أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-28
1004
التاريخ: 30-11-2021
3022
التاريخ: 25-3-2017
7975
التاريخ: 14-3-2021
4362
|
نتناول في هذه الموضوع طرق الطعن والآثار المترتبة على قرار الإبعاد وكما يلي:
الفرع الاول
طرق الطعن والاعتراض
إن حرية تنقل وإقامة الأجانب من الحريات الأساسية التي حرصت مختلف المواثيق والاتفاقيات الدولية على ضمان ممارستها، كما أن المشرع العراقي نص عليها في مختلف القوانين التي عرفتها النصوص القانونية العراقية، لكن هذه الحرية لا تمارس بشكل مطلق بل هي مقيدة ومضبوطة وفق أحكام ونصوص تراعي حسن ممارستها من جهة والحفاظ على الأمن العام للدولة وأسرارها وحماية أفرادها من جهة أخرى، حيث يتسنى للدولة أن تقوم بطرد و إبعاد أي أجنبي غير مرغوب فيه أخل بالنظام العام الآداب العامة أو هدد أمنها واستقرارها .
فالقانون المصري والفرنسي حدد تلك الطرق من حيث مدة الطعن أو جهة الاعتراض، والبعض الآخر من القوانين لم يحددها كالقانون العراقي، رغم استقرار المبدأ على اعتبار قرارات الإبعاد من القرارات الادارية التي يجوز الطعن فيها، وليس من السيادة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن أن تثار مسؤولية الدولة في حال قيامها رواد الفردي التعسفي أو الإبعاد الجماعي ذا الطابع السياسي أو العنصري.
للحديث عن طرق الطعن والاعتراض على القرارات المرتبطة بإبعاد الأجنبي سنقسم هذا الفرع إلى ثلاث فقرات وعلى النحو الآتي:
أولًا - طرق الطعن و الاعتراض في القانون المصري
عبرت الأحكام الصادرة عن قضاء مجلس الدولة المصري وقضاء المحكمة الإدارية العليا عن سلطة وزير الداخلية المصري التقديرية والتي لا يحدها إلا مخالفة القانون أو عدم التعسف في استخدام السلطة فقضت بأنه " لا جدال في حق الدولة بإبعاد الأجانب بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من مخالفة القانون أو اساءة استعمال السلطة كما أن سلطتها في إبعاد الأجانب ذوي الإقامة المؤقتة سلطة مطلقة تمارسها تحقيقا للمصلحة العامة بأوسع معانيها، فيكفي أن تحقق في الأجنبي من ذوي الإقامة المؤقتة الحالة التي تجعله غير مرغوب فيه ليقوم المقتضى إبعاد خارج البلاد بناء على حق الدولة الأصيل في عدم الإبقاء على الأجنبي الذي ترى في وجوده ما يضر بأمنها أو ينال من مصالحها على أي وجه من الوجوه " ، كما أكدت المحكمة الاتحادية العليا على نفس الاتجاه حينما قضت بأن " قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن جهة تقع في ممارسة الابعاد بالنسبة إلى أصحاب الإقامة المؤقتة بسلطة تقديرية واسعة لا يحد ويقينها إلا أن يصدر قرارها بالأبعاد لأصحاب هذا النوع من الإقامة دون أن يكون مشوبا يتعسف في استعمال السلطة أو الانحراف عنها " (1).
