x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الروح لا هي مذكر ولا هي مؤنث
المؤلف: الشيخ جوادي آملي
المصدر: جمال المرأة وجلالها
الجزء والصفحة: ص250- 255
19-7-2021
9135
خلق الأرواح قبل الأجساد :
ان الذكورة والأنوثة تعود إلى المادة لا إلى الصورة وهي جزء من المصنفات وليس المقومات ، الآن سيثبت بالشواهد القرآنية ان الروح لا هي مذكر ولا هي مؤنث كما مر بالتفصيل في البحوث القرآنية .
الآيات القرآنية التي تتكلم عن روح الإنسان عدة طوائف ، بعض الآيات تبين ان الروح كانت موجودة ثم تعلقت بالبدن ، مثل الآيات التي وردت في خلق آدم أبي البشر عليه السلام . قال تعالى :
{إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 28، 29] هذا دليل على أن الروح كانت موجودة سابقاً وبعد أن وصل البدن إلى نصابه الخاص تعلقت تلك الروح بهذا البدن ـ طبعاً هناك كلام كثير في تعلق موجود مجرد مادي ، وحدوث نوع حقيقي ، وحسب تعبير المرحوم صدر المتألهين إن هذه المسألة هي من أصعب المسائل الفلسفية في كيف ينسجم موجود مجرد وموجود مادي وينتج نوع حقيقي ـ فقسم من الآيات القرآنية تدل على أن الروح كانت موجودة سابقاً ثم تعلقت بالبدن وحصلت على إضافة وإفاضة إشراقية ، والروايات التي وردت في هذا المجال من أنه :
( خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ) (1) .
تؤيد هذا القسم من الآيات .
الروح جسمانية الحدوث :
وهناك طائفة أخرى من الآيات تبين أن الروح تظهر من نشأة الطبيعة والبدن وتنهض أي أن هذا الموجود المادي الذي عبر مراحل وأطواراً يصل إلى مرحلة الروح ، وهذه الطائفة من الآيات تؤيد كون الروح جسمانية الحدوث وروحانية البقاء . في سورة المؤمنون يقول تعالى :
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 12، 14] أي ان الله تعالى بدل ذلك الموجود إلى شيء آخر ، فقوله {ثم أنشأناه خلقاً آخر} أي ليس من سنخ السابقين ، ليس من سنخ التحولات المادية وتطورات المادة وإلا لما قال : {خلقاً آخر} لو كان أمراً مادياً ولو كان قابلاً للشرح والتبيين ، ولو كان في متناول العلوم التجريبية لما قال {ثم أنشأناه خلقاً آخر} أي أوجدنا شيئاً آخر {فتبارك الله أحسن الخالقين} .
في التفسير الترتيبي أشير ضمن البحث إلى أن الآية المباركة {فتبارك الله أحسن الخالقين} هي من الآيات القرآنية المليئة بالمضمون ؛ لأن الإنسان هو {أحسن المخلوقين} ، فالله تعالى هو {أحسن الخالقين} . بعد خلق هذه المجموعة قال الله سبحانه : إنه أحسن الخالقين . عندما نحلل نرى أن الإنسان له بدن مرّ بمراحل تطور مرت بها حيوانات أخرى ، إي إذا كان الكلام هو عن النطفة والعلقة والمضغة والعظام هو {فكسونا العظام لحماً} وتكون الجنين ، فهذه المراحل موجودة لدى الحيوانات الأخرى أيضاً ، في حين أن الله تعالى لم يقل بشأنها {فتبارك الله أحسن الخالقين} . وإذا الكلام هو عن الروح ، فالملائكة لديهم الروح في كمال العصمة والطهارة ، ولكن لم يقل بعد خلق الملائكة {فتبارك الله أحسن الخالقين} ، إذن كون الله تعالى أحسن الخالقين الذي يستلزم كون عمل الله لأحسن المخلوقين لا يتعلق ببدن الإنسان ولا يتعلق بروحه ؛ لأن هذه التطورات البدنية في الإنسان لدى الحيوانات الأخرى أيضاً ، والروح المجردة في الإنسان تتمتع الملائكة بها أيضاً . ما هو مهم هو أن يهبط ذلك الموجود المجرد بدون تجافي وينسجم معه هذا الموجود المادي ويصبح الاثنان معجوناً واحداً باسم (الإنسان) . وهذا الإنسان بتمتعه بالعقل والعلم وتعرضه لهذه العقبات وقطاع الطريق الكثيرين التي تنشأ من نشأة {التراب} و {الطين} و {حمأ مسنون} و {طين لازب} و (صلصال كالفخار} يعبر هذه العقبات الصعاب ويصبح معلم الملائكة ، هذا الإنسان هو أحسن المخلوقين ويعمل عملاً لا يستطيعه أي مخلوق ، لذا يقول الله تعالى بعد خلق مثل هذا المخلوق : {فتبارك الله أحسن الخالقين} .
