المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28

العوامل التي تتدخل في تكوين التربة
18-4-2016
الخواص الكيمياوية والفيزوياية لمركبات السلفون اميدو
2024-04-21
تــمــيـيـز عـقـــد الوكالــة مـن الباطن عـن عـقـــد الشركـة مـن الباطـن
2023-09-29
Cosine
18-8-2018
التعاون الزراعي
8-8-2019
ابن مالك
4-03-2015


النثر العباسي  
  
8934   02:16 مساءً   التاريخ: 8-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في النثر العربي
الجزء والصفحة : ص121-133
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2015 3433
التاريخ: 13-7-2019 10726
التاريخ: 4-7-2016 6046
التاريخ: 4-7-2016 17063


 خلفت الدولة العباسية دولة بني أمية، واتخذت بغداد حاضرة لها تاركة شئون الحكم للفرس الذين قضوا قضاء مبرمًا على الأمويين، وبذلك أصبحوا هم السادة الحقيقيين، فلم يعد العرب يتصدرون مكان السيادة، ولم تعد لهم أرستقراطيتهم، كما كان شأنهم في العصر الأموي، فقد أبعدوا غالبًا عن المناصب الكبرى في الإرادة والجيش، وأصبحوا لا يستطيعون الدخول على الخليفة، إلا إذا لهم الموالي من الفرس، أمثال البرامكة وبني سهل، ممن أمسكوا بزمام الأمور.
وبذلك عمت الروح الفارسية في الحياة العباسية، حتى الخليفة نفسه لم يعد كأسلافه الأمويين يمثل شيخا كبيرًا من شيوخ القبائل العربية، بل أصبح خلفا لملوك الفرس الساسانيين، فله وزراؤه وحجابه وبلاطه، وله نفس التقاليد الفارسية في التشريفات، ويعيش معيشة مترفة، وإذا كان أبو جعفر المنصور عرف بالاعتدال في الاتصال بهذه الحياة الجديدة، فإن من خلفوه أقبلوا عليها إقبالا شديدا.
وكان تقدم الفرس على العرب في شئون الحكم سببا في اصطدام هائل بين العرب والموالي، وسرعان ما ظهرت نزعة الشعوبية(1)، إذ أخذ جماعة من علماء العجم، وأدبائهم يطعنون في عرب الجاهلية لبعدهم عن أسباب الحضارة والثقافة، وطعنوا عليهم أيضا في كل ما يتصل بهم من فضائل خلقية ومن خطابة، وغير خطابة منوهين بفضائل الفرس وغيرهم من شعوب الحضارات القديمة، وما اشتهرت به من عمارة وفنون وعلوم، واتخذ ذلك شكل نزاع ضخم، فألفت كتب كثيرة في مثالب العرب، وكتب أخرى كثيرة في فضائل الفرس وغيرهم، ومن أشهر هؤلاء الشعوبيين في العصر العباسي الأول أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأصله من يهود فارس، وهو من أشهر العلماء في اللغة والأخبار، وكان يتعصب للفرس على العرب، فألف في فضائل الأولين كتابًا(2)، أما الآخرون فألف كتابا في مثالبهم(3)، وشركه في كتابة المثالب والتأليف فيها الهيثم بن عدي(4)، وممن اشتهر بهذه النزعة سهل بن هرون، كاتب البرامكة ثم أخذ أصحاب خزانة الحكمة للمأمون، ومنهم علان الشعوبي وكان وراقا في خزانة المأمون، وقد جمع في كتابه "حلبة المثالب" جملة المطاعن على القبائل العربية في زمن الجاهلية(5)، ولم يقف أنصار العرب صامتين إزاء هذه النزعة، فقد أخذوا يردون على أصحابها، ومن أشهر من اضطلعوا بهذا الرد مدافعين عن العرب الجاحظ في فاتحة الجزء الثالث من البيان والتبيين، وصنع صنيعة ابن قتيبة في رسالة له سماها كتاب العرب(6).