ثانيا - طرق الطعن والاعتراض في القانون الفرنسي
إن إجراءات إبعاد الاجانب في الأحوال العادية في القانون الفرنسي من تشكيل اللجنة الخاصة وإعلام الأجنبي بقرار الأبعاد وضرورة أن يكون قرار الإبعاد مسببا تمثل في ذات الوقت ضمانات قانونية للأجنبي من عدم صدور قرار مجحف بإبعاده، وفي حالة صدور قرار اللجنة بالإبعاد يمكن للأجنبي الطعن في القرار خلال ثمانية أيام يجوز له فيها أن يتقدم إلى الادارة الخاصة بالأجانب في مركز الأجانب في مركز الولاية أو المحافظة التي يقيم فيها، بالطعن في قرار إبعاده، أمام لجنة خاصة ومختصة بالاستشارة في تقدير أسباب الإبعاد (2). وتتألف هذه اللجنة التي تجتمع في مركز الولاية أو المحافظة من رئيس المحكمة الكبرى مسؤول إدارة الأجانب فيها ومستشار الولاية أو موظف يعينه وزير الداخلية الفرنسي، يستطيع الأجنبي الذي صدر بحقه قرار الأبعاد أن يتقدم بنفسه أمام اللجنة، إلا أن رأي اللجنة مع ذلك يبقي استشاري، يجوز لوزير الداخلية أن يأخذ به أو لا، بحيث يمكنه التمسك بقرار الإبعاد أو يعدل عنه، وبإمكان الأجنبي المبعد أن يتعرف على أسباب ابعاده ويتم تحرير محضر بالشرح الذي يدلي به الأجنبي المبعد، ويرسل مع رأي اللجنة إلى وزير الداخلية الفرنسي لاتخاذ قراره النهائي بالموضوع.
واخيرا وبعد صدور قرار الإبعاد فيجب على الأجنبي أن يغادر الأراضي الفرنسي فور صدور قرار الإبعاد والا تعرض لعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
ثالثًا - طرق الطعن والاعتراض في القانون العراقي
لازالت القوانين العراقية الخاصة بالإقامة القديمة منها والحديثة، ترى في الإبعاد عملًا من أعمال السيادة، رغم أن الفقه الحديث يرى انه عمل من أعمال الإدارة التي تخضع فيها السلطة التنفيذية الرقابة القضاء، فلم يبين قانون الإقامة الملغي رقم 118 لسنة 1978 وقانون الإقامة النافذ رقم 76 لسنة 2017 الطريقة التي يمكن فيها للأجنبي المقيم في العراق أن يطعن بقرار الإبعاد الذي صدر بحقه، سواء أكان هذا الطعن أم الاعتراض قضائيًا أم إداريًا ، إلا أن خلو القوانين الخاصة بإقامة الأجانب من طرق الطعن لا يمنع المحاكم من نظر منازعات الإبعاد، ويمكن للمحاكم المدنية باعتبارها صاحبة الولاية العامة على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية، الخاصة والعامة، إلا ما استثنى منها بنص خاص أن تنظر بصحة القرار المتخذ من السلطة الإدارية (3).
تستند المحاكم المدنية إلى نص المادة التاسعة والعشرين من قانون المرافعات رقم 83 لسنة 1969 بسريان ولايتها على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة، فعلى الرغم من اتجاه المشرع العراقي في اعتبار قرار الابعاد عملًا . من أعمال السيادة بحيث تكون للدولة فيه سلطة واسعة غير محدودة في تقدير اصداره ولا يقبل الطعن فيه ، ومن ثم فإنه لا يخضع لرقابة القضاء وهذا ما لا يجوز التسليم به في الوقت الحاضر في ظل دستور جمهورية العراق لعام 2005 والذي حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن (4)، مما تبرز معه الحاجة إلى إعادة النظر في اعتبار قرارات الإبعاد قرارات إدارية بدلا من اعتبارها قرارات سيادية، وجدير بالذكر أن الإبعاد كإجراء يتخذ تجاه الأجنبي الذي يشكل وجوده تهديدا للأمن الداخلي لمخالفته القوانين الداخلية يختلف عن الأجنبي الذي ارتكب جرائم خارج العراق ودخل العراق وأقام فيه بصورة مشروعة.
