقض بمثل مرسلات الصّدوق وغيره فيما إذا قالوا: قال الصّادق (عليه السلام) كذا باق بحاله، إذا الفاضل المتدين ـ فضلا عن مثل الأعاظم ورؤساء المذهب كالكليني والمفيد، والشّيخ والصّدوق والصفار ومن يحذو حذوهم ـ كيف ينسب قولا إلى الصّادق وهو يعلم بعدم صحّة النسبة أو يشك في صحتها؟

فلا بدّ من البناء على صحّة المرسلات مع أنّهم لا يقبلون مطلق المرسلات (13).

وأمّا دعوى إجماع العلماء المتأخّرين عن زمان الشّيخ والنجّاشي على حجيّة توثيقات الشّيخ والنجّاشي والكشّي وأمثالهم، فغير صحيحة، فإنّ إجماعهم ليس تعبديّا كاشفا عن قول المعصوم ؛ إذ للعلماء طرق وآراء مختلفة في حجيّة آراء الرجاليّين، وما يتوهّم من دفع الإشكال على القول بكون الرجوع إلى الرجاليّين من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ضعيف، فإذا لم يندفع الإشكال المذكور فلا بدّ من الالتزام بدليل الانسداد والجري على وفقه في الفقه، لكن العجيب إنني ـ نفسيا ـ لا أرى في الانسداد وأصوله إثبات الحلال والحرام، بل الّذي تطيب به نفسي هو العمل بصحاح الرّوايات وحسانها وموثقاتها حسب توثيق وتحسين هؤلاء الرجاليين الكرام (قدّس الله أسرارهم).

ولو أجد من حلّ لي المعضلة المذكورة لقدّمت له مبلغا من المال، وكنت له شاكرا، إذ مع هذه المعضلة يصبح علم الرجال غير معتمد على أساس عقلي أو شرعي، كما هو ظاهر، والله الهادي والملهم للصواب.

وفي الختام نلخص المشكلة المعضلة في المقام توضيحا للمطالعين.

المعضلة من جهتين:

1 ـ معظم توثيقات الشّيخ الطّوسي والنجّاشي بشهادة كلماتهما، وبالقرينة الخارجيّة، حسّية جزما، من دون الاستمداد من أصالة حمل كلام المخبر على الحسّ، فيما إذا دار الأمر بين كونه عن حدس أو حسّ لبناء العقلاء عليه.

فالمشكلة في هذا القسم لا تنشأ من جهة احتمال كون توثيقاتهما حدسيّة أصلا، وإنّما المعضلة أن توثيقاتهما ـ وكذا تضعيفاتهم، وسائر ما ذكراه في حقّ الرّواة ـ مرسلة لم يذكرا الوسائط النقلة حتّى نعرف أنّهم ثقات أو ضعفاء أو مجاهيل.

وقبول التّوثيقات المرسلة لا وجه له سوى حسن الظّن بالشّيخ والنجّاشي، وأنّهما لم ينقلاها إلّا عن ثقة عن ثقة إلى الآخر والحال أنّهما لم يذكرا ذلك، ولم يشيرا إليه، فكيف يجوز لنا قبولها؟ ولم لا نسأل منهما أنّه من هؤلآء الّذين أخبرو كما أنّ محمّد بن مسلم مثلا ثقة؟ فإنّكما لم تراه ألّا ترى أنا نقطع بأنّ ما ينقله أحدهما عن النّبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) ليس بحدسي قطعا، بل هو حسّي ضرورة، ولكن حيث نعلم إنّه لم يلاق النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) نحتاج في قبول الحديث الحسّي إلى سنده، وملاحظة حال رواته فإنّ علمنّا وثاقتهم أو حسنهم نأخذ به وإلّا نتركه؛ لأجل الإرسال. وحيث إنّ معظم التّوثيقات مرسلة غير مسندة لا اعتبار بها، وإن كانت حسّية مسموعة عمّن تقدمهما، وهذا هو الإشكال الصعب المهمّ.