ترجم الفرس كثيرًا من تراثهم إلى العربية(7)، ومن أشهر من قاموا بهذا الصنيع عبد الله بن المقفع وآل نوبخت(8)، وبخيل إلى الإنسان أنه لم يبق أثر في اللغة البهلوية إلا ترجم إلى العربية سواء تعلق بتاريخ الساسانيين أو بآدابهم، ومن ثم بالغ بعض المحدثين فيما كان للثقافة الفارسية من أثر في العقل العربي، ومن الغلاة في ذلك إنيسترانسيف، فقد أكبر في كتابه "الأثر الإيراني في الأدب الإسلامي" من شأن هذه الثقافة، وتأثيرها في العرب معتمدًا في ذلك على ما يحصيه ابن النديم في فهرسته من أسماء الكتب الفارسية المترجمة، وهي كثيرة هناك كثرة غامرة، إلا أن هذه الكثرة يجب أن نحذرها، فالمسألة مسألة كيف لا كم، وربما كانت أهمية هذه الثقافة لا ترجع إلى ما ترجم للفرس أنفسهم، وإنما ترجع إلى ما ترجم إلى لغتهم عن غيرها، فقد كانت وسيطا مهما في نقل كثير من آداب الهند، ومعارفها مثل كتاب كليلة ودمنة الذي نقله ابن المقفع، وكذلك كانت وسيطا في نقل بعض الكتب اليونانية مثل منطق أرسطو الذي ترجمه عبد الله بن المقفع، أو ابنه(9)، على أنه ينبغي أن نشير إلى أنه دخل عن طريق الترجمة من الفارسية كثير من تعاليم الفرس الدينية القديمة عند زرادشت وماني ومزدك، بل ترجموا كتاب زرادشت المسمى أفستا كما ترجموا كتبا أخرى لماني ومزدك، مما كان سببا في ازدياد جماعة الزنادقة، وكانوا يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون أديانهم المجوسية القديمة، وكانت عين الدولة يقظة، فأقام المهدي ديوانا خاصا بمحاكمتهم، وقتل ابن المقفع وكثيرون غيره. وقد انبرى علماء الكلام، وخاصة المعتزلة يردون على هؤلاء الزنادقة، وما زعموا من إثنينية ومذاهب دهرية.
ولا تقل أهمية الثقافة الهندية(10) عن الثقافة الفارسية، إذ ترجم العباسيون عنها كثيرا من الحكم والقصص، ومن الفلك والرياضة والطب، وقد ترجم إبراهيم الفزاري للمنصور كتاب الفلك الهندي المعروف باسم "السند هند" يعاونه في ذلك بعض علماء من الهنود، واجتلب يحيى بن خالد البرمكي مجموعة من أطبائهم إلى بغداد، وأمرهم بنقل بعض كتب الطب الهندية، ويظهر أنه كان هناك مترجمون كثيرون يحسنون النقل عن السنسكريتية، ومما نقلوه صحيفة في البلاغة احتفظ بها الجاحظ في بيانه(11)، ومن المؤكد أن كثيرًا من تأملاتهم فيما بعد الطبيعة أخذ طريقه إلى العربية، وكان له صداه الواسع في الصوفية الإسلامية، وقد لعبت نظريتهم في التناسخ، وبعض مذاهبهم الدهرية مثل السمنية دورا هي الأخرى في نزعات الزندقة والإلحاد.
على أن هاتين الثقافتين الهندية والفارسية لا تقاسان في أهميتهما إلى الثقافة اليونانية(12) التي دخلت في العربية لهذا العصر، وكانت مبثوثة في مدارس جند يسابور والرها وحران ونصيبين، كما كانت مبثوبة في الكنائس الشرقية والغربية، وكان للسريان الفضل الأول في نقل محتوياتها إلى العربية، وبدأ ذلك منذ عصر المنصور، إذ استدعى من جند يسابور أسرة بخت يشوع، ليتولى بعض أطبائها علاجه، وجدت هذه الأسرة كما جد غيرها من السوريان في ترجمة الفلسفة اليونانية، وبلغت هذه الترجمة أوجها في عهد المأمون، فقد اتخذ في قصره خزانة الحكمة، وأخذ يضم إليها كنوز المعرفة العربية والأجنبية، وشجع على النقل والترجمة، وطلب من آسيا الصغرى، ومن بيزنطة نفسها المصنفات اليونانية، وفي عهده لمع اسم أبي يوسف يعقوب الكندي أول فلاسفة العرب المهمين، وأحد العقول الكبرى في تاريخ العالم.