ففي هذه الحالة ينبغي على السلطة العامة في البلد تسليمه إلى الدولة التي ارتكب فيها جريمته تنفيذا للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تقضي بتسليم المجرمين، أو لتنفيذ حكم قضائي أصدرته الدولة التي ارتكب الأجنبي جريمته فيها، إلا أن قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي المرقم 23 لسنة 1971 اشترط في الفقرة أ من المادة 358 في تسليم المجرمين أن يكون الأجنبي متهم بارتكاب جريمة وقعت داخل ارض الدولة طالبة التسليم أو خارجها، وكانت قوانين الدولة الطالبة والقوانين العراقية تعاقب عليها بالسجن أو الحبس مدة لا تقل عن سنتين أو أية عقوبة أشد، أما المادة 358 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أعلاه فلم تجز التسليم إذا كان الشخص المطلوب عراقي الجنسية، أو إذا كان الشخص المطلوب تسليمه رهن التحقيق أو المحاكمة عن نفس الجريمة أو كان قد صدر فيها حكم بإدانته أو براءته أو قرار بالأفراج عنه أو من قاضي التحقيق أو كانت الدعوى الجزائية قد انقضت وفقًا لأحكام القانون العراقي أو قانون الدولة طالبة التسليم، أو إذا كانت الجريمة مما تجوز المحاكمة عنها أمام المحاكم العراقية، رغم وقوعها في الخارج، أو إذا كانت الجريمة سياسية أو عسكرية وفقا للقوانين العراقية فلا يجوز تسليم الشخص المتهم بارتكابها إلى الدولة طالبة التسليم.
خلاصة ما تقدم فأن فيما يخص دخول الأجانب يظهر جليا إن حرية الأجنبي في السفر ودخول أراضي الدول المضيفة، سواء في القوانين المقارنة أم في قانون الإقامة العراقي النافذ ليس مطلقًا، وإنما مقيدًا بالحصول على جواز سفر أو وثيقة سفر نافذة، والحصول على تأشيرة دخول أو سمة دخول وفق القيود والتنظيمات التي تقوم بوضعها كل دولة على ضوء مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وإذا كانت القاعدة أن تلتزم الدول بمنح رعاياها جواز السفر حصرا، فإن ضرورات التعامل الدولي اتاح في حالات معينة لتلك الدول منح فئات معينة وثائق سفر تقوم مقام الجواز، وقد أخذ المشرع العراقي بالاتجاه المقيد استنادا لأحكام قانون الجوازات النافذ، وقانون أقامه الأجانب رقم (76) لسنة 2017 .
فيما يخص إقامة الأجانب تتنوع صور الإقامة بحسب تنوع جواز السفر، والعلاقة التي تربط الأجنبي مع مجتمع الدولة المضيفة من إقامة عادية إلى إقامة خاصة ومن إقامة مؤقتة إلى دائمية، سواء في فرنسا أم في جمهورية مصر العربية، وكذلك سار المشرع العراقي على تعدد صور الإقامة بحسب الجواز وتأشيرة الدخول، وقد أخذ بنظر الاعتبار العلاقات التي تربط المقيم مع المجتمع العراقي، فتنوعت الإقامة بين إقامة عادية وأخرى خاصة.
يمكن للدولة بعد قبول دخول الأشخاص الأجانب إلى إقليمها أن تقوم بإبعادهم، كما هو الحال وجمهورية مصر العربية مع اختلاف المصطلحات ففي فرنسا هناك صورتين هما الإبعاد والترحيل، بينما نص المشرع المصري على الابعاد فقط، أما المشرع العراقي قد نظم مسالة إبعاد الأجنبي الذي دخل العراق بصورة مشروعة في حالة عدم توافر الشروط القانونية التي حددتها المادة (8) من قانون إقامة الأجانب رقم (76) لسنة 2017 .