2 ـ الشّيخ الطّوسي (قدّس سرّه) مجتهد بتمام معنى الكلمة فمن أين نطمئن بأنّه لم يعمل حدسه في توثيقاته وتضعيفاته؟ والاستمداد من أصالة الحمل على الحسّي عند دوران الأمر بين الحسيّ والحدسي، حتّى يثبت كونه حدسيّا في المقام مقرون بالصعوبة بعد الظفر على كلمات للشيخ (رحمه الله) تشهد بإمكان استفادته من اجتهاده وحدسه في مسائل علم الرجال. وقد صرّح بأنّ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي وغيرهم ـ أي: أصحاب الإجماع كلّهم ـ لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

وهذا أمر حدسي ظاهرا، نعم، احتمال عدم الحدس في حقّ النجّاشي محدود، فإنّه ليس كالشّيخ في سعة علومه واجتهاده ـ إنّ ثبت ـ مع إنّا لم نجد في كتابه ما يدلّ على إعمال حدسه، لكن يحتمل، في حقّه وحقّ الشّيخ ـ صدور التّضعيف والتّوثيق بملاحظة روايات الرجال، وهذا يمكن إقامة بعض الشّواهد في فهرستيهما عليه.

واعلم أنّ الإخبار عن شيء، تارة يكون عن حسّ ومشاهدة، وأخرى عن أمر محسوس مع احتمال استناده إلى الحدس دون الحس.

وثالثة: عن حدس قريب من الحس.

ورابعة: عن حدس ناشئ عن سبب كانت الملازمة بينه وبين المخبر به تامّة عند المنقول إليه، بحيث لو فرض اطلاعه على ذلك السبب لقطع بالمخبر به، كما في بعض الإجماعات المنقولة.

وخامسة: عن حدس ناشئ من سبب لم تحرّز الملازمة بينه وبينه عند المنقول إليه.

فالأوّل حجّة إذا كان المخبر ثقة صادقا، والثّاني مثله، إذ بعد كون المخبر به من الأمور المحسوسة فظاهر الحال يدلّ على أنّ الإخبار به عن حسّ دون حدس. وكذا الثالث إذ احتمال الخطأ في الأمور القريبة من الحسّ بعيد موهون عند العقلاء. وكذا الرابع فإنّه إخبار عن أمر حسيّ وهو السّبب. والاعتماد على المسبّب لأجل تماميّة الملازمة عند المنقول إليه.. وأمّا الخامس، فهو غير حجّة إلّا بدلالة دليل كما في حجيّه الفتوى، ثمّ الأظهر إثبات الأمور الحدسيّة النظريّة المترتبّة عليها الأحكام الشّرعيّة، كما في تقويم الأمتعة، مثلا: بقول واحد ثقة من أهل الخبرة ولا يتوقف على العدالة والتّعدد؛ وذلك لبناء العقلاء على ذلك كما في مراجعة المرضى وغيرهم إلى الأطباء والمهندسين، وغيرهما في جميع ما يحتاجون إليه.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر كلامه في: معجم رجال الحديث: 1 / 55 و56، والصفحة: 41 من الطّبعة الخامسة.

(2) لكنّه رحمه الله لم يف بوعده حتّى في أوّل كتابه، وهذا منه عجيب.

(3) عدّة الاصول: 1 / 366، المطبوعة في مطبعة سيّد الشّهداء بقم.

(4) رجال النجاشي: 1 / 157.

(5) جملة وما أدركنا وإن كانت تؤيد كون هذه الجملات من النجّاشي نفسه، لكن الدعاء في الذيل يدلّ على أنّ الكلام من غيره، فلم يثبت أنّه قوله، لكن الدعاء المذكور قد ذكر في ترجمته أيضا ـ رجال النجاشي: 79 ـ فلا يبعد كونه منه، وقد قيل إنّ القدماء كانوا يدعون لأنفسهم بهذه العبارات؛ وأمّا مدلوله، فهو كمدلول كلام الشّيخ.

