أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-23
58
التاريخ: 2024-08-12
450
التاريخ: 2023-07-28
1432
التاريخ: 2024-06-06
717
|
أضبطيّة المشايخ الثلاثة بعضهم من بعض (1):
روى الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل (2) عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم بياع الكرابيس عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. ومن برّ الولد أن لا يصوم تطوعاً ولا يحج تطوعاً ولا يصلي تطوّعاً إلا بإذن أبويه وأمرهما.. وإلا.. كان الولد عاقاً قاطعاً للرحم)).
وفي متن هذه الرواية بحث، فإنّه قد رواها الكليني في الكافي (3) والصدوق في الفقيه (4) من دون قوله: ((ولا يحج تطوعاً)) وقوله: ((ولا يصلي تطوعاً)) وقوله: ((قاطعاً للرحم)).
ولكن أفاد السيد الحكيم (قدس سره) (5) بأن المقدار المذكور من الاختلاف بين المتنين لا يوجب سقوط رواية العلل عن الحجية فيما تشتمل عليه من الزيادة، إلاّ أنه ناقش غير واحد من الأعلام ــ منهم السيد الأستاذ (قدس سره) (6) ــ في الاعتماد على نقل العلل والأخذ بتلك الزيادة، بعد وضوح كون الرواية واحدة وإنما الاختلاف في ثبوت الزيادة وعدمها، وقالوا: إن الكافي أضبط من العلل بل الفقيه أضبط منه، وعليه يرجح ما ورد فيهما على ما ورد في العلل، فلا يثبت متن الرواية على النحو الذي يمكن الاستدلال بها في محل الكلام حتى لو فرض تماميتها سنداً.
ويلاحظ على هذا الكلام بوجوه:
(الوجه الأول): أنّ ما ذكر من أضبطية الكافي والفقيه من العلل غير ثابت، وإنما ثبت كونهما أضبط من التهذيبين، بمعنى وقوع السهو والاشتباه سنداً ومتناً في التهذيبين أكثر مما وقع في الكافي والفقيه ــ فإن على هذا شواهد لا مجال لاستعراضها هنا ــ وأما كتاب العلل فلم يظهر اختلافه عن الكافي والفقيه في الضبط بدرجة معتدّ بها تصلح للترجيح عند التعارض.
وهنا أمر يحسن الإشارة إليه، وهو أنه قد يرى في كلمات الأعلام (رضوان الله عليهم) ما ظاهره المفاضلة بين المشايخ الثلاثة ــ الكليني والصدوق والشيخ ــ أنفسهم، فيقال (7): إنّ الكليني أضبط من الشيخ، أو يقال (8): إنّ الكليني أضبط من الصدوق، أو يعكس ذلك (9)، أو يقال (10): إنّ الصدوق أضبط من الشيخ. ولكن هذا كله مما لا دليل عليه، بل الظاهر أن ما يلاحظ من أضبطية الكافي والفقيه من التهذيبين غالباً إنما هو من جهة أصحية المصادر والنسخ التي كانت في متناول يد الكليني والصدوق من تلك التي اعتمدها الشيخ (قدس سره) في تأليف التهذيبين، أي إن ما نجده من الأخطاء والاشتباهات في التهذيبين لا تستند إلى الشيخ (قدس سره) نفسه بل إلى النسخ التي اعتمد عليها من كتب الأصحاب ومصنفاتهم، وحيث إن الأمانة في النقل كانت تقتضي منه عدم التصدي للتصحيح القياسي حتى ما كان متأكداً منه فضلاً عن غيره زاد مقدار التحريف والتصحيف والخطأ والسقط في كتابي الشيخ عن المقدار المتعارف.
هذا مضافاً إلى احتمال أن تكون جملة من تلكم الاشتباهات مستندة إلى أقلام الناسخين وإن كان هذا الاحتمال ضعيفاً في الكتب المشهورة التي كثر تداولها وقراءتها ومقابلتها كالكافي والفقيه والتهذيبين، وأما العلل فهو أقل اشتهاراً من الكتب الأربعة بلا إشكال، ولكن ليس بدرجة تسوغ لنا إطلاق القول بأن الكافي والفقيه أضبط منه.