طبعاً الناس الذين لديهم إخلاد إلى الأرض مع امتلاك هذه الثروات الثمينة ، أولئك { كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179]. والله تعالى لم يمدح نفسه بوصفه (أحسن الخالقين) من أجل خلق أولئك ، كما أن الذين لهم قلوب {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [البقرة: 74] ، لم يقل بشأن خلقهم (فتبارك الله أحسن الخالقين) بل أولئك الذي هم مصداق { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] يتمتعون بهذه المزايا .
ان الآية المباركة من سورة المؤمنين تبين ان الروح نهضت من نشأة الطبيعة ؛ لأن الله تعالى قال إنه أخرج هذا الإنسان وهذا الجنين إلى خلق آخر ، وأعطاه صورة أخرى ، وطبعاً كل تطور يتطلب محركاً ، وكل حركة لها محرك ، وليس ممكناً أن يكمل الشيء الناقص بشكل تلقائي ، نفس الحركة هي كمال أول والهدف كمال ثانٍ ، فلو أراد موجود ناقص أن يتحرك فانه يتطلب محركاً ، وإذا أراد أن ينال هدفاً يتطلب مبدأ غائياً خاصاً يعطيه هذا الكمال .
حدوث الروح بعد خلق الجسم:
في سورة آل عمران المباركة ورد شبيه لهذا التعبير ، أي أن التعبير الموجود في سورة المؤمنين يتعلق حسب الظاهر بنسل آدم ، ولكن في سورة آل عمران ورد شبيه هذا التعبير في مسألة آدم نفسه ، أي ان آدم وابناءه متساوون في هذه الناحية ، حيث تتكامل في البداية مراحل بناء أبدانهم ، ثم تتبدل تلك المرحلة إلى مرحلة الروحانية . قال تعالى :
{نَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] الافراطيون والتفريطيون لديهم رأيان متضادان بشأن المسيح عليه السلام ، وهذه الآية يمكن أن تكون جواباً عليهما رغم ان شأن نزولها هو الرد على الإفراطيين ، الذين قالوا بالألوهية أو التثليث أو أنه ابن الله ، وقد أجاب الله بالجدال الأحسن حيث ذكر تعالى ان العمل الذي قام به بشأن آدم لم يقم به في شأن عيسى ؛لأن عيسى كانت له أم ، ولكن آدم عليه السلام لم تكن له أم ولا أب . فلماذا لم يقولوا كلاماً فارغاً بشأن آدم عليه السلام ، ولم يقولوا انه ابن الله ، وقالوه بشأن المسيح ؟
{ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} .
أي أن خلق آدم كان في مرحلتين ، مرحلة تعود إلى التراب ، ومرحلة إلى {كن فيكون} ، المرحلة التي تعود إلى التراب يمكن ان تكون ذات زمان ـ طويل المدة أو قصير المدة ـ أما بعد التحول والتطور إلى مقام الروحانية التي هي مرحلة التجرد ، عند ذلك ليس للزمان دور في ذلك فليست ذات زمان ، وتسمى هذه المرحلة بـ {كن فيكون} . قال تعالى : إنه خلق آدم من تراب ، أي أن بناء بدنه شرع من التراب ، ثم قال لأدم {كن فيكون} أي ان التعبير {كن فيكون} هو حين إفاضة الروح ، هذا التعبير يفسره ما ورد في نهج البلاغة من أن كلام الله ليس حروفاً:
( يقول لمن أراد كونه ، كن ، فيكون ، لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله) (2) كلام الله فعل ، لذا جميع العالم الذي هو عمل الله ، هو كلمات إلهية ، عندما يريد الله تعالى أن يأمر السحاب بالمطر يمطرها ، لا أن يقول : أمطري ، كلمة (كن فيكون) ، هي عبارة عن ( الايجاد والوجود ) .
على أساس هذا الكلام ، فان الروح رغم انها حسب ظاهر الآيات من القسم الثاني ، وأن لها سابقة مادية ، ولكن في الدهليز الانتقالي من نشأة المادة إلى التجرد تبعد عنها العلامات المادية ، وعندما لا تكون معها علامات مادية ، عند ذلك لا مجال للكلام عن الذكورة والأنوثة ، يمكن ان يكون البدن مذكراً أو مؤنثاً ، من أجل الوصول إلى نصابه ، ولكن عندما يصل في ظل الحركة الجوهرية إلى مقام الدخول إلى مرحلة الوجود الرفيعة ـ طبعاً بنحو التجلي وليس بنحو التجافي ـ عند ذلك ليس الكلام عن الذكورة والأنوثة ، رغم ان إدراك انخفاض الروح إلى عالم الطبيعة والانسجام مع الموجود الطبيعي من جهة وارتقاء هذه المجموعة إلى مقام ( النفس ) ليس أمراً سهلاً .
______________
(1) بحار الأنوار ، ج 61 ، ص 132.
(2) نهج البلاغة ، الخطبة 186.