الفرع الثاني
الآثار المترتبة على تنفيذ قرار ابعاد الاجنبي
يترتب على تنفيذ قرار ابعاد الأجنبي إلى خارج حدود الدولة العراقية عن نتائج محتملة بحرمانه من الحقوق والامتيازات ، وهذا ما سنبحثه في الفقرة الأولى أما الفقرة الثاني فسوف تكون لما يترتب على مخالفة قواعد الإبعاد وعلى النحو الآتي:
أولا: حرمان الأجنبي من الحقوق والامتيازات
1- يحرم الأجنبي المبعد من عدد من الحقوق المترتبة من اقامته في اقليم الدولة العراقية فالأجنبي يكتسب عند اقامته في اقليم الدولة بعض الحقوق سواء أكانت عامة أم خاصة يفقدها عند إبعاده عن الإقليم العراقي ، فلا يستطيع الانتفاع من المرافق العامة أو التصرف بأي تصرف قانوني أو حق التملك أو العمل داخل العراق وغيرها من الحقوق. أما الالتزامات التي يرتبط بها الأجنبي أثناء إقامته داخل اقليم الدولة فأنه يعفى منها لاستحالة تنفيذها من قبله، كالتزامه قبل أفراد معينين أو قبل الدولة بالقيام بعمل معين فأن هذا الالتزام يلغي ولا يلقى على عاتق هذا الأجنبي. كذلك الأمر بالنسبة إلى العقود التي تبرم بين هذا الأجنبي وشخص آخر وترتب له بعض الحقوق فأنها تلغي وتنتهي بمجرد ابعاده عن أقليم الدولة، فلا يمكن التمتع بهذه الحقوق لضرورة تنفيذ قرار الابعاد من قبل السلطات المختصة والذي فرض لأغراض وغايات مهمة هي حماية أمن وسلامة الدولة ومصلحة المجتمع العراقي. ويحرم الأجنبي من الحقوق نتيجة لمنعه من الدخول إلى الأراضي العراقية وعدم قبول دخوله مرة أخرى إلى تلك الأراضي ووضعه على قوائم المنع الموجودة في المنافذ الحدودية إلا إذا أصدر وزير الداخلية قراره برفع المنع عن ذلك الأجنبي (5).
2- انتهاء الإقامة المشروعة للأجنبي المبعد
تنتهي إقامة الأجنبي الذي صدر قرار بإبعاده عن الإقليم العراقي عند تنفيذ القرار باعتبار ذلك هو الأثر المباشر لإبعاده، فالإقامة يمكن أن تنتهي برغبة الشخص إذا غادر إقليم الدولة وقد تنتهي جبرا من دون إرادته عندما يتم ابعاده عن ذلك الاقليم، ويتم ذلك إذا غادر العراق بمبادرة منه وبوسائله، أو يتم إبعاده قسرًا من سلطات الدولة إذا قام بأي عمل يهدد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي.
إقامة الأجنبي في إقليم الدولة يجب أن تكون إقامة مشروعة ومتواصلة، فأي قطع لهذه المدة يعد قطع الإقامة، ومن تم إبعاد هذا الأجنبي عن الإقليم العراقي يعد قطع لتلك الإقامة حتى لو كان لهذا الأجنبي مدة سابقة عن تنفيذ قرار الإبعاد، لا سيما أن هذا الأجنبي لا يستطيع بعد تنفيذ قرار الإبعاد العودة مرة أخرى إلى العراق ويسجل بقوائم الممنوعين.
يترتب على قرار الإبعاد سحب بطاقة الإقامة الممنوحة لهذا الأجنبي أو هوية العمل، ويزود بدل هذه الوثائق ما يدل على أنه منح مدة محددة لغرض إبعاده عن إقليم الدولة ومغادرته سواء حبس لهذا الغرض أم لم يحبس، فإن كان محبوسًا فإن الادارة تقوم بسحب تلك الوثائق وتنفيذ قرار الإبعاد (6)
يمكن أن يكون الشخص الأجنبي المبعد عن الإقليم العراقي متوطنا في ذلك الإقليم، فأبعاده يعني فقدانه لموطنه هذا، فالموطن يكتسبه الشخص بعد توافر الركنين المادي والمعنوي، أما الركن المادي فهو المكان الذي يقيم ويسكن به الشخص فترة معينة من الزمن سواء أكانت إقامته في ذلك المكان إقامة دائمة أم مؤقتة، وان طول هذه المدة لا تعني بالضرورة أن تكون هذه الدولة موطنا له (7)، وإن الركن المعنوي للموطن، تعني نية استقرار ذلك الشخص في المكان الذي يقيم به، ويشترط أن تكون تلك النية حدثت بإرادة الشخص نفسه من دون أن تفرض عليه، فإن فرضت عليه فإن نية الاستقرار تكون غير متوافرة (8) ، ويمكن استنباط هذه النية من خلال عدد من الوقائع المتمثلة بدفعه للضرائب في الدولة أو ممارسة بعض الحقوق السياسية أو شراء دار أو سكن أو مكان للدفن أو ممارسة الشخص لعمل أو مهنة معينة (9) إن إبعاد الشخص الأجنبي من الإقليم العراقي يؤدي إلى فقدان ذلك الشخص لموطنه العراقي ولا يستطيع الأخير العودة إليه والإقامة مرة أخرى.