(الوجه الثاني): أنه لو سلّمت أضبطية الكافي والفقيه من العلل، إلا أن الترجيح بالأضبطيّة ــ لو تم ــ إنما يتم في مورد التعارض بين النقلين، وليس جميع موارد الاختلاف في الزيادة والنقيصة من هذا القبيل، بل بعضها خارج عنه ومنه المقام.
توضيح ذلك: أن الزيادة التي يشتمل عليها أحد النقلين قد تكون مؤثرة في معنى الفقرات الأخرى للرواية، وفي هذه الحالة يكون النقل الخالي منها ظاهراً في نفي وجودها، إذ لو كانت موجودة لكان على الراوي إثباتها، فإن اقتطاع ما يؤثر في المعنى لا ينسجم مع الوثاقة ويعدّ نوعاً من التدليس، ففي موارد الاختلاف بالزيادة والنقيصة من هذا القبيل يقع التعارض بين النقلين، فإن النقل المشتمل على الزيادة يقتضي ثبوتها في حين أن النقل الخالي منها يقتضي خلاف ذلك، فيقع التنافي بين النقلين، وحينئذٍ يأتي حديث الترجيح بالأضبطية.
وأما إذا كانت الزيادة غير مؤثرة في معنى سائر فقرات الحديث فلا يقع تعارض بين النقلين، إذ لا ينعقد للنقل الخالي منها ظهور في نفي وجودها، فإن للراوي أن ينقل بعض الرواية ويترك بعضها الآخر ما دام أن البعض الذي يترك نقله غير مؤثر في المعنى، وفي مثل ذلك لا موضوع للترجيح بالأضبطية، لأن موضوعه هو التعارض بين النقلين والمفروض انتفاؤه، وعندئذٍ فمقتضى القاعدة الأخذ بالزيادة.
ولذلك ذكر في محله أن الاختلاف في ترجيح أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة ــ وهو ما سيأتي البحث عنه ــ إنما هو فيما إذا كانت الزيادة مؤثرة في المعنى ليقع التعارض بين الأصلين، وأما مع عدم تأثيرها في المعنى فعدم نقل الزيادة لا ينحصر وجهه في الغفلة عنها، بل يحتمل تعمد تركها لعدم الحاجة إليها، فلا معارض لأصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة ليبحث عن ترجحها وعدمه (11).
وفي ضوء هذا يمكن أن يقال في المقام بأن المقطعين اللذين وردا في رواية العلل أي قوله: ((ولا يحج تطوعاً ولا يصلي تطوعاً)) لما لم يكونا مؤثرين في معنى سائر فقرات الحديث (12)، فمن المحتمل أنّه جرى حذفهما في رواية الكافي والفقيه من قبل بعض الرواة من باب الاختصار، أي أنه لا ظهور للرواية الخالية عنهما في عدم اشتمال كلام الإمام (عليه السلام) عليهما، ولذلك يكون مقتضى القاعدة هو الأخذ بهما.
ويمكن تقوية هذا الاحتمال وترجيح أن الاختصار قد جرى من قبل العلمين (رضوان الله عليهما) بملاحظة أن الكليني (قدس سره) أورد الرواية المذكورة في باب (من لا يجوز له صيام التطوع إلا بإذن غيره) ولذلك ذكر جميع مقاطعها المتعلقة بالصيام سواء بالنسبة إلى الضيف أو الزوجة أو العبد أو الولد، وارتأى حذف المقطع المتعلق بحج الولد تطوعاً وكذلك المتعلق بصلاته تطوعاً لعدم تعلقهما بعنوان الباب. وكذلك الصدوق (قدس سره) أورد تلك الرواية في الفقيه في باب (صوم الإذن) أي الصوم الذي يشترط فيه الإذن، وارتأى حذف ما يتعلق بحج الولد وصلاته تطوعاً لعدم مناسبته لعنوان الباب.