والذي لا ريب فيه أن هذه الثقافات الدخيلة التي نقلت إلى العربية، وسعت طاقتها، بما اكتسبت من المعاني العقلية والفلسفية، وقد أصبح النثر العربي نثر ثقافة متشعبة، تمدها روافد كبيرة من إيران الهند واليونان، وليس ذلك فحسب، فقد أخذت تدخل في هذا النثر طرائق النظر الأجنبية، وأساليب الأجانب في تفكيرهم، والذي لا ريب فيه أيضًا أنه قام على هذا العمل نخبة من رجال الفكر الذين يحسنون اللغتين المنقول المنقول عنها، والمنقول إليها فإذا هم يستخدمون أسلوبا مولدا جديدا يحتفظون فيه للعربية بصورتها النحوية والتركيبية، ونحن لا نستطيع أن نقف على مدى إحسانهم في هذا الأسلوب، إلا إذا لاحظنا أن لغتنا لم يصبها أثناء ذلك شيء من الفساد، فقد عمدوا إلى تخصيص بعض ألفاظها للدلالة على المصطلحات الفلسفية والعلمية الجديدة، وكان إذا اضطرهم معنى لفظ أجنبي إلى الاحتفاظ به عربوه، كما حدث في أسماء كثير من النباتات والأحجار، والعقاقير والأمراض، وبعض أسماء الآلات أو أسماء بعض العلوم، وكانوا كثيرا ما يضيفون صيغا جديدة، ولكنهم لم يبتعدوا بها عن تراكيب العربية، ومن يقرأ كتب ابن المقفع، وهو من أوائل المترجمين يرى كيف استطاع أن يضفي على أساليبه الطوابع العربية تامة كاملة.
وبذلك اتسعت لغة الصحراء، وأصبحت لغة ثقافية ذات أسلوب مرن يستوعب كل ما لدى الأجانب من كنوز المعرفة، ومذاهب الفلسفة مما كان له أثره في الأدب نثره وشعره، كما كان له أثره في العلوم الإسلامية كعلم الكلام، والفقه، وحتى في علم اللغة نفسه، وما اتصل به من علم النحو، فقد وضع الخليل خطة أول معجم في العربية، وهو "معجم العين"، ورتبه على مخارج الحروف بالضبط كما يرتب الهنود حروف لغتهم، وكان يعرف علم الموسيقى، وعلى هديه أو باستيحائه وضع عروض الشعر وموازينه، ولا ننسى المنطق اليوناني فصلته بالنحو العربي مقررة، ومعنى ذلك العلوم المنقولة أثرت في تلك العلوم اللغوية، كما أثرت في جميع العلوم العربية الإسلامية الخالصة، وليس من باب الاتفاق أن يأخذ فقهاء العراق بالقياس، أو يسموا بأصحاب الرأي، وقد أخذ المؤرخون يكتبون في التاريخ على ضوء ما قرأوا عند الأمم الأجنبية من كتاباته، مما أتاح للطبري أن يكتب موسوعته التاريخية الكبرى.
وعلى هذا النحو أصبح النثر في العصر العباسي متعدد الفروع، فهناك النثر العلمي، والنثر الفلسفي والنثر التاريخي، والنثر الأدبي الخالص، وكان في بعض صوره امتدادًا للقديم، وكان في بعضها الآخر مبتكرا لا عهد للعرب به، على شاكلة ما هو معروف في كتابات سهل بن هارون والجاحظ، وظلت الخطابة مزدهرة في أوائل هذا العصر، وإن كان قد أسرع الذبول إلى الخطابة الحفلية، إذ لم تعد القبائل تقدم بوفودها على الخلفاء، كما كان الشأن في عصر بني أمية. أما الخطابة السياسية فظلت فترة نشيطة، بحكم دعوة بني العباس لأنفسهم، حتى إذا استقام لهم الأمر أصابها ما أصاب الخطابة الحفلية من الذبول، ومن خطبائهم المفوهين، أبو العباس السفاح، والمنصور، والمهدي والرشيد والمأمون(13)، ثم غلبت العجمة على خلفائهم، فلم يعودوا يخطبون في أيام الجمع، والأعياد إلا ما كان من الخليفة المهتدي(14) "255-256 هـ"، وفي أخبار الرشيد أنه عهد إلى الأصمعي أن يحفظ ابنه الأمين خطبة يخطب بها الناس في يوم الجمعة(15)، أما خطابة الوعاظ فيظهر أنه ظل لها غير قليل من الازدهار، فقد كان خلفاء بني العباس يستنون بخلفاء بني أمية في استقبال كثيرين منهم، وكان المنصور خاصة يوسع لهم في مجالسه، وفي كتب الأدب أطراف من تلك المواعظ، ينسب بعضها إلى شبيب بن شيبة(16)، وبعض آخر ينسب إلى عمرو بن عبيد(17)، أو إلى الأوزاعي(18) أو إلى غيرهم.