تستطيع الدولة أن تمنع ذلك الشخص من الدخول مرة أخرى بوصفه يشكل خطرا على أمن الدولة وسلامتها، وعليه فإن مدة الإقامة السابقة للأجنبي تنقطع. ويمكن للأجنبي العودة إلى الإقليم العراقي إذا سمح له وزير الداخلية ورفع المانع الذي بسببه أبعد من الأراضي العراقية ويرفع اسمه من قوائم الممنوعين من دخول البلاد ويستطيع هذا الأجنبي من استرداد موطنه مرة أخرى من خلال توافر الركن المادي المتمثل بالإقامة والركن المعنوي المتمثل بنية الاستقرار، أما إذا لم تتم موافقة الوزير من رفع اسم الموما إليه من قوائم المنع فإن الأجنبي يظل ممنوعا من دخول الأراضي العراقية ويحرم من استرداد موطنه مرة أخرى.
والسؤال المطروح هنا إذا أصدرت الإدارة قراراها بإبعاد الأجنبي ومن ثم رجعت الإدارة عن قرارها، أو يتم الطعن بقرار الإبعاد أمام القضاء كما أوضحنا سابقًا باعتبار ذلك من الضمانات المهمة للأجنبي، فهل أن مدة الإقامة تنقطع وتبدأ مدة جديدة، أو تستمر مدة الإقامة وتضاف إليها مدة جديدة؟
بعض الفقه أشار إلى أن قرار الإبعاد المتخذ من قبل الادارة أدى إلى قطع مدة الإقامة السابقة وبدأ مدة جديدة ويكون أثر القرار ملغية بالنسبة للمستقبل، فالقرار الصادر بإلغاء قرار الإبعاد الأول لا يؤثر عليه والذي يبقى قائما حتى تاريخ صدور القرار الثاني، ومن ثم فإن المدة السابقة لا يعتد بها وتبدأ مدة جديدة (10).
يجد الباحث أن القرار الإداري الجديد أو قرار المحكمة الثاني بإلغاء القرار الإداري المتضمن إبعاد الأجنبي يزيل كافة آثار ذلك القرار، ويعد القرار السابق كأنه لم يكن، ومن ثم فإن المدة السابقة لا تعد ملغية وإنما معتبرة وتضاف إليها المدة اللاحقة بعد صدور القرار الثاني، فالقرار الملغي يعد هو والعدم سواء ولا يمكن بأي حال العمل بأي أثر من آثاره إذا تم اعتباره باطل.
تظهر أهمية هذا الموضوع من خلال حالات اكتساب الجنسية العراقية، ومنها حالة الإقامة الطويلة المشروعة للأجنبي لمدة عشرة سنين مستمرة (11) ، فإبعاد الأجنبي عن الأراضي العراقية يعد قاطعة لتلك المدة، وفي حالة رجوعه مرة للعراق بعد موافقة الوزير تبدأ أخرى عشرة سنوات اخرى جديدة حتى يستطيع اكتساب الجنسية العراقية.