وتوجد هناك شواهد (13) ــ لا مجال لاستعراضها في المقام ــ على أن الصدوق بالذات قد يحذف بعض مقاطع الرواية ولا سيما إذا كانت مخالفة لنظره.
وكيف كان فقد ظهر بما تقدم أنه لا تعارض بين نقل الكافي والفقيه ونقل العلل بشأن اشتمال حديث هشام بن الحكم على قوله: ((ولا يحج تطوعاً))، ولذلك فلا مجال لترجيح النقل الأول الخالي منه من جهة أضبطية الكافي والفقيه لو سُلِّمت في حدِّ ذاتها. هذا ومن الغريب ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) (14) من أن (المظنون قوياً أن الزيادة سهو من الصدوق في العلل أو من النسّاخ، وإلا كيف أثبتها فيه وأهملها في الفقيه الذي هو أهم من العلل بلا إشكال).
وجه الغرابة:
أولاً: أنّ الصدوق (قدس سره) قد عقب بنفسه على هذه الرواية عند إيرادها في العلل بقوله (15): (جاء هذا الخبر هكذا، ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعاً كان أو فريضة، ولا في ترك الصلاة ولا في ترك الصوم تطوعاً كان أو فريضة ولا في شيء من ترك الطاعات).
وهذا التعقيب دليل قاطع على وجود المقطعين المتعلقين بالحج والصلاة في المصدر الذي نقل منه الرواية في العلل، فلا سهو منه (قدس سره) ولا من النسّاخ، ومن الواضح أن السيد الأستاذ (قدس سره) لم يلاحظ العلل نفسه فظن ما تقدم.
وثانياً: أن كون الفقيه أهم من العلل لا يقتضي بوجه أن يورد فيه ما ذكره في العلل إلا إذا كان ملتفتاً إليه حين تأليفه للفقيه مع كونه أيضاً مطابقاً لفتواه آنذاك، ولا سبيل إلى إحراز أيٍّ من الأمرين:
أما الأول فلأنه لا دليل على أنه أخذ رواية هشام حين أوردها في الفقيه من المصدر ذاته الذي أخذها منه حين أوردها في العلل، بل من القريب جداً أن المصدر في نقلها في الفقيه هو الكافي لا غير كما لوحظ ذلك في موارد أخرى ــ ولا سيما أنه لم يذكر في المشيخة طريقه إلى نشيط بن صالح الذي ابتدأ الحديث باسمه ــ وأما في العلل فيحتمل أن مصدره بعض كتب أبيه أو كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى. وأما الثاني فلأنه يظهر من التعقيب المذكور في العلل أنه لم يكن يرى إناطة عبادة الولد بإذن أبيه في شيء من الموارد، ولكن الظاهر أنه رجع عن هذا فيما يخص الصوم تطوعاً عند تأليف الفقيه ــ الذي هو متأخر عن تأليف العلل ــ وأما رجوعه عنه فيما يخص الحج والصلاة التطوعيين فغير معلوم.
وبالجملة: لا وجه لاحتمال كون المقطعين المذكورين زيادة من قلم الصدوق أو قلم النسّاخ فضلاً عن الظن بذلك.
الوجه الثالث: لو غض النظر عما تقدم وفرض كون المقام كسائر موارد الاختلاف في الزيادة والنقيصة مما يتعارض فيه النقلان، إلا أنه مع ذلك لا بد من الأخذ بالنقل المشتمل على الزيادة لما هو المعروف والمشهور بينهم من ترجيح أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة.
إن قلت: ولكن المعروف بينهم أيضاً الترجيح بالأضبطية والكافي والفقيه أضبط من العلل ــ كما قالوا ــ فكيف يرجح نقل غير الأضبط المشتمل على الزيادة على نقل الأضبط الخالي منها؟!
قلت: مورد الترجيح بالأضبطية كما يظهر من بعض كلمات السيد الأستاذ (قدس سره) (16) هو ما إذا لم يكن الاختلاف بالزيادة والنقيصة كما إذا أوردت كلمة في أحد المصدرين بنحو وفي الآخر بنحو مغاير معه، وأما مع كون الاختلاف بالزيادة والنقيصة فيقدم ما هو مشتمل على الزيادة وإن كان ناقل الآخر أضبط.
