أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2017
2615
التاريخ: 1-11-2017
2848
التاريخ: 16-5-2022
2478
التاريخ: 18-8-2021
2572
|
إن طلب الدين يعتبر من الرغبات الفطرية للإنسان ، وهو رغبة تصحو في أعماق الإنسان عند البلوغ، شأنها شأن الكثير من الرغبات الفطرية التي تكمن في أعماقه . وللشاب رغبة ماسة وطبيعية في فهم شؤون الدين ، فتراه يصغي بكل أحاسيسه وبملء إرادته إلى الخطب والمواعظ الدينية .
عندما خرج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) شاهراً دعوته بين الناس في مكة ، دبت فورة عظيمة بين جيل الشباب ، فتجمعوا بدافع من ميولهم الفطرية حول الرسول (صلى الله عليه وآله) ينهلون من معين أحاديثه الشريفة ، وقد أثار هذا الأمر خلافات شديدة بين الشباب وأسرهم، ودفع بالمشركين إلى الاحتجاج على ذلك عند الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
... فاجتمعت قريش على أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب : إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وأفسد شبانا وفرق جماعتنا(1).
غذاء الروح:
لقد بلغت دعوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أسماع كل الناس من رجال ونساء ، وشيوخ وشباب ، إلا ان الشباب كانوا أكثر تأثراً بهذه الدعوة واندفاعاً لها ، لأن وثوب الحس الديني لديهم خلال مرحلة البلوغ ، جعلهم متعطشين لتعلم فضائل الإيمان والأخلاق، ولهذا كانت كلمات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تنزل في نفوسهم كالماء السلسبيل ، كما أنها كانت بالنسبة لهم بمثابة غذاء للروح ، دون غيرهم من الشيوخ والطاعنين في السن.
فلما أوفد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مصعب بن عمير إلى المدينة ، ليعلم أهلها قراءة القرآن ، وينشر بينهم التعاليم والمعارف الإسلامية ، كان الشباب أول من لبى دعوته، حيث أبدوا رغبة شديدة في تعلم قراءة القرآن واكتساب التعاليم الإسلامية.
وكان مصعب نازلاً على أسعد بن زرارة، وكان يخرج في كل يوم ويطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الإسلام فيجيبه الأحداث(2).
إن الرغبة الطبيعية في الإيمان والأخلاق التي وجدت في أعماق الإنسان بمشيئة الله وقدرته الحكيمة ، والتي تبرز في أوج أزمة البلوغ على شكل وثوب في الحس الديني ، هي أفضل القواعد لتربية جيل الشباب وأكثرها قوة .
وينبغي على المربين الأكفاء، استغلال هذه الرغبة الفطرية والدافع الروحي ، وترتيب برامجهم التربوية على أساسها، بما يكفل بقاءها حية في ضمير الشاب.
إن عمل الشباب وسعيهم لإرضاء رغباتهم الإيمانية والأخلاقية ، يدخل في إطار انقيادهم لقانون الخلقة واتباعهم لنظام التكوين. والتربية التي تكون منسجمة مع نداء الفطرة ، وقائمة على أركان الرغبات والميول الطبيعية ، تكون تربية قوية وثابتة ، تحقق للإنسان هناءه وسعادته.
وهذه الرغبات التي تصحو في ضمير كل إنسان عند البلوغ ، تعتبر ثروة من ثروات الشباب التي لا تقدر ثمن، وتؤدي كل منها دورا كبيراً في تربية جيل الشباب. والمربون الأكفاء هم الذين يستفيدون من جميع هذه الرغبات خير استفادة، ويعملون على هداية وتوجيه كل منها في مسارها السليم. ولكن توجه علماء النفس والتربية ينصب بشكل دقيق على مسألة مهمة، وهي، من أين ينطلقون في تربية الشباب؟ وأي رغبة من الرغبات يضعونها ضمن أولويات برامجهم التربوية ؟
«يقول موريس دبس أستاذ جامعة ستراسبورغ : ثمة فرصة تتوسط المرحلة التي يعي فيها الشاب اليافع قيمته الذاتية، والمرحلة التي يدرك فيها القيم الاجتماعية ، ينبغي الاستفادة منها لتربية الشباب وتعليمهم، واختيار ما من شأنه أن يشمخ بشخصية الشاب ويرفع من معنوياته، من القيم الأخلاقية والإنسانية المتنوعة والكثيرة. ومما لا شك فيه أن نفسية الشاب ستتكيف حسب القيم التي أحاطت به.