وكان المهدي مثل أبيه يستدعي هؤلاء الوعاظ ويستمع إليهم، ويروى أن صالح بن عبد الجليل، وعظه يوما حتى سالت دموعه(19)، وكان الرشيد يقتدي به، فكان يعظه ابن السماك(20) وغيره، وروى ابن قتيبة في عيون الأخبار، وابن عبد ربه في العقد الفريد كثيرا من كلام هؤلاء الوعاظ، وكان وراءهم كثير من القصاص الذين يقصون على الناس في المساجد الجامعة، ومن أشهرهم موسى ابن سيار الأسواري "وكان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه، وتقعد الفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله، يفسرها للعرب بالعربية ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يدري بأي لسان هو أبين". ومنهم عمرو بن فائد الذي ظل يفسر القرآن الكريم للناس ستا وثلاثين سنة، وما ختمه حتى مات؛ لأنه كان حافظا للسير ولوجوه التأويلات، فكان ربما فسر آية واحدة في عدة أسابيع، ومنهم القاسم بن يحيى الضرير الذي لم يكن في القصاص مثله، ومنهم صالح المري وكان صحيح الكلام شديد التأثير في سامعيه(21).
واتسعت في هذا العصر المناظرات الكلامية، وحمل لواءها المعتزلة من أصحاب واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، ولم يكن همهم أن يردوا على مخالفيهم من الجهمية أصحاب جهم بن صفوان الذي كان يقول بالجبر، والمرجئة الذين قالوا بأنه لا يجوز تكفير المسلم، ولا الحكم على أعماله، حتى لو ارتكب كبيرة. لم يكن همهم أن يردوا على هاتين الفرقتين فقط، بل انصرف همهم إلى الرد على الدهرية والزنادقة، ونراهم في عصر المأمون يدعون إلى أن القرآن ليس أزليًّا، إنما هو مخلوق، واستطاعوا أن يؤثروا في المأمون حتى اعتنق فكرتهم، وأعلنها عقيدة رسمية للدولة، وأخذ في امتحان من يؤمنون بها في آفاق دولته، على نحو ما كان يمتحن جده المهدي الناس في عقيدة المانوية، وتبعه المعتصم في تلك السيرة، حتى إذا ولي المتوكل ترك الناس وشأنهم.
ولا نبالغ إذا قلنا: إن المتكلمين من معتزلة، وغير معتزلة نهضوا بالنثر العباسي نهضة رائعة، فقد كان المتكلم لا يحسن الكلام والاحتجاج لآرائه إلا إذا أخذ نفسه بثقافة فلسفية واسعة، يقول الجاحظ: "ولا يكون المتكلم جامعا لأقطار الكلام متمكنا في الصناعة، يصلح للرياسة، حتى يكون الذي يحسن من كلام الدين في وزن الذي يحسن من كلام الفلسفة، والعالم عندنا هو الذي يجمعهما"(22)، ولم يكونوا يتثقفون بالثقافة الفلسفية وحدها، بل كانوا يتثقفون أيضا بكل ضروب الثقافات التي عرفت لعصرهم، حتى يجمعوا "التدابير العجيبة، والعلوم الغريبة، وآثار القول الصحيحة، ومحمود الأذهان اللطيفة، والحكم الرفيعة، والمذاهب القويمة، والتجارب الحكيمة، والأخبار عن القرون الماضية، والبلاد النازحة والأمثال السائرة"(23)، ويعترف الجاحظ بقيمة ذلك كله فيقول: "ولولا ما أودعت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجيب حكمتها، ودونت من أنواع سيرها، حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها كل مستغلق كان علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلا بهم لقد خس حظنا من الحكمة، ولضعف سببنا إلى المعرفة، ولو لجأنا إلى قدر قوتنا ومبلغ خواطرنا، ومنتهى تجاربنا لما تدركه حواسنا، وتشاهده نفوسنا لقلت المعرفة، وسقطت الهمة وارتفعت العزيمة، وعاد الرأي عقيما، والخاطر فاسدا، ولكل الحد وتبلد العقل"(24).