أقول: هذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه لأمرين:
الأول: أنّه لو بني على ما التزم به المشهور من تقديم أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة فإن مورده ما إذا لم يكن لاحتمال الغفلة في جانب النقيصة ما يقوّيه ولا لاحتمال الغفلة في جانب الزيادة ما يضعّفه وإلا فلا يترجح الأصل في جانب الزيادة.
مثلاً: إذا كان راوي النقيصة متعدداً فلا ترجيح للنقل المشتمل على الزيادة، لأن غفلة المتعدد عن سماع ونقل النقيصة ليست بأقرب من غفلة الواحد وزيادته على الحديث اشتباهاً. وهذا ما نبّه عليه المحقق النائيني (قدس سره) في بعض كلماته (17).
وأيضاً: إذا كانت الزيادة من المعاني المأنوسة بالأذهان التي تنساق إليها بسرعة فإنه لا ترجيح للنقل المشتمل عليها، فإن احتمال غفلة الراوي وزيادته على ما سمعه إنما يكون أبعد عن احتمال غفلة الآخر عن ضبط ما صدر في خصوص الزيادات البعيدة عن الأذهان دون المعاني المأنوسة والأمور المألوفة، وهذا ما نبّه عليه أيضاً المحقق النائيني (قدس سره) في بعض كلماته (18).
وهكذا إذا كان الناقل للنقيصة أضبط من الناقل للزيادة، فإن احتمال الخلل في نقله من جهة الغفلة عن سماع كلمة أو جملة مثلاً ليس بأبعد من احتمال الخلل في نقل الآخر وزيادته على ما سمعه.
وقد أقرّ بهذا السيد الأستاذ (قدس سره) بنفسه في بعض موارد الاختلاف بالنقيصة والزيادة بين الكافي والتهذيب قائلاً (19): (إن أصالة عدم الزيادة وإن كانت تتقدم على أصالة عدم النقيصة لبناء العقلاء على العمل بالزيادة لأن أصالة عدم الغفلة في طرف الزيادة أقوى من أصالة عدم الغفلة في طرف النقيصة.. ومقتضى هذا تقديم رواية الشيخ ــ المشتملة على الزيادة ــ على رواية الكليني (قُدِّس سرُّهما)، إلا أن أضبطيّة الكليني في نقل الحديث تمنعنا عن ذلك) (20).
وأما ما أفاده في كتاب المكاسب ــ مما تقدم نقله آنفاً ــ الظاهر في ترجيح النقل المشتمل على الزيادة وإن كان ناقل النقيصة أضبط فهو مما لا دليل عليه أصلاً. وسيتضح وجهه بأزيد مما ذكر مما سيأتي.
هذا ولكن مبنى الجواب المذكور هو تسليم أضبطية الكافي والفقيه من العلل وقد مرَّ عدم ثبوتها، فتدبر.
الثاني: أن أصل ما قيل من تقديم جانب الزيادة على جانب النقيصة كقاعدة كلية في دوران الأمر بينهما ــ كما هو المشهور في كلماتهم ــ مما لا يمكن المساعدة عليه.
وتوضيح ذلك: أن الأصل المدعى اقتضاؤه تقديم جانب الزيادة على جانب النقيصة يحتمل أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون أصلاً عقلائياً برأسه، فكأن العقلاء بنوا على الأخذ بجانب الزيادة في موارد دوران الأمر بينها وبين النقيصة ما لم يبلغ احتمال النقيصة درجة الاطمئنان والوثوق. وهذا ما ربما يظهر من بعض كلمات المحقق شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) (21).
ولكن لا يمكن تصديق دعوى بناء العقلاء على أمر إلا مع حشد شواهد كافية عليه من سيرتهم العملية وهي غير متوفرة في محل الكلام، فإن من يتتبع سيرة العقلاء لا يجد شاهداً على بنائهم على الأخذ بالزيادة عند الاختلاف في النقل مهما يكن، بل ذلك مما يختلف عندهم باختلاف الموارد.