وهنا سؤال يطرح نفسه قسراً، أي القيم يجب اختيارها؟، وأيها ينبغي تقديمها على الاخريات؟ ، سؤال أتجنب الإجابة عليه - والكلام مازال للأستاذ موريس دبس - ، لأن الموضوع له صلة مباشرة وعميقة بالمربين»(3) .
أما الدين الإسلامي فقد أجاب بكل صراحة على هذا السؤال ، حيث أكد على ضرورة الاهتمام بالرغبة الدينية وتقديمها على غيرها من الرغبات في البرنامج التربوي الخاص بالشباب . فبالرغم من اهتمام الإسلام بسائر الرغبات الطبيعية لدى الشباب ، والتأكيد على إرضاء كل منها في موقعها الصحيح وبالمقدار السليم ، إلا أنه يقدم الرغبة الدينية على سائر الرغبات الاخرى ، ويبدأ منهاجه التربوي انطلاقاً من إرضاء رغبة المعرفة الفطرية والضمير الأخلاقي.
إن الإسلام بمنهجه الرامي إلى تعزيز روح الإيمان والأخلاق في أعماق الشاب اليافع ، إنما يدفعه نحو الفضيلة وعبادة الله الواحد الأحد ، ويجعله إنساناً بكل ما في الكلمة من معنى ، ويعده إعداداً سليماً ليحيا حياة شريفة كريمة مقرونة بالإيمان الإلهي والسجايا الأخلاقية.
وتبرز هذه الأهمية جلية في خطاب حكيم مسهب وجّهه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأبنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ، وكان شاباً يافعاً ، حدد فيه أسلوبه في التربية ، مبتدئاً منهجه التربوي بإحياء الرغبات الدينية .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : .. .. وان ابتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الإسلام وأحكامه وحلاله وحرامو(4).
إن لتعليم الشاب أحكام الدين وشرائعه ، وكذلك تعزيز روح الإيمان والأخلاق في نفسه، أثرين كبيرين، الأول : إرضاء الحس الديني الفطري لدى الشاب، والثاني: جعل هذا الحس قادراً على كبح سائر الرغبات الطبيعية والغريزية في أعماق الشاب، والحؤول دون تمردها وطغيانها ، وذلك لإنقاذه من الضلالة والانحراف.
قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6].
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن صورة ، وبث في أعماقه رغبة المعرفة وقدرة التمييز بين الخير والشر . ولكن ما يبعث على الأسف أن معظم الناس ينجرفون نحو الرذيلة والانحطاط الخلقي والأخلاقي، بسبب عدم اهتمامهم بنداء الفطرة وإفراطهم في الإذعان لغرائزهم وأهوائهم النفسية، أما الذين يستجيبون لنداء الفطرة ،ويسعون إلى إرضاء رغبتهم الإيمانية والأخلاقية إلى جانب رغباتهم الاخرى، منهم السعداء دون غيرهم.
الرغبة الجامحة:
مع حلول فترة البلوغ ، تصحو رغبة المعرفة والحس الديني في أعماق الشباب ، وتجعلهم يندفعون إلى تعلم المسائل الدينية. وهذه الرغبة الفطرية تكون في سني البلوغ جامحة وقوية، لكنها سرعان ما تخف وتصبح مجرد رغبة عادية بانتهاء هذه المرحلة .
__________________________________
(1) بحار الأنوار ج6، ص343.
(2) أعلام الورى، ص68.
(3) ماذا أعرف؟، البلوع ص121.
(4) نهج البلاغة ، الفيض ، ص905.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|