والجاحظ المتكلم لا يعبر بهذا الكلام عن وجهة نظره وحده، وإنما يعبر عن وجهة نظر المتكلمين جميعا لعصره، فقد انكبوا على قراءة الكتب المترجمة من الفلسفة وغير الفلسفة، ففتقت عقولهم وفتحت لهم مسالك، وأبوابا من الفطن وقد أقبلوا في شوق شديد على التثقف بالإسلام وتعاليمه، وباللغة العربية وكنوزها النثرية والشعرية، ويكفي أن يقرأ الإنسان "البيان والتبيين" للجاحظ وكذلك "الحيوان" ليقف على مدى ثقافته العربية، وهي في الكتاب الأخير تعانقها ثقافة عامة واسعة.
ولا نقرأ فيما خلفه هؤلاء المتكلمون حتى يبهرنا لسنهم، وقدرتهم على الحجاج والإقناع، وقد كانت المناظرة في موضوع من الموضوعات تنعقد أحيانا بين اثنين منهم، فتظل أياما لا في أصول الدين، ولا في الرد على الملحدين فحسب، بل في كل موضوع يمكن أن يفد إلى أذهانهم، وقد ملأ الجاحظ نحو مجلد من كتابه الحيوان بمناظرة انعقدت بين معبد، والنظام في الكلب والديك أيهما أفضل، وظل يورد أدلة كل منهما في صورة رائعة، وهي صورة تدل دلالة بينة على مدى ما أصابه هؤلاء المتكلمون من تنويع لأفكارهم، وتصحيح لمقدماتهم وتصريف لأساليبهم وألفاظهم، وإذا كانت القدرة البيانية بلغت باثنين منهم هذا المبلغ في مساوئ الديك ومحاسنه، ومنافع الكلب ومضاره، فما بالك بما كان يجري بينهم في مسائل الدين واستقصاء كل مسألة وجمع معانيها، وترتيب أفكارها وألفاظها؟ ومن يقرأ ما يرويه الجاحظ عن النظام في كتابه الحيوان يعجب أشد العجب من استنباطه للمعاني والأدلة، سواء تحدث في الحيوان، أو في الرد على الدهرية والمانوية، أو على خصومه من المتكلمين، أو في بيان نظرياته في الروح والحواس، والتولد والجسم والعرض، والخير والشر والاستطاعة والكمون، والتداخل والحركة والسكون، ويشيد به الجاحظ في غير موضع من حيوانه، ومن قوله فيه وفي المتكلمين: "إنه لولا مكان المتكلمين لهلكت العوام من جميع الأمم، ولولا مكان المعتزلة لهلكت العوام من جميع النحل.. ولولا أصحاب إبراهيم "النظام"، وإبراهيم لهلكت العوام من المعتزلة، فإنه قد أنهج لهم سبلًا، وفتق لهم أمورًا، واختصر لهم أبوابا، ظهرت فيها المنفعة، وشملتهم بها النعمة"(25)، وقال في موضع آخر: "كان إبراهيم مأمون اللسان قليل الزلل والزيغ.. وإنما كان عيبه الذي لا يفارقه.. جودة قياسه على العارض، والخاطر، والسابق الذي لا يوثق بمثله"(26)، فهو يأخذ عليه أنه كان لا يصحح مقدمات القياس.. وأكبر الظن أنه إنما كان يلجأ إلى ذلك حين تعوزه الحجة، فكان يراوغ ويعتل، حتى يشك خصمه وسامعيه، وكان يذهب هذا المذهب نفسه خاله أبو الهذيل العلاف، وكان يقول: خمسون شكا خير من يقين واحد(27)، أما النظام فكان يقول: لم يكن يقين قط حتى كان قبله شك، ولما قال أبو الجهم للمكي: أنا لا أكاد أشك قال المكي: وأنا لا أكاد أوقن، وكانوا يقولون: "العوام أقل شكوكا من الخواص؛ لأنهم لا يتوقفون في التصديق والتكذيب، ولا يرتابون بأنفسهم، فليس عندهم إلا الإقدام على التصديق المجرد، أو على التكذيب المجرد، وألغوا الحال الثالثة من الشك التي تشتمل على طبقاته"(28). لم يعد هناك شيء لا يقبل الشك، والجدل في هذه البيئة التي استطاعت حقا أن تمرن اللغة العربية على أداء معان لم تتعود أداءها، وإنك لتقرأ كلامها، فلا تشعر بأي تكلف أو شفقة، أو التواء أو عسر، فقد أصبحت اللغة طيعة على ألسنتهم، وأصبحت مرنة مرونة عجيبة، سواء تكلموا في مسائل فلسفية عويصة، أو في مسائل كلامية دقيقة، وتحس حقا كأنهم بحار تتدفق، فلا تعثر ولا توقف. وقد وقف الجاحظ في البيان والتبيين يشيد إشادة رائعة ببلاغتهم(29)، وعرض لأحدهم، وهو ثمامة بن أشرس فوصفه بقوله: "ما علمت أنه كان في زمانه قروي ولا بلدي كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف، ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف ما كان بلغه، وكان لفظه في وزن إشارته ومعناه في طبقة لفظه، ولم يكن لفظه إلى سمعك بأسرع من معناه إلى قلبك، وقال بعض الكتاب: معاني ثمامة الظاهرة في ألفاظه، الواضحة في مخارج كلامه، كما وصف الخريمي شعر نفسه في مديح أبي دلف، حيث يقول:
له كلم فيك معقولة ... إزاء القلوب كركب وقوف"(30)
وهذا الوصف الذي وصف به الجاحظ ثمامة ينطبق على كل متكلم في عصره، فقد مرنوا على الجدال، ومكايلة الألفاظ وموازنة المعاني وعرضها، بخفيات حدودها ودقائقها، والحوار فيها والجدال، ومحاولة إقناع الخصوم وإسكاتهم وبلغوا من ذلك كل مبلغ، حتى سموا المتكلمين فهم أرباب الكلام، وأصحابه الذين يعرفون كيف ينصبون أنفسهم للدفاع عن آرائهم، وكيف يقدمون البراهين الواضحة، والحجج الصحيحة.
واقرأ كتاب الحيوان للجاحظ، فلن تجد موضوعا إلا خاضوا فيه، واستخرجوا منه معانيه، حتى لتظن أنه لم يكن هناك أديب بارع إلا وتستهويه تلك الجماعة وتجذبه إلى ميادينها، ليبحث في الأسباب الكونية ومسبباتها، والعلل ومعلولاتها، ويدخل في صفوف هؤلاء الذين ملأوا قلوب الناس إعجابا بمناظراتهم ومجادلاتهم.
التي اتسعت لكل جوانب المعرفة دينا وغير دين.
وقد دعتهم رغبتهم في إحكامهم لمناظراتهم، ومناقشاتهم أن يبحثوا بحثا واسعا في بلاغة الكلام، وكيف يبلغ المتكلم بكلامه الكفاية وغاية الحاجة، بل كيف يروع السامعين ببيانه، وحلاوة ألفاظه وحسن مخارج حروفه، حتى تسكن القلوب إليه وتثلج الصدور، ويزخر كتاب البيان والتبيين بوصاياهم التي كانوا يسوقونها إلى تلاميذهم في مجالسهم، وكثيرًا ما كانوا يدعون هؤلاء التلاميذ إلى المناظرة بين أيديهم، ليمرنوهم ويدربوهم، وليروا مقدار براعتهم، وهم أثناء ذلك يبدون ملاحظات مختلفة على إشارتهم وحركاتهم، وأصواتهم وعلى ألفاظهم وأقوالهم وأساليبهم، وعلى براهينهم وأدلتهم وأقيستهم، وعللهم وما يداخل ذلك كله من فلتات خطأ وسقطات وهم، وبذلك كانوا أول من وضع قواعد البيان العربي، وقد أخذوا أثناء هذا الوضع يحاولون الاطلاع على ما عند الأجانب من هذه القواعد، يقول الجاحظ في بيانه: "قيل للفارسي: ما البلاغة؟ قال معرفة الفصل من الوصل، وقيل لليوناني: ما البلاغة؟ قال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام، وقيل للرومي: ما البلاغة؟ قال: حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة يوم الإطالة، وقيل للهندي: ما البلاغة؟ قال: وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة، وقال بعض أهل الهند: جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة، ثم قال: ومن البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها، إذا كان الإفصاح أوعر طريقة، وربما؟؟؟ الإضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك وأحق بالظفر"(31). ويقول الجاحظ: إن معمرا المتكلم قال لبهلة الهندي: ما البلاغة عند أهل الهند؟ قال بهلة: عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة، ولكن لا أحسن ترجمتها، ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها، وتلخيص لطائف معانيها، ويلقى معمر بالصحيفة التراجمة فإذا فيها: "أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة، ويكون في قواه فضل التصرف في كل طبقة.. وممن قد تعود حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ وقد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة، والمبالغة لا على جهة الاعتراض والتصفح، وعلى وجه الاستطراف والتطرف.. ويكون لفظه مونقا، ولهول ذلك المقامات معاودا. ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم، وللحمل عليهم على أقدار منازلهم"(32).