مثلاً: إذا أخبر ثقةٌ تاجر الجملة في بغداد بأن تاجر المفرد في النجف اتصل وقال: ليبعث لي فلان بألف قطعة من بضاعة معينة، ثم أخبره ثقة آخر بأن تاجر المفرد في النجف قال في اتصاله: ليبعث لي فلان بألف وخمسمائة قطعة من تلك البضاعة، فاختلف النقلان بالزيادة والنقيصة، أي أنه هل تلفظ تاجر النجف بلفظة (وخمسمائة) أو لا. فهل نجد أن تاجر الجملة في بغداد يقدم النقل الثاني على الأول فيبعث بألف وخمسمائة قطعة من تلك البضاعة إلى النجف بلا إجراء أيّ تحرٍّ عن الأمر؟ لا أظن ذلك، وهكذا الحال في كثير من الأمثلة الأخرى، فهذا الوجه غير تام.
ثانيهما: ــ وهو المشهور في كلماتهم ــ أن يكون الأصل المذكور هو أصالة عدم الغفلة التي هي من الأصول العقلائية بلا إشكال، فيدعى جريانها في جانب الزيادة دون النقيصة، ولذلك يبنى على ثبوت الزيادة والأخذ بها.
وأساس ذلك أنه لما كان المفروض كون كلا الناقلين ثقة لا يتعمد الكذب فالاختلاف بين نقليهما ليس له سبب صحيح سوى وقوع الغفلة من أحدهما، أي إما أن يكون ناقل النقيصة قد ذهل عن وجود المقطع المختلف بشأنه فلم يثبته، وإما أن ناقل الزيادة قد أثبته غفلة بأن لم يكن موجوداً فذهل فأثبته اشتباهاً، وليس هناك منشأ صحيح آخر للاختلاف بالزيادة والنقيصة ــ بعد المفروغيّة عن الوثاقة وعدم تعمد الكذب ــ إلا الغفلة والاشتباه.
وعلى ذلك نقول بأنه عند دوران الأمر بين غفلة ناقل الزيادة وغفلة ناقل النقيصة فإن أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة تترجح عند العقلاء على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة، لأن وقوع الزيادة بسبب الغفلة أقل بكثير من وقوع النقيصة بسبب الغفلة، فإن الغفلة بحسب طبعها تناسب أن تكون سبباً في ترك شيء موجود لا إثبات شيء غير موجود، وهذا ملحوظ خارجاً، ولذلك نجد أن كثيراً من النساخ يغفل أحياناً فينقص كلمة أو جملة من العبارة، وقلما نجد وقوع زيادة من النساخ سببها هو الغفلة.
ومن هنا بنى العقلاء على تقديم أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة، ومقتضاه أن احتمال الغفلة في جانب النقيصة مما ليس عنه مؤمّن، فلا يكون الخبر الخالي من الزيادة حجة في نفي وجودها ليعارض الخبر المشتمل عليها، لأن حجية الخبر تتوقف على أمرين:
الأول: كون الراوي صادقاً لا يكذب، وهذا محرز بدليل وثاقته.
والثاني: أنّه لم يغفل في النقل بزيادة أو نقيصة، وهذا ما تتكفل أصالة عدم الغفلة بتأمينه، ولكن المفروض عدم جريانها في جانب النقيصة، فلا محالة يسقط الخبر غير المشتمل على الزيادة عن الحجية فيما يدل عليه من نفي وجودها.