كذلك الحال بالنسبة إلى اكتساب الأجنبي للجنسية العراقية بزواجه من عراقية أو اكتساب الأجنبية لتلك الجنسية بزواجها من عراقي، فقد اشترط القانون العراقي لاكتساب الجنسية العراقية في الحالتين أن تكون الأجنبية مقيمة إقامة مشروعة لمدة خمس سنوات متواصلة مع استمرار الزوجية(8)، ومن تم وإذا قطعت إقامة هذا الأجنبي بإبعاده عن الأراضي العراقية ثم السماح له بالعودة إلى العراق فإن هناك مدة جديدة للإقامة تبدأ من جديد مع استمرار الزوجية، وكذلك الحال بالنسبة للولادة المضاعفة فإذا أبعد الابن المولود في العراق منه بعد أن تتقدم بطلب للحصول على الجنسية العراقية ونقض قرار الإبعاد أو تراجعت الإدارة عنه، فإن طلبه بالحصول على الجنسية استنادا إلى قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 (12) يظل قائما ويتم الاعتداد بمدة إقامته السابقة على قرار الإبعاد إذ اشترط المشرع العراقي أن يكون الولد مقيما إقامة معتادة عند تقديم طلبه للحصول على الجنسية العراقية، فقرار الإبعاد الملغي لا ينتج أي أثر، ومدة الإقامة سواء في حالة الإقامة الطويلة المشروعة أم في حالة الزواج من أجنبي لا بد من استمرارها وعدم انقطاعها من دون عذر مشروع، فإن انقطعت تلك المدة لسبب مشروع كأن يسافر الأجنبي خارج العراق لغرض الدراسة أو العلاج فإن المدة السابقة تبقى معتبرة بعد عودة الأجنبي، أما إذا غادر العراق بإرادته من دون عذر مشروع أو تم إبعاده بقرار من الإدارة إذا كان وجوده يخل بالأمن والمصلحة العامة فإن المدة تتقطع وفي حالة عودته مرة أخرى للعراق تبدأ مدة جديدة. وتبدأ مدة قطع الإقامة المشروعة عند تنفيذ قرار الإبعاد بالفعل، فقد يتم تأجيل تنفيذ قرار الإبعاد أو الغائه وهذا يعني أن الإقامة لم تنقطع وتبقى مستمرة، لأن الشخص يبقى مقيما في العراق، ولا يترك الإقليم العراقي على الرغم من صدور قرار بإبعاده (13).
قد صدرت التعليمات رقم (1) لسنة 1980 والخاصة بتسهيل تنفيذ المسائل المتعلقة بقانون إقامة الأجانب رقم 118 لسنة 1978 وإحلال رئيس جهاز المخابرات محل وزير الداخلية، ويتمتع رئيس المخابرات العامة بسلطة تنظيم دخول الأجانب للعراق ووضع أسمائهم بقوائم الممنوعين ورفع تلك الأسماء من تلك القوائم (14) . لكن السؤال المطروح هل أن منع الدخول محدد المدة أم مفتوح المدة؟ نرى أن نص القانون العراقي جاء مطلقا ولم يحدد مدة معينة لمنع الدخول، ولا يرفع المنع إلا بعد صدور قرار من وزير الداخلية بذلك. حسنًا فعل المشرع العراقي بخصوص ذلك لأن تحديد المدة يؤدي إلى رفع المنع عن الشخص الأجنبي بمضي المدة على الرغم من وجود أسباب المنع، فلا بد من ترك الحرية والسلطة للإدارة بتقدير كل حالة بحالتها عند تقديم طلب من الأجنبي المبعد برفع المنع عنه عندما يروم دخول الأراضي العراقية، وتقوم الإدارة بدراسة ملف الأجنبي الذي سبق إبعاده، وهل أن أسباب الإبعاد ما زالت موجودة لديه أم أنها انتفت وتصدر قرارها في ضوء ذلك.
وعلى الرغم من ذلك أشار بعض الفقهاء أنه في ظروف معينة تقرر إبعاد الأجنبي ووضعه في قوائم معينة لا بد من تحديد فترة محددة بعدها ينتهي المنع بعد انتهاء تلك المدة، إذا كانت أسباب المنع تتعلق بالآداب العامة، أما الأسباب الأخرى فيترك تقدير الأمر للإدارة برفع المنع من عدمه عن الأجنبي (15).