ومعنى ذلك كله أن المتكلمين لم يكتفوا بملاحظاتهم الشخصية في بلاغة الكلام، بل طلبوا ما عند الأجانب، ويلح الجاحظ وغيره منهم على فكرة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وهي صريحة في الصحيفة الهندية، وأغلب الظن أنها تسربت إليهم أيضا في بعض ما ترجم لأفلاطون من محاورات، أو لأرسطاطاليس من كلام في الخطابة، وربما سمعوها من المسيحيين السريان الذين كانوا يكثرون من جدالهم، ويحدثنا الجاحظ أن بشر بن المعتمر مر بإبراهيم بن جبلة، وهو يعلم بعض الفتيان الخطابة، فدفع إليه بصحيفة من تحبيره(33)، تجمع قواعد البلاغة، وكيف يحسن الخطيب في خطابته، متحاشيا التوعر وجالبا الألفاظ التي تروق السامع، وقد بنيت الصحيفة على فكرة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وأن واجب الخطيب أن يلائم بين موضوعه ومعانيه، وبين ظروف السامعين، فإن إحراز المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال، فلا يكلم الخاصة بكلام العامة ولا العامة بكلام الخاصة، بل يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها أقدار المستمعين وأقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلامًا يلائمها، حتى تفهم عنه، وحتى يصل إلى ما يريد من استحالتها بلطف مداخله وعذوبة ألفاظه.
ونفذوا في أثناء هذه الوصايا إلى وضع كثير من المصطلحات البيان العربي، ومن يرجع إلى الحيوان والبيان، والتبيين يجد اصطلاحات التشبيه، والحقيقة، والمجاز والاستعارة والكناية والالتفات، وحسن الخروج والاعتراض، وتأكيد المدح بما يشبه الذم والإيجاز والإطناب والاقتباس، كل ذلك يدور فيهما، وقد وقف الجاحظ طويلا في فاتحة البيان عند فصاحة الألفاظ، وتنافر الحروف وصنوف اللثغة فيها، فإذا قلنا: إن هذه البيئة هي التي وضعت قواعد البلاغة، والفصاحة لم نكن مبالغين، وإذا قلنا أيضا: إن هذه البيئة هي التي أتاحت للغة العربية مرونة الأساليب على أداء المعاني الدقيقة لم نكن مغالين، بل إننا نقول: إنها هي التي وضعت نماذج التعبير العباسي البليغ، فقد كانت تنفي الألفاظ المتوعرة الوحشية عن كلامها، كما كانت تنفي الساقط السوقي، فاختارت بذلك لغة متوسطة تقوم على الألفاظ الرشيقة ذات المخارج السهلة، كما تقوم على ضرب من التلاؤم الموسيقي هو نفسه الذي لاحظناه قبلا عند أسلافها من وعاظ العصر الأموي، والذي يكسو الكلام كسوة الازدواج، والترادف الصوتي البديع.