(6) أصول علم الرجال: 26.

(7) وهو العلّامة الجليل السّيد علي السيستاني (طال عمره) الّذي هو اليوم أحد مراجع التقليد بعد وفاة السّيد الخوئي (رحمه الله)، ثمّ إنّي لقيته بعد 17 سنة من ذاك اللقاء سنة 1414 ه‍ / 1373 ش، في النجف الأشرف، فقلت له: هل عندك شيء جديد في هذا المقام؟ فلم يكن عنده شيء غير ما قاله سابقا.

(8) ولا يحتمل أن يكون للصدوق، مثلا ـ إذا أرسل حديثا ـ طريق متواتر لم يصل إلى غيره من علماء الحديث، كالكليني والطّوسي، مثلا.

(9) وقريب منه ما أفاده بعض السّادة الأجلاء حين مذاكراتي معه أيضا في النجف الأشرف في بيته بعد تلك المذاكرة بعدّة سنوات، بيد أنّ الجليل المذكور عبّر بالواضح دون المتواتر ـ والمراد: السّيد السعيد الشّهيد المفكّر الإسلامي الكبير السّيد باقر الصدر رحمه الله حشره الله مع أجداده، [استشهد اليه بعد الطبعة الأولى من هذا الكتاب] ـ.

فإنّ أراد السّيد الشّهيد رحمه الله من الوضوح، التواتر، ففيه ما مرّ، وإن أراد بالوضوح ما هو معلول القرائن، فهو حدسي، وإن أراد به الاطمئنان الحاصل من كثرة الطرق، ففيه أنّه يختلف من أحد إلى آخر.

(10) بل نقل عن الشّيخ أيضا توثيقه ونقل عن ابن فضّال في حقّه أنّه صالح لا ثقة.

(11) يقول النجّاشي في حقّ الكشي: كان ثقة عينا، وروى عن الضعفاء كثيرا. ويعتقد الشّيخ الطّوسي وثاقة كلّ من روي عنه أصحاب الإجماع، كما يأتي بيانه في البحث الحادي عشر والبحث الحادي والعشرين، ونحن لا نقول بها.

وعلى هذا يقوي الإشكال في توثيقات الشّيخ لتطرّق الظّنون الاجتهاديّة في توثيقاته في حقّ من ثبت رواية أحد هؤلآء عنه.

(12) وقد مرّ أنّ أصالة البناء على الحسّ تثبت حسّية النقل، ولا تثبت وثاقة الناقلين.

(13) وقد يدّعي بعض المشتاقين إلى التّوثيق أنّ الفرق بين إرسال التّوثيق وإرسال الرّواية، واضح عند التأمّل، فإنّ إرسال مثل الشّيخ والنجاشي إنّما يكون بعد سماعهم عن مشايخهم، جميعهم أو أكثرهم بحيث يحصل لهم العلم الوجداني أو التعبّدي بذلك، فيوجب العلم بأنّ الوسائط ثقات. ولو كان لديهم أدنى شكّ أو اختلاف لنسبوا ما ذكروه إلى الشّخص الّذي نقلوا عنه، فكيف يقاس ذلك بالإرسال في الرّواية؟ فإنّ الإرسال فيها غير موجب للعلم بوثاقة من أرسل عنهم.

أقول: ما ادّعاه مجرّد توهّم لا واقعية له؛ إذ يمكن اعتمادهما في التّوثيق على كتاب واحد أو شخص واحد ضعيف أو مجهول، حصل لهم الظّن بالصدق كابن النديم وابن بطّة وأبي المفضل والعقيقي كما اعترف هذا القائل به في حقّ النجّاشي قبل ادّعائه هذا بأسطر، فكيف علم أنّ الشّيخ أو النجّاشي ينقل التّوثيقات والتضعيفات في جميع الموارد عن جميع مشائخ أو أكثرهم؟ على ان النقض بالروايات المرسلة باق ولم يقدر على بيان وجه الفرق.

 

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)