إلا أن الباحث يعتقد خلاف هذا الرأي وترك الأمر برمته للإدارة من دون تحديد أي مدة لرفع المنع(16)، لأن رفع المنع يتم بتقديم الأجنبي الممنوع من دخول الأراضي العراقية طلبا للسلطات المختصة يطلب فيه رفع المنع عنه والسماح له بالدخول، وتقوم الإدارة بدراسة كل طلب على حدة وتحدد في ما إذا كانت أسباب المنع باقية أو زالت سواء أكانت أسباب المنع أمنية أم اجتماعية أم صحية أم اقتصادية، فإن زالت تصدر الادارة قراراها برفع المنع من عدمه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل أن قرار الإدارة برفض طلب الأجنبي برفع اسمه من قوائم الممنوعين للدخول إلى أراضي جمهورية العراق يمكن الطعن به أو لا؟
إن المشرع لم يبين ذلك انسجاما مع موقفه السابق بعدم الطعن بقرارات الإدارة المتعلقة بالإبعاد، ويجد الباحث أنه لتوفير ضمانة مهمة للأجانب لا بد لهم من السماح بالطعن بقرار الإدارة القاضي برفع اسم الأجنبي من قوائم المنع تماشيا مع نصت المادة (100) من الدستور العراقي لسنة 2005 ، على أساس أن الإدارة قد تتعسف باستعمال سلطتها التقديرية بعدم رفع اسم الأجنبي من قوائم الممنوعين على الرغم من انتفاء الأسباب التي أدت إلى فرض قرار المنع.
ثانيا- مخالفة قرار الإبعاد
إذا تقرر إبعاد الأجنبي عن أراضي جمهورية العراق، فلا يمكن من العودة إلى العراق مرة أخرى إلا بعد صدور قرار من وزير الداخلية أو مدير الإقامة أو الموظف المخول بذلك، ويتم رفع اسمه من قوائم المنع من دخول أراضي جمهورية العراق.
أما إذا صدر قرار بإبعاد الأجنبي عن أراضي جمهورية العراق لكن الأجنبي لم ينفذ هذا الإبعاد لظروف وملابسات معينة فما هو الاجراء المتخذ بحقه، وهل يعد مخالفة لنصوص قانون الإقامة من عدمه؟
كما تمت الإشارة سابقًا إلى أن الأجنبي يبعد إلى الدولة التي يحمل جنسيتها وهذا هو الإجراء الغالب لكن أحيانا يكون في هذا الإبعاد ضررًا جسيمًا للأجنبي مما يستحيل معه تنفيذه، ويظل هذا الأجنبي في الإقليم العراقي على الرغم من صدور قرار بإبعاده، كأن يكون هذا الشخص لا يتمتع بأي أوراق أو وثائق أو مستمسكات تساعده بالعودة مرة أخرى إلى دولته أو أي دولة أخرى، أو لا يستطيع الذهاب إلى الدولة التي يحمل جنسيتها لاحتمال تعرضه للاضطهاد بتلك الدولة، فهنا وعلى القاضي الذي تعرض عليه قضية هذا المبعد ان يراعي تلك الأمور ولا يحكم عليه بالعقوبة المفروضة على وفق قانون الإقامة (17) ؛ لوجود قوة قاهرة تمنعه من التنفيذ، وهذا الأمر يرجع تقديره إلى القاضي المختص بالموضوع، واذا رأت السلطات أن ذلك الشخص يشكل خطر على الأمن فلها أن تأمر بحجزه إلى أن تحصل على طلب إحدى الدول لاستقباله.
عليه نجد أن المشرع العراقي أوجب تفرقة غير مبررة بخصوص عقوبة الأجنبي الذي يخالف قرار الإبعاد ففرض على الشخص الذي نفذ قرار الإبعاد بحقه ثم عاد إلى العراق مخالفة ذلك الإبعاد عقوبة هي أشد من العقوبة المفروضة على الأجنبي الذي صدر قرار بإبعاده إلا أنه بقي في الإقليم العراقي، رغم أن الجريمتين متشابهتين، فكان على المشرع أن يوحد الجريمتين ويجعل لها عقوبة مناسبة، من جهة أخرى ينبغي على المشرع العراقي أن ينص في قانون الإقامة على إعفاء الأجنبي من العقوبة في حالة وجود ظروف وقوة قاهرة دفعته لارتكاب الجريمة كما فعلت بعض التشريعات العربية (18) ، وإثبات القوة القاهرة أو الظروف التي منعت الأجنبي من مغادرة البلاد يقع على عاتق هذا الأجنبي، والذي يمكن له الاستعانة بكل طرق الإثبات، وعلى المحكمة التريث بإصدار حكمها بالعقوبة الجنائية حتى تستمع للأدلة المقدمة من قبل الأجنبي، فإن لم يقم بالإثبات عندئذ يمكنها أن تصدر حكمها بالعقوبة.