وكان كبار الأدباء في القرن الثاني جميعه يتخذون هذا الأسلوب الفصيح الوسط إمامهم ومثلهم، سواء أكانوا مترجمين مثل ابن المقفع، أم مدبجين لرسائل أدبية طريفة مثل سهل بن هرون، وقد بلغ القمة التي كانت تنتظره عند الجاحظ المتكلم، وهو أسلوب كان يوازن دقيقة بين طرافة المعاني، وإثارة الجمال في نفس القارئ والسامع، ولكن بدون كد ومجاهدة، ولذلك نسلك أصحابه في مذهب الصنعة، فهم لا يبالغون في تكلفهم، ولا يستدعون الألفاظ من بعيد، ولا يدققون فيها كل التدقيق، ولا يصفونها كل التصفية.
وبينما كان هذا المذهب قائما عند المتكلمين، وكبار الأدباء، والمترجمين كانت طلائع مذهب ثان من التصنيع، والتجميل تأخذ طريقها في بيئة الكتاب الرسميين من أصحاب الدواوين، فقد أخذوا يهذبون لغة رسائلهم السياسية غاية التهذيب، وما زالوا يبالغون في أناقة تعبيرهم، ودقة أذواقهم، حتى انفصلوا انفصالا تاما عن أسلوب الازدواج إلى أسلوب كله قطع زخرفية أنيقة، أو بعبارة أخرى أسلوب كله سجع وتنميق، وسنعرض لهذا المذهب في موضع آخر، أما الآن فنعني بأهم من نموا مذهب الصنعة في العصر العباسي بتأثير الثقافات الأجنبية الدخيلة، وهم ابن المقفع وسهل بن هارون والجاحظ، وكان أولهم مترجما، أم سهل والجاحظ فكان أديبين يعنيان بكتابة الرسائل والكتب الأدبية، ولعلهما من أجل ذلك كانا يهتمان بفنهما تجويد أساليبهما أكثر من اهتمام ابن المقفع، إذ كان اهتمامه ينصب غالبا على ما يترجمه ونقل معانيه، لا على طريقة الأداء والتحبير فيه.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- انظر الفصل الخاص بهذه النزعة في الجزء الأول من ضحى الإسلام.                                               2- الفهرست ص79-80، وراجع ترجمته في إنباه الرواة 3/ 276.
3- انظر طبقات النحويين، واللغويين للزبيدي "طبعة الخانجي" ص193.
4-الفهرست ص 145، ومعجم الأدباء 19/ 309.
5-الأغاني "طبع الساسي" 12/ 150، والفهرست 153.
6- انظر هذه الرسالة في كتاب رسائل البلغاء نشر كرد على.
7- انظر في ذلك الفصل الخاص بالثقافة الفارسية في الجزء الأول من ضحى الإسلام .                      8- انظر في النقلة من الفارسية إلى العربية الفهرست 341، وما بعدها.

9- راجع التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية لعبد الرحمن بدوي ص101،وما بعدها.
10- انظر الفصل الخاص بهذه الثقافة في الجزء الأول من ضحى الإسلام.

11-البيان والتبيين 1/ 92، وانظر زهر الآداب 1/ 95.
12- انظر الفصل الخاص بهذه الثقافة في الجزء الأول من ضحى الإسلام.

13- انظر في خطبهم عيون الأخبار 2/ 251، والعقد الفريد 4/ 97، وراجع البيان والتبيين 1/ 331.
14-مروج الذهب للمسعودي "طبعة باريس" 8/ 2.
15- الفرج بعد الشدة للتنوخي 2/ 20.
16-البيان والتبيين 2/ 198.
17- عيون الأخبار 2/ 337، والعقد الفريد 3/ 164، وزهر الآداب 1/ 94.
18- العقد الفريد 3/ 163، وعيون الأخبار 2/ 338.
19- عيون الأخبار 2/ 333، والعقد الفريد 3/ 158.
20- العقد الفريد 3/ 164.

21- انظر في هؤلاء القصاص البيان والتبيين 1/ 368، وما بعدها.
22-الحيوان 2/ 143.

23- الحيوان 1/ 42.
24- الحيوان 1/ 85.

25- الحيوان 4/ 206.
26- الحيوان 2/ 229.
27- الحيوان 3/ 60.
28- الحيوان 6/ 25، وما بعدها.

29-البيان والتبيين 1/ 139.
30- البيان والتبيين 1/ 111.

31- البيان والتبيين 1/ 88.

32- البيان والتبيين 1/ 92.
33- البيان والتبيين 1/ 135، وما بعدها.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.