لا يقال: إنّ الأمر لا يدور بين غفلتين حتى تجري أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة دون جانب النقيصة على الوجه المذكور، بل هناك احتمال تخلل نوع من الاجتهاد والحدس في جانب الزيادة. أي أن الزيادة لا ينحصر سببها في الكذب والغفلة بل كثيراً ما تكون بسبب آخر، كأن يثبت الراوي قيداً لم يتلفظ به الإمام (عليه السلام) بتخيّل أن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي ذلك، أو أنه يثبت جملة ــ مثلاً ــ اقتباساً من رواية أخرى بتوهم أنه مسموح له ذلك ــ فإنه قد ثبت جواز أن ينسب الراوي ما سمعه من إمام إلى إمام آخر، فكيف لا يجوز أن يُدرج في الرواية ما سمعه من الإمام نفسه في رواية أخرى؟! ــ أو أنه قد يذكر الإمام (عليه السلام) حكماً في مورد خاص فيجتهد الراوي ويعتقد أنه لا خصوصية لذلك المورد وإنما ذكره الإمام من باب المثال فيضيف إليه بعض الأمثلة الأخرى، وهذا محتمل في المقام بأن كان الإمام (عليه السلام) قد ذكر حكم صوم الولد تطوعاً بدون إذن أبويه فاعتقد بعض الرواة أنه لا خصوصية للصوم بل بقية العبادات مثله، ولذلك أضاف إليه الحج والصلاة.
وبالجملة: إنّ احتمال اجتهاد الراوي وكون الزيادة مستندة إليه مما هو وارد في معظم موارد الاختلاف بين النقلين بالزيادة والنقيصة، فلا يدور الأمر بين غفلتين ليقال: إنّ احتمال الغفلة في جانب الزيادة أضعف منه في جانب النقيصة، ولذلك تجري أصالة عدم الغفلة بالنسبة إلى ناقل الزيادة دون ناقل النقيصة.
فإنّه يُقال: إنّ احتمال استناد الزيادة إلى إعمال الحدس والاجتهاد من قبل الراوي وإن كان احتمالاً وارداً إلا أن هناك أصلاً عقلائياً آخر يتكفل بنفي هذا الاحتمال وهو أصالة الحسّ في الخبر الوارد في الحسيات. أي إنه كلما أخبر شخص عن أمر محسوس ــ كأن قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ــ واحتمل استناده إلى الحدس دون الحسّ فإنّ العقلاء يبنون على كونه مستنداً إلى الحسّ ما لم يثبت الخلاف.
فإذا احتُمل كون الزيادة مستندة إلى بعض الوجوه المتقدمة التي هي كلها مبنية على الحدس والاجتهاد كان بالإمكان نفي هذا الاحتمال بأصالة الحسّ، وكذلك الحال فيما إذا احتمل أن تكون النقيصة مستندة إلى نوع من الاجتهاد كتوهم الراوي أن وجود الزيادة وعدمها سيّان أو اعتقاد أنها من إضافة بعض النقلة وليست من كلام الإمام (عليه السلام) فأقدم على حذفها.
وبالجملة: إنه إذا صح أن بناء العقلاء قائم على تقديم أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة كفى ذلك دليلاً على لزوم الأخذ بالزيادة. ولكن الصحيح أنه لا شاهد على بناء العقلاء على ما ذُكر، فإن الغفلة وإن كانت تتسبب عادة في النقيصة دون الزيادة إلا أن أقصى ما يقتضيه ذلك هو أرجحية احتمال الغفلة في جانب النقيصة بالنسبة إلى احتمال الغفلة في جانب الزيادة.
ولكن ليس بناء العقلاء في موارد التعارض على الأخذ بالاحتمال الأرجح بل بناؤهم قائم على أمر آخر، وهو أن الريبة الحاصلة من العلم الإجمالي بمخالفة أحد النقلين للواقع ــ الموجودة في كلا الطرفين ابتداءً ــ إذا أمكن صرفها بملاحظة المزايا النوعية أو القرائن الخاصة إلى أحدهما بالخصوص بحيث يعدُّ الطرف الآخر مما لا ريب فيه عقلائياً كان الترجيح للطرف الآخر عندئذٍ، وأمّا مجرّد أقوائيّة احتمال مطابقة أحد الخبرين للواقع فهي ليست من المرجّحات عند العقلاء.
فالصحيح: أنّ ما اشتهر في كلماتهم من تقديم جانب الزيادة على جانب النقيصة في موارد التعارض لدعوى ترجيح أصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة ممّا لا يمكن المساعدة عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|