_________
1- المحكمة الادارية العلياء الحكم الصادر في الطعن رقم 1981 لسنة 1987 تاريخ 1981/2/11
2- المادة الخامسة والعشرون من القرار الصادر عام 1145
3- د. عبد الفتاح داير نظرية اعمال السيادة، ص509.
4- د. عبد الفتاح محمد سراج النظرية العامة لتسليم المجرمين، القاهرة، دار النهضة ، 2003، ص 79
5- المادة (20) من قانون الإقامة رقم 118 لسنة 1978.
6- د. عبد الحميد محمود السامرائي، النظام القانوني لإبعاد الأجانب في القانون العراقي دراسة مقارنه، رسالة ماجستير قدمت إلى مجلس كلية القانون و السياسة بجامعة بغداد، 1981 ، ص 231.
7- د. فؤاد عبد المنعم رياض أصول الجنسية ومركز الأجانب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989 ، ص 272.
8- د. عباس العبودي، شرح أحكام قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 والموطن ومركز الأجانب (دراسة مقارنة) في نطاق القانون الدولي الخاص مكتبة السنهوري، بيروت، 2015 ، ص 218.
9- د. ممدوح عبد الكريم حافظ، ص 165.
10- د. فؤاد عبد المنعم رياض، تطور مركز الأجانب، مقالة منشورة في مجلة القانون والاقتصاد، العدد (2) السنة 43، 1973 ، ص 372.
11- المادة (6) من قانون الجنسية العراقي رقم 26 لسنة 2006.
12- المادة (7)، والمادة (11) من قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006.
13- المادة (5) من قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006.
14- د. عبد الحميد السامرائي، مصدر سابق، ص 239.
15- نشرت هذه التعليمات في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (791) في 25/8/1980.
16- د. عبد الحميد السامرائي، مصدر سابق، ص 243.
17- أشارت بعض القوانين إلى تحديد فترة معينة الأبعاد الأجنبي بانتهائها يمكن له من العودة إلى أراضي الدولة كما هو الحال في المادة الحادية والثلاثين من القانون رقم 89 لسنة 1960 الخاص بدخول وإقامة الأجانب في مصر بالنص (لا) يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة إلى جمهورية مصر العربية إلا بأذن من وزير الداخلية)، وعند صدور قرار الإبعاد يدرج اسم الأجنبي قائمة منع الدخول ويرفع بعد مضيئ ثلاث سنوات من تاريخ الإبعاد وهذا ما أشار إليه قرار وزير الداخلية المصري رقم (2214) لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين اشير لهذا في مؤلف د. محمد الروبي، مركز الأجانب، الجزء الأول، مركز الشخص الطبيعي، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2013 ، ص154
18- المادة (24) ف 2 ، والتي نصت على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد عن مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف احكام المادة الحادي عشر والخاصة بالأجنبي الذي لم يغادر أراضي الجمهورية العراقية على الرغم من إصدار قرار بإبعاده.
19- نص قانون الإقامة التونسي المرقم 7 لسنة 1968 من المادة (26) فيه على " يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات وبالترحيل من البلاد التونسية بعد انتهاء مدة العقوبة كل أجنبي لا يمتثل لقرار الطرد الصادر ضده أو الذي يرجع للبلاد التونسية بدون رخصة بعد طرده منها، ولا تطيق العقوبة المذكورة بالفقرة السابقة أعلاه إذا اثبت أنه استحال من الأجنبي المطرود مغادرة البلاد التونسية " .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|